تتصاعد الشكوك حول دقة الأرقام المعلنة من قبل اللجنة المالية البرلمانية بشأن الموارد غير النفطية المتوقعة في موازنة العام المقبل، إذ قالت اللجنة إن موارد الدولة غير النفطية ستبلغ 30 تريليون دينار.
ويظهر الواقع فجوة واضحة بين التقديرات والتطبيق الفعلي من قبل دوائر ومؤسسات الدولة، إذ لم تتجاوز الإيرادات غير النفطية المتحققة حتى الآن 8 تريليونات فقط، بينما تأتي هذه الفجوة في ظل استمرار العراق في الاعتماد على القطاع النفطي، دون تنويع حقيقي في القاعدة الاقتصادية والإنتاجية، ما يعكس غياب الاستراتيجيات الفعالة لتعزيز مصادر الدخل البديلة وتطوير القطاعات الأخرى كالزراعة والصناعة والنقل والخدمات.
الايراد الحقيقي
وبالنسبة للأرقام، تشير البيانات الرسمية حتى منتصف العام الحالي إلى أن الإيرادات غير النفطية الفعلية تراوحت بين 7 إلى 8 تريليونات دينار، ما يعكس ضعف الأداء في تحصيل هذه الموارد مقارنة بما كان متوقعاً في خطط الموازنة السابقة، التي كانت تستهدف أرقاماً أعلى بكثير لتحقيق تنويع اقتصادي حقيقي.
المستشار المالي لرئيس الوزراء د. مظهر محمد صالح، قال إنّ "تعظيم الموارد غير النفطية يمثل أحد مستهدفات البرنامج الحكومي"، مؤكدا انه تضمن السعي لتقليص الاعتماد على الإيرادات النفطية الى 80 في المائة، وهذا يتطلب رفع الإيرادات غير النفطية، وأبرزها إيرادات الجمرك والضرائب وأرباح الشركات الحكومية، ومبيعات أموال الدولة، اي الإيرادات الأخرى التي تسمى نفقات نقدية.
وعدّ صالح في تصريح لـ"طريق الشعب"، ان رفع الإيرادات غير النفطية الى 30 ترليون دينار في الموازنة العامة في 2025، يشكل "رقما طموحا".
إجراءات لم تطبق
قال عضو اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي، إن "الإيرادات النفطية تشكل 90 في المائة من إيرادات الدولة، وهذا يسبب وضعًا اقتصاديًا غير مستقر".
وأضاف أن "تعظيم الإيرادات غير النفطية يحتاج إلى تفعيل الجباية في وزارات الدولة الخدمية، مثل الكهرباء والبلديات وأمانة بغداد وبقية الدوائر ذات الطابع الخدمي، إضافة إلى المنافذ الحدودية والكمارك".
تفاؤل مفرط
من جهته، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، إنّ الـ 30 تريليونا لا تعكس فهما لطبيعة الإيرادات العامة، مبرهنا على ذلك بأن "المتحقق لغاية تموز 2024 هو 8 تريليونات فقط، بينما كان المخطط في موازنة 2024 ان تصل الإيرادات غير النفطية الى 27 تريليونا".
وأضاف المرسومي في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "الرقم بعيد عن المتحقق وبعيد عن المخطط (27 ترليون دينار)"، مردفا "نعم، من الممكن أن تصل الإيرادات في نهاية السنة الحالية الى 15 او 16 تريليونا، لكن مضاعفتها الى 30 تريليونا، لا تبدو منطقية ولا معقولة".
وأشار الى ان العراق يفتقد "قاعدة إنتاجية متنوعة، نستطيع من خلالها ان نفرض ضرائب متنوعة. كما لا توجد لدينا إيرادات جمركية كثيرة"، مبينا أن "الجزء الأكبر من الضرائب اليوم يفرض على الموظفين من أصحاب الدخول الثابتة. أما بقية الانشطة فالضرائب اما لا تجبى بشكل صحيح او انها قليلة".
وعد المرسومي "مضاعفة الموارد غير النفطية من دون تنويع اقتصادي يمثل وهما وتفاؤلا مفرطا"، مكررا أن "تنويع الايرادات يحتاج الى زيادة حصيلة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، وهذا صعب تحقيقه في ظل وجود منافذ غير شرعية، وعدم وجود سيطرة كاملة للسلطة المركزية على المنافذ الحدودية".
كيف نعظم مواردنا؟
وقال الباحث في الشأن الاقتصادي حمزة الحردان: إن "الرقم المعلن طموح جداً، فنحن نعتمد فقط على ايرادات الضرائب والجمارك، وهذان المنفذان لا نسيطر عليهما بشكل صحيح".
وأضاف الحردان في حديث مع "طريق الشعب"، ان "هذه الارقام من المستحيل ان يحققها العراق، لأننا لا نملك سلعا او منتجات او مصادر دخل للدولة، عدا الواردات النفطية، حيث اننا مع كل انخفاض في اسعار النفط نسمع ناقوس الخطر يهدد رواتب الموظفين".
ونبه الى انه "من الضروري اولاً جباية رسوم الكهرباء بشكل صحيح بعد تقديم خدمات مناسبة تستحق الجباية، الى جانب تنشيط القطاعات غير النفطية، كالزراعة والصناعة والصحة والنقل والتعليم"، مبينا ان "كل هذه القطاعات ليس لها اي دور في واردات الدولة، انما هي شبه معطلة".