قراءة في نتائج الانتخابات التشريعية
استطلع موقع المجلس الأطلسي آراء مجموعة من الخبراء في الشأن العراقي، حول نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 11 تشرين الثاني الجاري، وأسفرت عن فوز الكتلة التي يقودها رئيس الحكومة بأكبر عدد من المقاعد، دون أن يؤهلها ذلك، طبعاً، لتشكيل حكومة من دون التحالف مع كتل فائزة أخرى. وأكد الموقع على أن الانتخابات جاءت وسط ضغوط من إدارة ترامب لحل الفصائل العسكرية الحليفة لإيران، وفي ظل ترقب لِما ستؤدي اليه دعوة السيد مقتدى الصدر لمقاطعة الانتخابات من انخفاض في نسبة المشاركة.
فوز ولكن!
في البدء أشارت الباحثة فيكتوريا تايلور إلى أن كتلة الإعمار والتنمية، التي حققت أداءً جيدًا للغاية في جميع أنحاء العراق، تبقى بعيدة عن الفوز الحقيقي بسبب معارضة أكبر تحالفين منافسين لتولي رئيسها ولاية ثانية. وعلى الرغم من قيام رئيس الحكومة بحملة علاقات عامة في الصحافة الغربية، ولا سيما في الأسابيع التي سبقت الانتخابات، للترويج لأجندته "العراق أولاً"، ولضمان الدعم الأمريكي والدولي لولاية ثانية، فإن أيام التدخل الأمريكي الحاسم في عملية تشكيل الحكومة يبدو أنها قد ولّت، حسب رأيها.
تصويت أم عزوف
وذكر الخبير عمر النداوي أنه، وعلى عكس ما توقعه العديد من المراقبين، فإن عددًا أكبر من العراقيين تحمّسوا للتصويت هذه المرة، حيث تشير النتائج الأولية إلى أن نسبة الإقبال قاربت 55 في المائة من الناخبين المسجلين، وفقًا لمفوضية الانتخابات، أي بزيادة 12 في المائة عن انتخابات 2021. وأضاف النداوي أنه، رغم بلوغ ما يقرب من أربعة ملايين عراقي سنّ التصويت منذ ذلك الحين، فإن عدد الناخبين المسجلين قد تقلّص بحوالي 700 ألف ناخب!
وأشار النداوي إلى أن من التطورات اللافتة الأخرى في هذه الانتخابات التباينُ الجغرافي في نسبة الإقبال. فبينما كانت المشاركة في عام 2021 منخفضة بشكل موحّد في جميع المحافظات، كشفت انتخابات يوم 11 تشرين الثاني عن زيادة نسبة الإقبال في المحافظات الغربية ومحافظات كردستان قياسًا بمحافظات الوسط والجنوب، حتى بلغت الفجوة بين أعلى وأدنى نسبة إقبال على التصويت نحو 36 في المائة.
المفوضية
وذكر الباحث صفوان الأمين أن المصدر الوحيد للمعلومات الرسمية حول الانتخابات هو ما أعلنته المفوضية العليا للانتخابات، والتي أشارت إلى أن نسبة إقبال الناخبين وصلت إلى 56 في المائة. كما إن المفوضية هي التي قررت احتساب أصوات الحاصلين على بطاقات تسجيل الناخبين أو الذين جددوها كناخبين مؤهلين، وأهملت من لم يفعلوا ذلك أو قاطعوا الانتخابات عمدًا. وبيّن الأمين أن النتائج تشير إلى أن الأحزاب المتنفذة حافظت على معظم مقاعدها، فيما فقدت القوى المدنية تواجدها، وذلك بسبب التدابير المسبقة التي اتخذتها الأحزاب الفائزة، ومنها تعديل النظام الانتخابي.
إقليم كردستان
وأشار الباحث يريفان سعيد إلى أن نتائج الانتخابات كشفت عن الهيمنة السياسية للحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان، بعد حصوله على أكثر من مليون صوت وثمانية وعشرين مقعدًا، بينما حصل منافسه، الاتحاد الوطني الكردستاني، على نصف هذا العدد تقريبًا. وبالمقارنة مع انتخابات حكومة إقليم كردستان العام الماضي، انخفضت أصوات الاتحاد الوطني الكردستاني في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الإقليم، بينما زادت أصوات الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي عزز نفوذه بفوز خمسة مرشحين من الأقليات مدعومين من قبله.
وتوقع سعيد أن تشجع هذه النتائج الحزبَ الديمقراطي الكردستاني على التمسك بشروطه لتشكيل حكومة إقليم كردستان الجديدة، وهو ما سيؤثر بدوره على تشكيل الحكومة في بغداد، نظرًا لأن الحزب بات أحد الكتل الثلاث الأولى من حيث عدد المقاعد على المستوى الاتحادي، ويمكنه ممارسة نفوذ كبير على رئاسة العراق، خاصة إذا ما بقي الاتحاد الوطني الكردستاني مصرًّا على تقاسم السلطة مناصفة معه رغم الفارق في عدد المقاعد.
لا تغيير
وعلى الرغم من تعزز قبضة الأحزاب المتنفذة على الحكم في البلاد، لم تجد الباحثة رند الرحيم فوزًا واضحًا في الانتخابات البرلمانية، لأن المقاعد الستة والأربعين التي حصلت عليها كتلة الحكومة لم تعكس الاكتساح الذي كان يأمله أنصارها، كما أن خسارة القوى المدنية والعلمانية بدت طبيعية في ظل تعديلات قانون الانتخابات لعام 2023 والمبالغ الطائلة التي أنفقتها الأحزاب والمرشحون الكبار.
واستبعدت الرحيم حصول رئيس الحكومة على ولاية ثانية، متوقعة ماراثونًا معقدًا قبل تشكيل حكومة جديدة، لاسيما إذا ما أعلن الإطار التنسيقي نفسه أكبر كتلة برلمانية وطالب بحقه في تسمية رئيس الحكومة الجديد، في وقت تمتلك فيه قوى الديمقراطي الكردستاني وتقدم فرصةً لتشكيل كتلة ذات صوت موازٍ لكتلة الإطار. ولم تستبعد الرحيم دور النفوذين الإيراني والأمريكي في حلّ المشكلة.