شهدت جميع محافظات البلاد، أمس الأربعاء، موجة واسعة من الاحتجاجات شملت المعلمين والكوادر التربوية وخريجين تربويين وإداريين، إضافة إلى سائقين ومواطنين، في مشهد يعكس تصاعد الغضب الشعبي من السياسات الحكومية المتعلقة بالطعن بتعديل قانون وزارة التربية، وقرارات التعيين الإداري، والغرامات المرورية المرتفعة.
وبينما تراجعت وزارة المالية عن طعنها قبل وصول المحتجين إلى موقع التظاهر، استمرت الفعاليات الاحتجاجية بوتيرة أعلى، وسط تأكيدات على المضي بخطوات تصعيدية ما لم تُلبَّ المطالب.
اعتصام يتحول إلى احتفال
وحوّل المعلمون والكوادر التربوية، أمس الأربعاء، اعتصامهم أمام وزارة المالية في بغداد، إلى ما يشبه الاحتفال، بعد أن تراجعت الوزارة عن قرارها بالطعن في تعديل قانون وزارة التربية، الذي يمنحهم مخصصات مالية واستحقاقات معتبرة، وذلك قبل وصول المعلمين إلى موقع التظاهر.
ويأتي هذا التراجع بعد الإضراب واغلاق المدارس، استجابة لدعوة نقابة المعلمين العراقيين، احتجاجًا على الطعن الذي أبدته الوزارة بحجة "قلة السيولة المالية وارتفاع كلفة الرواتب، واللجوء إلى الاقتراض لتغطية النفقات".
وبرغم إعلان المالية تراجعها عن الطعن، دشنت كوادر تربوية في شارع الإمام علي وسط الناصرية، امس، تظاهرة حاشدة، حيث أكد منظموها استمرار احتجاجاتهم لحين صرف المخصصات وتوزيع قطع الأراضي التي أقرتها الحكومة للكوادر التربوية. وأكد نقيب المعلمين العراقيين، عدي العيساوي، أن الاحتجاج جاء نتيجة طعن وزارة المالية بفقرة مضاعفة المخصصات المهنية للمعلمين وفق التعديل الأول لقانون وزارة التربية.
وقال العيساوي إن مضاعفة المخصصات حق قانوني لا يمكن التنازل عنه، مشيرًا إلى أن المعلمين ينتظرون تنفيذ القانون في موازنة 2026.
وأشار إلى أن المعلمين عادوا إلى مدارسهم، وسيتم تعويض الطلبة عما فاتهم من دروس خلال ساعات التظاهر، مؤكدًا أنه سيكون للمعلمين موقف آخر في حال التنصل عن تطبيق القانون خلال موازنة العام المقبل.
تظاهرات في المثنى وبابل
وفي محافظة المثنى، خرج عدد كبير من الكوادر التربوية في تظاهرة احتجاجية، أكد المشاركون فيها أن مطلبهم الرئيسي هو التراجع عن قرار الطعن، معتبرين أن المخصصات حق أصيل للعاملين في القطاع التربوي.
وفي محافظة بابل، شهدت التظاهرة مشاركة آلاف المعلمين والمدرسين، بدعوة من نقابة المعلمين العراقيين فرع بابل، مطالبين بتفعيل قانون حماية المعلم وضمان حقوقهم الدستورية والقانونية، بما في ذلك مخصصات 150 ألف دينار، وصرف المستحقات بأثر رجعي، ومنح العلاوات الترفيعية المتوقفة منذ سنوات، وضمان الحقوق في موازنة 2026، بالإضافة إلى المطالبة بقطع الأراضي المخصصة للمعلمين.
وفي تظاهرة بابل التربوية، قدّم نقيب المعلمين ثائر وحيد الجبوري مجموعة من الكتب والمطالب الرسمية إلى محافظ بابل عدنان فيحان، بصفته مسؤول السلطة العليا في المحافظة ليتم رفعها إلى الحكومة الاتحادية ورئاسة الوزراء للبت فيها بشكل عاجل.
تحذيرات من تصعيد أكبر
وأكد المعلمون أن خروجهم اليوم يأتي دفاعًا عن حقوق راسخة نص عليها الدستور.
وكانت حشود من المتظاهرين، قد عبرت جسر محافظة ميسان متجهة نحو مبنى الحكومة في مدينة العمارة، احتجاجًا على قرار الطعن بالمادة (4/ثالثاً) من التعديل الأول لقانون وزارة التربية، رغم سحب الوزارة للطعن.
وردد المتظاهرون النشيد الوطني "موطني"، ورفعوا شعارات تندد بـ"سلب الحقوق"، مطالبين بصرف المستحقات القانونية.
وشهدت بقية المحافظات احتجاجات حاشدة رافضة ومنددة بمحاولة سلب مكتسبات المعلمين.
تفاصيل الطعن وتداعياته على الموازنة
وكانت وزارة المالية قد طعنت في الرابع من تشرين الثاني الجاري، على تعديل قانون وزارة التربية، الذي يمنح الكوادر التربوية امتيازات ومخصصات مالية، مشيرة إلى أن ذلك سيكلف الخزينة الكثير من الأموال وسط أزمة السيولة وارتفاع أسعار النفط، قبل أن تتراجع عن طعنها، مما يُلزِم الوزارة بصرف نحو تريليون و800 مليار دينار سنويًا لأكثر من مليون و150 ألف موظف من الملاكات الدائمة والعقود.
مطالب الخريجين والإداريين
وجدد خريجون تربويون وإداريون في محافظة المثنى، مطالبهم بضرورة توفير فرص عمل لهم، مؤكدين أهمية إدراج ملحق عقود جديد ضمن مديرية تربية المحافظة، خلال وقفة احتجاجية نظموها داخل مقر نقابة المعلمين.
وقال ممثل الخريجين، جهاد الركابي، أن المطالب تتضمن إضافة فقرة خاصة بالخريجين التربويين، لضمان شمولهم ضمن الاحتياجات الفعلية للمدارس، وتحقيق فرص عمل مستدامة لهم في القطاع التربوي.
وأضاف الركابي أن المطلب الآخر يتمثل في توفير درجات وظيفية جديدة للإداريين، لسد النقص الحاصل في المؤسسات التربوية بالمحافظة، بما يسهم في تحسين أداء المدارس وتلبية احتياجات العملية التعليمية.
احتجاجات ضد المحاصصة
وأغلق محتجون، مبنى قائم مقامية قضاء الكحلاء في محافظة ميسان، في خطوة احتجاجية تصعيدية ضد قرار مجلس المحافظة بتعيين قائم مقام جديد للقضاء، مؤكدين أن التعيين جاء مخالفًا لرغبتهم.
وقال عدد من المحتجين أن لديهم مرشحين محددين لشغل منصب قائممقام الكحلاء، مشيرين إلى أن مرشحيهم كانوا "جديرين بالمنصب"، حسب تعبيرهم. وأضافوا أن مجلس المحافظة رفض جميع مرشحيهم وقام بتعيين مرشح وصفوه بـ"مرشح الأحزاب"، وهو ما اعتبره المحتجون قرارًا قائمًا على "تقسيمات حزبية" وليس على أساس الكفاءة أو القبول العشائري.
وجاء إغلاق مبنى القائم مقامية بعد أن نظم العشرات من سكان قضاء الكحلاء مسيرة راجلة، للتنديد بالتعيين الجديد، مؤكدين استمرار تحركاتهم السلمية حتى تلبية مطالبهم وإعادة النظر في قرار التعيين.
احتجاجات السائقين
ونظم عدد من سائقو سيارات الكيات والتكسيات والسيارات الخاصة، وقفة احتجاجية أمام مديرية المرور العامة قرب ملعب الشعب، للتنديد بأسعار الغرامات المبالغ فيها والأخطاء في تسجيلها، مطالبين بتعديل إجراءات التسجيل وإلغاء الغرامات المسجلة حاليًا أو خصم نصف قيمتها.
وقال علي عباس، أحد السائقين المشاركين في التظاهرة، إن الغرامات المسجلة على سيارته تجاوزت 5 ملايين دينار، مؤكدًا أن هناك تسجيلات خاطئة على جميع السيارات بسبب غياب الرقابة، مشددًا على ضرورة تخفيض قيمة الغرامات وإلغاء الكاميرات داخل المدن، مع إبقائها فقط في الطرق الدولية والخارجية.
وأضاف عباس: "أنا الآن مستعد لبيع سيارتي بعد تسجيل غرامات عليها تفوق قيمتها بكثير". من جانبه، أشار سيف حسن، سائق متظاهر، إلى تلقيه غرامتين قيمتهما 800 ألف دينار في يوم واحد على موقع لم يزره أصلاً، موضحًا أن قيمة الغرامات الإجمالية على سيارته وصلت إلى 5 ملايين دينار بسبب أخطاء في التسجيل، وهو ما اعتبره ظلمًا للسائقين.
كما أكد أياد علاء، متظاهر آخر، وجود "إجراءات تعسفية وظلم كبير يتعرض له السائقون من قبل رجال المرور، حيث يتم مضاعفة قيمة الغرامة خلال شهر واحد"، مضيفًا أن "الكثير من المواطنين لا يراجعون مديرية المرور عند تسجيل الغرامة الخاطئة، ما يؤدي إلى تراكم الظلم".
وطالب المحتجون بفتح تحقيق عاجل لتصحيح الأخطاء في نظام تسجيل الغرامات، وإعادة النظر في الأسعار والإجراءات المعمول بها لضمان العدالة للسائقين.