في الوقت الذي تعيش فيه العديد من الأسر ضغوطا اقتصادية واجتماعية متصاعدة، تتفاقم معاناة المرأة التي لها أطفال في سن الدراسة، جراء ارتفاع تكاليف التعليم بمؤسسات القطاع الخاص، وتدني المستوى التعليمي في المدارس الحكومية، الأمر الذي يضعها أمام صعوبة الاختيار بين تحمّل العبء المالي أو الإبقاء على أبنائها في هذه المدارس.
لقد بات لجوء أولياء الأمور للمدارس الأهلية كبديل للمدارس الحكومية، يفترض أن يوفر جودة تعليمية أفضل، ظاهرة شائعة في البلاد، رغم إن هذا البديل صار شكلاً من أشكال الرفاهية المكلفة، حيث تشير التقارير الحديثة الى أن رسوم المدرسة الأهلية الواحدة لا تقل عن مليون ونصف المليون دينار تقريبا، وقد تصل أحيانا إلى ضعف هذا الرقم أو أكثر.
قصص من الواقع
تقول أوراس حسين، موظفة، لـ " طريق الشعب": "ازدحام التلاميذ في صفوف المدارس الحكومية يؤثر على أداء المعلم في تقديم الدرس، وبالتالي يؤثر على مستوى التلاميذ، الأمر الذي أجبرني على تغيير مدرسة ابنتي واستبدالها بمدرسة أهلية، على الرغم من التكاليف المالية المرتفعة."
أما رغد سعد، ربة منزل وأم لثلاثة أولاد، فأوضحت لـ " طريق الشعب" أن "رسوم المدارس الأهلية ارتفعت هذا العام بعد أن تغيرت الإدارة وتحسن المظهر الخارجي للمدرسة، لكن التعليم نفسه ليس بالمستوى الذي يبرر هذا الفرق الكبير عن المدرسة الحكومية، باستثناء الخدمات."
وتضيف "أدفع سنوياً ثمانية ملايين دينار فقط أجور الدراسة في مدرسة أهلية، ثم يفرض على التلاميذ دفع اشتراك باص المدرسة، إضافة إلى تكاليف الزي الرسمي والكتب والقرطاسية."
وعن سبب تفضيلها للمدارس الأهلية رغم ملاحظاتها على مستواها، تذكر "لأنها أقرب إلى منزلي من المدرسة الحكومية التي يتطلب الوصول إليها عبور شارع رئيسي، فالمدارس الحكومية تخلو من باصات مدرسية لنقل التلاميذ، الأمر الذي يعرض الكثير منهم للخطر." وتنبه رغد إلى وجود حاجة ملحّة لتدخل وزارة التربية من أجل توحيد رسوم المدارس الأهلية وتخفيف الأعباء عن أولياء الأمور.
وجهة نظر تربوية
وفي هذا الخصوص، ترى المعلمة هند عادل، التي تعمل في مدرسة حكومية "أولياء الأمور يتخلّون عن التعليم الحكومي ليس لأننا لا نرغب في تقديم الأفضل، بل لأنهم لا يرون خياراً يلبي سقف توقعاتهم. فالفصل يحتوي على أكثر من 80 تلميذاً، والمعلم يقدم مادته في ظروف عمل صعبة، إذ تفتقر أغلب الصفوف الدراسية إلى أبسط متطلبات التعليم". وتضيف قائلة "لكن في المدارس الأهلية، الرسوم مرتفعة جدا، ومع ذلك ليست كل المدارس الأهلية تقدم جودة تعليمية كما يصرح به. هناك مدارس تهتم بالمظهر أكثر من الجوهر، بل إن بعض المدارس تعمل وتستقبل التلاميذ دون أن تمتلك معايير التعليم التي تحددها وزارة التربية."
من جانبها، تقول الدكتورة زهرة قاسم، المتخصصة في شؤون التربية "التحول نحو التعليم الأهلي بصورة كبيرة يطرح سؤالا حول العدالة في فرص التعليم. فالتعليم حق لكل طفل، لكن عندما يتحول إلى سلعة بهدف الربح، فإن ذلك يضع الأطفال الأشد فقرا في وضع أقل حظاً. وتشير إلى أن "الحكومة العراقية خصّصت نسبة محدودة من موازنتها للتعليم، ما فاقم من ضعف المدارس الحكومية وفتح مساحة أكبر للقطاع الأهلي".
أرقام وضغوط
تشير البيانات إلى أن نسبة الإنفاق على التعليم في العراق تتراوح بين 4 – 8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، حسب تقارير تحليلية، فيما لا تقل رسوم المدارس الأهلية، بحسب المصادر، عن مليون ونصف المليون دينار، وترتفع في بعضها إلى ضعف هذا الرقم. ويقول ناصر الكلابي، المتخصص في الشأن التربوي، إن "معظم أصحاب المدارس الأهلية هم من المستثمرين أو مدعومين سياسياً، مما يُضعف الرقابة ويسهم في إدخال التعليم إلى منطق الربح".
انعكاسات على المرأة والأسرة
وتلقي الضغوط المادية الكبرى بثقلها على المرأة، التي غالبا ما تكون المسؤولة عن شؤون المنزل ورعاية الأولاد، فتجد نفسها مضطرة للاختيار بين تخفيض نفقات أساسية أو تسجيل أولادها في مدارس أقل جودة. ومع ضعف الأداء في المدارس الحكومية، قد تشعر بأنها تُخاطر بمستقبل أبنائها إن لم تستطع التحول إلى التعليم الأهلي.
وفي كثير من الحالات، تضاف إلى هذا الضغط "تكاليف الدروس الخصوصية"، التي باتت ضرورية حتى بعد الانتساب إلى مدرسة أهلية، مما يزيد العبء المالي على الأسرة.
وأخيراً، تجد المرأة العراقية نفسها اليوم في مركز تحد مزدوج: أولًا كأم تعمل أو تهتم بشؤون البيت، وثانيا كمسؤولة عن مستقبل أولادها التعليمي. ومع ارتفاع تكاليف التعليم الأهلي وعدم قدرة المدارس الحكومية على تقديم ما يرضي الكثير من الأهالي، تبقى الخيارات محدودة ومثقلة بالضغوط. وإذا ما استمرت هذه الحالة، فإن الفجوة بين من يستطيع دفع الرسوم ومن لا يستطيع سترسخ فجوة اجتماعية تؤثر في فرص الأجيال القادمة.
إن معالجة هذا الأمر لا تصب فقط في مصلحة المرأة أو الأسرة، بل في مصلحة المجتمع بأسره، لأن توفير تعليم جيد لكل طفل يعني بناء مستقبل أفضل للبلد ككل.