مظفر النواب: الحاج زاير هو معلمي الأول شعريا.
المستشرق الفرنسي جاك بيرك: الحاج زاير أعظم شعراء اللهجة الشعبية (العراقية) دون منافس.
النص الشعري العامي، بكل اجناسه ابتداء من الأبوذية والتجليبة والاهزوجة والميمر والدارمي والزهيري ومرورا بالقصيدة العمودية وانتهاء بالحداثة النوابية الطليقة من قيود القافية والتي شكلت نقطة تحول في تاريخ النص العامي بصورته المتمثلة بالريل وحمد، فعل ابداعي يستفز الذاكرة المستهلكة وينبش خزينها الفكري ليحقق رسالته التواصلية والتوصيلية مع الذات الجمعي الآخر، لكونه تشكيل جمالي أقرب إلى الذاكرة الجمعية باتخاذها اللفظة المتداولة، المحكية، لتحقيق وظيفة مجتمعية ونفسية وتاريخية تسعى الى اثبات وجود الذات المنتجة وتغيير الواقع.
والمتأمل في شعر الحاج زاير يجد فيه ما لا يجده في شعر غيره (في زمنه) من حيث الأفكار والموضوعات، والمحتوى والشكل، والألفاظ والتراكيب. المتجاوزة للزمن لأنه كتبه لكل الأزمان. كان الحاج زاير يرتجل الشعر ويلحنه ويغنيه في الحين نفسه، وهذا ما فعله النواب ايضاً. وكان الحاج زاير يتميز بقدرة فائقة على خلق النكتة والسخرية السوداء التي شغلت مساحة مهمة في شعره، فضلا عن اتصافه بصفات جاذبة انعكست في شعره، كرهافة حسِّه، وسرعة بديهته، وسعة ثقافته، حتى أن قصائده صارت تراقص كل الشفاه:
من يوم فركَاك جسمي من صدودك عود
وهيهات عكَبك يسليني نديم وعود
كلما يتوب الگلب روحي تكَلي عود
من حيث بجفاك صارت بالگلب لوله
وحياة من بالمهد جبريل اله لوله
لوما يكَولون واعرف بالحچي لوله
چنت احچي وياك لاچن بالزبيبة عود
فالنص يشتغل على بنية مؤطرة بالموحيات الحسية مع اتخاذ المكان حيزا فاعلا مؤثرا ومتأثراً، لأنه يتداخل مع البعد النفسي باعتماد تشكيلة بنائية يتنفس داخلها النص من خلال بنية اللهجة الشعرية وبنية الصورة والايقاع الشعري.
لقد وصف من درسوا ظاهرة الحاج زاير الشعرية، وعلى رأسهم الباحث عبد الإله الصائغ شعره بأنه امتداد حتمي للشعراء القدامى من مالك بن الريب إلى أبي فراس الحمداني، فها هو زاير يقول ما عدّه الصائغ تناصاً مع قصيدة شهيرة لأبي فراس قال فيها:
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا تعالي أقاسمك الهموم تعالي
ويقول الحاج زاير...
نحل جسمي وتظل روحي تعالي/
هبطنه والنذل بينه تعالي/
يا جاره الدهر ما أنصف تعالي/
نخلط همومنا ونجسم سوية
فالنص يعبر عن كبرياء الكلمة وسموها، المحقق لموقف انساني بلغة متشابكة، مؤثرة، مكتظة بالحزن المعبر عن الوجع العراقي الذي رسمه الشاعر بحرفه المتوهج.
لقد كان الحاج زاير حاضراً في كل تجديد، واستند إليه كل شاعر كتب بالعامية بعده، وعلى رأسهم الشاعر الكبير مظفر النواب، الذي لم يتوقف يوماً عن ذكر الحاج زاير لا سيما تلك الصيحات الندائية التي كانت تصل من زاير مثل قوله:
يا صاح عودي ذبل وبكل دوا ما يصح/
والدمع سال وجره من ناظري ما يصح/
والنيب مثلي ابحنينه لو صحت ما يصح/
من حيث مضروب ما بين الجوانح تبن/
بمعالج الروح سري لما موتن تبن/
لا تنهضم للسبع لو صار علفه تبن/
واليوم حتى التبن علف السبع ما يصح
وله:
تمّيت أحوم أعلى شوفك بس اروحن ورد/
أبغي وصالك وروم من المراشف ورد/
يا صاح ذجرك علي أبكل فريضه ورد/
من حيث بسمك تتم أورودنــا والدعا/
رضوان حسن الحواري أبوجنتك ودّعا/
الورد قدم لوايح وأشتكا ودّعـا/
ويكَول أنت الورد جاليش تشتم ورد
اخيراً، فان للحاج زاير الدويج في المساجلات الكثير، منها مساجلته والشيخ محمد النجم، الذي سأله مرة عن صاحب ابوذية قافيتها (وزينه)، فقال الدويج نعم انا، وهو لم يكن يعرف لمن هي، لكنه أضمر في نفسه ان يرتجل للنجم على الفور، الذي طلب منه إن ينشدها له، فقال الحاج زاير على البديهة من غير تأمل وروية:
طبعنه ما وهم طبعك وزينه
ولا منك بدت طيبة وزينه
اريد الزم عرج شيبك وزينه
ابفرده امن....اوهاي هي
فأخذا يضحكان حتى مضت فترة من الوقت وانتقلا بالحديث الى شتى الحكايات، فالتفت الحاج زاير إلى صاحبه وقال :هل انك تعرف صاحب الابوذية التي قافيتها (وعدلك)، فأجاب النجم :نعم.. وهو لا يعلم بها لمن الا انه عزم في قلبه ان ينظم ارتجالا وقد اغتنمها فرصة للقصاص من الدويج، فقال له الحاج زاير لا بأس عليك لو أنشدتنا اياها.. فأنشد مرتجلا:
جثير احفظ امن عيوبك وعدلك
او بعد مالك صدك عندي وعدلك
ابعجد كصبة امن احطنك وعدلك
سنه وتطلع العوجة ذيج هيه
لقد كتب الحاج زاير للمجالس الحسينية والمسيرات عددا من النصوص منها:
جينا ننشد كربلا مضيعينها بيها زينب كالوا ميسرينها
من كل هذا نستخلص ان الحاج زاير شاعر اللحظة المستفزة لذاكرة المستهلك كي تكشف عما خلف المشاهد الصورية .