مرةً أخرى تُثبت المنظومة الكهربائية عندنا أنها أكثر هشاشة من مظلة ممزقة تنهار تحت أول رشة مطرٍ. لا عاصفة هائجة ضربت، ولا سيول جارفة اجتاحت، ولا "تسونامي" اقتلع أعمدة.. فهو مجرد مطر خريفي مُعتاد!
لا أحد يفهم كيف يمكن لقطرات بسيطة، تُعد نعمة في كل بلاد العالم، أن تتحول عندنا إلى حالة طوارئ كهربائية. هل شبكة الكهرباء مصنوعة من ورق فسرعان ما تذبل وتتلاشى بالبلل؟ أم أن الصيانة الدورية مجرد بند محفوظ في التقارير وليس على الأعمدة والأسلاك؟!
الأدهى من ذلك هو أن الأزمة تتكرر عاما تلو آخر، ومعها الأعذار من قبيل: الشبكة غيّر مؤمّنة من الماء! هذه الجملة وحدها تكشف حجم الفشل. فكيف لدولة بإمكاناتها أن تعجز عن حماية بناها التحتية من أمطار اعتيادية؟ وإذا كانت الشبكة لا تتحمل المطر الخفيف، فماذا لو جاءتنا أمطار شديدة الغزارة أو ظروف جوية أصعب؟!
في فصل الخريف، تتحسن الكهرباء نوعا ما، فينعم بها الناس بعد صيف ملتهب وتدهور كهربائي يحرق الأعصاب قبل الأجساد..في مثل هذه الأيام الناس لا يتمنون المستحيل، فقط يريدون كهرباء تصمد قليلا تحت لمسات المطر كي يحلو لهم الجو.. يريدون مؤسسات تستعد للفصل المطري كما تستعد له كل دول العالم، لا أن تتفاجأ به كل مرة وكأنه حدث استثنائي طارئ.
إن بقاء الوضع على هذا الحال يعني أمرًا واحدًا: لا صيانة حقيقية، ولا تحديث للشبكة، ولا مسؤول يشعر بحجم المعاناة اليومية التي يعيشها المواطن عندما يتحول الجو الماطر من أجمل أيام السنة، إلى أسوأها!
وبينما تتكرر أزمة المجاري كل عام وتغرق الشوارع لمجرد أن تشم رائحة المطر، تأتي طامّة الكهرباء لتسقّف الوحل بالظلام. فمع أول انقطاع مفاجئ للتيار يصبح تشغيل مضخات سحب المياه مهمة شبه مستحيلة. فيتجمع الماء في الأزقة وتتحول الأرصفة إلى مجارٍ مفتوحة، ويجد الناس أنفسهم محاصرين بين شبكة تصريف عاجزة ومنظومة كهربائية أعجزَ. هذا الترابط بين خللَين بنيويّين يضاعف الضرر، ويجعل أبسط موجة مطر اختبارا قاسيا لقدرة المدن على الصمود.. اختبارا تسقط فيه الجهات المعنية كل مرة دون مراجعة أو خجل حتى!
المطر نعمة، لكن البنى التحتية في بلادنا تصّر على تحويله إلى محنة!