منذ إقرار "مدونة الأحوال الجعفرية"، تتصاعد الانتقادات الحقوقية والنسوية لما تضمنته من مواد وصفت بأنها تكرس التمييز ضد النساء، وتعيدهن خطوات إلى الوراء. فبعد دخولها حيز التنفيذ، بدأت آثارها بالظهور في الواقع الاجتماعي، إذ سجلت محاكم الأحوال الشخصية مؤخرا ارتفاعا في حالات الطلاق، إلى جانب بروز ظواهر جديدة من الابتزاز الذي تتعرض له نساء كثيرات من قبل أزواجهن السابقين، تحت ذريعة الحضانة أو النفقة.
ابتزاز مالي
وتروي المحامية سرى جبار، قصة إحدى موكلاتها التي عانت من هذا الابتزاز فتقول: "بعد عشر سنوات من الانفصال، عاد طليقها الذي لم ينفق على أطفاله طوال هذه المدة ليهددها برفع دعوى حضانة، مستندا إلى المدونة الجديدة التي تمنح الأب الأفضلية في الحضانة بعد سن السابعة، مطالبا إياها بمبلغ 120 مليون دينار مقابل التنازل". وتؤكد أن "مثل هذه الحالات بدأت تتكرر، لأن القانون منح الرجال مساحة أكبر للضغط على النساء عبر الأطفال".
وترى المحامية أن هذه التعديلات "لم تكتب بروح العدالة، بل بصيغة فقهية جامدة تجاهلت واقع النساء العراقيات"، مشيرة إلى أن "القانون فتح بابا واسعا للابتزاز المالي والنفسي، وأضعف من مكانة الأم في الأسرة".
ارتفاع نسب الطلاق
من جانبها، تقول الناشطة النسوية إباء العزاوي إن "المدونة كانت أحد الأسباب في ارتفاع نسب الطلاق في الأشهر الأخيرة، لأنها منحت الرجل سلطة مطلقة في اتخاذ قرار الانفصال، دون إلزامه بإخطار الزوجة أو الحصول على موافقتها". وتضيف: "كثير من النساء فوجئن بوقوع الطلاق، ما زاد من تفكك الأسر وعمق الفجوة داخل المجتمع".
وتوضح العزاوي أن "القانون بصيغته الحالية شجع بعض الرجال على استغلال النصوص القانونية للتهرب من المسؤولية، أو للتلاعب بمصير أسر كاملة"، مؤكدة أن "النتيجة كانت تراجع الثقة بالمنظومة القانونية وازدياد حالات الانفصال بسبب الخوف من الظلم".
تمييز ضد النساء
وفي بيان صدر مؤخرا، وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش "مدونة الأحوال الشخصية" الجديدة في العراق، والتي أقرها البرلمان في 27 آب، بأنها "تمييز ضد النساء لصالح الرجال في مسائل الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال ورعايتهم".
وأضافت الباحثة في المنظمة سارة صنبر أن "المدونة ترسخ التمييز ضد النساء وتحط من شأنهن قانونيا ليصبحن مواطنات من الدرجة الثانية، كما تسلبهن حق تقرير مصيرهن وتمنحه للرجال".
المدونة، بحسب بيان المنظمة، تتضمن أحكاما "تقوض حقوقا اكتسبتها النساء بشق الأنفس"، من بينها "السماح للزوج بتطليق زوجته دون إخطارها أو الحصول على موافقتها، ونقل مسؤولية الحضانة تلقائيا إلى الأب بعد سن السابعة، والسماح له بتحويل عقد الزواج ليخضع لأحكام المدونة بدلا من القانون 188 لسنة 1959 من دون علم أو موافقة الزوجة".
زواج القاصرات
بدورها، حذرت منظمة العفو الدولية من أن التعديلات "تفتح الباب أمام قنونة زواج القاصرات والزيجات غير المسجلة"، مؤكدة أن ذلك "يجرد النساء والفتيات من الحماية القانونية في قضايا تتعلق بالطلاق والميراث"، فيما تشير تقارير قضائية غير رسمية إلى أن بعض المحافظات شهدت ارتفاعا بنسبة تزيد على 15 في المائة في معدلات الطلاق منذ إقرار المدونة. وتقول المحامية سماح الطائي إن "المشكلة الأساسية تكمن في أن القانون أعطى للرجل حقا دون أن يلزمه بمسؤولية، فبدل أن يكون وسيلة لتنظيم الحياة الأسرية، أصبح أداة للهيمنة والضغط"، مشيرة إلى أن "النساء اليوم يواجهن خيارين كلاهما مرّ: الابتزاز المالي مقابل الحضانة، أو فقدان أطفالهن بحكم قانوني لا يراعي مصلحتهن ولا مصلحة الصغار".
الإضرار بمصلحة الطفل
وتضيف أن "المدونة عمقت هشاشة الأسرة، لأن الخوف من فقدان الحضانة أو الطلاق المفاجئ جعل كثيرا من النساء يعشن تحت تهديد دائم"، مؤكدة أن "ارتفاع نسب الطلاق مؤشر خطير على فشل القانون في تحقيق التوازن بين حقوق الطرفين".
وبينما تتواصل الدعوات لمراجعة المدونة أو إلغائها بالكامل، يرى مراقبون أن استمرار العمل بها سيقود إلى مزيد من التمزق الاجتماعي، إذ لم تعد النساء وحدهن المتضررات، بل الأطفال أيضا، الذين يدفعون ثمن صراعات قانونية معقدة.
وتختم الطائي بالقول "القانون الذي يفترض أن يحمي الأسرة أصبح أحد أسباب تفككها. وما لم يعاد النظر فيه بروح العدالة والمساواة، سنشهد مزيدا من البيوت التي تهدم، ومزيدا من النساء اللواتي يجبرن على التنازل عن حقوقهن تحت مسمى الحضانة أو الطاعة".