متابعة – طريق الشعب
تُبدي الطالبة ربى الجنابي انزعاجا مما تصفه بـ"الاستفزاز والتشويه" كلما مرّت في شارع أبي نؤاس، حيث تغطي "فوضى" الدعاية الانتخابية ملامح الشارع بحلته الجديدة. فيما أشرّ "مرصد العراق الأخضر" المعني بالبيئة تضرر آلاف الاشجار وأنابيب المياه والجزرات الوسطية في عموم البلاد، بسبب الدعايات الانتخابية غير المنظّمة. ويوم الاثنين الماضي تم افتتاح المرحلة الأولى من مشروع توسعة شارع أبي نؤاس، في إطار حملة فك الاختناقات المرورية وتحسين البنية التحتية. ويتألف المشروع من جسرين رئيسين وشارع خدمي يمتد بمحاذاة ضفاف دجلة موازيا للشارع الرئيس. تقول ربى في حديث صحفي، أنه "من حق أي مرشح أن يسوّق نفسه ويطرح برنامجه الانتخابي ويعلّق صوره. وهذا أمر مشروع وفق القانون، لكن شريطة ألا يُشكّل ذلك أية مخالفات قانونية".
وتضيف قولها أن "ما يحصل حالياً في الدعايات الانتخابات هو تشويه حقيقي وتخريب للشوارع والتقاطعات، وأحياناً يشكل استفزازاً للمواطن". وينتشر عدد كبير جداً من الصور واللافتات وملصقات المرشحين على جانبي الشارع وحدائقه وجزرته الوسطية، وهو ما يثير استياء المارّة والعائلات التي باتت تقصده بكثرة بعد أن أصبح متنفسا. حيث بات التلوث البصري يطغي على تفاصيل المكان.
تضرّر 250 ألف شجرة
وكان "مرصد العراق الأخضر" قد رصد تضرر آلاف الاشجار وأنابيب المياه والجزرات الوسطية بسبب الدعاية الانتخابية، مبينا في تقرير أصدره الأحد الماضي، أن نحو 250 ألف شجرة موزعة على 15 محافظة تضررت بسبب الدعايات الانتخابية، وان الاضرار تنوعت ما بين "قطع تلك الأشجار، وثقبها، وتكسير الاغصان من اجل تعليق الدعايات". ويوضح ان هناك جزرات وسطية كثيرة تضررت بشكل تام، مشيرا إلى تضرر النباتات والثيل ومرشات وانابيب المياه، واختفاء النافورات الصغيرة والديكورات الضوئية خلف صور المرشحين.
ويخلص المرصد في تقريره إلى أن "كل ما حصل هو نتاج عدم التزام المرشحين بقواعد الدعاية الانتخابية رغم اصدار تعليمات من قبل المفوضية وامانة بغداد والبلديات الاخرى بضرورة الالتزام بها".
الإصلاح الحقيقي أهم من الصور
من جانبه، يقول المواطن مهدي عبد السادة أن "المبالغة في الدعايات الانتخابية مجرد إنفاق أموال طائلة دون جدوى، وتخريب غير مبرر للشوارع والمتنزهات"، منوهاً في حديث صحفي إلى أن "الدعايات تنتشر بشكل كثيف في الشوارع العامة والجسور والساحات والتقاطعات، وهي مزعجة للبصر".
ويرى أن "الناس بحاجة إلى برامج إصلاحية حقيقية من قبل المرشحين لا إلى الصور والقوائم الانتخابية، وأن من الضروري أن يكون هناك التزام بضوابط الدعاية بدل الفوضى والعشوائية التي نراها في شوارع بغداد منذ بدء الحملات الانتخابية".
ومنذ انطلاق الحملات في 3 من الشهر الجاري، شهدت بغداد والمحافظات خروقاً جمة خلفت أضرارا بالشوارع والطرق والجسور. حيث يخالف بعض المرشحين توصيات أمانة العاصمة وبلديات المحافظات، وما وُضع من ضوابط في هذا الشأن. ويلفت عبد السادة إلى أن "كثرة الصور للمرشح تأتي بالسلب عليه. فهناك مرشح وضع لافتة على طول عمارة سكنية، ووضع أكثر من 50 لافتة بين شارع وشارع، وهذا بالذات يطرح أسئلة كثيرة حول مصدر أموال هذه الإعلانات. وبذلك يخشى المواطن انتخابه".
الالتزام يبدأ من الشارع قبل البرلمان!
تبذل السلطات المحلية في بغداد جهوداً واضحة في حملات الإعمار وإعادة تأهيل الشوارع، ومنها شارع أبي نؤاس، الذي يمتاز بحدائقه الجميلة وموقعه المطل على نهر دجلة. فيما تشوّه الدعايات الانتخابية غير المنظمة تلك الأماكن الحيوية.
وتعرّضت أرصفة شارع أبي نؤاس وجزرته الوسطية إلى تخسفات وحفر جرّاء نصب قواعد حديدية كبيرة تحمل صور المرشحين، واستخدام مادة الاسمنت في تثبيتها. وهي مادة مضرة بالنباتات.
في السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية فيصل عبد القدوس، أن "هناك جهوداً بذلتها الحكومة ومؤسساتها من أجل أن تكون العاصمة جميلة ونظيفة".
وينبّه في حديث صحفي من يرغب في التصدي للمسؤولية والوصول إلى قبة البرلمان إلى "الالتزام بضوابط ومحددات الدعاية الانتخابية التي وضعتها مفوضية الانتخابات، لا أن يخرق القوانين ويشوّه المدينة التي يجب أن يكون هو أول المحافظين عليها".
ويؤكد عبد القدوس أن "العديد من شوارع العاصمة، كذلك الجسور والساحات العامة، تعرّض للتشويه بسبب صور المرشحين، ومنها شارع أبي نؤاس الذي تم تأهيله ليكون مكاناً يجمع العائلات البغدادية ويحتضن الأنشطة الثقافية والاجتماعية".
ويلفت إلى "عدم وجود إجراءات قانونية يمكن التعامل معها لتطبيقها ضد المرشحين المخالفين، باستثناء الغرامات المالية التي لا تشكل رادعاً حقيقياً لوقف التشوّهات التي لحقت بالشوارع".
بين أمانة العاصمة والمرشحين
وكانت أمانة بغداد قد وضعت ثماني توصيات تتعلق بالدعايات الانتخابية، بموازاة تشكيل مفوضية الانتخابات فرقاً لمتابعة ورصد مخالفات المرشحين، وفرض غرامات مالية ضد المخالف.
وفي حديث صحفي، يذكر المتحدث باسم الأمانة عدي الجنديل، أن التوصيات تتضمن عدم لصق أي إعلان انتخابي على الجدران باستخدام الصمغ أو الغراء، وعدم تثبيت لوحات الدعاية على قطع الدلالة المرورية للطرق العامة، وعدم تثبيتها في الحدائق العامة والجزرات الوسطية للشوارع والأرصفة باستخدام مادة الإسمنت.
ويضيف قوله أن "التوصيات تضمنت أيضاً عدم جواز استخدام جدران ومباني الدوائر الحكومية والمدارس والجامعات والجوامع والحسينيات والأماكن المقدسة والجسور والأماكن التراثية والأثرية والنصب والتماثيل لنشر إعلانات الأحزاب والمرشحين ضمن الحملة الانتخابية". ويُنبّه الجنديل إلى ان التوصيات شددت على أن تكون وسائل الدعاية الانتخابية من المواد التي تسهل إزالتها بعد انتهاء الحملة. كاستخدام القماش واللوحات المعدنية أو الخشبية التي يسهل رفعها، فضلاً عن استخدام لوحات الفلكس الحديثة ضمن الأماكن المحددة لذلك.
فيما يلفت إلى انه "في حالة وضع وسائل الدعاية الانتخابية بشكل مخالف، يتم توثيق المخالفة من قبل كوادر الدوائر البلدية وإزالتها فوراً، وفرض غرامات مالية بحق المرشحين والأحزاب السياسية والائتلافات وفقاً لأحكام القرارات والقوانين البلدية النافذة". في المقابل يحمّل مرشحون الجهات المعنية بتنظيم الحملات الدعائية، المسؤولية عن هذه الفوضى، لعدم توفير الأماكن المناسبة لوضع الدعايات.
وتنقل وكالة أنباء "شفق نيوز" عن إحدى المرشحات قولها، أن "الجهات المتخصصة وضعتنا في موقف محرج. فهي تمنع وضع الإعلانات على الأرصفة وعلى الجدران وغيرها، لكنها لم تجهز مناطق مخصصة للإعلانات قبل هذه الشروط".
وتوضح المرشحة التي حجبت وكالة الانباء اسمها، أنه "في الدول الأوربية مثلاً، توجد منصات جدارية خاصة بصور المرشحين بين شارع وآخر، وبالتالي لا يخسر المرشح أموالاً طائلة ولا يشوّه وجه المدينة".
وترى أن "هذه الشروط أحدثت إشكاليات كبيرة بين المرشحين. فالأماكن المحددة والمشروطة أصبحت صغيرة مقارنة بآلاف اللافتات، وبالتالي فإن شجارات كثيرة حصلت بين فرق عمل مرشح وآخر وبعضهم قام بحجز الأماكن مسبقاً".