اخر الاخبار

العراق بعد الانتخابات: لمن الغلبة؟

للصحيفة البريطانية التلغراف، كتب آرثر سكوت غيديس وأليكس مارتن إستلي مقالًا عما يمكن أن تشهده البلاد من تغييرات وصراعات سياسية غداة الانتهاء من الانتخابات التشريعية، مشيرَين إلى رغبة رئيس الحكومة الحالية في الفوز بولاية ثانية، مستفيدًا من قدرته على الموازنة بين النفوذين الأمريكي والإيراني، ومتطلعًا إلى مواصلة سياسته في السير على حبل مشدود بين طهران وواشنطن.

مسار مهني وسياسي

وذكر المقال أن رئيس الحكومة يطمح إلى الاستفادة من محطات مسيرته الإدارية والسياسية التي شهدت مضامين مختلفة وحظيت بتقييمات متباينة من الجمهور والقوى المتنفذة. ومن أبرز تلك المحطات مهارته في الموازنة بين تأثير الولايات المتحدة وإيران، بالتزامن مع تحسين الخدمات العامة والحفاظ على حياد بلده تجاه الصراعات التي تعصف بالشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر 2023، لاسيما أنه يرى بأن لديه القدرة على إخراج العراق من عقود من الاضطرابات وتحويله إلى قصة نجاح، بعدما فشلت في ذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها رغم الدماء والأموال التي أنفقوها خلال أكثر من عقدين من الزمان.

نجاحات ولكن!

وعبّر الكاتبان عن اعتقادهما بأن ما يساعد الرجل في تبنّي هذه الطموحات هو تراجع تأثير العوامل التي كانت تزعزع استقرار العراق خلال العقد الماضي، كالحرب الأهلية السورية، والصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، ونفوذ تنظيم داعش الإرهابي، ونشاط الفصائل المسلحة الحليفة لطهران، ووجود قوات التحالف الدولي بمشاركة 86 دولة بقيادة الولايات المتحدة على الأرض العراقية، وبصورة يمكن اعتبارها شكلًا من أشكال الاحتلال.

وأشار المقال إلى اعتقاد الحكومة بأنها نجحت في معالجة امتداد الصراع المسلح بين تركيا وحزب العمال الكردستاني إلى الأراضي العراقية من خلال إبرام اتفاق سلام بين الجانبين، رغم بقاء الوجود العسكري التركي الذي يمسّ بسيادة البلد. كما حرص رئيس الحكومة على إبراز مساعيه في جذب الاستثمارات الأمريكية إلى بغداد، خصوصًا في مجالي الاقتصاد والاستثمار وفسح المجال أمام نشاط العديد من الشركات الأمريكية.

وفي ما يتعلق بنفوذ الفصائل المسلحة التي أصبحت تهيمن على المشهد السياسي، يعتقد رئيس الحكومة أنه لا مبرر لبقاء السلاح خارج سيطرة الدولة، بحيث يجب على من يحمل السلاح أن يختار بين الانضمام إلى الجيش أو دخول المعترك السياسي، دون أن يشرح كيف سيفعل ذلك، وما إذا كانت لديه خطة، أو إذا ما كانت بعض أوراقه ما تزال مخفية بانتظار توافق سياسي واسع.

خيبة أمل العراقيين

وذكرت الصحيفة أن من أبرز ما يواجهه رئيس الحكومة هو اللامبالاة الشعبية الواسعة التي ترافق الانتخابات، ومقاطعة تيارات واسعة لها وفي مقدمتها التيار الصدري، مما يعكس خيبة أمل المواطنين العميقة تجاه العملية الديمقراطية وما تشهده من ممارسات كشراء الأصوات والإغراء بالوظائف والرواتب؛ وهو ما يراه المراقبون خطرًا يتطلب الإسراع بإجراء إصلاحات هيكلية حقيقية للنظام الانتخابي، إذ ستظل الانتخابات بدون ذلك وسيلة لتقاسم السلطة بين النخب السياسية أكثر منها أداة للمساءلة الشعبية.

صراع حاد

ولصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كتبت إيريكا سولومون مقالًا حول الموضوع نفسه، أشارت فيه إلى أن من أهم ما ستواجهه الحكومة الجديدة هو الإصرار الأمريكي على تصفية النفوذ الإيراني في البلاد وتمكين الدولة من القرارين السياسي والأمني؛ وهو ما كان جوهر رسالة وزير الخارجية إلى الحكومة الحالية، وكذلك ما ورد من توضيح صريح في ما كتبه وقاله مارك سافايا، مبعوث ترامب إلى العراق.

وتوقعت الكاتبة أن يطالب سافايا بتعيين رئيس وزراء مقرّب من واشنطن وتشكيل حكومة خالية من الأحزاب المرتبطة بالفصائل المسلحة، وهو ما انتقدته طهران بشدة ووصفته بالتدخل غير المقبول في الانتخابات  على رغم رفض الخارجية العراقية لهذا الانتقاد، معتبرة إياه أمرًا مستفزًا، ومطالبة طهران بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلادها.

وادّعت الصحيفة بأن حصر السلاح بيد الدولة مهمة تلقى تأييدًا واسعًا بين العراقيين، بمن فيهم المعارضون للولايات المتحدة، رغم إدراك الكثيرين أنها مهمة بالغة الصعوبة وتشكيكهم بقدرة رئيس الحكومة الحالية على ذلك كما وعد مرارًا، معربين عن اعتقادهم بأن ما حققته الحكومة حتى الآن في هذا المجال ناتج عن تعزيز القدرات المالية لهذه الأطراف عبر الاستفادة من الطفرة الاقتصادية المدعومة بعائدات النفط وما تدره من أرباح على الجميع، فيما يبقى العراق أحد أعمدة الأمن القومي لإيران، التي ستسعى للمحافظة على نفوذها فيه.

وأشارت الكاتبة إلى أن المشهد السياسي المتكرر يسبب إحباطًا شديدًا لدى العراقيين، حيث يقول الكثيرون إنه لا جدوى من التصويت، لأن الانتخابات حتى لو افرزت أسماءً جديدة، فإنها ستكون ممثلة للقوى القديمة نفسها، وبالتالي فهي مجرد عرض تمثيلي لا غير.