مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، تتباين مواقف العمال في البلاد إزاء المشاركة فيها، بين من يرى أنها وسيلة للتغيير وفرصة لاستعادة الحقوق المهدورة، ومن يعتبرها مجرد تكرار لخيبات سابقة لم تثمر سوى المزيد من الوعود غير المنفّذة. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العامل، يبدو الحديث عن الانتخابات مرتبطا بشكل وثيق بقضايا الأجور، والضمان الاجتماعي.
في أحد معامل إنتاج الطابوق، يقول العامل محمود حميد، وهو يعمل بأجر يومي منذ أكثر من عقدين: "نشارك في كل الانتخابات، لكن حالنا على ما هو عليه. الوعود تتكرر، والأوضاع تبقى كما هي. بعد الانتخابات، لا أحد يسأل عن العمال، وكأننا مجرد أرقام في صناديق الاقتراع".
ويضيف "نريد من يمثلنا فعلا، لا من يرفع شعاراتنا ثم ينسى مطالبنا".
أما إياد عبد الكريم، وهو عامل تنظيف، فيرى أن المشاركة رغم كل الإحباطات تبقى ضرورية. ويقول لـ" طريق الشعب" "صحيح أن عمال النظافة على الرغم من دورهم المجتمعي الكبير إلا أنهم أكثر الفئات التي تعاني التهميش الحكومي، لكن يجب ألا نفقد الأمل، أنا أعمل لإعالة أطفالي، ولا أطلب سوى مسؤولين يشعرون بما نعانيه يوميا، خاصة وأن أجورنا على الرغم من تثبيتنا على الملاك الدائم مازالت قليلة."
وتشاركه في الرأي المواطنة حنان علي، وهي عاملة في أحد ورش الخياطة، لكنها تشدد على أهمية الوعي الانتخابي. تقول لـ "طريق الشعب" إن"العمال يجب أن يصوتوا بناء على برامج واقعية، لا على الانتماءات الفرعية أو الوعود المؤقتة. نحن بحاجة إلى نقابات عمالية قوية وتنظيم حقيقي حتى يكون لصوتنا وزن وتأثير".
أما العامل أحمد رعد، الذي يعمل في ورشة للحدادة، فيعتقد أن المقاطعة ليست حلا. يقول: "كنت في السابق لا أشارك في التصويت، لكنني أدركت أن العزوف يمنح المجال للفاسدين ليبقوا. صحيح أن المشاركة لا تضمن التغيير الفوري، لكنها وسيلة للضغط".
ويضيف: "ما نحتاجه هو وعي في اختيار من يعمل لمصلحة العمال ويوحد عمل نقاباتهم العمالية، لا تصويت عشوائي أو قناعة بعدم المشاركة في الانتخابات".
من جانبه، يؤكد الباحث في الشؤون الاجتماعية حميد اللامي أن ضعف التنظيم النقابي وضعف الثقافة السياسية لدى العمال، ساهما في تهميشهم عن المشهد الانتخابي. ويقول لـ" طريق الشعب" إن "العمال يمثلون كتلة انتخابية كبيرة، لكن أصواتهم مشتتة. لو كان هناك تنظيم نقابي حقيقي يمثلهم، لأصبح تأثيرهم جوهريا في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية".
في المقابل، يرى العامل جاسم مطر، الذي يعمل في إحدى شركات المقاولات، أن المشاركة واجب وطني مهما كانت النتائج. ويقول لـ" طريق الشعب" "قد لا يتغير الواقع بسرعة، لكن الامتناع عن التصويت يعني التخلي عن حقنا في المطالبة، خاصة وأن أغلب عمال شركات المقاولات يعانون من عقود العمل غير القانونية وتتضمن شروط عمل تعجيزية".
غير أن بعض العمال لا يخفون تشاؤمهم من العملية الانتخابية. يقول نزار علي، عامل بناء "النتائج محسومة مسبقا، والوجوه ذاتها تعود كل مرة. أفضل أن أعمل في يوم الانتخابات لأكسب قوتي بدلا من إضاعة الوقت في تصويت لا يغير شيئا".
بين من يشارك بدافع الأمل ومن يقاطع بدافع اليأس، تظل مشاركة العمال في الانتخابات مرآة لوضعهم الاقتصادي والاجتماعي. فالعمال، الذين يشكلون قاعدة الإنتاج في البلاد، ما زالوا يعانون ضعف التمثيل داخل المؤسسات السياسية، في وقت تتزايد فيه الضغوط المعيشية وتهمل فيه تشريعات حماية العمل.
ومع كل دورة انتخابية جديدة، يتجدد السؤال في ورش العمل ومعامل الإنتاج: هل يمكن لصوت العامل أن يصبح يوما ما قوة قادرة على تغيير المعادلة السياسية؟ أم سيبقى مجرد رقم يستخدم في الحملات الانتخابية ثم ينسى بعدها؟