التغيير ممكن
لمعهد بروكينغز الأمريكي، كتبت مارسين الشمري وحمزة حداد مقالًا حول الانتخابات البرلمانية العراقية بوصفها اختبارًا للديمقراطية في مرحلة الاستقرار. ذكرا فيه أن هذه الانتخابات، وعلى خلاف سابقاتها، تجري في فترة من الاستقرار النسبي، الذي يتطلع الجميع إلى أن يرفع سقف التوقعات من الأداء الديمقراطي، من خلال معالجة تراجع نسبة المشاركة في التصويت، واستمرار الخطاب الانتخابي القائم على الانتماءات الطائفية والإثنية، والتعديلات الرجعية في قانون الانتخابات، والإصرار غير المجدي على تشكيل حكومات التوافق.
واستدرك الكاتبان بالقول إن النخبة السياسية لا تملك حافزًا حقيقيًا لإصلاح نظامٍ يخدم مصالحها، مما يترك مهمة إحداث أي تغيير حقيقي على المؤثرين من خارج السلطة، كالنشطاء والمستقلين ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى معارضةٍ برلمانيةٍ فاعلة.
الحملات الانتخابية وهيمنة النخبة
وأشار المقال إلى أن الأحزاب السياسية حاولت، بعد هزيمة تنظيم داعش عسكريًا عام 2017، الانتقال من الخطاب الطائفي والإثني إلى خطابٍ وطني، في مسعى لاستقطاب جمهورٍ عراقي يتوق إلى تجاوز الانقسامات، ولا سيما مع الضغوط التي خلفتها احتجاجات عام 2019. الّا أن الزخم المعارض للطائفية بقي في معظمه خطابًا شعاريًا، خصوصًا بعد تعديل قانون الانتخابات بشكلٍ قلّص من فرص الأحزاب الجديدة والمستقلين، وشدّد حالة اللامبالاة بين الناخبين، الذين بات عدد كبير منهم يرى في النظام السياسي منتجًا لذات الوجوه والسياسات، وإن البلاد التي تقدّمت خطوة إلى الأمام في مسار ديمقراطيتها الناشئة، تراجعت خطوتين إلى الوراء.
تزايد اللامبالاة
وركّز المقال على أن القانون الانتخابي الجديد لم يكن في مصلحة نسب المشاركة في التصويت، التي ما زالت تتراجع في كل دورة انتخابية، مبيّنًا أن ما يستر ذلك هو قيام المفوضية باحتساب نسبة التصويت من المسجَّلين فقط، لا من مجموع المؤهَّلين للتصويت، حتى بات عدد الناخبين المسجلين لانتخابات عام 2025 أقل من عددهم في انتخابات 2021، على الرغم من النمو السكاني وبلوغ المزيد من العراقيين سنَّ الانتخاب.
وعمومًا، فإن ضعف الإقبال لا يبدو مقلقًا للمتنفذين، بسبب عدم فرض القانون حدًّا أدنى للتصويت، لا تنال الحكومة الجديدة الشرعية بدونه.
الشمولية وحكومات التوافق
وتطرّق المقال إلى العمليات المعقدة والبطيئة لتشكيل الحكومات، نظرًا لعدم فوز أي حزبٍ بالأغلبية المطلقة، وتفسير القوى السياسية لتضييقَ قاعدة الائتلافات واستبعاد أطرافٍ معيّنة لتشكيل معارضةٍ برلمانيةٍ على أنه إقصاءٌ سياسي لا خيارٌ ديمقراطي مشروع. وأكد الكاتبان على أن مبدأ "الشمولية السياسية" هذا قد أدى عمليًا إلى تواطؤ النخب الطائفية والإثنية للحفاظ على حدٍّ أدنى من الديمقراطية دون أي مساءلةٍ حقيقية.
ولتحقيق التغيير المنشود، ينبغي تقديم مرشحين يدركون أن دور المعارضة هو محاسبة السلطة. فمن دون ذلك، يواجه البرلمان خطر التحول إلى هيئة شكلية، بينما تُدار البلاد عبر صفقات غير رسمية بين الزعماء أنفسهم.
التغيير قادم
واختُتم المقال بالإشارة إلى أن أي تحولٍ ديمقراطيٍّ حقيقي يجب أن يكون من القاعدة إلى القمة، مدفوعًا بالمطالب الشعبية، والتحالفات العابرة للمناطق، والمشاركة السياسية الواسعة. وقد أظهرت انتفاضة تشرين 2019 أن هذا النوع من الحراك ممكن، لكنها كشفت أيضًا صعوبة تحويل الزخم الاحتجاجي إلى فعلٍ سياسي مستدام.
أما اليوم، فإن القوى الإصلاحية والمستقلة المنبثقة عن تلك الاحتجاجات توزّعت على ثلاث قوائم انتخابية، لذا ينبغي أن تكون الجهود الإصلاحية المقبلة أكثر تركيزًا وتنسيقًا، مع استراتيجيةٍ واضحة لتشكيل معارضةٍ برلمانيةٍ فاعلة يمكنها، إن لم تحقق الإصلاحات، أن تمنع التراجع عنها على الأقل. وأكد الكاتبان على أن البلاد التي استطاعت الصمود خلال الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية قادرة على الانتقال إلى مرحلةٍ أعمق من المساءلة الديمقراطية.