اخر الاخبار

قدّم الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، قراءة نقدية للمشهد الانتخابي، محذراً من استمرار المال السياسي بوصفه أكبر تهديد لنزاهة الانتخابات، منوها الى أن عمليات التزوير التقليدية أصبحت صعبة بفضل الإجراءات التقنية، لكن التلاعب السياسي أو السيبراني ما زال ممكناً في ظل نفوذ بعض القوى.

وأكد الرفيق فهمي في تصريح لشبكة رووداو الإعلامية، أن "التزوير الفني لنتائج الانتخابات يبدو صعباً للغاية، ومن المتوقع أن يكون أقل بكثير مما كان عليه في السابق"، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنه "لا يمكن استبعاد احتمالات التزوير في مستويات أخرى، مثل التزوير السيبراني أو باستخدام تقنيات متقدمة".

وأوضح فهمي أن "التزوير المباشر صعب، إلا إذا وُجدت جهات تمتلك القدرة على التلاعب بالنتائج أو بمحركات البحث (السيرفرات)، فحينها يصبح الأمر ممكناً".

وأضاف أن "القوى المتنفذة ضخت قبل الانتخابات أموالاً ضخمة ورفعت سقف الإنفاق الانتخابي بشكل غير مسبوق، نتيجة شدة المنافسة فيما بينها، ولذلك فإن أي اختلال كبير في النتائج لصالح طرف معين قد يثير توتراً سياسياً بعد إعلان النتائج".

تلاعب مسبق!

وبيّن فهمي، أن "الأحزاب الكبيرة والمتنفذة تمكنت مسبقاً من ضمان نحو 100 مقعد برلماني، وهو شكل من أشكال التلاعب المسبق بنتائج الانتخابات"، موضحاً أن ذلك "تم أولاً عبر موافقة المفوضية المستقلة للانتخابات على ترشيح مليوني مراقب، وهو رقم رسمي، وهؤلاء يشكلون قاعدة تصويتية تضمن ما بين 40 إلى 50 مقعداً برلمانياً".

وتابع قائلاً: "ثانياً، التصويت الخاص يمنح هذه الأحزاب أكثر من 50 مقعداً إضافياً، ما يعني أنها ضمنت عملياً أكثر من 100 مقعد قبل حتى عملية الفرز وإعلان النتائج".

وأشار إلى أن هذه الأساليب "تبدو من الناحية الشكلية قانونية، لكنها توفر شبكة ضمان سياسية تجعل تلك الأحزاب غير مضطرة إلى اللجوء للتزوير المباشر".

ونوه الرفيق الى إن "القوى القادرة على التلاعب بنتائج الانتخابات هي تلك التي تمتلك نفوذاً في مواقع حساسة ضمن مراحل نقل وفرز الأصوات، وإن توفرت هذه الإمكانية لدى بعض الجهات، فهي قد تستخدمها إذا أرادت، ومن المعروف من هم القادرون على ذلك".

وقال فهمي إن "علينا ألا نغفل عن الوضعين الدولي والإقليمي اللذين يمتلكان القدرة أيضاً على التأثير في نتائج الانتخابات"، مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة لديها رغبة في أن يظهر المشهد السياسي العراقي بشكل يتناسب مع رؤيتها، وكذلك الحال بالنسبة للعاملين الإقليميين الإيراني والتركي، فكل منهم يستطيع التأثير بدرجات متفاوتة في شكل الوضع السياسي المقبل".

وأوضح فهمي أن "صراع موازين القوى يدور حول شكل المشهد السياسي بعد الانتخابات، وكيف ستكون الحكومة المقبلة"، مبيناً أن "الحكومة قد تكون في بعض الأحيان مستقلة عن البرلمان، لكن التجارب السابقة أثبتت أن أي حكومة لا تحظى بموافقة البرلمان تكون قدرتها على التحرك محدودة، وتضطر إلى الدخول في منافسة أو صراع معه".

وأضاف أنه "في حال جاءت النتائج على غير هوى القوى السياسية المتنفذة، فإنها قد تلجأ إلى التزوير والتلاعب بالنتائج لصالحها إذا توفر أمامها هذا الإغراء".

معضلة المال السياسي

وشدد فهمي على أن "الانتخابات الحالية تطرح بجدية قضية استخدام المال السياسي وشراء الأصوات، وهي ظاهرة بلغت مستوى غير طبيعي"، مبيناً أن "ضعف نسبة المشاركة في التصويت يجعل جزءاً من الأصوات المجمعة مشكوكاً في نزاهته، إذ إن كثيراً منها قد يكون تم شراؤه".

وأشار إلى أن "هذا الوضع يثير تساؤلات حول مدى تعبير النتائج عن الرأي العام والإرادة الوطنية الحقيقية"، محذراً من أن "عدم معالجة هذه الظاهرة سيؤدي إلى تراجع ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية، وإلى إنتاج مجلس نواب لا يعكس إرادة الشعب، مما يعمق الفجوة بينه وبين المواطنين".

وأكد فهمي أن "الصراع الانتخابي يجري حالياً بين الكتل المتنفذة في ظل توازنات دقيقة، وأن الإخلال بهذا التوازن قد يثير قلق بعض الأطراف"، مضيفاً أن "هناك أيضاً توازناً داخل "البيت الشيعي" نفسه، بين الأحزاب التي تمتلك أذرعاً مسلحة وتلك التي لا تمتلكها، فضلاً عن التنافس بين القيادات الطامحة إلى أن تكون الرقم واحد في المشهد السياسي".

وتابع فهمي إن "كل هذه المحاور تمثل مراكز قوى محددة، وإذا حدث خلل كبير في التوازن بينها لصالح طرف على حساب آخر، فقد يثير ذلك قلق جهات داخلية أو خارجية، وهنا قد تبرز الحاجة للتغيير أو التلاعب بالنتائج إذا توفرت الإمكانية لذلك".

وأضاف أن "الضوابط الموضوعة حالياً تجعل مثل هذا التدخل أصعب بكثير، لكن في حال برزت قوة غير مقبولة دولياً، فستكون تلك إشكالية حقيقية للحكومة العراقية المقبلة وللنظام السياسي برمته".

ونوّه فهمي إلى أن "هناك وسائل متعددة لإدارة هذه التوازنات، فحين تُعد مقلقة لبعض الأطراف قد يُلجأ إلى التلاعب بالنتائج، إلا أن هذا الاحتمال يبدو صعباً الآن، لأن القوى السياسية حاولت مسبقاً تجنّب مثل هذه السيناريوهات"، موضحاً أن "الكثير من هذه القوى قامت بتعبئة واسعة، واستخدمت أحياناً الخطاب الطائفي كأداة تعبئة، إلى جانب الأموال الطائلة التي ضُخت، واستغلال النفوذ داخل مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية والعسكرية والحشد الشعبي، للحصول على دعم تلك الجهات المتنفذة".

وأشار إلى أن "هذه التحركات قد تكون شكّلت تحسباً مسبقاً لإمكانية التزوير، إذ إن التعبئة الانتخابية، وشراء الأصوات، واستخدام نفوذ السلطة ومؤسساتها، كلها عوامل ساهمت في تقليل احتمالات اللجوء إلى التلاعب بنتائج الانتخابات لاحقاً".

وفي حديثه عن الأوضاع في إقليم كردستان، أوضح أن "الوضع هناك مختلف، حيث شهدنا صراعاً حاداً على مقاعد الكوتا المسيحية، خاصة الدعم المقدم، لريان الكلداني، رئيس حركة بابليون، وهو أمر له انعكاسات مباشرة على تشكيل مجلس محافظة نينوى".

وأضاف فهمي أن "الأحزاب الكردية الرئيسية، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، فضلاً عن بقية الأحزاب الكردستانية، تشهد بدورها انقسامات وابتعاداً عن القضايا القومية الكردية التي كانت توحدها سابقاً"، مبيناً أن "هذه الأحزاب كانت ضمن التحالف الكردستاني تلتزم بالموقف الكردي الموحد، لكننا اليوم نرى اصطفافات جديدة خرجت عن هذا الإطار، حيث يقف طرف مع الحكومة الاتحادية ضد طرف آخر، وهو تطور خطير".

صراعنا حول المشاريع السياسية

وعن موقع الحزب الشيوعي العراقي من المعادلة الانتخابية، أكد فهمي، "وجود مساحة محددة قد لا تكون مؤثرة بشكل كبير، إلا إذا جاءت النتائج بأكثر مما يتوقعه البعض، وهذا الاحتمال قائم".

وأضاف أن "ما يميزنا عن باقي القوى السياسية أننا لم ننخرط في الصراعات الدائرة بينها، فصراعنا ليس مع أطراف بعينها، بل مع المشاريع السياسية المشتركة لكل الأحزاب التقليدية المتنفذة".

وأوضح: "نحن ضد نهج المحاصصة الذي يجمعهم جميعاً، بينما هم متمسكون به. نحن مع بناء دولة قوية تضع حداً للتدخلات الخارجية وتحصر السلاح بيدها، ومع ترسيخ مؤسسات الدولة ومحاربة الفساد، في حين أن هذه القوى جميعها متورطة فيه. لذلك نحن في موقع، وهم جميعاً في موقع آخر، وهذا موقفنا المبدئي والمعروف".

وأشار فهمي إلى أنه "حتى في حال بقاء المعادلة السياسية بعد الانتخابات على ما هي عليه، يجب الأخذ بنظر الاعتبار تأثير الأوضاع الإقليمية والدولية وعلاقة ذلك بالتغيير المرتقب". وأضاف: "أعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد تحولاً في مراكز القوى، إذ ستتراجع نسبياً قوة الجهات التي تمتلك السلاح بمختلف تسمياتها، بفعل العوامل الدولية، وهو ما سينعكس على دورها السياسي داخل الدولة".

ولفت إلى أن "العلاقات الدولية للعراق ستتغير مع أي حكومة جديدة، حتى لو جاءت من داخل المنظومة السياسية ذاتها، إذ لا يمكن أن تستمر على النهج ذاته السابق". وبيّن أن "التغيير قادم أولا بسبب العوامل الداخلية، لكن في حال أفرزت الانتخابات نتائج مفاجئة وأتاحت تشكيل كتلة مدنية ديمقراطية فإن ذلك لن يبدل موازين القوى بالكامل، لأن الأحزاب المتنفذة كانت قد ضمنت مسبقاً أكثر من مائة مقعد برلماني".