اخر الاخبار

أعاد الإعلان عن وجود ما يقارب مليوني مراقب ووكيل كيان سياسي وممثل إعلامي خلال يومي الاقتراع العام والخاص، الملف الانتخابي الى الواجهة، بسبب الجدل الواسع الذي أثاره هذا الرقم غير المسبوق، والذي فاق بكثير ما شهدته الدورات الانتخابية السابقة، وأثار أسئلة جوهرية حول جدوى هذا التضخم، وأبعاده المالية والسياسية، ومدى تأثيره في نزاهة العملية الانتخابية ونتائجها النهائية.

وبجردة حساب سريعة فإن منح 100 الف دينار كمعدل وسطي لكل مراقب كيان سياسي، يعني أن القوى السياسية المشاركة في الانتخابات، انفقت ما يزيد على 142 مليون دولار، فيما يشير مراقبون الى ان تلك القوى منحت كل مراقب كيان سياسي مبلغا يتراوح بين 100 الى 150 الف دينار، وهذا يعني انفاق اكثر من 200 مليار دينار على الوكلاء من قبل تلك الأحزاب والقوى!

من الناحية الأخرى، فأن القوى السياسية صرفت مبلغ 10 مليارات دينار كرسوم منح باجات المراقبة، لكن مفوضية الانتخابات اكدت إعادة هذا المبلغ بالكامل بعد نقض القرار قضائياً، الا ان هذه المبالغ الكبيرة، المصروفة إضافة الى اشكال الدعاية الانتخابية الاخرى، والتي لم يجرِ التوقف عندها، اعادت فتح النقاش حول استخدام المراقبين كأداة انتخابية أكثر مما هم ضمانة للشفافية.

رقم "غير منطقي" يقوّض الثقة

أثير الدباس، منسق التيار الديمقراطي العراقي، رأى أن وجود هذا العدد المهول من مراقبي الكيانات السياسية مثّل "ضربة مباشرة لمصداقية الانتخابات".

وقال الدباس في حديث لـ"طريق الشعب"، إن ما يقارب مليوني مراقب ونسبة المشاركة التي لم تشهد ارتفاعًا كبيرًا، يعني أن هؤلاء المراقبين، مع أقاربهم ودائرتهم الانتخابية، يشكلون ما لا يقل عن 20% من المصوتين فعليًا. وهذه نسبة ضخمة قادرة على تغيير اتجاهات التصويت، ما يجعل دور المراقبين لا يقتصر على المتابعة، بل يتحول فعليًا إلى كتلة تصويتية مدفوعة الثمن.

وتحدث الدباس عن "ممارسات شراء أصوات جرت تحت غطاء تشغيل المراقبين"، إذ أن كثيراً من هؤلاء حصلوا على مبالغ مالية مقابل عملهم، وهو ما ولّد دائرة تأثير انتخابية غير عادلة، استغلت فيها الأحزاب الكبيرة نفوذها المالي وسلطتها داخل مؤسسات الدولة.

ما مصدر هذه الأموال؟

عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي حسين النجار، وصف الرقم بأنه "خارج التصور"، قائلاً: لقد جرى ارباك العملية الانتخابية من خلال هذا الكم الهائل من المراقبين داخل المحطات الانتخابية، اذ رصدنا صعوبة في التعامل معهم من قبل المكلفين بإدارة الانتخابات في المراكز الانتخابية، حيث توجب عليهم استيعاب عشرات المراقبين في المحطة الواحدة.

وتساءل النجار في حديث خص به "طريق الشعب"، كيف يمكن لاستحقاق انتخابي محدود البنية التحتية، بعدد مراكز ومحطات معروف، أن يستوعب هذا الكم من المراقبين، الذين يتجاوزون حاجة الرقابة الفعلية بأضعاف مضاعفة؟ وشدد على ان "الكثير من هؤلاء كانوا يلحون على موظفي المفوضية للسماح بالدخول الى المحطات، باعتبار ان ذلك مطلوب منهم، كما ان الحصول على مبلغ الكيان السياسي مرهون به ايضا".

ونبّه النجار الى الجانب المالي لهذه الظاهرة: "الكثير من المراقبين يتقاضون مبالغ مالية يوم الاقتراع، بما يثير تساؤلات حول مصادر هذه الأموال، ومدى خضوعها للرقابة الرسمية، وما إذا كانت ضمن سقوف الإنفاق المسموح به قانوناً للحملات الانتخابية".

وخلص عضو المكتب السياسي إلى أن هذا العدد من المراقبين، يُعامل في حقيقة الأمر كأصوات مضمونة لصالح الجهات السياسية التي دفعت لهم، وهو ما انعكس فعليًا على النتائج الأولية، حيث حصدت الكيانات المتنفذة مكاسب واضحة في مناطق انتشار مراقبيها.

أكثر من 10 مليارات دينار

وكانت مفوضية الانتخابات قد فرضت رسومًا مقدارها خمسة آلاف دينار على منح الباجات للأحزاب والمراقبين والإعلاميين. ومع وصول عدد الحاصلين على الباجات إلى أكثر من مليوني شخص، فإن المبالغ المستحصلة تجاوزت حاجز 10 مليارات دينار.

وفي هذا الصدد، قال المستشار القانوني في مفوضية الانتخابات، حسن سلمان، أن الهيئة القضائية للانتخابات نقضت قرار مجلس المفوضين وعدّته بلا سند قانوني، لتقوم المفوضية بإعادة جميع الأموال إلى الجهات التي دفعتها، من الكيانات السياسية إلى الإعلاميين والمراقبين المحليين والدوليين، والذين تجاوز عددهم 1500 مراقب دولي.

ورغم أن المفوضية استوفت شروط الشفافية المالية من خلال إعادة الأموال، إلا أن الجدل لم ينحسر؛ إذ بقي السؤال الأكبر معلقاً: من الذي موّل تشغيل وتجنيد مليوني مراقب أصلاً؟

"الركائز".. ظاهرة انتخابية جديدة!

الكاتب والإعلامي شمخي جبر اشار إلى ظاهرة جديدة برزت في انتخابات 2025، وهي ما يُعرف بين الحملات الانتخابية بـ"الركائز".

وقال جبر في حديث لـ"طريق الشعب"، أن أحزاب السلطة استخدمت هذه الركائز بكثافة، معتمدة على قدرتها المالية الضخمة، فيما لا تملك القوى الصغيرة حتى القدرة على تمويل 5 آلاف دولار لحملتها الانتخابية.

واضاف جبر، أن امتلاك الأحزاب الكبيرة لهذا العدد الكبير من المراقبين، يعني بالضرورة أن هؤلاء ـ إضافة إلى أسرهم ـ يعدّون خزانات تصويت، ما يجعل البيئة الانتخابية غير عادلة إطلاقاً؛ ففي بلد يعاني من الفقر والبطالة، يصبح المراقب فرصة عمل مؤقتة لكنها ذات تأثير سياسي، ما يجعل الاستقطاب المالي أكثر فعالية من الخطاب السياسي نفسه.

وتابع: أخيرا، لم يعد تأمين نزاهة الإجراءات الانتخابية تشكل التحدي الأكبر، انما الحاجة ماسة لضبط المال السياسي ومنع توظيف النفوذ المالي والسياسي لتوجيه إرادة الناخب، كما هناك حاجة ملحّة لإعادة تقييم شاملة لقواعد الرقابة على الحملات الانتخابية، وآليات منح الباجات، وسقوف الإنفاق، وضمان قدرة جميع القوى على المنافسة العادلة دون ابتلاع أصواتها داخل منظومة تأثيرات معقدة، يتقدم فيها المال على البرامج والمشاريع السياسية والكفاءة والإخلاص والنزاهة.