مع استمرار أزمة شحّ المياه وتراجع الإطلاقات القادمة من تركيا، تتصاعد التحذيرات من تبعات الاتفاق الأخير بين بغداد وأنقرة الذي لم يحقق، بحسب مختصين، أي تغيير جوهري في الواقع المائي للبلاد.
ويرى مراقبون معنيون أن العراق دخل مرحلة من الضعف والرضوخ للشروط التركية، بعد أن فقد أوراق ضغط اقتصادية وقانونية مهمة، فيما لم تلتزم تركيا بتعهداتها بإطلاق كميات كافية من مياه نهري دجلة والفرات، ما يساهم بتفاقم معاناة البلاد في ظل أزمة بيئية متفاقمة وعدم هطول الامطار وسوء إدارة داخلية للملف.
الاتفاق مع تركيا لم يغيّر شيئاً
وأكد المختص بالشأن المائي ظافر عبد الله، أن الاتفاق الأخير بين العراق وتركيا لم يحقق أي تغيير ملموس في الواقع المائي، مشيراً إلى أن أنقرة لم تلتزم بأي من تعهداتها، إذ لا تزال الإطلاقات المائية نحو نهري دجلة والفرات تتراوح بين 320 و350 متراً مكعباً فقط في الثانية، وهي كميات لا تكفي لسد الحد الأدنى من احتياجات العراق المائية.
وقال عبد الله في حديث لـ "طريق الشعب"، أن العراق “يتعامل اليوم مع نتائج تراكمات وسياسات مائية غير صحيحة امتدت لعقود طويلة”، لافتاً إلى أن ملف المياه "كان مهملاً منذ فترة ما قبل الاحتلال وحتى الآن، ما جعل البلاد تواجه تبعات ذلك الإهمال بشكل قاسٍ في ظل أزمة الجفاف الحالية".
وأضاف أن تركيا "تستغل أزمة شح المياه كورقة ابتزاز لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، دون أن تبدي أي التزام حقيقي بمبادئ حسن الجوار أو العدالة في تقاسم المياه".
ودعا عبد الله إلى عقد مؤتمر وطني حقيقي يضم الجهات المعنية كافة، على أن يخرج بخطة عمل واضحة وخارطة طريق قابلة للتنفيذ، “وليس مجرد مؤتمر شكلي ينتهي بتوصيات لا تُطبق”، على حد قوله.
كما شدد على أهمية الضغط الدولي لدعم الموقف العراقي وانتزاع ولو جزء من حقوقه المائية، مستبعداً في الوقت نفسه أي تدخل أمريكي في هذا الملف.
واختتم حديثه بالقول أن "مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد بارك الاتفاق بين العراق وتركيا واعتبره خطوة بالاتجاه الصحيح، وهذا قد يدلل على وجود رضا امريكي".
رضوخ للشروط التركية
من جهته، قال رئيس المرصد العراقي الأخضر، عمر عبد اللطيف، أن العراق وصل إلى مرحلة “الرضوخ والقبول” بكل النقاط التي تفرضها تركيا ضمن الاتفاقيات الأخيرة، في محاولة للخروج من الأزمة المائية الخانقة التي تمر بها البلاد.
وأضاف عبد اللطيف في تعليق لـ"طريق الشعب"، أن هذا “الرضوخ” ترافق مع "تنازلات مؤثرة، من بينها تخفيف الديون المستحقة على تركيا بموجب قرار محكمة باريس للتحكيم الدولي بشأن قضية تهريب النفط، والتي تبلغ قيمتها نحو مليار ونصف دولار".
كما أشار إلى أن أنقرة "فرضت رفع حجم التبادل التجاري مع العراق لتعزيز اقتصادها الذي يواجه أزمة خانقة"، معتبرًا أن تركيا دفعت العراق عمدًا إلى هذه المرحلة من الضعف لتُملي شروطها عليه.
وزاد بالقول إن "تركيا ما زالت تتجاهل كل الاعتبارات القانونية والإنسانية والاجتماعية، التي تقتضي وجود حصة مائية ثابتة للعراق وفق مبدأ “تقاسم الضرر” وحسن الجوار"، مؤكداً أن "نهري دجلة والفرات لا يجوز إخضاعهما لمنطق “دولة المنبع والمصب”.
وبيّن عبد اللطيف، أن العراق “فقد فرصة مهمة” حين كان في موقف أقوى بعد توقيعه الاتفاقية الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، وكان يمكن حينها الضغط على أنقرة عبر واشنطن، لضمان تثبيت الحصة المائية العراقية.
وشدد على أن إخفاق الحكومة ووزارة الموارد المائية في إدارة ملف المياه ساهم في تدهور الوضع الراهن، مبيناً أن الملف “لا يُدار بسيادة كافية” ولا يحظى بالاهتمام اللازم، مشيراً إلى أن العراق ما زال يفتقر إلى مجلس أعلى للمياه يتولى رسم السياسات الاستراتيجية ومتابعة تنفيذها.
وخلص رئيس المرصد العراقي الأخضر الى القول إن “الواقع المائي في العراق أصبح مثيراً للسخرية، فبينما تعد تركيا بإطلاق كميات كافية من المياه، يبقى العراق يعاني من عدم ايفاء تركيا التزاماتها و العطش بسبب سوء الإدارة والتنازلات المتتالية”.