اخر الاخبار

تتعدد المليشيات في السودان. والجيش كي يقضي عليها عسكريا فإنه مضطر للتحالف مع بعضها للقضاء على البعض الآخر. ثم يتفرغ لمواجهة صديق اليوم بعد القضاء على عدو الأمس والذي لا يوجد ما يمنع ان يكون صديق اليوم. ولا نختلف مع بعض الأقلام حول عبثية هذه الدوامة. وإن الحل تكوين نظام سياسي مدني يكون في قلب اهتماماته تصفية الواقع المليشياوي. هذا جيد. لكن السؤال كيف نصل الى هذا النظام؟ بالحديث المكرور عنه؟ بوحدة قوى الثورة حوله؟ وهب ان ذلك حدث.. ما هي أدواتنا التي نتمكن من خلالها من القضاء على المليشيات؟ هل بالتفاوض معها وإقناعها بضرورة تسليم سلاحها ووضع نفسها تحت تصرف حكومة مدنية؟ ما الذي يجبرها على ذلك؟ أم ترانا نراهن على وعيها الوطني وتغليبها لمصلحة المجتمع والدولة على أجندتها الخاصة، في الوقت الذي لا نختلف فيه بأن تلك المليشيات تقاتل من أجل السلطة والثروة؟

يجب ان نتحلى بالوضوح ونعلن صراحة بأننا نراهن على الضغوط التي يمكن ان يمارسها المجتمع الدولي على تلك المليشيات. وفي الحقيقة المجتمع الدولي لن يمارس أكثر من خداعنا وبالطريقة التي تجعلنا نحن نصغط على الجيش بقبول حل نفسه وتكوين جيش جديد بعقيدة قتالية وطنية بعد تخليصه من سيطرة الفلول. وهذا يمكن ان يحدث ولكنه لن يضمن لنا ان يكون الجيش الجديد بعقيدة وطنية تحددها القوى المدنية. ونكون فقط استبدلنا السيطرة الحزبية على الجيش بالسيطرة القبلية. إلا إذا كنا سندخل في مغالطة حول الطبيعة الاثنية للاصطفاف داخل المليشيات التي نتحدث عنها الآن. والمجتمع الدولي لن يكون متحمسا لإنجاز هذه المهمة بالقدر الذي يتجاوز تحقيق مصالحه. وهو الذي قبل بقوات إسلامية في سوريا وافغانستان وقوات مناطقية في ليبيا ومن الممكن ان يقبل بقوات عشائرية وقبلية في السودان.

لكن هل سيكون الجيش الجديد والمزمع تكوينه تحت سيطرة الحكومة المدنية؟ هذا ما ننادي به مع علمنا التام بأن الحكومة المدنية حتى وإن التف حولها كل الشعب فإنها لا تملك أدوات السيطرة التي تجعلها تخضع لسلطتها من يحملون السلاح.

فالمجتمع الدولي الذي يخرج علينا اليوم في ثياب الواعظين ويمشي في الأرض ويسب الماكرين والديكتاتوريين ليس من الحكمة ان نطمئن إليه وهو الذي نراه يدعم القتلة والمجرمين في مناطق اخرى من العالم. كما اننا يجب ان لا ننسى ان بعض الدول الفاعلة الآن في المجتمع الدولي هي من دعمت وساندت وسلحت تلك المليشيات.، كما وإن قيادات تلك المليشيات قد هبطت مطار الخرطوم صبيحة ثورة ديسمبر وهي قادمة من عواصم الدول الأوربية التي تقف الآن الى جانب تحقيق العدالة الانتقالية أو حماية المدنيين في السودان وحل المليشيات وتكوين جيش وطني واحد بعقيدة قتالية موحدة، في تناقض ظاهر للعيان بين مواقفها بين عشية وضحاها من ظاهرة واحدة.