يشكل تقادم البنية التحتية للمنشآت النفطية في البلاد تحديا يهدد سلامة العاملين في القطاع والإنتاج، لا سيما ان هذه المنشآت يعود جزء كبير منها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ما جعلها غير قادرة اليوم على مواكبة متطلبات التشغيل الحديثة أو تحمل الضغوط المتزايدة في عمليات الإنتاج والنقل والتخزين.
وبرغم التطوير المحدود الذي شهدته بعض الحقول عبر جولات التراخيص النفطية، ما تزال معظم المنشآت التي تديرها الشركات الوطنية تعمل ضمن منظومات متهالكة تفتقر إلى الصيانة الدورية والرقابة الفنية المنتظمة، في ظل ضعف التمويل وتأخر إطلاق المخصصات المالية المقررة لعمليات الصيانة والتأهيل. وهذا ما عكسته بوضوح الحوادث الاخيرة في عدد من المنشآت.
ويحذر مختصون من بقاء الوضع الحالي دون تدخل عاجل، لأن ذلك سيجعل البنى التحتية النفطية أكثر هشاشة، مؤكدين أن الحفاظ على سلامة المنشآت والعاملين فيها يتطلب خططاً فورية للتحديث وإجراءات حازمة لإعادة تأهيل الأنظمة القديمة، بما يتوافق مع المعايير الفنية والأمنية الحديثة.
منشآت تهدد الانتاج والبيئة
في هذا الصدد، قال عضو لجنة النفط والغاز النيابية عدنان الجابري، أن المنشآت النفطية العراقية تنقسم إلى قسمين: الأول، يشمل المنشآت التي تمت إحالتها إلى جولات التراخيص، وتسلمتها شركات استثمارية، والتي قامت بتطوير المنشآت القديمة وإنشاء منشآت جديدة. بينما القسم الثاني يدار من قبل الجهد الوطني، أي شركات النفط الوطنية وتشكيلات وزارة النفط، مثل شركة نفط البصرة.
وأضاف الجابري في حديث مع "طريق الشعب"، أن هذه المنشآت قديمة ومتقادمة، بعضها يعود إلى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وخاصة خلال فترة الحصار حين كانت المواد شحيحة، ما اضطر المنشآت للاعتماد على البنى السابقة.
وتابع أن هذه الحالة "تتطلب صيانة دورية وفحصاً منتظماً للأنابيب والخزانات، إلا أن قلة الموارد المتاحة لدى شركة نفط البصرة وبقية الشركات الوطنية، أدت إلى تأخير عمليات الصيانة والفحص المبكر".
ولفت إلى أن السبب الرئيس يعود إلى "عدم صرف وزارة المالية تكاليف الإنتاج المخصصة لكل برميل نفط"، مشيراً إلى أن شركة نفط البصرة وحدها "لديها أكثر من ثلاثين تريليون دينار عراقي بذمة وزارة المالية".
كما أشار إلى ان "غياب الموازنة الرأسمالية للمشاريع الاستثمارية للشركات الإنتاجية، أثر سلباً على الصيانة والفحص المبكر، بالإضافة إلى تأخير إنشاء محطات وخزانات وأنابيب جديدة لنقل النفط".
وشدد الجابري على ضرورة "إطلاق تخصيصات مالية عاجلة لشركة نفط البصرة، لضمان صيانة وفحص الأنابيب التصديرية، وإنشاء منظومة أنابيب جديدة، واستبدال المضخات والتوربينات التالفة".
وحذر في ختام حديثه من أن "تجاهل هذه الإجراءات قد يؤدي إلى حوادث كبيرة تزهق الأرواح وتضر بالاقتصاد الوطني والبيئة العراقية"، مؤكدًا أن "الشركة مسؤولة عن تصدير النفط المنتج من الجنوب عبر منشآتها وخزانات".
متقادمة وتحتاج لتحديث
من جانبه، أكد الخبير النفطي عاصم جهاد أن "المنشآت النفطية العراقية متقادمة وبحاجة ماسة إلى التحديث، خاصة فيما يتعلق بالبنى التحتية"، مشدداً على أن هذا الأمر ضروري "لضمان كفاءة عمليات استخراج ونقل ومعالجة النفط الخام، وكذلك المنشآت المتعلقة باستثمار الغاز والغاز المصاحب".
وأشار جهاد في حديث لـ"طريق الشعب"، إلى أن "عمليات التحديث المستمرة تسهم في تحسين مرونة إدارة المنشآت النفطية وحركة النفط الخام والمنتجات النفطية، كما تقلل من الخسائر الناتجة عن تقادم المعدات والإهمال".
ولفت الخبير النفطي إلى أن "الإهمال في صيانة المنشآت النفطية قد يؤدي إلى حوادث كارثية، خاصة في ظل طبيعة المواد القابلة للاشتعال والانفجار، مثل المنتجات النفطية والغاز".
واكد أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي الى عواقب ومخاطر كبيرة، مشددا على أهمية تطبيق معايير السلامة المهنية لضمان سلامة المنشآت وسلامة العاملين فيها، مؤكداً أن كل منشأة تختلف عن الأخرى من حيث نوعية الصيانة ومتطلبات التحديث، بحسب الشركة المسؤولة والقطاع الذي تديره.
وزاد بالقول إن "الصيانة الدورية، مثل الصيانة السنوية التي تشمل توقف أجزاء معينة من المنشأة لإصلاحها، تعتبر من الإجراءات الأساسية لتجنب أي تأثير على الإنتاج، خاصة خلال مواسم الذروة".
وشدد في ختام حديثه على ضرورة "اعادة تقييم جميع المنشآت وتحديثها بما يتوافق مع المعايير الفنية الحديثة".
اهمال منظومة السلامة
الى ذلك، أكد الخبير النفطي إحسان العطار أن منشآت النفط والغاز تُعد من أكثر البيئات الصناعية خطورة على مستوى العالم، مشيراً إلى أن العراق يعتمد ذات المعايير والتعليمات الدولية المعمول بها في هذا المجال، لضمان السلامة التشغيلية للعاملين والمنشآت.
وقال العطار في حديث مع "طريق الشعب"، إنّ إجراءات الصيانة في القطاع النفطي العراقي تنقسم إلى نوعين رئيسيين، الأول، هو الصيانة السنوية الدورية التي تُنفذ في المصافي ومحطات الضخ وكبس الغاز، حيث يتم عزل الوحدات التشغيلية بالكامل ضمن ما يُعرف بعملية الإغلاق الكامل (Shut Down)".
وتُجرى أعمال الصيانة، بحسب العطار، تحت إشراف مباشر من مهندس السلامة المسؤول الذي يتولى متابعة جميع الخطوات لضمان تنفيذها في بيئة آمنة وخالية من المخاطر.
وبيّن أن النوع الثاني من الصيانة هو "الصيانة الاضطرارية، التي تُنفذ عند حدوث توقف مفاجئ أو خلل طارئ في العمل"، موضحاً أن هذه الحالة "تُعد أكثر تعقيداً وخطورة لأنها تتطلب حضور مهندس السلامة فوراً لإجراء الكشف الموقعي قبل الشروع بأي عمل".
وأضاف أن فرق الصيانة "لا يُسمح لها بالمباشرة إلا بعد أن يصدر مهندس السلامة أمراً رسمياً بالموافقة، وذلك بعد التأكد من خلو الموقع من أية تسربات نفطية أو غازية أو مخاطر تشغيلية محتملة".
وأشار العطار إلى أن "أي حادث مؤسف، سواء كان حريقاً أو انفجاراً في منشأة نفطية، يخضع عادة لتحقيق مهني دقيق يبدأ بطرح أسئلة محددة، من بينها: هل تم إشعار مهندس السلامة المختص؟ وهل حضر إلى موقع الحادث؟ وهل أصدر أمر المباشرة بأعمال الصيانة؟"، مؤكداً أن الإجابة الواضحة عن هذه الأسئلة تُحدد ما إذا كانت الإجراءات قد جرت ضمن السياقات الأصولية أم جرى تجاوزها.
وفي ما يتعلق بحادث الانفجار الأخير في محافظة البصرة، أوضح العطار أن تحديد أسبابه الحقيقية والجهة المسؤولة عنه مرهون بمدى التزام لجنة التحقيق بالآليات الفنية المعتمدة في قطاعات النفط حول العالم، مشددًا على أن التحقيق الفني الدقيق وحده كفيل بكشف الحقيقة والوصول إلى النتائج العادلة.