اخر الاخبار

أثار تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قمة شرم الشيخ الأخيرة، المعنية بانهاء العدوان الصهيوني على غزة، والذي خص به العراق، العديد من التساؤلات المشروعة حول دوافع التصريح، الذي يعد تدخلا سافرا في شأن دولة يفترض انها تمتلك قرارها السيادي السياسي والاقتصادي.

فبعد ان رحب بحضور العراق في تلك القمة، قال ترامب ان “العراق بلد مليء بالنفط، وسيكون مشكلة لكم إذا لم تعرفوا كيف تتعاملون مع النفط “.

لسنا هنا بصدد المشاركة، التي قيل انها تمت بدعوة مشتركة من الإدارة الامريكية والرئيس المصري، فيما لم تسبق المشاركة في قمة مشابهة عقدت في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحينها عللت وزارة خارجيتنا ذلك الغياب بموقف العراق من حل الدولتين، الامر الذي تضمنه ما صدر عن لقاء شرم الشيخ!

فماذا أراد ترامب من تصريحه، الذي جاء خارج السياق ومن دون صلة بموضوع وقف العدوان واحلال السلام في غزة؟ هل هو يدخل في خانة الابتزاز، وأراد منه لفت انتباه المسؤولين العراقيين الى إعطاء حصة أكبر في استخراج النفط العراقي الى الشركات الامريكية، على حساب الشركات الصينية في نطاق المنافسة و"الحرب التجارية“ المتصاعدة بين البلدين؟ ام انها دعوة ضمنية لمساهمة أكبر للعراق في صندوق اعمار غزة المراد إنشاؤه؟ أم يريد ترامب من تصريحه "تعويضات" لامريكا لقاء غزوها واحتلالها العراق، وتكلفة قواعدها ووجود جيشها والمستشارين الذين بقوا في بلدنا؟  وقد يقول قائل ان ترامب أراد ممارسة مزيد من الضغط على المسؤولين العراقيين، ليبتعدوا أولا عن إيران وثانيا عن الصين منافسة أمريكا الأولى على الصعيد الاقتصادي والتجاري؟

ربما أراد ترامب توجيه كل هذه الرسائل او بعضها عشية الانتخابات البرلمانية العراقية، المفتوحة على خيارات عديدة بضمنها ما يخص رئاسة الوزراء، في وقت يرى فيه المراقبون ان العلاقات بين الطرفين، الأمريكي والعراقي، تراوح مكانها، او هي تراجعت، رغم الادعاء بغير ذلك.

وإذا اخذنا جانبا اخر من تصريح ترامب، وقوّلناه ما لم يقل، فانه أصاب بحدود غير قليلة عند الحديث عن الكم الكبير من عوائد النفط منذ سنة ٢٠٠٣ حتى اليوم، والتي لم تدفع العراق قدما الى الامام وفق عدة مؤشرات تخص التنمية المستدامة والمتكاملة. فمعظم هذه الثروات أُسيء التصرف بها وسرقت ونهبت، وهناك مئات المشاريع غير ذات الجدوى والمعطلة والمتوقفة، التي ذهبت أموالها ادراج الرياح. وتراجع العراق خلال ذلك على صعيد مؤشرات عالمية عديدة، خاصة في مجالات التعليم والصحة والبيئة والسكن والنقل، إضافة الى استفحال ازمة المياه وتفشي الفساد وتفاقم ظواهر الانتحار والمخدرات وبقاء معدلات الفقر والبطالة مرتفعة، واستمرار الهجرة الى الخارج. كما لم تحلّ مشكلة الكهرباء رغم المليارات التي صرفت عليها ولا تزال.

نعم، على هذا الصعيد انتُهجت سياسات اقتصادية ومالية عقيمة، قادت ليس فقط الى سوء استخدام الموارد وتبديدها، بل والى تعمق ريعية الاقتصاد العراقي، وضعف مساهمة القطاعات الإنتاجية، الصناعة والزراعة، في الدخل الوطني. وحتى القطاع الخاص لم يتمكن من الوقوف على رجليه بعد، واتجه الى الاستثمار في مشاريع استهلاكية سريعة المردود، بدلا من بناء ركائز واعمدة لتطور اقتصادي متنوع ومتعدد وقوي، لا يبقى يعتمد على بركات السوق النفطية العالمية! 

ومن المفارقات ذات العلاقة هذا التضخم في المديونية، الداخلية والخارجية، والعجز الدائم للموازنات، وقلة فرص الاستثمار. والاغرب وبعد كل هذه السنين، ان العراق ما زال يستورد المشتقات النفطية ومعها الغاز الذي يستمر في حرقه!

ما لم يقله ترامب ضمنا ان بلدنا بحاجة الى تغيير شامل ليس باعتماد سياسة نفطية واقتصادية بديلة وحسب، بل في الخلاص من منظومة المحاصصة ومن الفساد المستشري، ومن النهج والأداء وحتى الشخوص. فالبلد بحاجة ماسة الى بديل وفقا لمشروع وطني عراقي.

ان مشكلة العراق والعراقيين ليست في امتلاكهم النفط، وانما تكمن في أخطاء وخطايا الحكومات المتعاقبة منذ ٢٠٠٣.\