تواجه الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق اختباراً حسّاساً يتعلق بمدى حياد المؤسسات الأمنية والعسكرية، بعد تداول معلومات تشير إلى ضغوط تمارس على بعض المنتسبين للتصويت لصالح جهات سياسية محددة. القضية، التي أثارت قلق الأوساط الأكاديمية والحقوقية، تعيد إلى الواجهة سؤال الثقة في العملية الانتخابية ومدى استقلالية الأجهزة الرسمية عن الاستقطاب السياسي الذي يطبع المشهد العراقي منذ عقدين.
تشير معلومات تداولتها أوساط محلية إلى أن بعض عناصر الأجهزة الأمنية تلقّوا تهديدات مبطنة من قادتهم بالمساءلة أو النقل في حال لم يثبتوا "الولاء الانتخابي" أو لم يشاركوا بالتصويت لصالح جهات بعينها. مثل هذه الأنباء، وإن لم تُثبت رسمياً بعد، تكفي لإثارة الريبة في حياد المؤسسات، لا سيما أن فترات الاقتراع الخاص لطالما كانت موضع شك من مراقبين رأوا أن جزءاً من نتائجها يتأثر بـ"الانضباط العسكري" أكثر مما يعكس القناعة الفردية للمنتسب.
وفي موازاة ذلك، علّق زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر على الأنباء بقوله: "أين الديمقراطية في ذلك؟ إن ذلك تدمير للديمقراطية وحرية الرأي.. فحيّا الله المقاطعين من قواتنا الأمنية، ولهم مني سلام واحترام"، في إشارة إلى رفضه أي تدخل من قبل القادة أو المسؤولين في قرارات المنتسبين داخل المؤسسة الأمنية. هذا الموقف، وإن جاء بلغة رمزية، يعبّر عن شعور متنامٍ لدى القوى السياسية بأن نزاهة العملية الانتخابية أصبحت مرتبطة بقدرة الحكومة على حماية استقلال قرار رجل الأمن.
يرى مختصون في القانون الدستوري أن الحياد الأمني يمثل أحد الأعمدة التي تُبنى عليها الثقة بالانتخابات. فإذا اختلّ هذا التوازن، ستُفتح ثغرة تشكك في عدالة النتائج برمّتها. ويؤكد باحثون في الشأن السياسي أن "تحييد الأجهزة الأمنية لا يعني عزلها عن المجتمع، بل حمايتها من أن تتحول إلى أداة لتثبيت النفوذ السياسي". ويضيفون أن الضغط على المنتسبين لا يخرق القانون فحسب، بل يعيد إنتاج ثقافة الخضوع التي تعاني منها مؤسسات الدولة منذ سقوط النظام السابق، حين كانت الأوامر تأتي من فوق لا من داخل الضمير المهني.
قانونياً، ينص النظام الداخلي للقوات المسلحة على حظر الانخراط في أي نشاط سياسي أو انتخابي. غير أن هذا الحظر يصبح هشّاً عندما تتعدد المرجعيات داخل المؤسسة نفسها، بين وزارات تتبع أحزاباً مختلفة، أو قيادات ميدانية ذات انتماءات متعارضة.