اخر الاخبار

يغلب الظن انه ما من متابع رصين لاوضاع بلدنا كان يتوقع ان تاتي نتائج الانتخابات الأخيرة في خطوطها العامة ، بعكس ما أعلنته المفوضية العليا للانتخابات من نتائج أولية، بينت استمرار سطوة وهيمنة القوى المتنفذة ذاتها، التي تحكمت بالمشهد السياسي العراقي منذ ٢٠٠٥ حتى يومنا الحاضر .

فمقدمات هذه الانتخابات، والظروف التي أحاطت بها، وطبيعة القوى او لنقل الأقلية المتحكمة، ونمط تفكيرها وسيرها على نهج الاحتكار والاقصاء، وسعيها بكل وسيلة الى الاحتفاظ بهيمنتها وتفوقها.. هذه وغيرها شكلت مؤشرات قوية على إمكانية تكرار المشهد ذاته مع تغييرات محدودة في الشخوص هنا وهناك،  لا تمسّ البتة المنهج والمشاريع السياسية  .

وهذا يثير سؤالا مشروعا: لماذا اذن المشاركة والنتائج معروفة، او لنقل واضحة بمؤشراتها  العامة، فـ "الكتاب يقرأ من عنوانه"؟

صحيح تماما ان هناك عشرات الأسباب التي تشكل جوا يحبذ المقاطعة وعدم المشاركة. لكن هناك في المقابل عشرات وربما اكثر، من الأسباب التي تدعو وتلح على المشاركة، مع المعرفة التامة بكل مقدمات العملية الانتخابية. يضاف الى ذلك ان تجربة ٢٠٢١ الانتخابية، بما لها وما عليها، اشرت وجود إمكانية لحصول اختراق ما ولو كان محدودا.

هذا جانب، والآخر هو حالة التذمر والاستياء  والقلق عند قطاعات عراقية واسعة، من المنزلق الخطير الذي يندفع اليه البلد، مع تنامي حالة عدم الثقة بين المتنفذين ومؤسسات الحكم من جانب، والغالبية التي تعاني فيما اقلية تهيمن على الدولة ومؤسساتها وتسخرها لخدمتها، وتمتلك المال والاعلام والسلاح، وتتجه نحو المزيد من مفاقمة مساويء "الدولة العميقة". انما في الممارسة العملية كان يبدو ان حالة الاستياء والتذمر هذه  لن تترجم بالضرورة الى مواقف إيجابية، وفعل ردع للقوى التي كانت السبب في ما  يعانيه المواطنونوما زالوا من أزمات وسوء خدمات وضنك عيش.

ومن المؤكد ان  انتخابات ٢٠٢٥ افرزت العديد من القضايا التي تحتاج المزيد من التقصي والمتابعة والتحليل والدراسة، ومنها عدم حصول القوى المدنية والديمقراطية والحزب الشيوعي على مقاعد في البرلمان الجديد. وسيكون مفيدا هنا ان يوضع في الاعتبار عند الدراسة،  اعتماد نظرة شاملة الى الامور مع مجموعة متكاملة من المعايير، بينها  واقع الحال والظروف والبيئة التي جرت فيها الانتخابات، ومدى استعداد قوى الأقلية لارتكاب الموبقات. وهي فعلا ارتكبت الكثير منها، وتجاوزت في نقاط عدة الخطوط الحمر جميعا. ولا ادل على  ذلك من الاستعداد للتزوير، الذي اظهرته تسجيلات على مواقع التواصل الاجتماعي، يتوجب التأكد منها أولا، ومن غيرها أيضا وهي امام مفوضية الانتخابات. كذلك هذا الاستخدام غير المسبوق للمال السياسي، وشراء ذمم المرشحين والناخبين . 

ومن نافل القول ان أي تقويم رصين لا يمكن ان يقف على رجل واحدة، لذلك يتوجب اجراء مراجعة جادة من طرف القوى المدنية والديمقراطية لمجمل أدائها ، لمقدماته ونتائجه ، واستخلاص الدروس مما  حصل ليكون معينا للعمل اللاحق، الذي لن يتوقف قطعا عند الانتخابات لوحدها. فهي في كل الأحوال، وفي احسنها ، ليست برأينا الا محطة من محطات العمل المتواصل الذي تغنيه التجربة العملية، على وفق رؤى متكاملة تستند الى قيم ومبادئ، يعد التمسك بها والإصرار عليها  طوق نجاة للحاضر والمستقبل.

ونرى أيضا، من جانب اخر، ان نتائج هذه الانتخابات ليست ولن تكون بذاتها الأداة المعول عليها لإنقاذ البلد، وتخليصه من أسباب المعاناة والكوارث، ولن تغير، بحكم ظروفها وطبيعة القوى المتنفذة المشاركة فيها، من المشهد المعروف كثيرا. على العكس تماما فهي إعادت تأكيد الازمة البنيوية للمنظومة السياسية الحاكمة ولنهجها. وان قراءة أولية لما حصل تقول باننا مقبلون على اختناقات وصعوبات عدة، على مختلف الصعد.

وامام هذه الصورة يبقى المشروع الوطني العراقي للتغيير الشامل يحتفظ بكامل حيويته وراهنيته، وان من الضروري الشروع بتكوين اصطفاف وطني واسع، سياسي وشعبي، لفرضه وتحقيقه عبر نضال متراكم ومتصاعد، نضال متعدد الأوجه وبأساليب سلمية، سداها ولحمتها الجماهير، مع المراهنة  قبل كل شيء على العمل المنظم والمبرمج والمنهجي للارتقاء بالوعي العام.