اخر الاخبار

العراق: هدوء أم استقرار؟

عشية الانتخابات التشريعية، كتب يريفان سعيد لموقع المجلس الأطلسي مقالاً أشار فيه إلى أن الهدوء الظاهري الذي يرافق الانتخابات البرلمانية السادسة، والذي انعكس في أزمات قليلة وعنف محدود وإجماع نخبوي على إبقاء عجلة الحكومة دائرة، ليس مؤشرًا على استقرار البلاد على المدى الطويل، فملامح السياسة العراقية الأساسية بقيت كما هي، حيث تتخذ القرارات بطرق غير رسمية تسبق المصادقة الشكلية، ويقوم نظام المحاصصة على تبادل المناصب مقابل الولاء، وتبقى قوات الأمن منقسمة الولاءات.

هل سيحدث تغيير جدي؟

وعلى الرغم من أن الكاتب استبعد حدوث تغيير جدي نتيجة للانتخابات، فإنه توقع وقتاً أقصر من المعتاد لتشكيل الحكومة، بسبب خروج التيار الصدري من المعادلة. لكنه استدرك بالقول، إن ذلك يعتمد بشكل كبير على نجاح الفائزين في الوصول إلى تسوية مالية وهيدروكربونية بين بغداد وأربيل، وايجاد حلول لأربعة عوامل ضاغطة بطيئة الاشتعال في المجتمع وهي، مشاكل المياه والمناخ، والتوتر الناجم عن الهجرة إلى المدن، وتهريب المخدرات، وتركيز السلطة المفرط في العاصمة.

غياب حالة الطوارئ ليس استقرارًا

وذكر المقال بأن تراجع حرارة الأحداث السياسية، وتقلص عدد المواكب المدرعة، واختفاء الجدران الواقية من الانفجارات، وانتظام اجتماعات مجلس الوزراء، لا يعني استقراراً، فالهيكل الأعمق للسلطة لا زال كما كان عليه منذ عام 2003، حيث تتخذ القرارات المهمة خارج المؤسسات الرسمية، وتُعامل الوزارات كأدوات تمويل حزبي، وتدفع الدولة رواتب بعض قوات الأمن التي لا تخضع لسيطرتها فعليًا.

ووصف الكاتب الأمر بوجود توترين هامين. يكمن الأول في الفجوة بين الشكل والمضمون. فالعراق يحافظ على الشكل الدستوري من انتخابات واقرار الموازنات، فيما يُحسم جوهر السلطة عبر صفقات بين الزعماء، واجتماعات ديوانية، وتحالفات تتجاوز الإجراءات القانونية، ومواطنون يرون شكليات خالية من المساءلة والرقابة، وفشل يتبدد في فضاء "المسؤولية الجماعية". أما التوتر الثاني فيتعلق بطبيعة الهدوء ذاته، فهو نابع من الإرهاق لا الإصلاح.  فموجة الاحتجاجات عام 2019 غيّرت حسابات الطبقة السياسية، لكنها لم تخلق حركة منظمة قادرة على تحويل الغضب الشعبي إلى إصلاح سياسي حقيقي. كثير من وجوه تلك الانتفاضة أصبحوا الآن جزءًا من النظام الذي انتقدوه. أما الشباب الذين ملأوا الشوارع بالأمس، فقد انشغلوا اليوم بوظائف مؤقتة وبأحلام الهجرة وبتعايش حذر مع دولة، تقدم خدمات متواضعة بلا رؤية مستقبلية.

الدور الإقليمي المتغير

وذكر المقال بأن موقع العراق الإقليمي قد تغير بطرق تُحافظ على التوازن في البلاد، حيث لم يعد البلد ساحة معركة أمامية للجهاديين العابرين للحدود الوطنية، أو ممرًا لحرب بالوكالة، بل بات ساحة للحوار والتنافس الاقتصادي، ومكان يمكن فيه للجهات الفاعلة المعادية تبادل الرسائل تحت رعاية عراقية. لقد استضافت بغداد محادثات بين إيران والسعودية، وبين إيران ومصر، كما تلعب حكومة أربيل دور الوسيط بين تركيا ودول الخليج، بل وحتى بين تركيا وفرنسا. وتغير النفوذ الإيراني أيضاً في طبيعته حيث باتت طهران تتعامل بحذر أكبر.

المحاصصة باقية

وتساءل الكاتب عما يمكن أن تغيره الانتخابات في ظل هذه الخلفية، غير الآليات ومواقف التفاوض مع الإبقاء على قواعد اللعبة، حيث يأتي الإجراء الحاسم بعد التصويت، وتصمد المحاصصة، وتُقسّم حصص الوزارات وفق صيغ غير رسمية تعتمد ظاهرياً على نتائج الانتخابات، وتدور المساومات الحقيقية في توازن لا يُفرض بالقانون بل بالخوف المتبادل من الإقصاء. وتوقع الكاتب أن ترفض الأطراف المختلفة التجديد لرئيس الحكومة الحالي حتى إذا ما فاز، وتكلّف بتشكيلها رجل متوازن بين طهران وواشنطن، تكنوقراطي شكلاً، والأهم من ذلك كله لا يهدد مصالح القادة الآخرين.

 

تحديات كبيرة

وأشار المقال إلى أن الاختبار الأوضح للمرحلة المقبلة هو ما إذا كان القادة سيستغلون فترة ما بعد الانتخابات لوضع قواعد دائمة لإدارة الموارد النفطية والمالية، بحيث تصبح الموازنات والعائدات تلقائية وغير خاضعة للمساومات السياسية، معتقداً بأن نجاح هذا المسعى سيعني انتقال العراق من "هدنة سياسية" إلى استقرار مؤسسي، أما فشله، فسيعيد إنتاج الأزمات ويزعزع الثقة في الدولة.

ونبه المقال إلى وجود أربع أزمات تهدد العراقيين في العام المقبل، أولها المياه والمناخ بسبب تراجع تدفقات نهري دجلة والفرات بفعل سياسات تركيا وإيران، وارتفاع الملوحة والحرارة، وهي أزمة يتطلب حلها اعتبار المياه اولوية أمن قومي. أما ثانيها فحل الصدامات الاجتماعية والأمنية التي تسببها الهجرة الداخلية عبر تطوير البلديات، وتعزيز الشرطة المهنية، وخلق فرص عمل. ويكمن التحدي الثالث في تصاعد تجارة المخدرات الاصطناعية، وتداخلها مع الفساد وتمويل الميليشيات. ويتمثل التحدي الأخير في تركّز القرار بيد بغداد على حساب المحافظات، مما يخلق توترات سياسية واقتصادية.