اخر الاخبار

وكالات

شكّلت زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، إلى العراق، قبل أيام، محاولة جديدة من النظام في طهران لاستعادة النفوذ الإقليمي المتعثّر، ضمن ما يبدو إعادة تقييم عاجلة، بعد الخسارات العديدة التي تلقاها "محور المقاومة".

  ورغم "الهدوء الإعلامي" الذي اتسمت به الزيارة، والسرية التي أحيطت بتفاصيلها، فإن موقع "المونيتور" الأمريكي، كشف عن أنها تضمّنت لقاءات مع زعماء "الإطار التنسيقي" الشيعي في العراق.

 والإطار هو مظلة للفصائل الموالية لإيران التي تشكل التحالف الحاكم، فقد سعى قآاني إلى دفع حملة إيرانية أوسع نطاقاً لمنع شريكها الإقليمي الأكثر موثوقية من الانقسام قبل الانتخابات البرلمانية العراقية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني.

ووفقاً لوسائل إعلام رسمية إيرانية، فقد التقى قاآني كبار قادة الميليشيات والشخصيات السياسية لحثهم على ضبط النفس في الخطاب والفعل، كما دعا الأطراف الرئيسة إلى تجنّب الخلافات الإعلامية والصراعات الداخلية التي قد تُضعف هيمنة الائتلاف أو تُعتبر تهديداً لاستقرار العراق.

وجاءت مهمة قائد فيلق القدس في وقت حرج، فقد دعا رجل الدين النافذ مقتدى الصدر إلى مقاطعة الانتخابات، تاركاً الإطار التنسيقي، الذي تهيمن عليه شخصيات مثل نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي، كوسيط سياسي شيعي افتراضي. 

لكن التحالف بعيد كل البعد عن التوحد، فقد اشتدّت حدة التنافسات على الفساد وسيطرة الجماعات المسلحة والعلاقات مع إيران، فيما تفاقم الإحباط العام من الجمود السياسي، لتأتي زيارة قاآني للحفاظ على النظام في البيت الداخلي.

 

سياق جيوسياسي مختلف

لطالما اعتبرت إيران العراق حجر الزاوية في "محور المقاومة" الإقليمي، لكن البيئة الحالية تختلف اختلافاً ملحوظاً عن بيئة سلف قاآني، قاسم سليماني، إذ لا يزال النفوذ الأمريكي في العراق يُشكل ديناميات الأمن، وتزداد المشاعر المعادية لطهران بين الشبان العراقيين، وتهدد الانقسامات الداخلية داخل المعسكر الشيعي نفوذها.

لكن الأهم من ذلك، وفق "المونيتور" هو أن السياق الجيوسياسي قد تغير جذرياً، فالشبكة الإقليمية الهائلة التي بنتها طهران على مدى عقدين من الزمن، من حزب الله في لبنان إلى حماس في غزة والميليشيات في سوريا، أصبحت الآن متوترة.

وفي هذا السياق الأوسع، تكتسب زيارة قاآني إلى بغداد أهمية إضافية، إذ تجد إيران نفسها في عملية إعادة تنظيم استراتيجي، بحيث يظل العراق مسرحها الوحيد لإعادة معايرة محورها الإقليمي.

ويمثّل فيلق القدس بقيادة قاآني جيلاً جديداً في الحرس الثوري الإيراني، وعلى عكس القادة الأكبر سناً الذين نضجوا خلال الحرب العراقية الإيرانية وركزوا على الدفاع عن الوطن، يرى الكادر الحالي نفسه يعمل في ساحات المعارك الإعلامية والسيبرانية والصاروخية والبرية. 

ورؤية "جيل قاآني" أكثر هجومية، وتتشكل من خلال الحرب الهجينة والسعي لتصدير نموذج المقاومة إلى خارج الشرق الأوسط، كما تُركّز هذه العقلية على القيادة اللامركزية، والمبادرة المحلية، والتنسيق المرن بين الحلفاء. 

 

نهج جديد

لكن مع تزايد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على طهران، يُختبر هذا التحول، لا سيما في أعقاب الحرب الضارية التي استمرت 12 يوماً مع إسرائيل في يونيو/حزيران. 

والأولوية الإقليمية الأولى لطهران اليوم هي احتواء الأضرار، فما يُسمى بـ"جبهة المقاومة"، التي كانت مدعومة سابقاً بزخم ميداني وتماسك أيديولوجي، أصبحت الآن متشرذمة.

وفي هذه البيئة، يُمثل العراق ملاذاً آمناً وأرض اختبار في آن واحد، ورغم التعقيدات الداخلية، لا تزال بغداد قريبة دبلوماسياً من طهران، ومرتبطة بها اقتصادياً عبر قنوات الطاقة والتجارة والخدمات المصرفية. 

ويبدو الحفاظ على الوحدة بين الفصائل الشيعية العراقية أمراً أساسياً لطهران في الوقت الحالي، ليس فقط للنفوذ السياسي، بل أيضاً للحفاظ على الشرايين اللوجستية والمالية لشبكة إيران الأوسع، وفق "المونيتور".

ويمكن تفسير مهمة قاآني على أنها ليست توسعية بقدر ما هي حفاظية، إذ تدرك طهران أنه دون جبهة موحدة في العراق، فإن نفوذها الإقليمي، من بيروت إلى صنعاء، معرضٌ لخطر التآكل المتزايد.