اخر الاخبار

واجه العراق خلال العقدين المنصرمين سنوات عجافا مليئة بالتحديات والأزمات، التي القت وتلقي بظلالها الكثيفة على مجمل الوضع في بلدنا وبمستوياته المتعددة.

وتأسيسا على ذلك لن يرث البرلمان والحكومة بعد انتخابات تشرين الثاني ٢٠٢٥، ملفات قانونية مؤجلة وأخرى إدارية قيد النظر وحسب، بل كذلك أزمات متشابكة وعلى مستويات عالية من التعقيد، تمس الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وسيعتمد وضع البلد كثيرا على مدى التقدم في حلحلتها ووضعه على سكة التعافي، وتخليصه من ثقل التركة التي اورثته إياها الحكومات المتعاقبة، وعمّقها يوميا نهج المحاصصة والفساد المستشري وحالة اللادولة.

وسيجد الحكام الجدد أنفسهم وجها لوجه امام ملفات عدة، لا تتطلب "التذاكي" والتدوير، وانما المواجهة بخطوات عملية، ما سيضع العديد من الوعود الانتخابية على المحك.

ولعل في مقدمة ما سيبرز هذه الفجوة الكبيرة بين المتنفذين والحاكمين من جهة وعامة الناس، وأزمة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، بما فيها التشريعية التي فقدت الكثير من شرعيتها السياسية والمعنوية والتمثيلية، خصوصا بعد العجز الكبير لدورة مجلس النواب الحالية على الصعيدين التشريعي والرقابي. كذلك الهوة الساحقة بين الاقلية المتسلطة المتمترسة خلف المال ومؤسسات الدولة والاعلام والسلاح المنفلت، والغالبية التي تعيش المآساة يوميا. وهذا يؤشر غيابا واضحا لقدر معقول من العدالة الاجتماعية.

وبين القضايا الساخنة والملحة سيبرز مدى القدرة على جعل العراق وطنا للجميع بالفعل والممارسة، كذلك تأمين تكافؤ الفرص، واعلاء شان المواطنة، وتجاوز الانغلاقات الفرعية والثانوية، وإقامة علاقات متكافئة ومتوازنة تراعي المصالح المشتركة مع البعدين الإقليمي والدولي، وامتلاك القرار الوطني المستقل وحفظ السيادة، والقدرة الفعلية على تحقيق ذلك.

ولعل الجانب الاقتصادي سيكون الأكثر إثارة للقلق في ظل المعطيات الراهنة، مع تعمق الريعية فيه والاعتماد بأكثر من ٩٠ في المائة على صادرات النفط الخام ، وما تشهده الأسعار عالميا من تقلبات، حيث تشير تقديرات  الى ان سعر البرميل في السنوات الخمس القادمة قد لا يزيد على ٦٠-٧٠ دولار للبرميل، في حين ان السعر الذي اعتمد في الموازنة الثلاثية هو بحدود ٨٥ دولار للبرميل الواحد.  وهناك عجز في موازنة عام ٢٠٢٤ تجاوز ٣٠ ترليون دينار، وما زالت أبواب الموازنة مختلة لصالح فاتورة النفقات التشغيلية ومنها الرواتب، في حين لا تتجاوز نسبة الاستثمار الحكومي ١٥ في المائة. فهذا الى جانب ضعف أداء القطاع الخاص، تسبب في تضاؤل فرص العمل، وبقاء معدلات البطالة عالية خاصة بين الشباب، الذين يشكل من هم دون الـ ٢٥ سنة حوالي ٦٠ في المائة من سكان العراق. وأيضا تتفاقم المديونية، الداخلية والخارجية، التي تتحدث تقديرات عن اقترابها من ١٢٠ مليار دولار. 

وهناك العديد من القضايا المتعلقة بضعف الخدمات العامة، وفي مقدمتها مشكلة الكهرباء العصيّة على الحل، والفساد المستشري الذي جعلنا نحتل المرتبة ١٥٤ من أصل ١٨٠ دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام ٢٠٢٣.

هذا الى جانب قلق المواطنين من انتشار السلاح، حيث يقدر بعض الدراسات وجود أكثر من ٧ ملايين قطعة سلاح خارج سيطرة الدولة، ما يقوض احتكارها لوسائل الاكراه.

هذا غيض من فيض الملفات العالقة او المرحّلة او تلك العصية على الحل، من قبل المتنفذين الذين هيمنوا على مركز القرار منذ ٢٠٠٣ حتى الان. وهذه وغيرها من القضايا   ستنتقل الى الحالة الجديدة بعد انتخابات تشرين، والتي هي بذاتها، وفي ظل ظروفها، لا تقدم حلولا سحرية قدر ما يمكنها فتح فضاءات جديدة للتحرك الجديد، نحو حلحلة تلك القضايا الشائكة. وهذا يعتمد على المواطن ومشاركته الفاعلة في الانتخابات، وحسن اختياراته.

 ان بدء السير على طريق حلحلة المشاكل، يحتاج الى إرادة سياسية قوية، واصطفاف شعبي داعم ومؤثر، وقطيعة مع نهج المحاصصة الفاشل، والسعي الى إعادة بناء الدولة لتكون حقا دولة مدنية ديمقراطية. وبعكس ذلك ستتعاظم سلبيات التركة الثقيلة، بما تحمل من تحديات خطرة على حاضر العراق ومستقبله.