اخر الاخبار

في ظل تزايد آثار التغيرات المناخية وشح المياه، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في العراق إطلاق مشروع جديد بتمويل يبلغ 39 مليون دولار، يستهدف محافظات كربلاء والنجف والمثنى.

وتُشير سلسلة من التحذيرات الرسمية الصادرة عن مديريات الصحة والمياه المحلية في محافظات الفرات الأوسط، إلى تفاقم أزمة المياه. وتكشف وثائق حديثة من هيئات المياه في النجف وبابل، بالإضافة إلى رسالة رسمية من مديرية صحة كربلاء، عن انخفاض حاد في منسوب نهر الفرات، ما أدى إلى زيادة عكارة المياه وتلوثها بالبكتيريا، وهو ما يهدد الصحة العامة مباشرة. وقد أثار هذا الوضع موجة من الاستياء على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر السكان صوراً ومقاطع فيديو للمياه غير النظيفة التي تصل إلى منازلهم، مما ينذر ببداية احتجاجات محلية متفرقة.

مشروع بدعم سويدي وكندي

وقال ممثل المنظمة صلاح الحاج حسن في كلمة له خلال الورشة التأسيسية لتنفيذ مشروع أن المشروع، الممول من صندوق المناخ الأخضر بدعم من السويد وكندا ومساهمات حكومية عراقية، يركز على رفع كفاءة استخدام المياه، وتطبيق الزراعة الذكية مناخياً، وتطوير السياسات المرتبطة بالزراعة والمياه والطاقة الشمسية. ويستهدف المشروع نحو مليوني شخص بشكل مباشر أو غير مباشر، مع إعطاء أولوية للفئات الأكثر تضرراً من شح المياه، فيما يعد خطوة أولى لفتح الباب أمام مزيد من الدعم الدولي للعراق في مواجهة تحديات التغير المناخي.

فيما ذكر مدير بيئة النجف جمال عبد زيد، أن المشروع الذي أطلقته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ما يزال في مراحله الأولى، مشيراً إلى أن ملامحه لم تتضح بشكل كامل بعد، إلا أن أبرز ما يتضمنه هو تنشيط ودعم الجمعيات الفلاحية بهدف المساهمة بصورة غير مباشرة في التقليل من تأثيرات التغير المناخي على المناطق الريفية والمناطق الأكثر عرضة للتغيرات المناخية.

وقال عبد زيد لـ "طريق الشعب"، أن "المشروع يركز على الأعمال والصناعات المحلية، إضافة إلى تطوير أساليب الزراعة عبر إدخال بعض التقنيات الحديثة التي تساعد على رفع الإنتاجية مع تقليل استهلاك المياه، وهو ما يعد أحد التحديات الرئيسة في الزراعة العراقية".

وأشار إلى أن التعاون بين منظمة الفاو ودوائر البيئة والزراعة ليس جديداً، إذ سبق أن تم تنفيذ مشاريع مشتركة تخص المكننة الزراعية وزراعة الشلب، مبيناً أن المشروع الجديد ما يزال في طور التأسيس، وأن تفاصيله الكاملة لم تُعلن بعد.

وبين أنه شارك في ورشة العمل التأسيسية للمشروع، التي أقيمت في بغداد واستمرت ليوم واحد، موضحاً أن الورشة لم تتطرق إلى ذكر الأرقام أو المبالغ المرصودة، لكنها أكدت أن محافظة النجف ستكون من بين المحافظات المستهدفة ضمن هذا البرنامج.

فرق فنية لتنفيذ دراسات ميدانية

من جهته، أعلن د. أمير كاظم العارضي مدير بيئة المثنى، أن مشروع "تعزيز مرونة سبل العيش الزراعية للمجتمعات الريفية الأكثر هشاشة للتغيرات المناخية"، الممول من صندوق المناخ الأخضر والمنفذ من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في العراق، يستهدف تحسين أوضاع المجتمعات الزراعية في ثلاث محافظات هي: النجف، كربلاء، والمثنى.

وأوضح العارضي لـ"طريق الشعب"، أن المشروع يركز على المناطق الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية، ويهدف إلى تحسين سبل العيش وتعزيز الأمن المائي والزراعي، من خلال سلسلة من الدراسات الميدانية التي ستنفذها فرق فنية متخصصة.

وفي محافظة المثنى على وجه الخصوص، بين أن المشروع سيتضمن تنفيذ أربعة مشاريع أساسية، أبرزها مد أنابيب مائية لتوفير المياه للمناطق التي تعاني من نقص حاد سواء في مياه الشرب أو مياه الزراعة. كما ستتم أعمال تبطين المبازل للحد من هدر المياه وتحسين إدارة الموارد المائية.

وأشار إلى أن هذه الإجراءات تأتي استجابة للتحديات المائية الكبيرة التي يواجهها العراق، خاصة مع تفشي ظاهرة شح المياه. وأضاف أن مد الأنابيب سيؤدي إلى الحد من التبخر، وبالتالي زيادة الحصة المائية المخصصة للمحافظة، فضلاً عن الحد من التجاوزات الزراعية على طول مجاري الأنهار.

وأكد العارضي أن المشروع سيترافق مع متابعة ميدانية من قبل مديرية الموارد المائية في المثنى، إضافة إلى تشكيل جمعيات لإدارة المياه بهدف ضمان استدامة النتائج وتحقيق أكبر فائدة للمزارعين والمجتمعات الريفية المستهدفة.

تحركات حكومية "غير جادة"!

من جانبه، حذر الناشط البيئي حجي شلال من التحديات البيئية الخطيرة التي يواجهها العراق في ظل شح المياه والتغيرات المناخية المتسارعة، مؤكداً أن البلاد تتعرض إلى ما وصفه بـ”إبادة خضراء” نتيجة قطع الأشجار، الحرائق، وغياب السياسات الحكومية الفاعلة.

وقال شلال لـ"طريق الشعب"، إن العالم بأسره يعاني من تغيرات مناخية عميقة، والعراق ليس استثناءً، لكنه يفتقر إلى الحلول الجذرية. وأشار إلى أن الحفاظ على المساحات الخضراء يحتاج إلى إيجاد مصادر مائية مستدامة، سواء عبر إنشاء سدود جديدة أو من خلال الحصول على الحصص المائية الكاملة من نهري دجلة والفرات وفق الاتفاقيات الدولية مع تركيا.

وانتقد غياب التحركات الحكومية الجادة للبحث عن بدائل، موضحاً أن العراق يمتلك خبراء ومهندسين قادرين على تطوير تقنيات الري الحديثة، بما في ذلك الزراعة المائية والطاقة النظيفة، لكن هذه القدرات لا تُستثمر بشكل فعال.

وتطرق إلى وضع قضاء سنجار الذي يشهد ـ بحسب وصفه ـ حملات إبادة للأشجار بسبب قطعها وتحويلها إلى فحم يُباع للمطاعم والأسواق، فضلاً عن حرائق الجبال التي تفتقر إلى إمكانيات إخمادها بسبب غياب طائرات الدفاع المدني. وأضاف: "لا بد أولاً من حماية ما تبقى لدينا من غطاء نباتي، ثم التفكير في إعادة التشجير وزيادة المساحات الخضراء".

كما أشار إلى أن القوانين التي تجرم قطع الأشجار ما زالت حبراً على ورق، لافتاً إلى غياب شرطة البيئة، إلى جانب انعدام مصانع إعادة التدوير وضعف الرقابة على الملوثات الصادرة عن السيارات والمعامل.

وختم شلال حديثه قائلاً: "المطلوب هو التفكير بخطط مستقبلية مستدامة. علينا أن نحافظ على ما تبقى من موارد طبيعية، ثم نزرع وننمّي الوعي البيئي لدى الأجيال القادمة، تماماً كما فعل أجدادنا من قبل. فالمناخ والبيئة في العراق ليسا قضية مشاريع مؤقتة، بل قضية بقاء للأرض والإنسان".