الأمر مختلف في الطب
تحت هذا العنوان، نشر حذيفة إبراهيم مقالاً على موقع The Media Line الأمريكي، تحدّث فيه عمّا يواجهه العراق، ومنذ سنوات، من وباء الشهادات الأكاديمية المزوّرة، التي تقوّض الأسس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للبلاد. ويسهل الحصول عليها بسبب الرشوة والفساد أو غيرها من الوسائل الاحتيالية، سواء من داخل العراق أو من خارجه.
خطر كبير على حياة الناس
وأكّد المقال على أن انتشار الشهادات الطبية والصحية المزوّرة يُعدّ من أكثر الاتجاهات إثارةً للقلق، لا سيّما بعد دخول آلاف الأفراد غير المؤهّلين إلى نظام الرعاية الصحية في العراق، وتصاعد نسبة وقوع الأخطاء الطبية والوفيات التي كان من الممكن تجنّبها في المستشفيات العامة والخاصة.
ونقل المقال عن عضوٍ سابق في نقابة الأطباء قوله إن هؤلاء الأفراد يُشكّلون ما لا يقل عن 30 في المائة من الأطباء، وإن كثيرين منهم درسوا في دول تُعرف بـ "مصانع الشهادات"، أو التحقوا بالجامعات الخاصة في العراق، ودفعوا تكاليف دراستهم للحصول على شهادات "سليمة" من الناحية الشكلية، بعيدًا عن استيفاء المعايير المهنية.
وإذا كان ذلك من الجرائم التي تُنهك أوضاع البلاد، فإن الأمر، بحسب رأي الكاتب، مختلف في ميدان الطب، لأن هؤلاء يمكن أن يتسبّبوا بأضرار جسيمة، بما في ذلك الإعاقة الدائمة أو حتى الوفاة. وأكّد أن حدّة هذه المشاكل تشتدّ بشكل خاص في التخصّصات المربحة، مثل جراحة التجميل وطب الأسنان.
مزوّرون "سياديون"
وادعى المقال أن الأزمة تمتدّ إلى ما هو أبعد من الرعاية الصحية، إذ يُعتقد أن العديد من كبار السياسيين والمسؤولين الحكوميين قد حصلوا على شهاداتهم بطريقة احتيالية. ونقل الكاتب عن موظف في وزارة التخطيط - طلب عدم الكشف عن هويته - قوله إن أكثر من نصف الوزراء والمديرين والسياسيين العراقيين يحملون، على الأرجح، شهادات مزوّرة، وإن الجميع يعلم بوجودهم، لكن لا أحد يجرؤ على المساس بهم.
تجارة مربحة
وأوضح الكاتب أن تجارة الشهادات المزوّرة أصبحت صناعة مزدهرة محليًا ودوليًا. ويُعدّ لبنان بؤرةً رئيسية لهذه التجارة، حيث تُباع شهادات الماجستير بأسعار تتراوح بين 5000 و15000 دولار أمريكي، وشهادات الدكتوراه بأسعار تتراوح بين 10000 و20000 دولار. وقد كشفت السلطات العراقية في عام 2023 عن وجود أكثر من 27000 شهادة مزوّرة صادرة عن مؤسسات لبنانية. كما ذكر الكاتب أن هناك معلومات غير مؤكدة عن قيام عشرات الجامعات العراقية الخاصة - والتي غالبًا ما تكون مرتبطة بأحزاب سياسية أو عائلات نافذة - ببيع الشهادات دون رادع، متجاوزةً المعايير الأكاديمية والقانونية المعتمدة في الجامعات الحكومية.
قانون العفو عن المزوّرين
وذكّر الكاتب بإصدار البرلمان العراقي في عام 2020 قانونًا للاعتراف بالشهادات، تضمن العفو عن العديد من مشتري الشهادات المزوّرة من أي عقوبة. وبموجب هذا القانون، لا يُحاسَب المسؤولون وموظفو القطاع العام على صحة شهاداتهم، ولا يُتّخذ أي إجراء قانوني ضدهم، وهو ما وصفه أحد العلماء العراقيين المعروفين بالخطر الذي يهدد مصداقية الدولة وسمعتها، ويُقوّض التعاون الأكاديمي وتبادل المعرفة، ويعزل الأوساط الأكاديمية، ويفقد مؤسسات الدولة ثقة الجمهور، كاشفًا عن ضعف خطير في النظامين القانوني والتعليمي، فضلًا عن الفساد الإداري المستشري، وكلّها تهديدات للاستقرار والأمن على المدى الطويل.
واختتمت الصحيفة مقالها بالإشارة إلى أن تجارة الشهادات المزوّرة متجذّرة بعمق، وتُكلّف الدولة مئات الملايين من الدولارات سنويًا، مدمّرةً بذلك النظام التعليمي العراقي بأكمله، وموفّرةً وظائف لأشخاص غير مؤهّلين، مما يستدعي حملة وطنية جادّة لمواجهة هذه التجارة والقضاء عليها.