اخر الاخبار

تنشغل وسائل الإعلام في العالم بالوضع الصحي المتدهور للمعارض الروسي أليكسي نافالني، وغني عن القول إن هذا الاهتمام في جوهره ينطلق من الصراعات الجيوسياسية بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. وقد أدى التركيز على الصرع بين المعسكرين إلى عدم تسليط الضوء على حقيقة الصراع السياسي والاجتماعي داخل روسيا الاتحادية. وحتى أوساط اليسار العالمي لم تسلم من هذه الظاهرة، فمعسكر الجمود الفكري والانشداد إلى الماضي يكيل المديح للنظام السياسي للرئيس بوتين مركزا على مواقفه المناوئة للسياسات الامريكية، وأوساط واسعة من اليسار لا تهتم بمتابعة تفاصيل نضالات اليسار الروسي، انطلاقا من موقف فكري مسبق.

في حوار أجرته معه جريدة الحزب الشيوعي الألماني “انزره تسايت” يقدم ياروسلاف ليستوف، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية، وسكرتير الشبيبة الشيوعية قراءة أكثر موضوعية عن الصراع السياسي والاجتماعي في بلاده، ونشاط الحزب وقوى اليسار، والقمع والملاحقة التي تتعرض لها هذه القوى من حكومة الرئيس بوتين. وعلى الرغم من أن الحوار نشر في 26 آذار الفائت، إلا أن موضوعاته الأساسية مهمة وآنية.

الحركة الاحتجاجية

إن زعامة أليكسي نافالني للحركة الاحتجاجية في جانب كبير منها صناعة إعلامية ولا تعكس الحقيقة. يتمتع نافالني بدعم في موسكو وفي عدد من المدن الكبيرة، ولكن حتى في منطقة موسكو الكبرى، حيث يعيش 17 مليون، فإن إمكانات أنصاره متواضعة للغاية. يشارك 10 – 15 ألف في التجمعات الاحتجاجية، إلى جانب دعاية واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، عالية الكلفة، واوساط من المحتجين لا تخرج تأييدا لنفالي، بل ضد سياسات الحكومة. وللمقارنة شارك في ثلاثة تجمعات دعا اليها الحزب الشيوعي ضد رفع سن التقاعد قرابة نصف مليون مواطن. ونظم أنصار نافالي بشأن هذا الملف تجمع واحد شارك فيه قرابة 60 ألف مواطن.

في الوقت نفسه، نظم الحزب الشيوعي وحلفاؤه فعاليات احتجاجية في جميع انحاء البلاد شارك فيها، وفقًا لتقديرات مختلفة 2-6 مليون مواطن. ونظم أنصار نافالني فعاليات في خمس مدن فقط لم يتجاوز مجموع المشاركين فيها 100 ألف مواطن. لا شك ان هذه المعطيات تعطي صورة أكثر واقعية لشعبية نافالي.

لا يتفق الشيوعيون مع رهن الاحتجاجات بعوامل خارجية. ويرون أن وسائل الإعلام الحكومية والأجنبية لا تتناول الاحتجاجات التي ينظمها الشيوعيون ومنظمات اليسار الأخرى، بالإضافة إلى أن احتجاجات أنصار نافالي تسعى حصريًا إلى تحقيق مصالح سياسية ضيقة، فبدلاً من معالجة قضايا دخل المواطنين، والتغييرات في النظام الاجتماعي لصالح العاملين، يجري التحقيق في فساد الموظفين المدنيين الأفراد، وكأنه أحيانًا نزاع بين (العشائر الحاكمة). وبدلاً من تغيير التشريعات الانتخابية، يطالب أنصار نافالي بتسهيل مشاركة مؤيديهم في الاقتراع. وبدلاً من الدعوة إلى إنهاء الاضطهاد لأسباب سياسية، تجري المطالبة بالحرية لنافالي فقط.

دور اليسار في الاحتجاجات

للشيوعيين وقوى اليسار الأخرى دور مؤثر في الاحتجاجات. وهناك لجنة لإدارة الاحتجاجات، تضم أكثر من 70 منظمة، تعمل على قضايا اجتماعية واقتصادية، من الدفاع عن الأكاديمية الروسية للعلوم، إلى استعادة الرحلات المجانية للطلاب والتلاميذ، إلى مساعدة المواطنين الذين وقعوا ضحية عمليات احتيال، بواسطة شراء شقق قيد الإنشاء، لكنهم لم يستلموا شيئا، وكذلك النضال ضد عمليات إغلاق الشركات. بالإضافة إلى لدفاع عن النشطاء اليساريين المعتقلين أو الملاحقين من قبل الحكومة مثل النائب بيسونوف، الذي حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة وهمية. وملاحقة نواب البرلمانات الإقليمية أو المرشح الرئاسي السابق للحزب الشيوعي بافيل جرودينين ونشطاء الحزب الآخرين. وتحاول الحكومة، توظيف الوباء لوقف الحركة الاحتجاجية للحزب الشيوعي، ويتم اعتقال النشطاء وترهيبهم. لكن النشاط مستمر في جميع المدن، ويجري اعتماد أساليب تتلاءم مع تأثيرات الوباء.

توظيف الاستياء

يعكس القيادي الشيوعي التخادم المتبادل بين حكومة بوتين ومعارضيها من اليمين الليبرالي. ويستغل نافالني بذكاء عدة عوامل. أولاً: تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يزيد من الاستعداد للمشاركة في الاحتجاجات. ثانيًا: تدهور سمعة النظام الحاكم ، والناس المحبطون من سلوك الحكومة يبحثون عن أشخاص يعبرون عن مصالحهم. ثالثًا: تبذل الحكومة ووسائل الإعلام الليبرالية والأجنبية كل ما في وسعها لخلق صورة وهمية بأن نافالي هو “المناضل” الوحيد ضد النظام. وكل طرف يفعل ذلك لمصلحته الخاصة فالحكومة تطيح بالناخبين المحتجين، وبعد دعوات نافالي يقاطع الناس الانتخابات (كما كان الحال عند التصويت على التعديلات الدستورية)، مما يسهل على النظام البقاء في السلطة. يجمع نافالني جزءًا من الناخبين المحتجين ويخلق صورة لوسائل الإعلام الأجنبية. وبين المواطنين في الخارج تبرز فكرة أن البديل “الوحيد “ هو نافالني، وهذا ليس هو الواقع، في وقت تواجه الحكومة استياء شعبيا غير مسبوق.

ويعود الاستياء إلى عدة أسباب لعل أهمها: أولاً تدهور الظروف المعيشية للناس: هناك زيادات في الأسعار، وانخفاض في القوة الشرائية للسكان، وارتفاع في معدلات البطالة، وإخضاع القطاعات الاجتماعية لمنطق الربح، ويؤدي ذلك إلى صعوبة الحصول على التعليم والرعاية الطبية. وكذلك رفع الحد الأدنى لسن التقاعد، والتدمير التدريجي للصناعة، وسرقة الثروات الوطنية لصالح وسط من المسؤولين الفاسدين الذين اندمجوا مع الأوليغارشية. ثانياً، الاعتداء على حقوق العاملين وحرياتهم، وتشديد التشريعات الخاصة بالتجمعات والاحتجاجات، وانهيار النظام الانتخابي. ان هذا كله يثير استياء المواطنين، وغياب آليات للتأثير على الحكومة يدفعهم للاحتجاج.

التلاعب بنتائج الانتخابات

الحزب الشيوعي هو حزب المعارضة الوحيد الذي يشارك في الانتخابات على جميع المستويات. وعلى الرغم من التغييرات المستمرة في التشريعات الانتخابية لصالح الحزب الحاكم، نجح الحزب الشيوعي في الدفاع عن مواقعه، والحزب يغطي جميع مراكز الاقتراع بمراقبينا وأعضاء لجان الانتخابات. وهناك برامج تدريب للمراقبين. ومدرسة اعداد المراقبين تعمل بلا توقف. يمتلك الحزب كتلا برلمانية في جميع مناطق الاتحاد الروسي تقريبًا، وكتلة الحزب هي الثانية في البرلمان الاتحادي (مجلس الدوما). والحزب يقود الحكومة في إيركوتسك أوبلاست، وجمهورية خاكاسيا، و في ثالث أكبر مدينة في نوفوسيبيرسك،

ولكن هذا لا يكفي. الحزب يعارض بقوة التصويت لمدة ثلاثة أيام، والذي يسمح للسلطات بالتلاعب بنتائج الانتخابات لصالحها، بشكل لا يمكن السيطرة عليها تقريبا. ويعمل الحزب على تطوير استراتيجيات جديدة لحماية أصوات الناخبين. لقد كسب الحزب أخيرا دعوة في المحكمة الدستورية، تم بموجبها الغاء مواد كانت الحكومة تستغلها لأبعاد مرشحي الحزب الذين لديهم فرصة في الفوز من المشاركة في التنافس الانتخابي.

عرض مقالات: