البصرة وصراع المتنفذين
نشر موقع أمواج البريطاني مقالًا تحليليًا حول تردي البنية التحتية والخدمات في محافظة البصرة، وما تسببه من اضطرابات اجتماعية وسياسية عميقة، تزامنت مؤخرًا مع الغضب الشعبي المتصاعد، الذي ألقى بظلاله على التحالفات السياسية المرتبطة بالانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في تشرين الثاني القادم.
صراع سياسي
وأوضح المقال أن قمع السلطات للمحتجين على نقص المياه، أدى إلى اتساع رقعة الصراع، ودفع القوى المناهضة للحكومة المحلية إلى استغلال الوضع لتحقيق مكاسب انتخابية، وتوسيع نفوذها في المنطقة. وقد دخلت هذه القوى في صراع مباشر، سعيًا لإزاحة المحافظ وكتلته السياسية، الأمر الذي لم يجعل استقرار البصرة، المركز النفطي الرئيسي في البلاد، على المحك فحسب، بل وأثر أيضًا في توازن القوى السياسية قبيل الانتخابات.
وأشار المقال إلى أن هذه الأزمات السياسية والاقتصادية والبيئية المتشابكة، تدل على أن القضايا المحلية المتجذرة، بما في ذلك الفساد المستشري، وإخفاقات الحكم، والتنافسات السياسية المتصاعدة، تلعب دورًا خطيرًا في إعادة تشكيل الديناميكيات الديمقراطية الدقيقة في العراق.
كارثة بكل المقاييس
وذكر المقال أن البصرة، التي تُعدّ عصب الاقتصاد العراقي، إذ تسهم بنحو 70 في المائة من إنتاج النفط الخام، وتضم ميناء المياه العميقة الوحيد الذي يُصدَّر عبره معظم النفط، تعاني من انهيار الخدمات العامة والبنية التحتية الأساسية، بما في ذلك التلوث الحاد في المياه، والانقطاعات المتكررة للكهرباء بسبب تهالك الشبكة، رغم الميزانيات الضخمة التي خُصصت لإعمارها. كما أشار إلى أن معدل البطالة في المحافظة يبلغ 22 في المائة، أي أعلى بنسبة 50 في المائة من المتوسط الوطني، إضافة إلى افتقار الأحياء إلى الطرق المعبدة، وشبكات الصرف الصحي، وتراكم النفايات، وسوء إدارة ملف النظافة، وتدهور الرعاية الصحية بسبب نقص الكوادر الطبية والأدوية، ورداءة الخدمات في المستشفيات الحكومية، وأخيراً، ظهور ظاهرة "الضباب الدخاني" والغازات المشتعلة قرب بعض المناطق السكنية، وما تسببه من أمراض خطيرة.
ورأى كاتب المقال أنه من الطبيعي أن تؤدي هذه الأوضاع إلى أزمات سياسية واجتماعية محلية عميقة ومستمرة، فضلًا عن الأزمات البيئية والصحية، لا سيما حين يُنظر إليها من قِبل السكان والمراقبين على أنها نتيجة مباشرة وواضحة للفساد والإهمال الحكومي.
وضرب الكاتب مثالًا على ذلك بالاحتجاجات واسعة النطاق التي اندلعت، وترافقت مع اشتباكات دامية مع الشرطة، إثر تفشي تلوث المياه بين عامي 2018 و2020، مما أدى إلى دخول أكثر من 118 ألف شخص إلى المستشفيات، وحرمان عدة أحياء من المياه النظيفة، وإغلاق محطات المعالجة، وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي، فضلًا عن نفوق الماشية وغيرها من الحيوانات.
كلمة حق، ولكن!
وأعرب كاتب المقال عن اعتقاده بأن عودة الحديث عن هذه الظروف الصعبة، ووصفها بـ "الموت البطيء لأربعة ملايين عراقي"، لا يرتبط بحجم المظالم القديمة، بل بما يفرضه العام الانتخابي من صراعات بين المتنفذين. وأشار إلى أن التحديات البيئية، والفجوة المستمرة بين الإمكانات الاقتصادية والمصاعب اليومية، هي قضايا مستمرة منذ زمن طويل، في ظل الحكومة المحلية ذاتها، من دون اعتراض يُذكر من معظم الأطراف.
وأضاف أن قوى سياسية مناهضة للمحافظ قد نجحت، على ما يبدو، في تأليب رئيس الحكومة عليه من جهة، كما أوصت لجنة نيابية تهيمن عليها هذه القوى البرلمان بإقالته، لأسباب تتعلق بملفات فساد مرتبطة بالبنية التحتية الحيوية لميناء البصرة والتجارة التي تمر عبره، وهو الميناء الذي تسعى هذه القوى ذاتها إلى الهيمنة عليه.