اخر الاخبار

الصفحة الأولى

على طريق الشعب.. في الذكرى السادسة لانتفاضة تشرين ٢٠١٩ المجيدة 

أمل متجدد 

تحل هذه الأيام الذكرى السادسة لانتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٩ المجيدة، ذكرى أيام الغضب الجماهيري والرفض والتحدي. 

كانت انتفاضة تشرين صرخة مدوية بوجه الظلم والفساد والتعسف والمحاصصة، والاستهتار بحقوق المواطنين والتمييز بينهم، وضياع فرص ثمينة للبناء والإعمار، وإهدار المال العام، وتغوّل المليشيات، وثلم سيادة البلد واستقلاله، وفقدان القدرة على امتلاك ناصية القرار الوطني المستقل. 

لم تكن انتفاضة تشرين لحظة عابرة، فقد جاءت تتويجا لتظاهرات واحتجاجات انطلقت منذ شباط ٢٠١١، وتراكمت أسبابها عبر سنوات عجاف من التهميش والإقصاء، ومن شيوع الفقر والبطالة وسوء الخدمات، وتفشي الفساد، وزيادة حدة التمايز المجتمعي والطبقي، وتعاظم سطوة الأقلية الحاكمة الملتحفة بالمحاصصة الطائفية والاثنية وتسييس الدين، والمستقوية بالسلاح المنفلت، والمتماهية مع أجندات خارجية على حساب قضايا الوطن والمواطنين. 

لم تكن الانتفاضة تخص فئة معينة من مجتمعنا العراقي المتعدد، ورغم ان الشباب كان لهم القدح المعلّى فيها وفي انطلاقتها واستمرارها ما يزيد عن عام، فإن الملايين التي شاركت فيها ودعمتها، كانت من كل الأطياف والأعمار، ومن النساء والرجال. لذلك حملت بحق الهوية الوطنية الجامعة، التي جسدها شعار المنتفضين "نريد وطن". 

وكسرت الانتفاضة حاجز الخوف، وأسقطت حالة اليأس والقنوط. فكان المواطنون يقبلون على ساحات الرفض والاحتجاج وخيام الصمود، أفواجاً وجماعات، رغم الأساليب الدنيئة التي استخدمت ضدهم، وجرائم "القناص" و"الطرف الثالث" المجهول المعلوم. 

وأشهر القتلة في رعبهم وخوفهم من الشعب وإرادته وتصميمه على اجتراح المآثر، كل ما في ترسانتهم من القمع والتنكيل والخطف والاغتيالات والتصفيات وانتزاع البراءات، ومارسوا صنوف التشويه والكذب والافتراء. لكن إرادة المنتفضين وعدالة مطالبهم كانت أقوى من هذا كله. 

ولأن تشرين كابوس مزعج يقضّ مضاجع المتنفذين، بعد ان عرّاهم حد النخاع، وأسقط ورقة التوت عنهم، وغدا رمزاً لا تمر ذكراه حتى تتصاعد أصواتهم نشازا، مرددة تهماً سبق للمنتفضين ان مزقوها بصمودهم وتضحياتهم الجمة، وبدماء كل الشهداء البررة. ولكن من أين للمرتعشين خوفاً على المصالح والنفوذ، أن يتعظوا بدروس هذا الحدث العظيم في تاريخ العراق المعاصر، وذلك التصويت الجماعي الرافض لمنظومة الحكم المحاصصاتية ونهجها؟ 

ورغم كل ترسانة معاداة انتفاضة تشرين، فهي تبقى الأمل المتجدد. فما أدى إلى انطلاقها من أسباب ودوافع، ما زال يعتمل إن لم يكبر ويتضخم بفعل الواقع المرّ المعاش. وهو ما يدفع المواطنين إلى مختلف أشكال الحراك الجماهيري، مطالبين بحياة كريمة آمنة خالية من التمييز، وبوطن يتسع للجميع. 

ستة أعوام مرت على الانتفاضة، وما زالت السلطات تماطل في الكشف عن قتلة المتظاهرين، وهو استحقاق لابد أن يتحقق، ومطلب لا يسقط بتقادم الزمن. إضافة إلى ذلك ما زالت التهم الكيدية تلاحق الناشطين والفاعلين الاجتماعيين، وهي تُحرّك في مواجهة كل حراك جماهيري، فيما يفترض أن تتوقف حالا ويُبرّأ كل ما طالته هذه التهم الباطلة ويطلق سراحهم . كما ما زال العديد من عوائل الشهداء ينتظرون انصافهم، رغم كل الوعود التي أغدقت عليهم وما زالت تُغدق، ويبقى مطلب الكشف عن المفقودين والمغيّبين حاضراً. 

واليوم أيضاً، يبدو أن المتنفذين لم يتعظوا بدروس وعبر الـ ٢٢ سنة الماضية، فاستمرار التعرض للتحركات الاجتماعية والمطلبية واستخدام العنف لقمعها، والسعي بأشكال مختلفة إلى تكميم الأفواه، لن يحمي المتنفذين ولن يزيد الأمور إلا تعقيداً. فمثل هذه الإجراءات تُراكم السخط، الذي قد ينفجر في أية لحظة، وينعصف كالمارد الجبار ويقلب الطاولة والموازين. 

ان الانتفاضة بكل ما حملت من قيم نبيلة، وما أفرزت من دروس ثمينة، عصيةٌ على محاولات النيل منها من جانب الطارئين الساعين الى مصالحهم الضيقة. وستظل حافزاً قوياً لمزيد من العطاء، حتى تشرق شمس الحرية وينال المواطنون مطالبهم، وتلبى حاجات الأجيال الشابة بشكل خاص، ويضمن مستقبلهم في عراق آمن ومستقر، يتمتع فيه الجميع بحقوقهم على وفق تكافؤ الفرص. 

من جانب آخر وإذ تشتد اليوم الحاجة إلى تغيير شامل بمشروع وطني عراقي، فإن الانتفاضة قالت لنا بوضوح أن هذا ممكن وليس مستحيلاً، شرط أن تكون البوصلة صحيحة وسليمة، وان يكون المطلب هدفاً لأوسع اصطفاف شعبي وسياسي، وهو ما يستحق استمرار العمل لتحقيقه وبناء مقوماته، ومراكمة النجاح، والارتقاء بالتنظيم وبأساليب العمل ووحدة الإرادة والعمل.

وبالرغم من إن الانتفاضة لم تحقق كامل أهدافها، فإن التضحيات السخية على طريقها، رسخت وعيًا متقدًا لدى شرائح واسعة من المجتمع، وأشرت بداية يصعب التراجع عنها، مهما قست الظروف وتعقدت الأوضاع. 

وقالت الانتفاضة بنحو جلي، أن لا أمان ولا استقرار ولا تنمية، مع استمرار نهج المحاصصة، التي أصبح من المهم والملحّ التخلص منها ومن نهجها والمتشبثين به. فاستمرار حكم المنظومة القائمة لا يعني إلا المزيد من الأزمات والنكبات، ومن التدهور على شتى الصعد. 

في الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا اليوم، والتحديات الجمة التي تواجهه، حريٌّ بقوى التغيير والمكتوين بالأزمات وتداعياتها، ان يعتمدوا العمل الحثيث والمنظم والمتصاعد، لانتزاع الحقوق وفرض إرادة الشعب وإنقاذ البلاد، وأن يجعلوا من المشاركة الواسعة في الانتخابات سبيلا الى ذلك، والى دحر منظومة المحاصصة، وإحلال البديل المدني الديمقراطي، وبناء دولة المؤسسات والقانون والمواطنة والعدالة الاجتماعية.

****************************************

الاتفاق الثلاثي خطوة مهمة لحل المشاكل العالقة بين الحكومة الاتحادية والاقليم

شهد يوم السبت ٢٧-٩-٢٠٢٥ عودة تدفق النفط المستخرج في إقليم كردستان الى أسواق العالم، عبر خط انابيب النفط من كركوك الى ميناء جيهان التركي.

جاءت هذه الخطوة لتنهي توقف التصدير، الذي تسبب في خسائر مالية تجاوزت ٢٤ مليار دولار خلال ٣٠ شهرا، ونجمت عن المماطلة في التوصل الى اتفاق ينهي الخلافات حول تصدير النفط واحتساب عائداته وتقاسمها، وحصة الشركات العاملة في الإقليم منها.

وفيما يعتبر هذا الاتفاق الثلاثي بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والشركات العاملة فيه، خطوة لازمة لتذليل توقف تصدير النفط وهدر المال العام، فإنه غير كاف ما لم يشفع بخطوات أخرى، وصولا الى تشريع قانون دائم للنفط والغاز، كبديل للاتفاقات التي قد تتعرض الى هزات، وفي المقدمة منها السياسية والمتعلقة بالعلاقة بين الطرفين.

وقد حظي الاتفاق بترحيب رسمي وشعبي، لا سيما في الإقليم، وبما يعزز الامل في وضع حد للتوقفات المتواصلة في صرف رواتب موظفي الإقليم، الذين صاروا ضحية للخلاف بين بغداد واربيل، وتضرروا نتيجة لذلك كثيرا. مثلما ادى التوقف إلى خسائر مالية للموازنة الاتحادية، وعلى صعيد الإقليم.

ان هذا الاتفاق يدلل من جديد على وجود إمكانية فعلية لحل المشاكل العالقة بين الطرفين، ان توفرت الإرادة، وإذا جرى الانطلاق من روح الدستور، وجرى تفسير مواده لمصلحة العراقيين جميعا.

ونحن نتطلع إلى أن تكون هذه الخطوة، كذلك، فاتحة لمزيد من الشفافية والوضوح في السياسة النفطية، وفي الموارد المالية المتأتية من تصدير النفط، والتي يتوجب ان توجه فعلا الى مشاريع تنموية حقيقية، تمس الحاجة اليها في مناطق العراق جميعا، بما فيها الإقليم.

إننا إذ نرحب بهذه الخطوة، نرى انها لابد ان تستكمل بخطوات أخرى، تعزز البناء الاتحادي الديمقراطي وفقا للدستور، وما تضمنه من تقاسم للصلاحيات والاختصاصات، بما فيها ما يخص النفط والكمارك، والوصول الى فهم مشترك بشان حقول النفط القديمة والجديدة. كذلك التوصل إلى صيغ موحدة للتعاقد مع الشركات في عموم العراق الاتحادي.

ولا بد ايضا من تأكيد أهمية وضرورة ان تكون الإجراءات التي يقدم عليها الطرفان، منطلقة أساسا من المصلحة العامة، واحترام حقوق المواطنين، وان لا تكون على حسابهم في أي حال، وفي أي ظرف.

وتبقى الاشارة إلى ضرورة الحرص على تنفيذ الاتفاق والمضي به الى النهاية، وحل ما قد يعترض طريقه من إشكاليات، بروح الحرص على العلاقة المتبادلة وتنميتها.

المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي

٣٠-٩-٢٠٢٥

**************************************

الصفحة الثانية

من مواقف الحزب الشيوعي العراقي خلال انتفاضة تشرين

بغداد ـ طريق الشعب

تزامنا مع الذكرى السادسة لانطلاق انتفاضة تشرين 2019، نعيد التذكير ببعض مواقف الحزب المساندة للانتفاضة منذ لحظتها الأولى، فقد أكد الحزب الشيوعي العراقي، في بيانات صادرة عن لجنته المركزية، دعمه الكامل للاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت بغداد وعدداً من المحافظات، مندداً في الوقت نفسه باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين.

وشدد الحزب على أن "الوقت قد حان للتوجه نحو خيار تشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة، تضم شخصيات وطنية نزيهة وكفوءة، بعيداً عن نهج المحاصصة"، مبيناً أن هذه الحكومة ينبغي أن تباشر فوراً بإجراءات عاجلة، أبرزها إعلان ضحايا التظاهرات شهداء، وإطلاق سراح المعتقلين، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد، فضلاً عن إطلاق مشاريع اقتصادية توفر السكن والعمل للفقراء والشباب العاطلين.

وفي بيان لاحق، دان الحزب الشيوعي عمليات القمع والاعتقالات الواسعة التي طالت المتظاهرين، مؤكداً أن "استخدام الرصاص الحي والمطاطي والغازات المسيلة للدموع أسفر عن سقوط عشرات الشهداء وآلاف الجرحى والمعتقلين، بينهم عدد من أعضاء الحزب وأصدقائه".

ودعا الحزب المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، إلى التدخل والضغط على السلطات العراقية من أجل وقف العنف، وضمان حرية التعبير والاحتجاج السلمي، والإفراج عن المعتقلين فوراً.

****************************************

في ذكرى انتفاضة تشرين.. موجة احتجاجات مطلبية.. الفلاحون يحتجون في 6 محافظات مطالبين بمستحقاتهم المالية

بغداد ـ طريق الشعب

شهدت محافظات عدة في الوسط والجنوب وإقليم كردستان، خلال الأيام الماضية، سلسلة احتجاجات واسعة ومتنوعة المطالب، عكست حجم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها المواطنون بمختلف شرائحهم، من فلاحين وجرحى وذوي ضحايا تشرين وأهالي مناطق ريفية، وصولاً إلى أصحاب الأراضي المتنازع عليها مع المستثمرين. هذه التحركات الجماهيرية التي جرت في النجف والديوانية والسماوة وبابل والكوت والناصرية والبصرة والسليمانية، تمحورت حول قضايا أساسية مثل المياه والحقوق الزراعية، وتوزيع الأراضي، والخدمات الأساسية، إضافة إلى نزاعات ملكية متعثرة منذ أكثر من عقد.

احتجاجات الفلاحين

شهدت محافظات الفرات الأوسط والجنوب، وقفات احتجاجية حاشدة نظمها اتحاد الجمعيات الفلاحية أمام مديريات الزراعة، شارك فيها مئات الفلاحين من النجف والديوانية والسماوة وبابل والكوت والناصرية، مطالبين بتنفيذ حزمة من الحقوق والاستحقاقات المتأخرة.

وطالب المحتجون الحكومة بالضغط على تركيا من اجل إطلاق حصة العراق المائية وفق الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمياه، وصرف التعويضات للفلاحين الذين مُنعوا من الزراعة خلال عام 2023 أسوة بما جرى في عام 2022. كما دعوا إلى تسديد مستحقاتهم عن محصول الحنطة للموسم الماضي، والإسراع في تحديد الخطة الزراعية للموسم الشتوي التي لم يُبت بها حتى الآن، مع احتساب الأضرار التي لحقت بالفلاحين المحرومين من الزراعة. كذلك شددوا على ضرورة مراعاة أوضاعهم فيما يتعلق بأجور السقي التي تُستقطع منهم رغم أن أراضيهم لم تُزرع، فضلاً عن إعفائهم من أجور الكهرباء وضمان تجهيزهم بالطاقة في فترات السقي وفق محددات زمنية منتظمة.

وقال محسن عبد الأمير، رئيس جمعية فلاحي النجف، "خرجنا أمام مديرية زراعة النجف لنطالب باستحقاقات مشروعة، منها إلزام الجانب التركي بإطلاق حصتنا المائية، وصرف التعويضات لعام 2023 كما حصل في العام السابق".

وأضاف أن "الفلاحين يواجهون أعباءً كبيرة، منها أجور الكهرباء المرتفعة، فضلاً عن رسوم استحصال أجور السقي من أراضٍ جافة متوقفة مضخاتها عن العمل"، مشيرا إلى أن "غياب خطة واضحة للزراعة هذا العام أدى إلى موجة هجرة متزايدة من الريف إلى المدن، وهو ما يعكس فشل السياسات الزراعية المتبعة".

واكد أن "الفلاحين يناشدون الحكومة المركزية والحكومات المحلية وأعضاء مجلس النواب للوقوف معهم وإنصافهم ورفع الحيف عنهم".

احتجاجات جرحى وذوي شهداء تشرين

وتظاهر العشرات من جرحى وذوي ضحايا تظاهرات تشرين، في ساحة الصدرين وسط مدينة النجف، للمطالبة بتوزيع قطع الأرض السكنية المخصصة لهم منذ أشهر دون حسم.

وقال عدد من المتظاهرين في حديث إلى وسائل الإعلام، إن "عدد الجرحى المسجلين يبلغ ستة، فيما يبلغ عدد الشهداء عشرين، وقد التقينا بمحافظ النجف الذي أبلغنا بأن عملية التخصيص من مسؤولية البلدية، فيما التوقيع النهائي من صلاحياته".

وأضافوا أن "البلدية بدورها ردت بأن المحافظ يجب أن يوقع أولاً حتى يتم إكمال معاملة التخصيص، الأمر الذي تسبب بتعطيل الملف منذ مطلع عام 2025 وحتى الآن".

وأشار المحتجون إلى أن "الأقضية والمدن الأخرى في المحافظة وزعت بالفعل الأراضي على مستحقيها، في حين بقي ملف جرحى وذوي شهداء تشرين في مركز مدينة النجف معطلاً من دون مبررات واضحة"، مطالبين الحكومة المحلية بالإسراع في حسم الموضوع وإنصافهم.

وأكد المتظاهرون أن تحركاتهم ستتواصل حتى نيل حقوقهم المشروعة، داعين الجهات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية تجاه هذه الشريحة التي "قدمت تضحيات كبيرة من أجل المطالبة بالإصلاح والعدالة الاجتماعية".

احتجاجات أهالي المفاتي

ونظم العشرات من أهالي منطقة المفاتي في ناحية النشوة بمحافظة البصرة، وقفة احتجاجية عند الرقعة التاسعة من حقل الفيحاء النفطي، قاموا خلالها بمنع صهاريج الماء من الدخول إلى داخل الحقل.

وقال المحتجون، إن وقفتهم تأتي اعتراضاً على عدم إيصال أنبوب الماء من النهر الإروائي المار بأراضيهم عبر بوابة الحقل وربطه بمشروع ماء المفاتي، مؤكدين أن المشروع من شأنه أن يوفر المياه الصالحة للشرب لأكثر من 8 آلاف نسمة في المنطقة.

وطالب الأهالي الجهات الحكومية والشركة المشغلة للحقل بسرعة الاستجابة لمطالبهم، مشيرين إلى أن استمرار تجاهل هذا الملف سيجبرهم على تصعيد احتجاجاتهم.

احتجاجات أصحاب الأراضي

شهدت منطقة غرب السليمانية، تجمعاً لعشرات المواطنين المحتجين على ما وصفوه بـ"استيلاء" أحد المستثمرين على أراضيهم منذ أكثر من عشر سنوات، دون أن يحصلوا على أي حقوق مالية أو قانونية.

وقال ممثل المحتجين، سوركيو عمر، إن "نحو 780 دونماً من الأراضي تعود إلينا ولعوائلنا، جرى الاتفاق قبل أكثر من عقد مع أحد المستثمرين على استثمارها مقابل ضمان حقوقنا، إلا أن الأخير استولى على الأرض طوال هذه الفترة دون أن يعيد لنا أي مردود مادي أو قانوني".

وأضاف أن وفداً من الشركة أبلغهم مؤخراً بأن حقوقهم لن تُعاد، متسائلاً عن سقف زمني واضح يحدد كيفية استرجاع حقوقهم.

وأوضح عمر أن "مطالب المحتجين تنحصر في خيارين؛ إما إعادة الأراضي إليهم، أو استثمارها بطريقة تكفل حقوقهم عبر وجود ضامن رسمي يحمي مصالحهم".

****************************************

اتحادات ونقابات عمالية: نرفض مشروع قانون التنظيم النقابي بصيغته الحالية

بغداد – طريق الشعب

أعرب مؤتمر الاتحادات والنقابات العمالية العراقية والمجلس النقابي العمالي، الذي يضم تسعة اتحادات، عن قلقه واستغرابه من إدراج مشروع قانون "التنظيم النقابي للعمال والموظفين الحرفيين في العراق" على جدول أعمال مجلس النواب للتصويت في جلسته الثامنة يوم الأربعاء 1 تشرين الأول 2025، من دون التشاور مع الشركاء الاجتماعيين.

وأكد البيان المشترك أن المشروع لم يُعرض على الاتحادات العمالية أو اتحاد الصناعات العراقي أو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، خلافا لمعايير العمل الدولية والاتفاقيات العربية والدولية المصادق عليها من قبل العراق، وكذلك للأمر الوزاري رقم 512 الصادر في 3 آذار 2025، الذي نص على تشكيل لجنة مشتركة لصياغة القانون.

وأضاف البيان، أن المشروع يتضمن فقرات تتعارض مع الدستور العراقي (المادة 22 ثانياً وثالثاً والمادة 37 أولاً)، فضلاً عن مخالفته للاتفاقية الدولية رقم 87 لسنة 1948 الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم، والاتفاقية رقم 98 لسنة 1949 المتعلقة بحق التنظيم والمفاوضة الجماعية.

وأشار إلى أن العراق ما زال منذ عام 2022 ضمن "القائمة القصيرة" لمنظمة العمل الدولية بسبب عدم التزامه بمعايير العمل الدولية، محذراً من أن تمرير القانون بصيغته الحالية سيؤدي إلى مزيد من الانتقادات الدولية ويضر بسمعة العراق، إلى جانب انعكاساته السلبية على أوضاع الطبقة العاملة.

ولفت البيان إلى أن المشروع سبق أن نوقش خلال زيارة دراسية في جنيف (أيلول 2024) بمشاركة لجنة العمل البرلمانية وممثلي الحكومة والشركاء الاجتماعيين، حيث جرى الاتفاق على إعادة صياغته بالتشاور بين الأطراف الثلاثة، غير أن هذا الاتفاق لم يُنفذ ولم تُدعَ الاتحادات لأي نقاش لاحق.

وختمت الاتحادات العمالية بيانها بالتأكيد أن التشاور الفعلي بين الشركاء الاجتماعيين هو الضمانة الحقيقية لتشريع قانون يضمن الحقوق والحريات النقابية، داعية رئاسة مجلس النواب إلى سحب المسودة الحالية وعدم طرحها للتصويت، وانتظار مشروع جديد تقدمه وزارة العمل بعد إشراك جميع الأطراف وبما يتوافق مع الملاحظات الفنية لمنظمة العمل الدولية.

الاتحادات الموقعة: اتحاد نقابات عمال العراق، الاتحاد العام لنقابات عمال جمهورية العراق، الاتحاد العام لنقابات العاملين في العراق، الاتحاد المركزي لنقابات عمال العراق، اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق، اتحاد نقابات النفط والبتروكيمياويات، اتحاد النقابات العمالية والمهنية المستقلة، نقابة ذوي المهن الهندسية الفنية، والاتحاد العام المركزي لنقابات عمال العراق.

******************************************

الرفيق عمر علي  الشيخ «أبو فاروق} .. وداعا

رحل عنا فجر اليوم الأربعاء، الأول من تشرين الأول ٢٠٢٥، القائد الشيوعي الكبير، والشخصية الوطنية العراقية والكردستانية، الرفيق عمر علي الشيخ

(أبو فاروق)، بعد عمر نضالي حافل بالتضحيات، ومسيرة عطاء لخير الشعب وكادحيه وفقرائه.

ترجل القائد والمناضل الصلب، بطل العمل السري، المفعم بالتفاني ونكران الذات، والممتلئ حيويةً ونشاطا وتواضعا، الصادق المخلص، حامل  راية الكفاح من اجل القيم الإنسانية الرفيعة، والوطن الحر والشعب السعيد . في كل مواقع المسؤولية التي أسندت اليه في الحزب ، كان أبو فاروق مثالا للثبات والمبدئية العالية ، يعمل بصمت وهدوء، يحب رفاقه ويحظى بمحبتهم، حتى غدا بالنسبة اليهم رمزا للتحدي والصمود والثبات.  رحل عنا الايقونة الشيوعية الملهمة، الذي ستظل خبرته وزهده معينا تتعلم منه أجيال الشيوعيين معنى الانتماء الحقيقي للحزب، وروح الاقتحام والصبر والإخلاص، والترفع عن الصغائر، والانشداد المطلق للحزب والانتصار لقيمه ومبادئه.  رحيلك رفيقنا العزيز أبو فاروق خسارة كبيرة يصعب تعويضها، وعزاؤنا ما تركته لنا من تجربة غنية وإرث نضالي عناوينه الشجاعة والشموخ والبساطة المتناهية وحب الناس والاستعداد الدائم للتضحية من اجل انتصار الشعب وتحقيق آماله وطموحاته. ومن ذلك نستلهم العزم على المضيّ الى امام، رغم الخطوب والمحن ، بروح الإصرار على بقاء راية الحزب عالية خفاقة.

في مناسبة هذه الخسارة المؤلمة ، وإذ ننعى رفيقنا  الغالي أبو فاروق، نتوجه الى رفيقة حياته ودربه العزيزة بخشان زنكنة وابنتهما بهار، والى رفاق الفقيد وأصدقائه ومحبيه،  بخالص العزاء والمواساة، راجين للجميع الصبر والسلوان.

عاطر الذكر ودائمه للرفيق الراحل أبو فاروق

المكتب السياسي

للحزب الشيوعي العراقي

١-١٠-٢٠٢٥       

***************************************

 

الصفحة الثالثة

تشرين الدرس والعطاء د. إبراهيم إسماعيل

لم يَعُد هناك مَن يُشكِّكُ بما في العقلِ الجمعيِّ لشعبنا، من جذوةٍ كفاحيةٍ لا تخبو، وينبوعِ عنادٍ لا ينضب. فما أن تمزَّقت ترهاتُ الاستقطابِ الإثنيِّ والطائفيِّ التي كادت أن تحجب وعيَ شبابِنا، حتى بانَ لهم حجمُ الكارثةِ التي حلَّت بالوطن، جوعٌ وبطالةٌ وتفاوتٌ طبقيٌّ وتقليصٌ للخدماتِ الأساسية وتدميرٌ للبنيةِ التحتية، وحتى عايشوا التناقضاتِ الحادة التي أنتجتها الوصفةُ النيوليبرالية لإعادةِ هيكلةِ الاقتصاد، والتي تركزت، بسببها، الثروةُ في أيدي قلةٍ من النُّخَب، ملقيةً بالغالبية في أتونِ تهميشٍ وإملاقٍ شاملين.

وكان بديهيًّا أن يأتي ردُّ فعل الناس قويًّا وحاسمًا، وأن تفشلَ مساحيقُ الديمقراطية التوافقية الفاسدة، في إنقاذِ الطغمةِ الأوليغارشيةِ المُهيمِنة، وأن تلهجَ قلوبُ الجميع بشعارٍ واحد: "نريد وطنًا"، لا كاحتجاجٍ على الفساد وفشل الإدارة فقط، ولا ضد الطائفيةِ السياسية، ولا ضدَّ التفريط بالقرار الوطنيِّ المستقل، ولا ضدَّ الإنهاءِ المُبرمَج لمجانية التعليم والرعاية الصحية، ولا ضدَّ السلاح المنفلت وغياب القانون وانتشار المافيات وتغوُّل البيروقراطيين والشُقاة، ولا فقط لتخليص النساء من العبودية الذكورية والعنف والتمييز، ولا ضدَّ محاصرةِ الرأسمالِ الوطنيِّ بالأتاوات والرشاوى، وخنقِ المنتجِ الوطنيِّ بمنافسةٍ غير عادلة، واستيرادٍ لا حدود له لبضائع دول الجوار فحسب، بل ومن أجل ذلك كله، في انتفاضةٍ باسلةٍ أرادت أن تستعيد الوطن من سارقيه ومخربيه، وتعيده لأبنائه كي يعمروه ويرفعوه إلى المقام الذي يليق بسماته كمهدٍ للحضارة.

كما كان بديهيًّا أيضًا أن تلقى انتفاضةُ تشرين، التي جاءت حلقةً متطورةً أخرى في مسارِ الاحتجاجِ الشعبي، دعمًا شاملاً من كل الوطنيين والديمقراطيين الحقيقيين، وفي مقدمتهم حزبُنا الشيوعيُّ العراقي، الذي شاركت منظماته بفاعليةٍ فيها، وسخّرت طاقاتها وإعلامَها وكلَّ نشاطاتها لمساندتها بكل السبل، وفي الصميمِ منها تقديمُ كوكبةٍ من رفاقِ الحزب وأصدقائه أرواحَهم دفاعًا عنها. وحين أغرقتْها الطغمة الحاكمة بالدم، واظبَ الشيوعيون وكل اليساريين على حماية جذوتها من الخفوت، وصفوفها من التخريب والاختراق، وقلوبِ فتيتها وصباياها من الملل والقنوط، بحيث لم تَعُد تُستذكَر كلَّ عام كمأثرةٍ مضت، بل كفعلٍ متواصل، وإنْ بمستوياتٍ متفاوتة، وحافزٍ لتدريبِ الشبيبة، وإطلاقِ مبادراتهم، والاعتناءِ بهم، والتعلمِ منهم، وإتقانِ فنِّ التعاملِ معهم كثوريين بالغين، مهما كانت مستوياتُ وعيهم، ولمناقشتهم بعمقٍ وشفافيةٍ من أجل تطويرِ الاستراتيجياتِ السياسية والتنظيمية، واستنباطِ آلياتٍ تعبويةٍ معاصرة، تحلُّ محلَّ نماذجَ سادت ثم تقادمت. وإذا كان الرضا عن النفسِ مَقتلَ الثوريين، فإن الشيوعيين، الذين يسعون كلَّ يومٍ ليكونوا أكثرَ يساريةً من اليوم الذي يسبقه، يؤكدون، في المناسباتِ الغاليةِ عليهم، كذكرى انتفاضة تشرين، على تجديدٍ وتطويرٍ دؤوبَين لخطابِهم، و تبني شعاراتٍ دقيقة، تربط بين الأهدافِ الكبرى، كالحرية، والقضاءِ على الاستغلال، وتحقيقِ التوزيعِ المتكافئ للثروة، وبين القضايا اليومية، كتوفيرِ فرصِ العمل، والتعليمِ المجاني، وتخفيضِ تكاليف الرعاية الصحية، وتأمينِ التغذيةِ المدرسية، وتوفيرِ النقل العام، وتنظيمِ الاستهلاكِ والإنتاجِ والتوظيفِ في المجتمع، وحل أزمات الطاقة والسكن وغيرها، وتحريرِ المرأة من القهر والاضطهاد، ونَيلِها المساواةَ وفرصَ التعلمِ والعمل.

وفي مجتمعٍ ينجح فيه اليمينُ في تضليلِ ضحاياه وتعبئتِهم وكسبِ أصواتهم، يواجهُ الشيوعيون مهمةَ تذليلِ كلِّ الصعاب كي لا تبقى الناسَ أسرى لهذا التضليل، وفي مقدمتها تطويرُ الوعيِ الديمقراطيِّ، وقيمِ المواطنة، وتمكينُ المثقفِ العضويِّ من ممارسةِ دوره التنويري، وتشجيعُ التفكيرِ النقدي، ومناهضةُ التطرفِ والتعصُّبِ بكافةِ أشكاله، وتشجيعُ قيمِ التعايشِ والتعدُّدية.

في تشرين من كلِّ عام، نقفُ إجلالًا لمئات الشهداء، ومن عزيمةِ (حيدر القبطان، وعلي نجم، وسلام العامود، وفهد العلياوي، وعلي العصمي، وأياد عباس ورفاقهم) نَقبِسُ ما يُنيرُ دربَ الكفاح لاسترداد الوطن من الفاشلين والحرامية.

********************************************

تشرين.. يدق الأجراس

حسب الله يحيى

عندما تقرع الأجراس؛ يعني أنها تنبه، وتنتصر لهذا التنبيه، ولأن التنبيه يحمل معه انتصاره؛ يحمل معه كذلك تحذيره للباطل ولكل ما هو سيء ولكل ما هو مخالف للحق والعدل والمساواة وسعادة البشر.

نعم.. الأجراس تقرع، لأن هناك ضرورة لقرعها، وايصال صوتها العالي إلى الناس، بوصفهم هم أنفسهم من تعنيهم هذه الأجراس، بوصفها إرادتهم وموقفهم ومبادرتهم.. في الوقت نفسه، تعني هذه الأجراس، إن أعداء أصوات الأجراس هم المعنيون بالتراجع أمام قوة هذه الاصوات التي تمتلك الحقيقة كلها، وليس هناك من قوة يمكن أن تحول دون قرعها.

تشرين الانتفاضة، لم تكن مصدر كراهية، ولم يكن خطابها مسلحاً، ولم تفرق أحداً عن أحد.. وانما كان أهاليها يقرعون الأجراس، لأنهم فقدوا الوطن الذي يفتقدونه، والبلاد التي تنفسوا نسائمها العليلة.

كانوا يريدون وطناً غيبه وباعه وقتل أبنائه، أصحاب النفوذ المسلح، والفساد الذي أفسد الملح ذاته..

لم يبحث ثوار تشرين عن غنيمة ولا وجاهة ولا مال سحت.. كانوا يردون وطناً يؤمن لهم رغيف الخبز، وبلاداً تؤمن لهم العيش الآمن.

كانوا لا يملكون سوى أصواتهم العالية، ومواقفهم الجريئة، وشبابهم الذي يفتدي وجوده من أجل وطن مستقل يعيش أبناؤه أحراراً، وبلاد لا يحسون أبداً أنهم غرباء عن ترابها ونخيلها ونبض الناس فيها.

فهل كانت كل هذه الماني، غريبة على الواقع وعلى الحياة وعلى التغيير الذي تقرع له أجراس؟ أصوات أجراس تشرين، كانت عصية على أسماع الطغيان، وعلى أيدي الفاسدين، وعلى دعاة التقوى الزائفة. تشرين.. أيقظت أولئك الذين ينامون على الحرير ويسهرون على أنين الجياع والمرضى والذين يسكنون في العراء.

تشرين الانتفاضة.. امتلكت أسبابها وضرورتها.. وما زالت هذه الاسباب- الضرورة، حتى اللحظة، ذلك أن القوم صم بكم، وما بهم حاجة إلى الاصغاء إلى أجراس تشرين وهي تقرع.. وستقرع من جديد.. ولا عليها من تهم باطلة وكاذبة، ولا عليها من رصاص آثم، ولا سجن وتعذيب وتشريد.. فكل انتفاضات الشعوب الحية كانت تدفع الثمن، وما من إرادة شعب يحمل أغصان زيتون أن تلبى مطالبه العادلة.

ثوار تشرين، كانوا يعرفون هذا جيداً، وكانت بهم شبيبة تضحي وتواجه القتلة بالمواقف الصلبة وعدالة القضية التي يضحون من اجلها.

من هنا.. كانت الأجراس تقرع في كل حين، وفي كل لحظة، لأنها لم توجد لمناسبة ثم يسكت نبضها.

نبض الأجراس قائم، وإرادة شبيبة تشرين موجودة ويزداد أعداد المنتمين اليها، وما دامت هناك قوى شرسة، تبيع الوطن، وتنهب البلاد والعباد؛ فإن أجراس تشرين ستقرع من جديد.. وكل جديد لا بد ان يتجاوز عثرات الماضي، مثلما يتجاوز كل أولئك الذين ما زالوا يعبثون بثروات البلاد، ويقمعون الحريات ويصادرون أصوات الناس.

نعم.. تشرين أبقى، لأن انسان تشرين هو الأبقى، هو الكائن الوطني الذي لا يتسلح إلّا بانتمائه إلى وطن مفدى وبلاد تحيا وشعب يقظ لا يقبل الظلم والهوان وقد آن الأوان للأجراس أن تقرع من جديد.

****************************************

تشرين والحلم المؤجل قراءة في أسباب الانفجار الشعبي

شميران اوديشو  

انتفاضة تشرين في الأول من تشرين الأول ٢٠١٩ كانت تعبيرًا صادقًا عن رغبة الشباب وكافة المواطنين في إصلاح الوضع الأمني والاقتصادي والقانوني في العراق. جاءت كرد فعل شعبي واسع من جيل أنهكته البطالة وسُلبت منه فرص العيش الكريم، جيل يبحث عن وطن يحتضنه لا أن يخذله. خرج المتظاهرون مطالبين بوضع حد للحكم الطائفي الذي دفع المواطن الثمن الباهظ بسببه، وبالخلاص من الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، وبالكف عن سرقة أموال العراق التي كان من المفترض أن تُسخر لبناء المدارس والمستشفيات وتوفير فرص العمل. ولم تكن ثورة تشرين حركة عابرة، بل كانت نقطة تحول مفصلية في الوعي الجمعي العراقي. عبّرت عن توق الناس لدولة مدنية عادلة، تُبنى على أساس المواطنة لا الطائفة، وعلى الكفاءة لا المحسوبية. كما طالب المحتجون بإصلاح النظام الانتخابي، ومحاسبة الفاسدين، وتفكيك منظومة المحاصصة التي كرست الفشل والانقسام. لقد أراد شباب تشرين عراقًا جديدًا، يحكمه القانون، ويدار بمؤسسات حقيقية لا بمصالح ضيقة، عراقًا يستحقه شعبه بعد سنوات طويلة من الظلم والمعاناة. وكان للنساء دور كبير وبارز في الانتفاضة، حيث شاركن بقوة في التظاهرات وساهمن في دعم وإسناد الشباب، سواء من خلال التواجد في الساحات، أو في تنظيم الفعاليات، أو بتقديم الخدمات الطبية والإعلامية واللوجستية. وقد تميزت مشاركة النساء، لا سيما الشابات، بالشجاعة والوعي العالي، ولاقت احترامًا كبيرًا وتقديرًا من جميع المتظاهرين. هذا الحضور النسوي أسهم في تعزيز روح التضامن والوحدة داخل ساحات الاحتجاج، وأكد أن المرأة العراقية شريك حقيقي في صناعة التغيير، وأن صوتها لا يقل تأثيرًا عن صوت الرجل في رسم مستقبل البلاد. ثورة تشرين لم تكن مجرد احتجاجات، بل كانت صرخة كرامة؛ فالشعب قال كلمته في وجه الظلم، رغم الرصاص والدم.

ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً، لكن ما زرعته تشرين في وعي الأجيال لن يمحى بسهولة. وكما يقول المتظاهرون في شعاراتهم: "نريد وطنًا... نعيش فيه بكرامة، لا وطنًا ندفن فيه بصمت."

*****************************************

لماذا تخاف السلطة من تشرين وشبابها؟

حسين النجار

لا تدخر السلطة جهداً وتسخير إمكانيات مالية وبشرية في سبيل إدامة وجودها في الحكم. وبعد ست سنوات على انطلاق انتفاضة تشرين 2019، ما تزال تنظر إليها ككابوس يهدد هيمنتها وتسلطها، لذا هي تعمل على تشويه صورة الانتفاضة، موظفة في ذلك عدة وسائل مرئية ومسموعة وجيوشاً إلكترونية، وإذا اضطرها الأمر، تخرج القيادات إلى العلن في لقاءات رنانة لبث خطابهم على مسامع الناس، وكأن الحل والربط في أيديهم، وهم في نفس الوقت، لا يبذلون أي جهد في سبيل تحقيق ما يعدون به. المعلوم، المؤكد أن القوى الماسكة بسلطة القرار منذ بدء عملية التغيير، توفرت لديها إمكانيات مادية هائلة، جرى هدرها وتسربت إلى جيوب فاسديهم، دون أن تكون هناك رقابة حقيقية على اعتبار أن السلطة جرى تقاسمها عبر النهج المحاصصاتي الطائفي القومي، وبذلك أسهمت في تراجع الوضع الاقتصادي ما انعكس على حياة المواطنين وظروفهم اليومية. وبسبب هذا النهج السيئ، نظم الشعب قواه وأطلق انتفاضة شعبية كبيرة في العام 2019 هزت أركان هذه المنظومة وأساسها الضعيف، واستطاعت أن تتجاوز حاجز التردد والمحظور وكادت أن تحقق جميع أهدافها لولا الضعف البنيوي في تنظيمها وتشتت قواها وتفرد عدد من قياداتها وكذلك عدم صياغة شعاراتها بطريقة واضحة إضافة إلى عدم وضوح الهدف النهائي، وكذلك تكالب قوى السلطة على إسقاطها. ومنذ اندلاع الانتفاضة، عملت قوى السلطة على تسخير كل شيء من أجل إسقاطها وجرها إلى سياقات بعيدة عن هدفها ومضمونها، فكرروا منذ ذلك الوقت عبارات لا تليق إلا بهم، ليس هذا وحسب بل أغدقوا الأموال لشراء بعض الرخيصين ممن ادعوا مشاركتهم فيها، وزجوا ببعض مواليهم فيها ونالوا جراء ذلك امتيازات كبيرة، وكبرت كروشهم بسبب سبهم وشتمهم للانتفاضة وشبابها، وبالتالي بات ذلك مصدر ارتزاق لهم. وواضح أنه كلما تصاعدت المطالبة بالتغيير شعبياً، عمدت القوى المستفيدة من الأزمات إلى تأجيج بعض الصراعات الجانبية، وتعليق أسباب فشلهم، على شماعة تشرين وشبابها، بغية إلهاء الناس وصرف انتباههم عما يتعلق بمصالحهم وعن تطلعاتهم إلى قيام نظام سياسي جديد، يوفر لهم العيش الكريم والأمن والاستقرار. ومثلما أشرنا، يخرج قادة القوى المتنفذة، بين الحين والآخر في لقاءات وحوارات وفعاليات مختلفة، في أمور بعيدة تماماً عن الواقع، ومستغلين ذلك لدس السم والتسقيط والتشهير بالانتفاضة وداعميها، حيث باتت الانتفاضة كابوساً يلاحقهم، وبالتالي هم يريدون التخلص منها في أي صورة. لقد أسهم المشاركون الأبطال في انتفاضة تشرين العظيمة وداعموهم من أبناء شعبنا العراقي الخيرين في بدء عملية هدم جدار منظومة المحاصصة والفساد، وإطلاق مشروع الخلاص منها. وتبقى مطالب المنتفضين شاخصة، بعد مرور ست سنوات على تصاعد الغضب الشعبي في الأول من تشرين الأول 2019، وما تلاه من انفجار جماهيري في الشوارع والساحات، لأن عوامل انطلاقها ما زالت قائمة، والمتسببون في اندلاع شرارتها ما زالوا يحكمون، وهذا ما يدفع إلى اتساع نطاق الأزمة وتعمقها، ولهذا تتجدد الفعاليات الاحتجاجية في كل يوم وفي أي مكان. المؤمل أن تحين من جديد لحظة الوعي الجماهيري، لأن الحقوق المسلوبة لا يمكن أن تعاد لأصحابها ما لم يكن هناك اصطفاف جماهيري واسع للمساهمة في عملية التغيير الشامل عبر صناديق الاقتراع أو فعل جماهيري أوسع من انتفاضة تشرين ومطالبها، وهذان الأمران ممكن التحقيق، شرط تكوين هذا الوعي، وعندها سنرى المتنفذين يساقون إلى المحاكم جراء ما ارتكبوه من موبقات بحق شعبنا العراقي. ستظل ذكرى تشرين حية وقادة وملهمة، وستبقى ذكرى شهدائها خالدة، وستبقى كذلك خطراً يلاحق المنظومة الفاشلة والفاسدة، فتشرين ليست ذكرى، بل هي مشروع مستمر للتغيير.

***************************************

الصفحة الرابعة

جاسم الحلفي: انتفاضة تشرين حاضرة كأمل لا يُهزم

بغداد ـ طريق الشعب

ست سنوات مرّت على انتفاضة تشرين، وما زالت شعلة أبنائها وبناتها تنير الوعي الجمعي وتذكّر العراقيين بأن التغيير ممكن، وأن الوطن ليس غنيمة بيد الطغمة الحاكمة بل حق لكل مواطن. لقد كانت تشرين لحظة حقيقية كسرت جدار الخوف وأسقطت شرعية منظومة المحاصصة والفاسد، لتعلن بصوت الشباب والنساء والعاطلين عن العمل أن العراق يستحق حياة تليق بتضحيات شعبه. رفعت شعاراً لم ولن يُمحى "نريد وطن"، الذي لم يكن مجرد هتاف بل مشروع بديل لدولة مدنية عادلة، تستند إلى المواطنة لا إلى الطائفية. اليوم، ورغم القمع والاغتيالات والتضليل الإعلامي، تبقى تشرين صفحة ناصعة في تاريخ العراق الحديث، وصفحة إدانة للمنظومة الحاكمة التي حاولت وأدها. من هنا تأتي مقابلة "طريق الشعب" مع الرفيق جاسم الحلفي لتعيد قراءة تلك اللحظة الثورية، ولتؤكد أن تشرين ليست ذكرى عابرة، بل بداية مسار تغييري لم يكتمل بعد، لكنه حتماً قادم بإصرار الجيل الجديد.

في أدناه النص الكامل للقاء:

برأيكم، ما الذي ميّز احتجاجات تشرين 2019 عن الموجات الاحتجاجية السابقة في العراق من حيث الخطاب والمطالب السياسية؟ وهل كانت منفصلة عن سابقاتها؟

لم تكن تشرين منفصلة تماماً، بل جاءت امتداداً نوعياً لما سبقها من احتجاجات (2011، 2015، 2018). لكنها تمايزت عنها بعمق خطابها وشمولها الوطني وجرأتها في رفع شعار تغيير بُنية النظام وإصلاح وظائفه. بهذا المعنى يمكن القول إن تشرين جمعت خيوط التجارب السابقة، وصاغتها في لحظة انفجار كبرى أعادت تعريف الاحتجاج في العراق، كما يمكن تلخيص ما يمزيها عن سابقاتها بعدة عناصر أساسية:

1. ركزت الموجات التي سبقت الانتفاضة في الاغلب على مطالب خدمية أو مطلبية مباشرة: الكهرباء، فرص العمل، مكافحة الفساد. في حين أن تشرين رفعت خطاباً أشمل وأعمق، تجاوز حدود الإصلاح الجزئي إلى المطالبة بتغيير النظام السياسي القائم على المحاصصة، الى نظام يعتمد المواطنة في أساس بنائه. 

2. وحدت تشرين فئات متعددة: شباب، طلبة، عمالا، نساء، عاطلين عن العمل، في مشهد عابر للطائفية والمناطقية. هذا ما جعلها تبدو حركة وطنية شاملة لا محلية أو فئوية.

3. خلقت فضاءً ثقافيا ًجديداً، جداريات، شعارات، أغاني، خيما تحولت إلى فضاءات نقاش ووعي سياسي. لم يكن هذا موجوداً بنفس القوة في الموجات السابقة، حيث بقي الاحتجاج محدوداً بأدوات تقليدية.

4. استمراريتها، حيث بلغت أشهراً طويلة، وأنتجت ذاكرة جمعية ورصيداً سياسياً وثقافياً ظل حاضراً بعد انحسارها.

كيف يمكن قراءة شعار "نريد وطن" ضمن أزمة الشرعية السياسية التي تعاني منها منظومة الحكم بعد عام 2003؟

لو حاولنا تفكيك الشعار نكتشف أبعادا مترابطة عدة:

1. أزمة الدولة ككيان جامع، فالشعار لا يطالب بخدمة أو إصلاح قطاعي، بل يضع الوطن نفسه في موقع "المفقود". هذا يعني أن العراقيين لم يعودوا ينظرون إلى الدولة القائمة باعتبارها تجسد "الوطن"، بل باعتبارها سلطة محاصصة فاسدة تُقسِّم المجتمع ولا توحّده. هنا يتضح أن الشرعية لم تتآكل فحسب، بل انقطعت الصلة بين الشعب والدولة بوصفها ممثلة للوطن.

2. رفض شرعية المحاصصة: استمدت طغمة الحكم شرعيتها من صيغة "التوافق الطائفي–الإثني"، اذ يعد رفعهم لشعار "نريد وطن" بمثابة إعلان قطيعة مع شرعية "المكوّنات" ومطالبة بشرعية جديدة تقوم على المواطنة المتساوية.

3. كشفت تشرين أن الشرعية الحقيقية تنبع من الانتخابات الحقيقية والنزيهة بشرطها وشروطها، لا من الصناديق المحكومة بالمال السياسي والسلاح. "نريد وطن" صرخة ضد التلاعب بآليات الشرعية الشكلية، ومطالبة ببديل يستند إلى العقد الاجتماعي لا إلى الصفقات الانتخابية.

4. البعد الطبقي للشعار، حيث هو احتجاج ضد البطالة، الفقر، التهميش. بهذا المعنى هو مطالبة بأن يكون الوطن للجميع لا غنيمة تتقاسمها الطغمة. الشرعية السياسية المهترئة لم تعد قادرة على تلبية أبسط شروط العدالة الاجتماعية، فجاء الشعار ليعيد تعريف الوطن بوصفه مجالاً للحقوق والكرامة، لا مجرد جغرافيا أو سلطة قائمة.

5. "نريد وطن" لم يكن فقط نفياً للشرعية القائمة، بل كان إعلاناً عن شرعية بديلة: شرعية تستند إلى المشاركة الشعبية، السلمية، والمواطنة. هو شعار يؤسس لعقد اجتماعي جديد، ويعلن بوضوح أن نظام المحاصصة استنفد مبررات وجوده.

باختصار، شعار "نريد وطن" هو ترجمة احتجاجية – سياسية لأزمة شرعية شاملة: فقدت المنظومة قدرتها على تمثيل المجتمع.

هل مثّلت الحركة الاحتجاجية امتداداً لمفهوم "المجتمع المدني" في العراق أم شكلت قطيعة معه؟

يمكن قراءة الحركة الاحتجاجية في تشرين 2019 في علاقتها بمفهوم "المجتمع المدني" على مستويين متناقضين: الامتداد والقطيعة.

1. الامتداد: من زاوية، مثلت تشرين امتداداً لأفق المجتمع المدني، خصوصًا كما تبلور بعد 2003 عبر المنظمات غير الحكومية وشبكات النشاط الحقوقي والثقافي. فقد اعتمدت على أشكال التنظيم الأفقي، وعلى المبادرات التطوعية (خيم، إغاثة طبية، أنشطة ثقافية)، وهي كلها سمات تُعد جزءا ًمن بنية المجتمع المدني. كذلك، حملت الشعارات قيماً مرتبطة بالمجتمع المدني: المواطنة، السلمية، حقوق الإنسان، العدالة الاجتماعية. بهذا المعنى، كانت تشرين استعادة للطاقة المدنية في أوسع معانيها.

2. القطيعة: كانت تشرين أيضاً قطيعة مع المجتمع المدني الرسمي الذي نشأ بعد 2003، والذي ارتبط غالباً بالتمويل الخارجي وبالعمل في إطار محدود لا يمس جوهر السلطة. كثير من منظمات المجتمع المدني بدت بعيدة عن الساحات، أو مترددة في الانخراط، بل أحياناً متماهية مع خطاب "الإصلاح الجزئي". في هذا السياق، عبّرت تشرين عن مجتمع مدني موازٍ، أكثر جذرية وأقرب إلى الناس، متحرر من البيروقراطية والتمويل المشروط، قائم على التضامن المباشر بين المحتجين أنفسهم.

3. المعنى الجدلي: يمكن القول إن تشرين لم تكن مجرد امتداد ولا مجرد قطيعة، بل جدل جديد: فهي من جهة أعادت الروح لمفاهيم المجتمع المدني (التنظيم، السلمية، المطالب الحقوقية)، ومن جهة أخرى تجاوزت صورته التقليدية/ المؤسسية لتتحول إلى مجتمع مدني احتجاجي، هي تقع ضمن نطاق الحركات الاجتماعية الجديدة، حيث مثّلت ولادة "مجتمع مدني من نوع آخر"، ليس المجتمع المدني المُدجَّن الذي تكيف مع نظام ما بعد 2003، بل مجتمع مدني، شبابي، أفقي، ووطني النزعة. بهذا المعنى، هي امتداد للروح المدنية وقَطيعة مع أشكالها التقليدية في آن واحد.

خلاصة القول الانتفاضة هي حركة اجتماعية بالمعنى الذي يطرحه علم الاجتماع السياسي، وتقع بالتحديد ضمن نطاق الحركات الاجتماعية الجديدة، كما انها ثورة سلمية غير مكتملة الشروط،  كسرت جدار الخوف، وطرحت مطلباً جذرياً بتغيير النظام، اتخذت السلمية هويةً وأداةً للمواجهة، لكنها بقيت عاجزة عن التحول إلى مشروع منظم بسبب غياب القيادة والبرنامج، ضعف الامتداد الطبقي، والقمع الدموي. فيما اكتفى العالم بالتوثيق والإدانة. وهكذا، غيّرت تشرين الوعي السياسي والاجتماعي وأعادت تعريف الوطنية، لكنها لم تمتلك بعد أدوات إنجاز التغيير الجذري.

ما دلالات المشاركة الواسعة للشباب والنساء في إعادة رسم صورة الحركات الاحتجاجية في العراق؟

حلمت المشاركة الواسعة للشباب والنساء في انتفاضة تشرين 2019 دلالات عميقة، ليس فقط في حجمها العددي بل في نوعيتها، وما أفرزته من تحولات في صورة الحركات الاحتجاجية بالعراق:

1. كسر الهيمنة الذكورية والسياسية التقليدية: لأول مرة، برزت النساء كعنصر أساسي في ساحات الاحتجاج، ليس فقط كداعمين، بل كمشاركات وقياديات ومنظّمات. هذا الحضور أعاد رسم صورة الساحة السياسية والاجتماعية، وكسر الصورة النمطية عن السياسة كحقل ذكوري محتكر.

2. ولادة جيل سياسي جديد: كان الشباب كالعمود الفقري للحركة. أكثر من 60% من سكان العراق هم من فئة الشباب، وتشرين مثّلت أول ظهور واسع لهم كفاعل مستقل خارج أطر الأحزاب. هذا أعطى الاحتجاجات طابعاً شبابياً واضحاً، شعارات مبتكرة، أشكال تعبير جديدة (جداريات، أغاني، مسرح الشارع)، وأدوات تنظيم أفقية لا هرمية.

3. تجذير الطابع السلمي: حضور النساء والشباب عزّز الطابع السلمي للاحتجاجات. وجود النساء في الساحات فرض، بشكل غير مباشر، ضبطاً ذاتياً على أي ميل نحو العنف، وحوّل الاحتجاج إلى حدث مدني ـ سلمي جامع، يصعب على السلطة شيطنته بالكامل.

4. المشاركة الواسعة لهاتين الفئتين حولت الوطن إلى قضية اجتماعية ملموسة، لا مجرد فكرة سياسية عامة.

5. دلالة هذه المشاركة أنها أعادت تشكيل صورة الحركة الاحتجاجية في العراق: من فعل احتجاجي تقليدي يقوده ناشطون محدودون، إلى حركة جماهيرية شابة ـ مدنية ـ سلمية، تحمل في طياتها بذور مجتمع جديد يتخطى الطائفية والذكورية، ويضع العدالة والمواطنة في المقدمة.

هل عكست تشرين تحولات في القيم الاجتماعية والسياسية لدى الجيل الجديد مقارنة بالجيل الذي عاصر أحداث 2003؟

نعم، 2019 عكست بوضوح تحولات في القيم الاجتماعية والسياسية لدى الجيل الجديد مقارنة بالجيل الذي عاصر أحداث 2003. يمكن تفصيل ذلك على النحو الآتي:

1. من الطائفية إلى المواطنة: اذا كانت الأجيال التي والت وتحزبت للقوى المتنفذة، تشرّبت بخطاب "المكوّنات" بوصفه إطاراً منظّماً للحياة السياسية. فجيل تشرين كسر هذه البنية، ورفع شعارات عابرة للطوائف والمناطق، متمحورة حول مفهوم الوطن والمواطنة المتساوية.

2. أعلن جيل تشرين قطيعته مع القوى المتنفذة، واعتبرها هي المشكلة لا يمكن ان تقدم حلولاً للازمة.

3. من العنف إلى السلمية: تمسّك جيل تشرين بخيار السلمية كهوية سياسية وأداة للتغيير، ليبرهن أن قوة المجتمع ليست في السلاح الذي تستقوي به المليشيات بوجه الشعب.

4. أعاد جيل تشرين تعريف السياسة بوصفها حياة يومية، حولوا السياسة إلى ممارسة ثقافية ـ مدنية تعكس رؤية مختلفة للوطن.

كيف تقيّمون طبيعة البنية التنظيمية لاحتجاجات تشرين؟

يمكن تقييم البنية التنظيمية لاحتجاجات تشرين 2019 من خلال ثلاث سمات رئيسية:

1.  الأفقية بدل الهرمية: لم تكن تشرين حركة تقليدية تقودها قيادة مركزية أو زعامة محددة، بل اعتمدت على التنظيم الأفقي، أي أن القرارات والأنشطة وُلدت من داخل الساحات نفسها عبر لجان تطوعية وخيم تنسيقية. هذا أعطاها مرونة عالية وجعل من الصعب اختراقها أو استهدافها عبر رأس واحد. لكنه في المقابل جعلها تفتقد آلية تفاوض موحدة أو برنامجا سياسيا واضحا.

2. عفوية منضبطة: رغم انطلاقها بشكل عفوي، فإن الاحتجاجات سرعان ما نظمت نفسها داخلياً. ظهرت خيم متخصصة (طبية، إعلامية، ثقافية، لوجستية)، وبرزت مبادرات شبابية تدير الخدمات داخل الساحات: من إطعام المحتجين إلى تنظيف الشوارع وتقديم الدعم النفسي. هذا التنظيم الذاتي عكس قدرة المجتمع على إنتاج بدائل عن الدولة، ولو مؤقتاً.

3. التشبيك: بنية تشرين كانت شبكية الطابع، تستند إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتبادل المعلومات وتنظيم الفعاليات، أكثر من اعتمادها على مؤسسات رسمية أو تنظيمات حزبية. هذا الطابع منحها قدرة سريعة على الانتشار من بغداد إلى المحافظات الجنوبية، وخلق "عدوى احتجاجية" يصعب السيطرة عليها.

4. بنية تشرين التنظيمية كانت مزيجاً من العفوية الشعبية والإبداع الذاتي والشبكية الأفقية. هذه العناصر جعلتها لحظة انفجارية فارقة، لكنها كشفت في الوقت ذاته الحاجة إلى تحويل التنظيم الأفقي العفوي إلى قوة سياسية واجتماعية مستدامة قادرة على الاستمرار بعد الساحات.

ما أوجه القوة والضعف في غياب قيادة مركزية واضحة للحركة؟

غياب القيادة المركزية الواضحة في احتجاجات تشرين كان له وجهان: قوة وضعف في آن معاً.

أولا- أوجه القوة:

1. الحماية من الاستهداف: لم يكن هناك رأس يمكن للسلطة أن تقطعُه بسهولة، ما صعّب مهمة تفكيك الحركة عبر الاعتقالات أو الاغتيالات.

2. المرونة والتكيّف: الأفقية سمحت للساحات أن تبتكر أشكالاً متعددة من الاحتجاج والتنظيم، دون انتظار توجيهات عليا.

3. توزيع المبادرة: كل ساحة وكل خيمة كانت قادرة على أن تكون مركزاً للإبداع والقرار، ما أعطى زخماً واسعاً للحركة.

4. كسب الشرعية الشعبية: غياب الزعامات التقليدية عزّز صورة تشرين كحركة "من الناس وللناس"، وليست مجرد امتداد لنخبة حزبية.

ثانيا- أوجه الضعف:

1.غياب البرنامج الموحد: تعدد المبادرات والشعارات جعل من الصعب صياغة رؤية سياسية متفق عليها، ما سمح للسلطة بالمناورة.

2. محدودية القدرة التفاوضية: لم يكن هناك طرف معتمد يمثل المحتجين أمام الحكومة أو المجتمع الدولي.

3. صعوبة الاستمرارية: الأفقية أعطت الزخم لحظة الانفجار، لكنها لم تتحول إلى بنية تنظيمية قادرة على الاستمرار بعد انحسار الساحات.

4. اختلاف الأولويات: تنوع الساحات والفاعلين أدى أحياناً إلى تباينات في الخطاب، ما شتّت وحدة المطلب السياسي.

اخيراً: غياب القيادة المركزية كان درع حماية للحركة في وجه القمع، لكنه في الوقت ذاته كان ثغرة سياسية جعلت من الصعب تحويل القوة الاحتجاجية إلى مشروع تغييري مستدام. تشرين أثبتت أن الأفقية سلاح فعال في لحظة الانفجار، لكنها تحتاج إلى تكامل مع بنية تنظيمية واضحة حتى تُترجم التضحيات إلى إنجاز سياسي.

كيف أثّر التوتر الإقليمي، ولا سيما الصراع الأميركي ـ الإيراني، على مسار احتجاجات تشرين؟

تأثير التوتر الإقليمي، ولا سيما الصراع الأميركي ـ الإيراني، على مسار احتجاجات تشرين 2019 كان عميقاً ومتعدد المستويات:

1. محاولة تشويه الحراك، حاولت السلطة وأذرعها الإعلامية منذ البداية تشويه الانتفاضة، حيث اتُّهمت بأنها "مدعومة أميركياً" بهدف إفراغها من بعدها الوطني والاجتماعي.

2. انشغال السلطة العراقية بالتوازن بين واشنطن وطهران جعلها أقل قدرة (وربما أقل رغبة) في الاستماع إلى المطالب الاجتماعية والسياسية للمنتفضين. الأولوية تحولت إلى إدارة الصراع الإقليمي على الأرض العراقية، فيما تُركت ساحات تشرين تحت القمع والاغتيالات.

3. تعزيز البعد الوطني للحراك: المفارقة أن هذه التدخلات الخارجية زادت من وطنية الخطاب التشريني.

شعار "نريد وطن" كان، في أحد أبعاده، رفضاً لتحويل العراق إلى ساحة صراع بين واشنطن وطهران. الشباب رفعوا هويتهم الوطنية بديلاً عن ارتهان القرار العراقي للمحاور.

4. نتائج مزدوجة: من جهة، الصراع الأميركي ـ الإيراني ضيّق مساحة الحركة الاحتجاجية وأعطى للسلطة ذريعة إضافية لقمعها،  من جهة أخرى، عزّز إصرار المحتجين على أن التغيير يجب أن يكون عراقياً خالصاً، لا نتاج صفقة إقليمية أو دولية.

ما طبيعة تعامل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية مع الانتهاكات التي رافقت الحركة الاحتجاجية؟

تعامل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية مع الانتهاكات التي رافقت احتجاجات تشرين 2019 كان ذا طبيعة مزدوجة، يجمع بين الإدانة المبدئية والقصور العملي: المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية أدّوا دوراً في التوثيق والإدانة، لكنهم فشلوا في توفير آليات حماية ومساءلة. النتيجة أن المحتجين شعروا أن صوتهم أوضح من أي وقت مضى، لكن حمايتهم أضعف من أن تصمد أمام آلة القمع. تعاطي المجتمع الدولي أظهر أن المصالح الجيوسياسية (التوازن الأميركي ـ الإيراني، واستقرار سوق النفط) كانت تتقدم على حقوق الإنسان .أما المنظمات الحقوقية، فرغم دورها التوثيقي المهم، فقد بقي تأثيرها محدوداً في ظل غياب ضغط سياسي دولي متماسك.

هل يمكن النظر إلى تشرين بوصفها جزءاً من موجة احتجاجات إقليمية أوسع مثل لبنان وإيران والسودان؟

نعم، يمكن النظر إلى انتفاضة تشرين 2019 بوصفها جزءاً من موجة احتجاجات إقليمية أوسع، لكن مع خصوصيتها العراقية.

1. تشابه المسارات:

• لبنان (2019): رفع المحتجون هناك شعارات ضد الطائفية والفساد، وطالبوا بدولة مدنية، في مشهد يشبه إلى حد كبير شعارات تشرين.

• إيران (2019): اندلعت احتجاجات ضد رفع أسعار الوقود، لكنها سرعان ما تحولت إلى رفض شامل للفساد والقمع السياسي، وهو ما يوازي انتقال المطالب العراقية من الخدمات إلى النظام.

• السودان (2018–2019): الحراك بدأ بسبب أزمات المعيشة، لكنه انتهى بمطلب تغيير النظام السياسي، وهو ما يشبه مسار تشرين من مطلب الكهرباء والوظائف إلى شعار "نريد وطن".

2. المشتركات

•تشترك جميع هذه الحركات في طابعها الشبابي واستخدامها للساحات العامة بوصفها فضاءات سياسية ـ ثقافية.

• ركزت على العدالة الاجتماعية، ورفضت المحاصصة والهويات الطائفية أو الإثنية.

• رفعت شعار السلمية في مواجهة أنظمة تلجأ إلى العنف والقمع.

3. البعد المقارن:

يمكن القول إن تشرين جزء من "زمن احتجاجي عربي ـ إقليمي" ظهر بعد 2011، لكن بموجة ثانية أكثر وعياً بالسلمية وأكثر جذرية في مطالبها. هذا يجعلها حلقة في سلسلة ممتدة، لا حدثاً معزولاً.

هل أفرزت تشرين بنية سياسية أو اجتماعية قادرة على الاستمرار، أم أنها بقيت لحظة تاريخية عابرة؟

لم تبقَ تشرين مجرد لحظة عابرة، لكنها أيضاً لم تنجح في أن تصبح بنية سياسية راسخة بالمعنى الكلاسيكي. يمكن القول إنها أفرزت بذوراً: شبكات، قيما، لغة سياسية جديدة، وجيلا كاملا مؤمنا بالتغيير السلمي. هذه البذور لم تُزهر بالكامل بعد، لكنها تمثل رصيداً استراتيجياً لأي موجة احتجاجية قادمة. بمعنى آخر، تشرين لحظة مستمرة في الذاكرة والقيم، لكنها مؤجَّلة في البنية والتنظيم.

ما الدروس التي يمكن أن تستخلصها القوى الوطنية من تجارب تشرين بين الإخفاقات والإنجازات؟

يمكن تلخيص الدروس التي ينبغي أن استخلاصها بالآتي:

• كسر جدار الخوف: تشرين أثبتت أن الشارع قادر على تحدي سلطة غارقة في الفساد والقمع، وأن الإرادة الشعبية يمكن أن تفرض حضورها رغم آلة الرصاص.

• ولادة لغة سياسية جديدة: شعار "نريد وطن" وحّد الفئات الاجتماعية، ونقل النقاش من إصلاح جزئي إلى إعادة بناء النظام على أسس المواطنة والعدالة.

• السلمية كقوة: الالتزام بالأساليب السلمية منح الانتفاضة شرعية أخلاقية ومجتمعية، وفضح عنف السلطة أمام الداخل والخارج.

• تشكيل ذاكرة جمعية: الدماء التي سالت، الجداريات، والشعارات رسخت في الوعي العام، لتصبح تشرين مرجعاً لا يمكن تجاوزه في أي حديث عن التغيير.

• غياب التنظيم السياسي المستدام: الأفقية منحت قوة لحظة الانفجار، لكنها لم تتحول إلى إطار تنظيمي يضمن الاستمرارية بعد الساحات.

• العجز عن بلورة قيادة وبرنامج: لم تتمكن تشرين من إنتاج قيادة سياسية معترف بها ولا برنامج موحد، ما سهّل على السلطة الالتفاف والمناورة.

• العزلة عن القوى الاجتماعية التقليدية: رغم حضور الشباب والنساء بقوة، بقيت العلاقة ضعيفة مع النقابات، الاتحادات، وقطاعات واسعة من العمال والفلاحين.

• هشاشة الحماية الدولية: ورغم التضامن الحقوقي، لم تستطع الحركة استثمار الانتهاكات لفرض ضغط خارجي فعّال على السلطة.

• الانتقال من العفوية إلى التنظيم: ضرورة تحويل الطاقات الشبابية والاحتجاجية إلى أطر سياسية ـ اجتماعية مستقلة ذات برنامج واضح.

• الربط بين الطبقي والوطني: لا يكفي رفع شعار الوطن العام، بل يجب ربطه بمطالب العدالة الاجتماعية، فرص العمل، والمساواة، لتوسيع القاعدة الشعبية.

• بناء تحالفات اجتماعية أوسع: إشراك النقابات والطبقات العاملة والموظفين والطلاب في مشروع تغييري منظم، لتجنب عزل الانتفاضة.

• استثمار السلمية كقوة استراتيجية: الحفاظ على الهوية السلمية، مع تطوير أدوات حماية ذاتية للمتظاهرين تردع العنف وتكشفه للرأي العام.

• إنتاج قيادة جماعية بديلة: لا تقوم على الزعامة الفردية، بل على التنسيق بين لجان مستقلة، بحيث تبقى محصنة من الاختراق والقمع، وقادرة على التفاوض والتأثير.

 

 

برأيكم، هل من الممكن أن نشهد "تشرين ثانية" في المستقبل، وإذا كان ذلك وارداً فما ملامحها المتوقعة؟

نعم، من الوارد أن نشهد "تشرين ثانية" في المستقبل، لكن ملامحها ستعتمد على طبيعة التفاعلات بين الأزمات البنيوية والوعي الشعبي.

1. دوافع عودة الاحتجاج

الأزمات المستمرة: البطالة، الفقر، انهيار الخدمات، وتفشي الفساد لم تجد حلولاً جذرية بعد. هذه عوامل كامنة كفيلة بتفجير موجة جديدة في أي لحظة.

تراكم الوعي: تشرين الأولى زرعت ثقافة احتجاجية، وأنتجت ذاكرة جمعية تجعل أي جيل جديد يستلهمها كنموذج، لا كاستثناء.

انسداد الأفق السياسي: عجز النظام عن تقديم إصلاح حقيقي، واستمرار منطق المحاصصة، يعني أن الأسباب البنيوية للاحتجاج لم تُعالج.

• ملامح "تشرين ثانية" المتوقعة

• أكثر تنظيماً: الدرس الأبرز من تشرين الأولى هو الحاجة إلى تحويل العفوية إلى بنية منظمة. قد نشهد لجاناً أكثر تنسيقاً أو أشكالاً من القيادة الجماعية.

• خطاب أوضح: بدلاً من الشعارات العامة، قد تتبلور مطالب محددة (قانون انتخابي، دستور جديد، ضمان اجتماعي) تجعل الحراك أكثر قدرة على التفاوض.

• طابع وطني أوسع: تشرين الأولى نجحت في تجاوز الطائفية، و"تشرين ثانية" قد تذهب أبعد، لتؤسس جبهة وطنية عابرة لكل الانقسامات.

• استمرار السلمية: بعد أن ثبتت السلمية كهوية، من المرجح أن تبقى الخيار الأول، مع تطوير أدوات حماية ذاتية تكشف عنف السلطة وتقلّل الخسائر.

• الحضور الطبقي: يمكن أن تكون المشاركة المقبلة أكثر وضوحاً من جانب الطبقات العاملة والموظفين والطلاب، ما يضيف بعداً اقتصادياً صريحاً.

2.  التحديات

• القمع الدموي: السلطة ستلجأ مجددًا إلى العنف، وربما أشد من السابق.

• محاولات الاحتواء: عبر الانتخابات أو التنازلات الجزئية.

• الضغط الإقليمي والدولي: الصراع الأميركي ـ الإيراني قد يحاول مرة أخرى اختطاف أي موجة احتجاجية.

• "تشرين ثانية" ليست احتمالاً بعيداً، بل هي استحقاق مؤجل تفرضه طبيعة الأزمة العراقية. لكن نجاحها لن يكون في مجرد النزول إلى الساحات، بل في تحويل الزخم الشعبي إلى بنية سياسية واجتماعية مستدامة قادرة على فرض التغيير.

برأيكم، هل انتهت الحركة الاحتجاجية أم أنها تحوّلت إلى طاقة كامنة قد تنفجر بصيغة جديدة؟

الحركة الاحتجاجية في العراق، لم تنتهِ بالمعنى التاريخي، بل تحوّلت إلى طاقة كامنة تترقب اللحظة المناسبة للانفجار من جديد. تشرين لم تُهزم تماماً ولم تنتصر كاملاً، بل تحوّلت إلى رصيد احتجاجي مؤجل. يمكن القول إنها لحظة لم تُغلق، بل استُودِعت في ذاكرة الأجيال كطاقة كامنة تنتظر لحظة الانبعاث، ربما في صيغة أوسع، وأكثر وعياً وعمقاً.

ما الذي يمكن أن تتعلمه الأجيال القادمة من تشرين في ضوء حملات التشويه والقمع الذي واجهته؟

تشرين ليست مجرد احتجاج عابر، بل مدرسة كبرى. علّمت أن السلمية قوة تمنح الشرعية، وأن العفوية بلا تنظيم تُجهض الزخم مهما كان عظيماً. أوضحت أن مواجهة الدعاية تحتاج إلى وعي نقدي وخطاب واضح، وأن البعد الوطني الجامع شرط لنجاح أي حركة تغيير.

دماء الشهداء لم تكن هزيمة، بل ذاكرة جمعية تحفظ استمرارية المعركة. وتجربة تشرين أظهرت أيضاً خطورة العزلة، مؤكدة أن التغيير يتطلب تحالفاً اجتماعياً واسعاً يضم الشباب، النقابات، والطبقات العاملة.

تشرين تختصر معادلة التغيير: سلمية + وعي نقدي + تنظيم + تحالفات وطنية. هكذا وحده يمكن أن تتحول التضحيات إلى قوة تدفع المستقبل نحو وطن حر وعادل.

هل يمكن الحديث عن إمكانية ولادة "تشرين ثانية"، وبأي ملامح مختلفة عن 2019؟

تشرين ثانية: استحقاق مؤجَّل..

إمكانية تجدد تشرين واردة بقوة، فالأزمات الكبرى – فساد، بطالة، تدهور الخدمات، انسداد الأفق – ما زالت بلا حلول، ووعي جيل 2019 لم يختفِ بل نضج. لكن أي موجة جديدة لن تكون نسخة مكررة، ستأتي أكثر تنظيماً، بخطاب أوضح، وبُعد طبقي واجتماعي أشد وضوحاً، مع أدوات حماية وإعلام بديل، وموقف وطني صلب يرفض وصاية الخارج. في المقابل، ستواجه تحديات أعنف: قمع دموي أسرع، التفاف سياسي أذكى، وخطر الانقسام الداخلي إن لم تُبْنَ تحالفات مجتمعية واسعة.

"تشرين ثانية" ليست احتمالًا عابراً بل استحقاقاً مؤجَّلاً. الفارق الحاسم سيكون في قدرة القوى الوطنية والشبابية على تحويل الغضب إلى مشروع تغييري مستدام لا مجرد انفجار عفوي آخر.

***************************************

الصفحة الخامسة

اقتحام آخر .. سماء أخرى.. من متاريس مونمارتر إلى أناشيد ساحة التحرير

رضا الظاهر

من شرارة ذلك السخط المتعاظم، وقد تراكم حتى أدى إلى تحول نوعي في الحراك الاجتماعي، اندلع لهيب انتفاضة تشرين .. ومن قلب دار السلام صدحت الأناشيد، وراح شبح "الثورة" يجول في شوارع مدن بلاد الرافدين .. تعانقت ساحة التحرير في بغداد مع ساحة الحبوبي في الناصرية، لتنضم إليهما ساحة البحرية في البصرة، وساحة الصدرين في النجف، وسائر سوح الاحتجاج في وطن منتفض، لنشهد ما لا نظير له من أيام ثورية في تاريخ العراق الحديث، أضاءت، من بين صفحات أخرى، أسطع ما في الشخصية العراقية من سجايا.

كأن تلك الشرارة انطلقت من متاريس مونمارتر بباريس أيام كومونتها، إلى نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد أيام انتفاضتها .. وأمام ذلك الشبح راحت ترتعد فرائص اللائذين بالنظام القديم، وتتعالى أرواح الشهداء نحو سماء اصطبغت بدمائهم الزكية، وتنطلق هتافات الملايين من شابّات وشبّان الوعد الجديد .. لم يعد رماد الفجائع يقوى على حجب جمرة الكفاح .. وهذه البلاد التي يريدون لها أن تركع في مستنقع الخنوع راحت تقتحم متاريس الجائرين ..

أسئلة حارقة .. صيرورة مفتوحة الآفاق

واليوم إذ نحتفي بهذا الحدث الجليل، المتواصل بأشكال أخرى، فإننا لا نتوقف عند حدود الاستذكار، وإنما نسعى إلى تمثل العبر الموحيات والدروس الملهمة، وطرح الأسئلة الحارقة والبحث عن إجابات شافية، وتدقيق التحليلات والأفكار، ونحن نمضي، غير هيّابين، في طريق طويل، مليء بالأشواك والانعطافات والآلام والتحديات.

انتفاضة تشرين هي صيرورة مفتوحة الآفاق، إذ مازالت عوامل اندلاعها، رغم الخفوت الظاهري، قائمة ومتعاظمة، جعلت من المتعذر العودة الى الأوضاع التي كانت سائدة قبل اندلاعها، فقدمت الدلالة العميقة على أن "دار السيد ليست مأمونة"، وأن اجتراح الجموع المآثر قادر على الإطاحة بعروش الاستبداد.

ولعل من بين سمات هذه الانتفاضة أنها قدمت مؤشرات واضحة على تحول نوعي في الوعي السياسي للمجتمع، وخصوصا في أوساط الشباب الذين كان شرر التحدي يتطاير من عيونهم، والنساء اللواتي تحوّلن إلى أيقونة ملهمة، والمثقفين الذين سطع دورهم الريادي.

ومن نافل القول إن الانتفاضة، التي جاءت حصيلة لتعمق الأزمة الاجتماعية البنيوية، ليست وليدة الصدفة المتلازمة مع العفوية، ذلك أن العوامل الموضوعية هي التي خلقت وعمّقت الأزمة الناجمة عن إخفاق نظام المحاصصة العاجز عن إنقاذ البلاد من الانحدار المأساوي المروّع. وغدا جليّاً أن لا إمكانية لإصلاح الأوضاع، ناهيكم عن تغييرها، من دون حركة جماهيرية واسعة، وأساليب كفاح متنوعة. ولعل من بين ما قدمته الانتفاضة من عِبَر يتجلى في حقيقة أن لا مخرج من النفق المظلم إلا عبر تغيير ميزان القوى السياسي والاجتماعي.

وبينما تجلت في انتفاضة تشرين الهوية الوطنية، مثّلت سلمية الاحتجاجات، وسلوك المتظاهرين المنضبط والمتحرر الطابع المدني للاحتجاج. وقد اتسم الحراك، الذي كسر حواجز اجتماعية وفكرية وسلوكية، بالقدرة على استقطاب قوى اجتماعية واسعة، وتحطيم جدار الخوف، وتحويل التيار الشعبي إلى تيار جارف.

لقد أسهمت الانتفاضة في تأسيس وعي مدني ديمقراطي جديد يتبنى فكرة العدالة الاجتماعية على نطاق أوسع، وتعميق وعي ألوف مؤلفة جديدة، من الشباب والنساء على وجه التحديد، ممن راحوا يتعلمون دروس التمرين الكفاحي الجديد، ويغنون خبرتهم الفكرية والسياسية الميدانية.

وشكلت الانتفاضة حدثاً نوعياً ذا أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية، هزّ أركان النظام السياسي القائم على المحاصصة والطائفية والفساد، وأدى إلى بروز حقائق وظواهر جديدة في اللوحة السياسية والاجتماعية. فقد بات مفهوم الدولة المدنية أكثر تداولا، وتبددت أوهام قوى سياسية متنفذة ومراهناتها على "تراجع" المتظاهرين، ونفاد صبرهم، وسكوت الشارع، وبالتالي "تبخر" هذه "الفورة" العاطفية العابرة.

ويمكن القول إن هناك حراكاً على صعيد المفاهيم والسلوكيات السياسية والمجتمعية. فانكفاء الحديث عن المكونات لصالح تقدم المحتوى الاجتماعي يجسد واقعا جديدا يقلق الأحزاب القائمة على أسس الطائفية السياسية. وبوسعنا أن نرى نوعا من اصطفاف جديد يشير طابعه العام إلى أن قيماً مدنية راحت تشق طريقها وسط تعقيدات الصراع السياسي والاجتماعي المعروفة.

لقد فند الحراك الكثير من التقديرات والتوقعات التي كانت تستبعد إمكانية استمرار الغضب الشعبي. فقد ظل الحراك محافظا على طبيعته السلمية، ولم يوفر للقوى التي ظلت تسعى إلى تحجيمه وإجهاضه أي مبرر لتحقيق مآربها.

وبات موضوع السلمية، التي يريد البعض تجريد الحركة الاحتجاجية منه، منهجا وهدفا، بحيث صار أساسا للانتقال إلى أشكال أخرى من الاحتجاج. وأزالت الانتفاضة تلك المخاوف التي تثار حول التصعيد في الحراك، والتي تزعم أن الأشكال الجديدة، وبينها الاعتصام، وحتى العصيان المدني، قد تهدد السلم الأهلي وتؤدي إلى حالة من الفوضى.

وأثبتت الانتفاضة أن شكل الاحتجاج كان حالة متحركة نشأت في سياقها قوة جاذبة لأوساط اجتماعية أوسع كانت مترددة في مسألة المشاركة في الاحتجاجات ، حتى رأينا الملايين، وهو ينزلون إلى الشوارع في أفواج هادرة.

ولعل من بين دروس الانتفاضة الهامة الأخرى أنها عكست ورسخت المطالب ذات الطابع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وجعلتها في قلب المشهد السياسي، مزيحة الانتماءات الطائفية والعرقية، حتى أضحى الحراك يمارس، اليوم، دوراً أعظم في صياغة المشهد السياسي.

ومن ناحية أخرى فإن لدى حزبنا تجربة غنية، ومريرة أيضا، في التحالفات لابد من العودة إلى دروسها البليغة، آخذين بالحسبان أن التحالف ينطوي، بالضرورة، على تناقض، وأنه إذا كان الحراك صيرورة، فإن الصراع، هو الآخر، صيرورة.

ليش شاقا ولا غريبا علينا أن ندقق مواقعنا ونعيد تقييم مواقفنا وأفكارنا، فقد وقعنا ضحية أوهام غير مرة. وينبغي أن لا ننسى عبر الماضي، فنبقى أسرى ما يمكن أن يدفعنا نحو منعطفات مجهولة، ورغبات تستبد بنا، فتغشي أبصارنا، وتضبّب رؤيتنا، وتسلبنا استقلالنا السياسي والفكري، وهو الضمانة لتأملنا في حقائق الواقع، ورسمنا لسبل تغييره.

مسائل ملحة .. إشكاليات فكرية .. ونزعات عدمية

على الرغم من مآل الانتفاضة و"صمتها" المؤقت، فقد ألحقت أسئلة الواقع هزيمة بتلك القوى التي عبرت عن ميول لتكريس النزعة العدمية وازدراء وتهميش دور الأحزاب والقوى المنظمة، وحرمان الحراك من قيادة واعية. ومما له دلالة عميقة أن كثيرا من تلك القوى تراجع عن مواقفه، وهو تطور جدير بالتأمل. ومهما يكن من أمر المواقف الملتبسة والمتنافرة والمترددة، وتلك التي تقدس العفوية، وتكشف عن النزعات الطفولية والانعزالية، فإن أحد أهم دروس الانتفاضة يتجلى في إمكانية تحقيق نتائج عظمى عندما تتوحد حركة المنتفضين.

وعندما يندلع لهيب الكفاح ما من أحد يحق له أن يجلس على أرائك التنظير، منتقدا عفوية من يشقون طريق التحدي، ويبادرون إلى إشعال فتيل مقاومة النظام القديم. وما من أحد يحق له أن "يتبطّر" في إطلاق "خطأ" العفوية و"صحة" التنظيم. غير أنه عندما تنضج المشاعر على نيران وعي هادئة لابد للرؤية أن تتضح، وللعقلانية أن تسود، وللواقعية أن تتجلى. وعندئذ تخلي العفوية المكان للتنظيم إذا ما أُريدَ لحيرة الثوريين وهزيمتهم أن تتوقف، ولعل ذلك أحد الدروس الكثيرة الغنية لانتفاضة تشرين.

ومن الطبيعي أنه من الخطأ الجسيم وضع العفوية في معارضة التنظيم. فهناك علاقة ديالكتيكية بين هذين العاملين في الحراك، وأن إدراك هذه العلاقة، وبالتالي تحديد مهمات اللحظة الراهنة، يعد من أعظم التحديات التي تواجه الثوريين. ومن الطبيعي أن تحديد الحركة مهماتها لا يعني الخضوع لعفوية الحراك، وإنما أن تضع الحركة نصب أعينها مهمات سياسية وفكرية وتنظيمية أكثر تعقيداً.

لقد دار في الماركسية نقاش مديد حول المشاركة في الثورات العفوية، وكانت وجهة نظر ماركس تؤكد أن المشاركة ضرورية، حتى وإن كان جلياً أن الثورة فاشلة، لأن الهدف هو "تدريب الشعب على الثورة"، والارتقاء إلى مرحلة خوض معركة ظافرة. وهذا هو، بالضبط، ما فعله ماركس حيال كومونة باريس، حيث كان قد نبّه العمال إلى أن أوان الثورة لم يحن بعد، وأن كل تحرك سيقود الى مجزرة بحق العمال. غير أنه حين اندلعت الثورة انخرط فيها دون تردد، بالضبط لكي يكتسب العمال الخبرة التي تؤهلهم للانتصار في ثورة قادمة. ولا يعني هذا أن الشعب لا يخطىء، وأن الثورة ستكون نقية بلا شوائب، وأن كل ممارسات الجماهير صحيحة. فنقص الوعي الفكري والسياسي يفضي الى تجريبية خطرة وأخطاء فادحة وممارسات منفلتة.

وفي كل حال لا ينبغي تقديس حراك الشعب وممارساته كلها، وإنما يتعين تحليلها انتقاديا وكشف أخطارها. كما أنه لا يجب استخدامها لتبرير عدم الانخراط في الثورة. فالجماهير تثور بشكل عفوي، وهذا ليس مبرراً للتشكيك بالثورة، وتحديد "قالبها النظري"، وفي هذا السياق علينا أن نتذكر ما قاله إنجلز: "إنها لسذاجة صبيانية أن يجعل المرء من جزعه الشخصي برهاناً نظرياً".

ومن الطبيعي أن يطرح مآل الحراك الشعبي والانتفاضات الثورية أسئلة تزداد تعقيدا بالارتباط مع "يأس" البعض من رؤية النتائج والثمار الملموسة للاحتجاجات، وقد توهموا أن حركة الجماهير الثائرة يمكن أن تغير الواقع بين عشية وضحاها. ولنا في مثال الثورة الفرنسية، التي حدثت عام 1789، وما أحاطها من عفوية في حركة الثوار، والتباس في المفاهيم، وغموض في البرنامج، ما يمكن أن يضيء المصائر التاريخية للتحول الاجتماعي العاصف. فقد انتهى الأمر، كما نعلم، بهيمنة نابليون بونابرت على السلطة وتحوله الى إمبراطور ظل حاكما مطلقا حتى هزيمة عام 1815، وهي الهزيمة التي فتحت الأبواب للأفكار التنويرية للثورة الفرنسية.

ومن جانب آخر فإن النزعة الفوضوية هي إحدى أخطر النزعات التي تؤدي، من بين عواقب أخرى، إلى حرمان الانتفاضة من القيادة. ومن المعلوم أن معظم الثورات الكبرى، بما فيها الثورة الفرنسية، وكومونة باريس، والثورة الروسية، بدأت تلقائية ثم دخل فيها عنصر التنظيم. غير أن التأمل في هذه الأحداث الثورية وتحليلها بصورة عميقة يظهر، على نحو جلي، أن هناك الكثير من العمل السياسي الذي يقف خلف ما يبدو تلقائياً. ومن بين تجليات عدمية الفوضويين رفضهم لفكرة "القيادة"، إذ يحاولون خلط الأمور، ولا يميزون بين هذا القائد السياسي أو ذاك، واضعين الجميع في سلّة واحدة.

ويقدم الفوضويون أدلة على إخفاق "القيادات الثورية"، التي يرون، عن حق في بعض الحالات، أنها تخلت عن روح القيم الثورية، ووقعت تحت إغراء الامتيازات، بحيث باتت أسيرة للنظام القائم الذي أرادت، أصلاً، الإطاحة به.

ويلفت الانتباه أن الفوضويين يعودون إلى أحداث أيار 1968 في فرنسا، كمثال كلاسيكي على الدور الذي قد يمارسه هذا النمط من القيادات. ففي حين تفجرت حركة عفوية طلابية وعمالية ضد نظام ديغول، لتتحول إلى معارك ثورية في شوارع باريس، التي كانت، قبل ما يقرب من قرن من ذلك الزمان، مسرحا للكومونة، واندلع إضراب عام على مستوى البلاد شارك فيه عشرة ملايين عامل، انهمك القادة "اليساريون" في اتخاذ مواقف انتهازية متخاذلة، أدت، كما يرى الفوضويون، إلى إجهاض الحركة التي كان يمكن أن تطيح بنظام الاستغلال الرأسمالي، وحولوا الحراك الثوري العاصف إلى مجرد طائفة من المطالب المتواضعة، فكان أن أُجهضت الانتفاضة، ومُنيت بهزيمة نكراء، وعاد "الثوار" الى مواقع عملهم "خانعين".

ومن ناحية أخرى يتسم أصحاب الميول الثورية الضيقة والعدمية بروح الاستعجال في قطف الثمار، حتى قبل أن تنضج، وهو سلوك غالبا ما يؤدي بهم إلى اليأس والهزيمة والتخلي عن النضال الثوري، وربما انتقال بعضهم إلى معسكر "الثورة المضادة"، مدافعين عن سلطة الاستبداد التي باتوا خائفين عليها بعد أن كانوا خائفين منها.

دروس من كومونة باريس

تعلمنا الماركسية أنه حين تبدأ أعداد غفيرة من الناس بالنشاط  فإن أول من يُؤخذوا على حين غرّة هم ليسوا أولئك الذين كافحوا زمنا مديداً، بل الحكام الغافلون، ذلك أن الطبقة الحاكمة أقنعت نفسها بأن المقاومة مستحيلة، على عكس الثوريين القادرين على التنبؤ بالأحداث والمستعدين لها. وهذا غالبا ما يميز ما يسميه ماركس "الثورة الجميلة"، أي اللحظات الأولى للثورة التي يبدو أنها توحد غالبية المجتمع في النضال ضد النظام القديم، وهو ما تجلى عندما اندلعت انتفاضة تشرين بكل عنفوانها، بحيث بدا أن المجتمع كان، بأسره، موحدا وراء شعار واقعي بسيط: "نريد وطن"!

لقد تحدث ماركس في أكثر من موضع حول المشاركة في الثورات العفوية باعتبارها ضرورية، حتى إذا لم تكن الثورة ظافرة، لأن الهدف هو تدريب الشعب على الثورة، والارتقاء به إلى خوض معركة ظافرة.

هذا ما فعله ماركس حيال كومونة باريس (18 آذار 1871) التي يجب أن تظل دروسها ماثلة أمامنا ونحن نقيّم انتفاضة تشرين، وعلينا أن نستعيد، على الدوام، هذه الخبرة التاريخية التي لا غنى عنها.

وعلى الرغم من أن كومونة باريس لم تستمر أكثر من 72 يوماً، حيث سقط آخر مقاتليها يوم 28 أيار، إلّا أنها استطاعت، في هذه الأيام القليلة، أن تقدم أغنى الدروس حول مهمات الإطاحة بالنظام القديم وتحرير المجتمع. وأظهرت الكومونة كيف أن البرجوازية لا تلقي السلاح بل تتشبث بمواقعها وهيمنتها، وتحارب، بكل ضراوة، أية محاولة لبناء المجتمع الجديد.

لم تقف البرجوازية مكتوفة الأيدي وهي ترى الكومونة تهدد سلطة رأس المال، ورأت أن عليها أن تتحد لمواجهة هذا الخطر، فاتحد أعداء الأمس، بسمارك وتيير، لمواجهة عمال باريس.

أما السبب الرئيسي لهزيمة الكومونة فيكمن في عدم وجود تنظيم مستقل للعمال، بينما كانت أفكار بلانكي وبرودون حول وهم خلود الملكية الصغيرة مهيمنة.

فما هي خلاصة خبرة كومونة باريس ؟ وكيف تجلت بطولة ثوار الكومونة؟

كان ماركس، كما أشرنا، قد حذر عمال باريس في خريف عام 1870، أي قبل الكومونة بأشهر عدة، من أن أية محاولة لإسقاط الحكومة ستكون حماقة دفع إليها اليأس. ولكن عندما فرضت المعركة الفاصلة وغدت الانتفاضة واقعاً، حيّا ماركس الثورة البروليتارية بمنتهى الحماس رغم نذر الشر. ولم يصر ماركس على اتخاذ موقف متحذلق لإدانة الحركة "باعتبارها جاءت في غير أوانها"، كما فعل الماركسي الروسي بليخانوف عندما كتب في تشرين الثاني 1905 مشجعاً نضال العمال والفلاحين، ولكنه أخذ يصرخ بعد كانون الأول 1905 على طريقة الليبراليين "ما كان ينبغي حمل السلاح".

ولم يكتف ماركس بالتعبير عن الإعجاب الحماسي ببطولة ثوار الكومونة الذين "هبّوا لاقتحام السماء" حسب تعبيره، بل رأى في هذه الحركة الثورية، على الرغم من إخفاقها في تحقيق غاياتها، خبرة تاريخية ذات أهمية عظمى، وخطوة عملية أهم من مئات البرامج والمناقشات.

ووضع ماركس نصب عينيه مهمة تحليل هذه التجربة واستخلاص الدروس منها، وإعادة النظر في أفكاره على ضوئها. وكان "التصحيح" الوحيد الذي رأى ماركس ضرورة إدخاله على (البيان الشيوعي) مستوحى من الخبرة الثورية لكومونة باريس.

وفي آخر مقدمة للطبعة الألمانية الجديدة من (البيان الشيوعي)، والتي تحمل توقيع المؤلفين: ماركس وإنجلز، بتاريخ 24 كانون الثاني 1872 يقول المؤلفان إن برنامج (البيان الشيوعي) "قد عفا الزمن على بعض تفاصيله". ويضيفان: "لقد أثبتت الكومونة شيئاً واحداً، على وجه الخصوص، وهو أن الطبقة العاملة لا تستطيع، ببساطة، أن تستولي على آلة الدولة الجاهزة وتسخرها لخدمة أهدافها الخاصة".

وهذه الفقرة الأخيرة اقتبسها المؤلفان من كتاب ماركس (الحرب الأهلية في فرنسا). وهكذا اعتبر ماركس وإنجلز أحد الدروس الرئيسية لكومونة باريس يتمتع بأهمية عظمى حملتهما على إدخاله كتصحيح لـ (البيان الشيوعي).

وفي أهدأ المراحل، وكما يبدو، في أكثرها "عذوبة وسذاجة" حسب تعبير ماركس .. في مراحل "الركود الكئيب"، كان ماركس يعرف كيف يشعر باقتراب الثورة، وكيف يرشد البروليتاريا لمعرفة مهماتها.

***

مازال الغضب يغلي في الصدور، وقد بلغ السيل الزبى .. وستأتي،لا ريب، رياح تعصف بالرماد، لتتقد، من جديد، جمرة الانتفاضة، وهذه المرة سيكون الاتقاد عاصفا..

أمثولة الشهداء هي التي تضيء نصب الحرية، وتمنح أصواتنا هتاف المستقبل، وأيادينا تحدي أن ترفع الرايات، وتروّي ظمأ أرواحنا العطشى إلى قيامة العراق ..

منتفضو تشرين مازالوا يحملون المشاعل، ويضيئون الدروب، ويمضون في طليعة الكتائب، عائدين إلى الينابيع، وناظرين إلى النجوم، ومتطلعين إلى الضفاف، وحالمين بغد يخسرون فيه أغلالهم .. ينحتون في حجر، ويركبون المخاطر، ويجسّدون القيم السامية، والمثل الملهمة، وجرأة الاقتحام ..

*************************************************

الصفحة السادسة

من شهداء انتفاضة تشرين 2019

روح شامخة

ارتقى الرفيق إياد عباس علي شهيدًا إثر استنشاق الغاز السام أثناء تظاهرات ساحة التحرير. أب لخمس بنات، ماجستير إعلام، عضو في الحزب الشيوعي العراقي، ضحى بحلمه من أجل وطن كريم...

شاعر الانتفاضة

استشهد الشاعر علي اللامي، ابن واسط، في ساحة التحرير. شاعر وكاتب وناشط شيوعي، ضحى بحياته دفاعًا عن الانتفاضة والدولة المدنية، تاركًا إرثًا ثقافيًا وشعريًا خالدًا...

دم ووطن

استشهد سلام العامود أثناء عودته من التبرع بالدم لضحايا مجزرة جسر الزيتون. سائق تكسي من ذي قار، ضحى بحياته دفاعًا عن المارة والمتظاهرين السلميين...

مؤونة وطن

استشهد الرفيق فهد العلياوي أثناء نقل مؤونة غذائية للمتظاهرين على سريع محمد القاسم. شاب من بغداد، لاعب كرة قدم وسائق، ضحى بحياته دفاعًا عن حقوق المنتفضين ومطالبهم المشروعة...

تضحية مزدوجة

استشهد الزوجان سارة وحسين إثر اقتحام مسلحين لشقتهما في البصرة. حسين قُتل بسبع رصاصات وسارة الحامل بثلاث، ضحّيا بحياتهما دفاعًا عن الوطن والمطالب المشروعة للمنتفضين...

حلم مقتول

استشهد بهاء فالح درب الكعبي من الديوانية عند باب مجلس المحافظة برصاصة غادرة. شاب ضحى بحياته دفاعًا عن الوطن، ومنعه القتل من تحقيق أحلامه الشخصية والحياة العاطفية...

صوت مفقود

استشهد أمجد الدهامات في العمارة برصاص كاتم للصوت أثناء عودته إلى منزله. ناشط مدني بارز، أب لأربعة أطفال، ضحى بحياته دفاعًا عن مطالب المتظاهرين السلميين وحقوقهم المشروعة...

شموخ شهيد

استشهد فاهم الطائي في كربلاء برصاص مجهولين أمام فندق الأنصار. ناشط مدني، واجه القتل بشموخ وعنفوان، ضحى بحياته دفاعًا عن حقوق المتظاهرين السلميين وكرامة الوطن...

من الحب الى الشهادة

استشهد حسن أحمد السعبري من النجف إثر إصابة بطلق ناري في ساحة الصدرين. شاب عاش قصة حب طويلة، ضحى بحياته دفاعًا عن الحقوق والوطن ومطالب المنتفضين المشروعة...

حياة قصيرة

استشهد محمد المختار، الطالب الجامعي المرح من بغداد، إثر إصابته بقنبلة دخانية في الرأس بساحة الخلاني. شاب طيب الأخلاق، ضحى بحياته دفاعًا عن حقوق المتظاهرين ومطالب الوطن...

اغتيال جبان

استشهد عبد القدوس قاسم حسين الحلفي في العمارة برصاص مسلحين مجهولين. أب لثلاثة أطفال وخريج تقني، ضحى بحياته دفاعًا عن نشاطه الاحتجاجي ومطالب الانتفاضة المشروعة...

دم البصرة

استشهدت ريهام يعقوب في البصرة برصاص مسلح ملثم. طالبة دكتوراه ومحاضرة، ناشطة بارزة في الانتفاضة، ضحت بحياتها دفاعًا عن الحق والمطالبة بتغيير الأوضاع في المحافظة...

شهيد بغداد

استشهد صلاح العراقي في بغداد برصاص مجهولين. متزوج وأب لثلاثة أطفال، ناشط منذ انطلاق الانتفاضة، ضحى بحياته دفاعًا عن مطالب الشعب وحقوق المنتفضين المشروعة...

رصاصة غادرة

استشهد إيهاب الوزني في كربلاء برصاص مسلحين أثناء عودته إلى منزله. ناشط مدني بارز، ضحى بحياته دفاعًا عن حقوق المتظاهرين ومبادئ الانتفاضة السلمية في المحافظة...

قائد شجاع

استشهد الرفيق حيدر عبد الكاظم العيفاري (حيدر القبطان) في الحلة أثناء إخلاء المتظاهرين من الغاز المسيل للدموع. ناشط متمرس، حرص على سلمية الثورة وحماية الجميع، ضحى بحياته دفاعًا عن حقوق المنتفضين.

رصاصة الاستقالة

استشهد سجاد محمد بدن (سجاد الماروسي) في ذي قار، بعد تعرضه لإصابة مُباشرة في الرأس أودت بحياته اثناء تظاهرات طالبت باستقالة المحافظ.

دم على الخبز

استشهد المتظاهر "فؤاد الماجدي" عامل المخبز الذي التحق بالمتظاهرين المطالبين بالكرامة، بعد ان اغتالته رصاصة في محافظة واسط، خلال محاولات الشغب فض الاحتجاجات في المدينة.

******************************************

الصفحة السابعة

من شهداء انتفاضة تشرين 2019

ملاحقات واغتيالات

استشهد المحامي علي الحمامي في عملية اغتيال جبانة وسط منزله بالشطرة في ذي قار، حيث لم تتوقف آلة القتل عن ملاحقة المتظاهرين والناشطين، وجرى تتبع العديد منهم الى منازلهم.

دعم المحتجين

استشهد المحامي كرار عادل حسين في محافظة ميسان عام 2020، بعد التحاقه بتشرين فور انطلاقها وواظب على المشاركة. أب لطفلين ومن عائلة بسيطة امتازت بدعم المحتجين ضد الفساد.

استهداف بشع

استشهد كرار عدي الياسري في محافظة النجف، باستهداف بشع ومريع حيث تلقى ثلاثة رصاصات، اثنتان في الرأس وواحدة في الظهر، ومع اغتياله انتهت احلام كرار بلعب كرة القدم واحترافها.

قبل الزفاف

استشهد علاء كامل الشمري في بغداد ساحة الخلاني، مع صديقيه ريمون ومحمد المختار، ولم تمهله رصاصات الغدر ايام معدودة، حيث موعد زفافه الذي كان على بعد 72 ساعة.

مسعفة التحرير

استشهدت ضحى ابراهيم الجبوري اثر مضاعفات صحية بعد تعرضها لغاز القنابل الدخانية في ساحة الخلاني، وكانت حريصة على التواجد اليومي في ساحة التحرير لإسعاف اخوتها المتظاهرين.

الفتى المسيحي

استشهد الفتى المسيحي ريمون ريان سالم في ساحة التحرير اثر اصابته بصجم من بندقية صيد في الجمجمة، واقيمت مراسيم وداعه في كنيسة سيدة النجاة وشارك فيها العديد من اصدقاء الشهيد من المتظاهرين.

الشهيد الصحفي

استشهد المصور الصحفي صفاء غالي في البصرة خلال مشاركته المتظاهرين في نقل وقائع الاحتجاجات، حيث كانت طلقات الغدر لا تفرق بين ضحايها، في مدينة لا تشبع من الموت ونفطها اكثر من عدد سكانها.

الأم الحنونة

استشهدت الناشطة البصرية جنان ماذي الشحماني (أم جنات) في هجوم مسلح وسط مدينة البصرة أثناء محاولتها مساعدة مصابين في التظاهرات، معروفة بعملها الخيري في رعاية الأيتام، ولقبت بـ"الأم الحنونة" للمحتجين و"راعية الأيتام" نظراً لمساهماتها الإنسانية.

الشهيد المساهم

استشهد نور الحسن الكناني في ساحة التحرير، خلال محاولته اطفاء خيمة تعرضت لإطلاقات دخانية وصوتية، وعرف عنه نشاطه ومرحه وكتابته للشعر ومساهماته الكثيرة في الانشطة المدنية والمجتمعية.

الشهيد 11

استشهد محمد غسان الكعبي في تظاهرات البصرة، بعد تعرضه لرصاصة غادرة استقرت في رأسه، وعلى اثرها رقد في المستشفى ليفارق الحياة في وقت لاحق، ويصبح الشهيد 11 من اهالي مدينة أم قصر.

سمعة طيبة

استشهد مرتضى فؤاد جمشير طالب السادس الاعدادي، في منطقة الوثبة ببغداد، بعد شهرين من انطلاق انتفاضة تشرين الخالدة، وعرف عنه سمعته الطيبة وعائلته المعروفة وكان والده الراحل قارءً حسينياً.

تشييع بالتحرير

استشهد كاوه ستار قرب جسر الاحرار في ذروة انتفاضة تشرين، حيث تعرض لاطلاقة نارية من قناص اودت بحياته على الفور، وجرى تشييع الراحل وسط ساحة التحرير في مشهد مهيب.

دعم تشرين

استشهدت زهراء علي القره لوسي الطالبة الجامعية، بعد اختطافها من محيط ساحة التحرير، وكانت مساهمتها مع والدها تقوم على اعداد وجبات الطعام وتوزيعها على المتظاهرين، وبعد اختطاها بعشرة ساعات عثر عليها والدها مقتولة قرب منزلهم.

من المعارك للتحرير

استشهد محمد علي التميمي على جسر الاحرار في بغداد متأثرا بإصابته، وعرف عن الراحل حسن الخلق ومشاركته في اغلب معارك تحرير المدن العراقية من تنظيم داعش الارهابي.

الصبي الكبير

استشهد زيد رياض الغالبي، في تظاهرات النجف، الصبي الكبير لوالديه مع فتيات أربع، كان يعمل بأجر يومي "عمالة" كي يُعيل أفراد عائلته. خرج زيد للتظاهر مع أهالي مدينته، بدعمه المادي والمعنوي للمتظاهرين. كانت أسرته تُجهّز وتنتظر زفافه؛ فقد عقد قرآنه قبل أيام من اندلاع التظاهرات.

********************************************

الصفحة الثامنة

العمال في انتفاضة تشرين أصوات هادرة لم يجر الإصغاء لها

بغداد – طريق الشعب

مع حلول ذكرى انتفاضة تشرين، يعود الحديث عن مختلف الفئات الاجتماعية التي ساهمت في الساحات، التي تصدرتها الشبيبة، وكان العمال جزءا أساسيا منها، يوم خرجوا ليطالبوا بحقوقهم المسلوبة، مؤكدين أن معركتهم مع الفقر والتهميش لا تنفصل عن معركة الشعب من أجل الحرية.

صوت من ساحة التحرير

يقول حيدر جاسم، وهو عامل بناء، لـ "طريق الشعب": "كنت أشارك مع المعتصمين في انتفاضة تشرين بعد انتهاء عملي، لا نملك رفاهية الغياب كي لا نحرم من لقمة العيش، لكننا أيضا لا نستطيع أن نصمت. مطالبنا بسيطة: ضمان اجتماعي وصحي، أجور عادلة، وحياة كريمة. تشرين كانت صرختنا الجماعية".

دور العمال في إعادة الحياة للمدينة

ويشير الناشط حامد الساير إلى أن مشاركة العمال في تشرين عكست حجم الغضب المتراكم لديهم "العمال كانوا في قلب الانتفاضة، ولعبوا دورا محوريا في الإضرابات الجزئية وفي رفد الساحات بالوعي الاجتماعي، منهم عمال عقود وزارة الكهرباء، الذين انطلقت بهم الانتفاضة، وهم يطالبون بالتثبيت على الملاك الدائم بعد خدمة تجاوزت عشرة أعوام". ويضيف الساير "كما أن عمال انتفاضة تشرين عكسوا للمجتمع الدولي كيف يريدون أن يكون العراق دولة مدنية. لقد أعادوا الحياة إلى بناية المطعم التركي التي أُهملت لسنوات، وشاركوا في افتتاح نفق التحرير الذي أُغلق لعقود".

الإسهام التطوعي والدعم اللوجستي

وتضيف أم زهراء، وهي عاملة في إحدى شركات القطاع الخاص، لـ "طريق الشعب": "كنا نحمل الطعام والماء ونساعد في خيام المعتصمين. صحيح أننا لسنا سياسيين، لكننا نعرف معنى الظلم حين نعمل لسنوات بلا ضمان أو راتب يكفي".

بدوره يتحدث عباس الجوراني، وهو عامل نظافة، لـ "طريق الشعب": "كنت أعمل مع المنتفضين، في ساحة التحرير إلى جانب الكثير من النساء والشباب. كنا نقوم بتنظيف الشوارع والأرصفة وجمع النفايات طوال أيام الانتفاضة، دون أي مقابل مالي. وكان يشاركني في عملي مختلف التخصصات، من الطبيب والأستاذ الجامعي، وجميعنا تجردنا من مطالبنا الخاصة التي لم تعد تسعنا، كنا نعمل وعندما يسألوننا نقول بصوت واحد: نريد وطنا".

أما سالم عبد الله، وهو حداد، فيوضح: "عملت على نصب خيم الاعتصام في الساحات وتثبيتها، لضمان أن يكون للمتظاهرين مكان آمن للراحة والتجمع، رغم محاولات القمع المتكررة، خاصة في الأيام التي شهدت برودة شديدة، والتي تعرض فيها شبابنا المنتفضين إلى الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع دون أن يتركوا ساحة الاحتجاج". ويقول زيد، وهو عامل في مطعم "قمنا بإعداد وتوزيع وجبات الطعام على المنتفضين لساعات طويلة. لم نكن نعمل من أجل أجر، بل لمساندة الناس في ساحاتهم".

من جانبه يتحدث سائق التكتك أحمد لـ "طريق الشعب": "التكتك رمز انتفاضة تشرين، فعلى الرغم من بساطتها إلا أنها كانت الأسرع في إيصال الجرحى إلى المستشفيات والمراكز الصحية لتلقي العلاج، وفي نقل اللوجستيات إلى ساحة التحرير للمنتفضين". ويستذكر أحمد كيف أنه في أحد الأيام أنقذ بواسطة تكتكه الخاص، شابا ناشطا في ساحة التحرير، كانت تلاحقه عناصر مجهولة وتحاول اختطافه، وأخفاه عن الأنظار في بيته البسيط، مشددا على أن "تشرين لم تنته بعد، فالانتفاضة ما زالت مستمرة في مساعي الكثير من المواطنين الذين يعانون اليوم من فساد الحكومات".

دور العمال في حماية المتظاهرين

بالإضافة إلى الدعم اللوجستي، قام العديد من العمال بتشكيل فرق لحماية المحتجين. ويقول أحد الناشطين: "تكونت فرق من العمال للتعامل مع القنابل المسيلة للدموع، حيث كانوا يبعدونها عن المتظاهرين ويخففون آثارها قدر الإمكان. كان هذا العمل محفوفا بالمخاطر، لكنه ضروري لاستمرار الانتفاضة".

التضحيات والواقع المستمر

ورغم التضحيات الكبيرة، يشير العمال إلى أن الواقع لم يتغير بعد. يقول سالم العبودي، وهو عامل في ورشة حدادة: "حتى اليوم، لا يوجد تطبيق حقيقي لقانون الضمان الاجتماعي. لا نشعر أن صوتنا وصل، لكننا واثقون أن تشرين ستبقى تذكّرهم بأننا هنا".

وأخيرا، لقد جسّد حضور العمال في تشرين بعدا اجتماعيا وسياسيا، من خلال تضحياتهم، وعملهم التطوعي، وإعادة الحياة إلى مناطق مهملة، وفتح معابر مغلقة منذ عقود، ودعم المتظاهرين بالأمن والدعم اللوجستي. هؤلاء العمال لم يعملوا من أجل أجر، بل من أجل تغيير جذري ورؤية عراق حديث وعادل. ورغم التهميش الإعلامي والرسمي، فإن صوتهم يظل شاهداً على أن أي تغيير مقبل لا يكتمل من دون إنصافهم وضمان حقوقهم.

***************************************

مطالب العمال في تشرين.. الحكومات تخلف وعودها

نورس حسن

عندما اندلعت انتفاضة تشرين، خرج العمال إلى الساحات كما خرج غيرهم من فئات المجتمع، رافعين صوتهم لا من أجل شعارات عامة فحسب، بل وأيضا من أجل مطالب ملموسة، تتعلق بالعدالة الاجتماعية وضمان العيش الكريم. كان حضورهم احتجاجاً صارخاً ضد أزمة البطالة، وتردي الأجور، وغياب الضمانات الصحية والتقاعدية. ومع ذلك، فإن الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين، تعاملت مع هذه المطالب وكأنها أصوات هامشية، غير جديرة بالاهتمام.

فرغم ما تحدثت عنه البيانات الرسمية الصادرة بعد تشرين، من "الاستجابة لمطالب المتظاهرين"، فإن ما تحقق على أرض الواقع ظل بعيدا عن جوهر ما نادى به العمال. الوعود بتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي بقيت حبرا على ورق، والحديث عن تحسين شروط العمل ظل في حدود لجان ودراسات لم يرَ منها العامل أي أثر. بل إن بعض القوانين التي أُقرت، جاءت محملة بالثغرات، كي تسمح لأصحاب رؤوس الأموال بالتهرب من التزاماتهم، تاركة العمال وحدهم في مواجهة ظروف قاسية.

هذا التهميش لم يكن صدفة، بل جاء جزءا من نهج سياسي، اعتاد أن يضع مصالح الكتل النافذة فوق مصلحة الفئات المنتجة. ففي الوقت الذي تنشغل فيه الحكومات بتقاسم المناصب، يترك العامل الذي هتف في ساحات تشرين "نريد وطن" ليواجه مصيرا غامضا: لا ضمان لوظيفته، ولا حماية لحقوقه، ولا صوت حقيقي يمثله في مؤسسات القرار.

الأدهى أن بعض المسؤولين حاولوا تصوير المطالب العمالية على أنها ثانوية مقارنة بـ "المطالب الكبرى" المتعلقة بالإصلاح السياسي. لكن الحقيقة أن أي إصلاح سياسي لا يمكن أن يكتمل من دون عدالة اجتماعية، وأي حديث عن دولة عادلة لا معنى له إذا بقيت الطبقة العاملة خارج حسابات العدالة والتنمية.

اليوم، وبعد مرور سنوات على تشرين، تبدو مطالب العمال وكأنها طُمست عمدا في زحمة الصراعات السياسية. لكن الذاكرة الجمعية لا تنسى. فالعمال الذين حملوا رايتهم في تشرين لم يطالبوا بالمستحيل، بل بأبسط حقوق المواطنة: عمل كريم، ضمان اجتماعي، وأجر عادل. وإذا لم تلتفت الحكومات إلى هذه المطالب، فإن شرارة الغضب قد تعود في أية لحظة، لأن الظلم حين يتراكم لا يقضي على المظلوم، بل يتحول إلى طاقة كامنة فيه بانتظار لحظة الانفجار.

**************************************

المرأة في انتفاضة تشرين.. أصوات حق في قلب الساحات

حوراء فاروق

لم تكن انتفاضة تشرين حدثا سياسيا فحسب، بل كانت لحظة اجتماعية شاملة، أعادت تشكيل صورة المجتمع العراقي. وفي قلب هذه اللحظة، برز حضور المرأة العاملة، التي كسرت الحواجز ودخلت الساحات لتقول إن صوتها لا يقل شأنا عن أي صوت آخر، بل إنه مضاعف لأنها تواجه التهميش على جبهتين: كونها امرأة، وكونها عاملة.

"أخرج من العمل إلى الساحة"

في ساحة التحرير ببغداد، تروي الشابة آمال حمادي، وهي عاملة بصفة (كاشيرة) بإحدى شركات القطاع الخاص، أنها كانت تخرج بعد انتهاء دوامها مباشرة إلى الساحة، وتقول: "كنت أعود إلى البيت متعبة، لكني أشعر أن صوتي هناك أهم من الراحة. نحن نعمل لساعات طويلة، وبأجور قليلة، ولا ضمان صحي ولا تقاعد. تشرين بالنسبة لي كانت فرصة حتى يسمعنا الجميع". شهادة آمال تمثل نموذجا لعشرات النساء اللواتي كنّ يتركن ورش الخياطة أو مكاتب الدوائر الصغيرة ليلتحقن بالاعتصام. حضورهن كان صريحا ومؤثرا، وتجسيداً لمعاناة يومية متراكمة تحولت إلى فعل احتجاجي جماعي.

من الخبز إلى الإسعافات

بدورها تتحدث المواطنة سعاد – وهي عاملة في مخبز – عن تقديم الطعام للمتظاهرين، فتقول: "كنت أحمل الخبز الحار وأوزعه على الشباب. شعرت أنني لا أقدم خبزا فقط، بل أشارك في صناعة وطن جديد". لم يقتصر دور النساء العاملات على الدعم اللوجستي، بل امتد إلى المشاركة في الإسعافات الأولية. ممرضات وعاملات صحيات أنشأن خياما صغيرة لإسعاف المصابين، معرضات حياتهن للخطر في ظل القمع الذي واجهته الاحتجاجات.

كسر الصورة النمطية

المرأة العاملة التي لطالما وضعت في الهامش، ظهرت في تشرين في موقع مختلف. لم تعد مقيدة بدور منزلي أو وظيفة محدودة، بل تحولت إلى رمز لشجاعة جماعية. فقد كسر حضورها في المظاهرات صورة نمطية سائدة عن أن السياسة "شأن الرجال"، وأكد أن نضالها لا يقل وزنا عن نضال أي فئة أخرى.

ثمن المشاركة

لكن هذا الحضور لم يخلُ من ثمن باهظ. بعض النساء فقدن وظائفهن بسبب مشاركتهن، وأخريات تعرضن لضغوط أسرية أو مجتمعية. تقول المواطنة هيام، موظفة في قطاع خاص ببغداد: "مديري هدّدني بالفصل إذا استمريت بالمظاهرات، لكني لم أتراجع. شعرت أن صمتي أثقل من خسارة عملي".

ما بعد تشرين

لم تقف مساهمة المرأة العاملة عند حدود الساحات. فبعد تشرين، ساهمت في رفع الوعي بأهمية التغيير السياسي، ودفعت كثيرات إلى المشاركة في الانتخابات أو دعم قوى ناشئة حملت مطالب الانتفاضة. صحيح أن الطريق لا يزال وعرا، لكن مشاركة النساء العاملات أسست لوعي جديد بأن التغيير لا يكتمل من دون حضورهن الفاعل.

قدمت انتفاضة تشرين درسا مهما: أن المرأة العاملة ليست مجرد متلقية للسياسات، بل هي قادرة على أن تكون صانعة لها. إنها ليست فقط جزءا من قوة العمل الاقتصادي، بل جزء من القوة الاحتجاجية والسياسية التي تطالب بالعدالة.

اليوم، حين نستذكر تشرين، فإن الحديث عن المرأة العاملة ليس تكريما رمزيا بقدر ما هو استدعاء لتجربة حيّة يجب أن تتحول إلى سياسات وتشريعات تحمي حقوقها. فمن دون قوانين تضمن المساواة في الأجور، وتكفل بيئة عمل آمنة، وتوفر ضمانات اجتماعية، ستظل تلك التضحيات محصورة في الذاكرة بدل أن تتحول إلى منجز واقعي.

لقد رفعت المرأة العاملة صوتها في تشرين لتقول إنها موجودة، قوية، وقادرة على التضحية من أجل وطن أفضل. وما قدمته في تلك الانتفاضة لن يمحى من الذاكرة، بل سيبقى شاهدا على أن التغيير الحقيقي يبدأ حين تتحد الأصوات، وحين يصبح صوت العاملات جزءا لا يتجزأ من مسيرة الحرية والعدالة.

********************************************

ص9

ضحايا احتجاجات تشرين.. أرواح منسيّة وجُناة طلقاء

سالم روضان الموسوي*

بعد سقوط ضحايا في احتجاجات تشرين، وكذلك من منتسبي القوات الأمنية، ومن ثم تصاعد الغضب الشعبي تجاه أعداد الضحايا الذين كانوا أكثر من مائة حالة وفاة وآلاف المصابين والجرحى وعدة آلاف من المعتقلين، وتصاعد المطالبات الشعبية والمرجعيات الدينية والفعاليات السياسية بما فيها الحكومة، التي هي طرف وجهت له الاتهامات بتسببه بهذا العدد من الضحايا، لاحظنا بأن الحكومة وكذلك مجلس النواب اتجه إلى تشكيل اللجان بمسمى لجان تحقيقية ولجان خدمة ومسميات أخرى، لكن المعني في هذه الأمر هي اللجان التحقيقية التي تبحث عن الجناة الذين تسببوا بحالات وفاة الضحايا وإصابات الجرحى من جراء التصدي لهم في الاحتجاجات المذكورة والإفراط في استعمال القوة والرصاص الحي، وحيث أن جميع المطالب تتمثل في تقديم الجناة إلى العدالة بمحاكمة عادلة وتتم محاسبتهم في ضوء ما ارتكبوا من أفعال وبموجب القانون، لكن وبعد مضي عدة سنوات لم نسمع عن تقديم شخص واحد للعدالة، وان اللجان طوى النسيان تقاريرها، حتى لم نعد نسمع أي احدٍ من المرشحين إلى انتخابات عام 2025 ، او قد أشار إلى هؤلاء الضحايا وكيفية إنصافهم، مع أن بازار الانتخابات عج بالكثير من الوعود والتمنيات الوهمية والكاذبة في اغلبها،

كما لوحظ أن شعارات المرشحين تدور في فلك محاربة الفساد والحال الاقتصادي والمعاشي للمواطن، لكنها تغض الطرف وتصم الاذان عن صوت الضحايا الذي ترجم بدماء سكبت على أرض الاحتجاجات شعارها مكافحة الفساد والمطالبة بالحياة الكريمة، وكان الاحرى بالمرشحين ان يكونوا هم صدى لصوت الضحايا وينادون بإنصافهم عبر تقديم الجناة إلى العدالة ومحاسبتهم، لأن قتل الإنسان مهما كان المبرر هو جريمة لا تغتفر، بل ان الله عز وجل عدها من اكبر الكبائر بقوله تعالى (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)

وفي حينه أمرت الحكومة بتشكيل لجنة تحقيقية عليا تضم الوزارات المختصة والأجهزة الأمنية وممثلين عن مجلس القضاء الأعلى ومجلس النواب ومفوضية حقوق الإنسان وجاء في حيثيات تشكيلها بأنها تسعى للوصول إلى نتائج موضوعية وأكيدة لإحالة المتسببين إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، لكن مضت السنون ولم تنجز اللجنة مهمتها ولم يقدم الجناة إلى العدالة، بل أن تشكيل اللجان أضحى من وسائل تسويف الحدث والمسعى إلى الإفلات من العقاب،

وكنت في عام 2022 قد اشرت في مادة نشرتها عبر الصحف الورقية والالكترونية إلى أن تلك اللجان لا قيمة لها فإن ما ستقوم به هذه اللجنة والقرارات التي تتخذها ليس بذات قيمة قانونية يمكن الركون إليها في إدانة الجناة الذين اعتدوا على المحتجين ومنتسبي القوات الأمنية، إن توصلت تلك اللجان إلى أسماء بعينها للأسباب حددتها في حينه وعلى وفق الاتي:

1. إذا ما توصلت اللجنة إلى قرار بإعلان أسماء المشتبه بهم فإنها تبقى ظنونا وشكوكا لا يمكن الوثوق بها، إلا إذا تم فحصها بميزان القانون من قبل القضاء لأنه صاحب السلطة الوحيدة والحصرية في توجيه الاتهام وكذلك في الإدانة وحتى فيما يتعلق بحجز الأشخاص المشتبه بهم وعلى وفق ما جاء في البند (ب) من الفقرة (أولا) من المادة (37) من الدستور النافذ التي جاء فيها الآتي (لا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه إلا بموجب قرارٍ قضائي).

2. أما إذا قررت اللجنة إحالة عدد من الضباط والمنتسبين في القوى الأمنية إلى المحاكم العسكرية فإنها لا تعالج موضوع قتل المجنى عليهم من ضحايا الاحتجاجات، لأن القضاء العسكري غير مختص بالنظر في القضايا التي يكون فيها طرف مدني لأنه مختص في النظر في الجرائم ذات الطابع العسكري الصرف وعلى وفق ما جاء في المادة (99) من الدستور وكذلك ما جاء في الفقرة (ثالثا) من المادة (25) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لقوى الأمن الداخلي رقم (17) لسنة 2017 التي جاء فيها الآتي (ثالثاً – تختص محاكم الجزاء المدنية بالنظر في جرائم الحالتين الآتيتين : أ‌- إذا كانت الجريمة مرتكبة من رجل شرطة ضد مدني ب‌- إذا ارتكبت الجريمة من مدني ضد رجل شرطة) وكذلك بالنسبة لمنتسبي الجيش وعلى وفق ما جاء في الفقرتين (ثانيا وثالثا) من المادة (4) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري رقم 22 لسنة 2016 التي جاء فيها الآتي (ثانيا- تختص المحكمة المدنية في نظر الجرائم في الحالتين الآتيتين :أ-اذا كانت الجريمة مرتكبة من عسكري ضد مدني ب-اذا قررت السلطة العسكرية إيداع القضية إلى محكمة مدنية إن كانت متعلقة بحقوق مدنيين ثالثا – تختص المحاكم المدنية في النظر في الجرائم المرتكبة من قبل مدني ضد عسكري).

ومع ذلك فإن هذه اللجنة استهلكت وقتاً طويلاً دون أن يكون لها أي أثر قانوني، لأن قيمتها القانونية أصلاً لا تعدوا عن كونها بيانات وخطابات، وفي واقعة حصلت تؤكد ذلك، عندما أفرجت المحكمة عن المتهم بقتل الناشط هشام الهاشمي بعد ان اعترف وأجري له كشف دلالة، إلا أن محكمة التمييز اعتبرت هذه الأدلة غير قانونية وباطلة لأنها دونت من قبل لجنة تسمى بلجنة (الأمر الديواني 29) والمحكمة الاتحادية العليا كانت قد قضت بعدم دستورية تشكيلها لأن التحقيق حصرا يجب ان يكون بيد القضاء، مع التنويه إلى ان تلك اللجنة كانت تحت إشراف عدد من القضاة الأفاضل الذين نسبهم مجلس القضاء الأعلى، لذلك فان التحقيق الأصولي الذي يوجه الاتهام ويقرر التوقيف والحجز هو القضاء فقط لا غير، وأقصد بالقضاء.. محاكم الجزاء المدنية التابعة إلى مجلس القضاء الأعلى حصراً، لأن الضحايا هم من المدنيين وكذلك ضحايا منتسبي القوات الأمنية فان الشكوك تحوم حول مدنين مندسين قاموا بالاعتداء على القوات الأمنية على وفق رواية الحكومة التي كررتها في أكثر من مناسبة وعلى لسان كبار المسؤولين الأمنيين والتنفيذين في حينه.

وهذه الاحتجاجات التي نستذكرها هذه الايام ستمضي ذكراها مثل سابقاتها وكذلك القادمة، وينتهي أثرها بالخطابات والاستنكار، فيما يبقى الضحايا ترنوا عيونهم إلى العدالة لإنصافهم عن طريق تقديم الجناة إلى العدالة، وأرى أن خير من ينصف الضحايا هو والقضاء الذي كان ومازال الأمل في حماية الحقوق ومنع الاعتداء وتوفير الأمن الاجتماعي،

كما أن عامة الشعب تعول على القضاء العراقي من أجل ترسيخ مبادئ الدستور في الحق بالتعبير والتظاهر السلمي وعلى وفق ما قرره الدستور في المادة (38) عندما جعل التزام الدولة بتوفير الأجواء المناسبة لممارسة هذه الحقوق، والضمان الوحيد للتمتع بهذا الحق الدستوري هو القضاء العراقي، عبر محاسبة من يمنع ومعاقبة من يعتدي على من يمارسه حقه في التظاهر.

مع التنويه إلى أن الاحتجاجات وهي من صور التظاهر، ما كانت عبثاً بل أنها صرخة وجع مما يعاني منه الشعب في ظل استشراء الفساد، ويبقى الأمل في وجود القضاء العادل الذي ينصف الضحايا، ويحاسب القوات الأمنية التي تتجاوز تكليفها الدستوري بالعمل على وفق مبادئ حقوق الانسان، حيث ورد في الدستور عدة مواد تلزم القوات الأمنية بالعمل على وفق مبادئ حقوق الانسان وعلى وفق احكام المادة (84) من الدستور التي جاء فيها (ينظم بقانون عمل الأجهزة الأمنية وجهاز المخابرات الوطني وتحدد واجباتها وصلاحياتها، وتعمل وفقا لمبادئ حقوق الانسان وتخضع لرقابة مجلس النواب)، لأن مهمة تلك القوات تنحصر بالحفاظ على أرواح المواطنين بما فيهم المحتجون، وتأمين الحماية لهم و للممتلكات العامة والخاصة، لكن لا يمكن لها أن تقتل المحتج مهما كان تصرفه حتى وإن فيه خرقا للقانون، لأن مهمتها القبض عليه وتقديمه إلى الجهة القضائية المختصة، ولا يجوز لها أن تقتص من هؤلاء وتقتلهم او تؤذيهم، ويقول أحد الكتاب بان النظام القضائي (الجزائي) في دولة ومجتمع ديمقراطي يكون فعالاً بقدر ما يرى الناس في تطبيقه بأنه نظام عادل ويحمي حقوق الأفراد كما يحمي الصالح العام.

ــــــــــــــــ

* قاضٍ متقاعد

****************************

خيم التحرير تُهدم.. ومطالب الشعب تتجذر

محمد جرجيس - رزاق صاحب

في مثل هذا الايام من عام 2020، وبعد عام واحد فقط على انطلاقة انتفاضة تشرين الباسلة، أقدمت السلطة وأجهزتها الأمنية والاستخبارية على جريمة جديدة بحق صوت الشعب. فمنذ ساعات الصباح الأولى، طوّقت قوات الحكومة ساحة التحرير من جميع الاتجاهات، ونشرت معداتها الثقيلة من شفلات ولوريات ورافعات، ليس لمواجهة وباء الفقر أو الفساد، بل لإزالة خيام السلميين، عشّاق العراق، المطالبين بالعدالة الاجتماعية وإنقاذ الفقراء والأيتام من الضياع.

كان المشهد قاسياً: الخيم التي احتضنت نقاشات المثقفين، صيحات الطلبة، تضحيات العمال، وآلام العاطلين، تحوّلت أمام أعين أصحابها إلى ركام. فراش ومناضد وكراسٍ بسيطة، عيادات ميدانية وأجهزة صوتية، وحتى شاشة صغيرة تنقل أخبار الساحات، جرى رفعها ببرودة الآلة الحديدية. وبينما كان المحتجون، ومن بينهم شهود مثل رزاق صاحب، أبو رشا، وأبو جعفر، يتابعون بقلوب مكلومة لحظة انهيار خيمتهم، كان واضحاً أن الهدف الحقيقي من وراء هذا القرار هو وأد الانتفاضة وإنهاء صوتها.

مصطفى الكاظمي، الذي جاء إلى رئاسة الوزراء متعهداً بالاستجابة لمطالب الشباب وتطبيق العدالة، تحوّل في لحظة حاسمة إلى "بطل" عملية التفليش، مانحاً نفسه دور المنفذ المباشر لقرار إسكات تشرين. غير أن ما لم تدركه السلطة هو أن إزالة الخيام لا تعني إلغاء الوعي، وأن تفكيك الساحات لا يعني محو جذوة الثورة.

أثبتت تجربة تشرين أنها ليست نزاعاً طائفياً كما أرادت قوى المحاصصة تصويرها، بل صراع طبقي بامتياز. صراع بين أقلية فاسدة راكمت الثروات عبر نهب النفط والمال العام، وبين أغلبية مسحوقة تبحث عن وطن يوفّر العدالة الاجتماعية والعيش الكريم. شعار "نريد وطن" تحوّل إلى العنوان الأبرز للمرحلة، تعبيراً عن قطيعة مع شرعية الطائفية وولادة شرعية بديلة تستند إلى المواطنة.

رغم محاولات السلطة إخماد صوت ساحات تشرين، فإن المطالب الجوهرية التي رفعتها الجماهير بقيت عصيّة على التحقق. فقد طالب المنتفضون بإلغاء نهج المحاصصة الذي كان ولا يزال أساس البلاء، وبمحاربة الفساد ومحاسبة من أثروا على حساب دماء الفقراء، إضافة إلى إصدار قانون انتخابات عادل يحترم إرادة الناخب بدل سرقة صوته، والاعتماد على مفوضية نزيهة مستقلة من القضاة والكفوئين لا تدين بالولاء إلا للعراق. كما رفعوا مطلب تفعيل مجلس الخدمة وفق معايير النزاهة، وتطبيق قانون الأحزاب وتفعيله، وتحقيق العدالة الاجتماعية في بلد يرزح فيه المواطن تحت البؤس والحرمان. ولم يغفلوا عن معالجة مشكلة البطالة المتفاقمة بين الشباب، ولا عن فضح سرقات النفط في عدد من المحافظات، حيث يتجول اللصوص بلا رادع، في وقت تُرفع فيه المطالب بحصر السلاح بيد الدولة. كل هذه المعاناة المترسخة، وسط عجز الدولة عن تلبية أبسط حقوق الناس، جعلت الولاء للوطن يتجدد في ساحات الاحتجاج، وأكدت أن من يتصور القدرة على إنهاء هذه الحركة الواعية واهم، إذ إن جذور أسبابها لا تزال قائمة وتزداد عمقاً يوماً بعد آخر.

المفارقة أن الحكومة التي سعت إلى "إنهاء الانتفاضة" لم تستطع حتى تأمين رواتب الموظفين حينها، في مشهد يكشف عجزها وفشلها، ويؤكد أنها سلطة فقدت شرعيتها أمام أصحاب التغيير الحقيقي. من يتصور أن بإمكانه دفن الانتفاضة عبر الهدم والتهديد واهم؛ لأن ما زرعته تشرين في وعي العراقيين أعمق من أن يُمحى.

ما جرى في 31 تشرين الأول 2020 لم يكن نهاية لانتفاضة تشرين، بل محطة جديدة في مسارها. فالانتفاضة التي كسرت جدار الخوف وأسقطت أسطورة الطائفية رسّخت وعياً جديداً بالوطن والعدالة. قد تراجعت الخيام تحت ثقل الجرافات، لكن المطالب بقيت حيّة، والجيل الذي خرج في تشرين لم يعد يقبل العودة إلى الوراء.

تشرين إذن، ليست مجرد ذكرى ولا مجرد خيمة أُزيلت، بل مشروع وطن مستمر، وراية رفعها الشهداء والمحتجون بدمائهم وعرقهم، ولن تسقط إلا بسقوط النظام الذي قاومها.

***********************************************

الانتفاضة  صرخة في وجه الظلم والفساد

علي إبراهـيم الدليمي

لا أعتقد أن العالم أجمع، "والحكومة العراقية" لا يعرفان ماذا يريد "التشرينيون" في مطالبهم - شرعاً وقانوناً - منذ عام 2003، حتى الآن بعد ان شهدوا الظلم والتهميش والفقر..

ففي الأول من تشرين الأول من عام 2019، شهد العراق انتفاضة تشرين الشعبية غير المسبوقة، فكانت بمثابة صرخة مدوية وصفعة قوية في وجه الظلم والفساد. حيث خرج العراقيون إلى الشوارع، مطالبين بوطن آمن ومزدهر ومستقر.

التشرينيون، لا يريدون من "الحكومة" سوى حقوقهم الإنسانية الطبيعية، كبقية الأمم، أو كبقية أشقائهم العرب.

كانت أسباب الانتفاضة متعددة، وقد ركزت بشكل أساسي على المطالبة بإنهاء الفساد المالي والسياسي والإداري الذي استشرى في جميع مفاصل الدولة العراقية، وعمّ البلاد.

كانت مطالب المنتفضين واضحة ومحددة، كوضوح الشمس، وشملت: إنهاء الفساد وتوفير فرص عمل لائقة للشباب وتحسين الخدمات العامة، بما في ذلك الكهرباء والماء والصحة والتعليم وضمان الأمن والسلامة للمواطنين وإصلاح جذري للنظام السياسي، بما في ذلك إنهاء الطائفية والمحاصصة السياسية.

التشرينيون، لا يريدون سوى العيش الرغيد، ولقمة هنيئة، وتوفير الأمن والأمان، والتعليم الجيد، وتوفير الدواء، وتعيين الخريجين وتقديم الخدمات وتوفير السكن اللائق للجميع، وايجاد عمل للعاطلين عن العمل ومحاسبة الفاسدين وضربهم بيد من حديد، وخصوصاً الحيتان منهم مهما كانت مناصبهم الرسمية والمعنوية، وأمام الملأ، وزيادة الحصة التموينية مثلما كانت في زمن "الحصار" وحصر السلاح بيد الدولة وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين من الأبرياء والعمل على إستقرار صرف الدولار إلى ما كان عليه قبل سنوات، ليستقر السوق وتنظيم رواتب موظفي الدولة، وتحسين رواتب المتقاعدين..

فهل في هذه "المطالب" تجاوز على هيبة" الحكومة"..؟ وهل تحمل هذه المطاليب في مضامينها تيارات سياسية معادية، حسب ادعائهم؟! انها حقوق الشعب العراقي، حيث من واجبات "الحكومة" الاستجابة لها وتنفيذها.

وقد كان لنتائج الانتفاضة تأثير كبير على المشهد السياسي العراقي، حيث أجبرت الحكومة العراقية على الاستقالة، وتم تشكيل حكومة جديدة وُعدت بتنفيذ إصلاحات جذرية. كما أدت الانتفاضة إلى زيادة الوعي السياسي لدى العراقيين، وزيادة المطالبة بالديمقراطية والشفافية.

ولكن للأسف واجهت الانتفاضة العديد من التحديات، بما في ذلك: استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، والقمع الأمني الشديد من قبل القوات الحكومية، واستشهاد العشرات من المنتفضين، وجرح المئات منهم بإصابات بليغة، أدت إلى عوق عدد كبير، كما حاولت الحكومة تشويه صورة الانتفاضة وإلصاق تهم الإرهاب والعنف، بأخلاق وقيم المتظاهرين السلميين.

لقد كانت دروس انتفاضة تشرين تحمل دلالاتها وعمقها ازاء كل السلبيات الراهنة.

ان انتفاضة تشرين كانت وما زالت محطة مهمة في تاريخ العراق الحديث. كانت صرخة في وجه الظلم والفساد، ومطالبة بالوطن الآمن والمزدهر والمستقر. على الرغم من كل التحديات التي واجهتها، فإن الانتفاضة حققت بعض النجاحات، وألقت الضوء على أهمية الديمقراطية والشفافية في بناء الدولة العراقية. سيظل العراقيون يتذكرون انتفاضة بوصفها رمزاً للشجاعة والمقاومة في وجه الظلم.

وليس امام الحكومة الا تحقيق مطالب (التشرينيون) المشروعة، بدلاً من إطلاق الرصاص عليهم..

******************************************

الصفحة العاشرة

في ذكرى تشرين السادسة الشباب يواصلون المطالبة بالإصلاح والتغيير الشامل

بغداد - طريق الشعب

أحيا المحتجون يوم امس، الذكرى السنوية السادسة لانتفاضة تشرين، التي اندلعت في الأول من تشرين الأول 2019، لتصبح واحدة من أبرز اللحظات الفارقة في تاريخ العراق الحديث.

فقد خرج خلالها آلاف وآلاف الشباب والمواطنين الآخرين إلى الشوارع والساحات في مختلف المدن، مطالبين بحقهم في وطن يسوده القانون والمواطنة والعدالة الاجتماعية، رافضين الفساد والمحاصصة الطائفية والسياسية التي أنهكت البلاد لعقود.

ومثلت تلك الانتفاضة لحظة استثنائية في وعي الشعب العراقي، إذ عبّر المنتفضون عن غضب تراكم عبر سنوات من الخذلان والفشل الحكومي، حتى تحوّل هذا الحراك الشعبي إلى منصة لرفض الانقسامات الطائفية والفئوية، ورفع وعي المواطن بأهمية المشاركة السياسية ومحاسبة الفاسدين.

جيل سياسي يحمل مشروع التغيير

يقول الناشط زين العابدين البصري، ان انتفاضة تشرين، كانت صوتاً صريحاً لمواطن تمرد على سلطة أنهكت البلاد.

ويضيف أن الغضب في تلك اللحظة لم يكن لحظة عابرة، وإنما حراك طويل الأمد، غريب في طابعه، أصيل في جوهره، حتى استحق وصفاً تشريعياً خاصاً، مبينا أن شباب تشرين رفعوا شعارات خالدة مثل: و“أريد وطن” و“نازل آخذ حقي” لتصبح أيقونات دالة على يقظة شعبية كسرت الصمت ورسمت ملامح وعي جديد.

ويبيّن البصري في حديث لـ"طريق الشعب"، أن الحراك في قلب الساحات لم يكن مجرد صراع سياسي، ولا نبالغ حين نصفه بانه ثورة حياة بكل تفاصيلها، حيث تجلت فيه الهويات المتعددة، وسقطت الكراهية لتحل محلها الفنون والشعر والأدب والمسرح والأناشيد.

ويؤكد أن شباب تشرين أعلنوا أن الحرية هي اسلوب حياة، وليست مجرد مطلب، وان الوطن يعني كرامة وسيادة وتحررا من التبعية، ورفضا للتدخلات الخارجية لا شعارات جوفاء.

ويشير إلى أن المحتجين واجهوا السلاح المنفلت بصدورهم العارية، ووقفوا بوجه الفاسدين من دون مهادنة، فيما عرّوا السلطة التي حاولت أن تبث السموم في جسد الحراك عبر عصابات مدعومة نصبت خيامًا للمخدرات والسلب والنهب والإتاوات، لافتا إلى أن هؤلاء لم يكونوا من رحم تشرين، وانما زُرعوا لتشويه صورته بعد أن سلب الحراك الشرعية الاجتماعية من قوى الفساد، وحطم قداستها وزلزل عروشها.

وينبه البصري الى أن القوى السياسية تصورت أن حراك تشرين قد وُئد، لكن الدماء الزكية والتضحيات العظيمة أبقت جذوته متقدة، وبعد ستة أعوام ما زال كابوسه يطارد الفاسدين ويهدد عروشهم، في وقت يحاولون فيه شيطنته لأنه نادى بما يخشونه: وطن حر، ديمقراطية حقيقية، مؤسسات رصينة بعيدة عن الفساد، ورفض قاطع للمحاصصة والسلاح الذي ينهب ثروات العراقيين ويكمم مستقبلهم.

ويراهن على أن صوت تشرين ما زال عالياً اليوم، ينادي بحرية لا تُساوَم، وديمقراطية يدافع عنها الناس بلا خوف، بعدما تحطمت أمامه كل التابوهات.

واختتم البصري بالقول: “ما هو آتٍ سيكون أشد وقعاً، لأن جيل تشرين بات جيلاً سياسياً و يحمل مشروع التغيير، ويتجه نحو السلطة ليطيح بطبقة عاثت فساداً وأذلت العراقيين، ويعيد العراق لأهله، وطناً حراً كريماً".

الظروف مهيأة لانتفاضة أخرى

من جهته، قال الناشط فرات علي، إن تشرين تمثل حدثاً فارقاً في التاريخ العراقي الحديث، لأنها عبرت بوضوح عن أزمة بنيوية في جوهر نظام ما بعد 2003، الذي تأسس على تقسيم طائفي فئوي هيمنت فيه الهويات الفرعية وانطمست الهوية الوطنية الجامعة، فيما تفشى الفساد وغابت العدالة في توزيع الثروات.

وأضاف أن هتاف الشباب في الأول من تشرين “نريد وطن” كان الشعار الأصدق الذي عبّر عمّا كان كامناً في لا وعي الجماهير، حيث غياب ملامح الوطن الجامع الذي تسوده قيم المواطنة والعدالة وسيادة القانون والعيش الكريم من دون تمييز أو تقسيم مذهبي وطائفي، مع حفظ كرامة جميع أفراده.

وتابع علي، أن لحظة تشرين جسّدت فشل النظام السياسي في استيعاب الحركة الاحتجاجية ومطالبها الحقة التي ما زالت قائمة حتى اليوم.

واكد انه مع كل ذكرى لهذه الانتفاضة العظيمة تتجدد المطالب بمحاربة الفساد، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، وضمان حق العيش الكريم، ورفض نظام المحاصصة المقيت.

وختم بالقول: “ما لم تتحقق هذه المطالب، فإن ولادة تشرين ثانية تبدو حتمية، عاجلاً أم آجلاً، لأن جذور الأزمة لم تُعالج بعد، ولأن صوت الشارع سيبقى أقوى من محاولات طمسه أو احتوائه”.

مطالبها ما زالت شاخصة

الناشط أحمد الطائي اكد ان إحياء الذكرى السنوية السادسة لانتفاضة تشرين يمثل واجباً وطنياً وأخلاقياً تجاه دماء الشهداء وتضحيات الشباب الذين خرجوا مطالبين بالإصلاح والتغيير.

وشدد الطائي على أن تشرين لم تكن حدثاً عابراً، ويمكن القول انه محطة مفصلية أعادت رسم الوعي الشعبي ورسخت مفهوم المطالبة بالحقوق والعدالة والاحتجاج.

وانتقد الطائي ما وصفه بـ”النهج الدكتاتوري” للحكومة الحالية، مشيراً إلى أنها تمارس التضييق على النشاط الاحتجاجي وتفرض قيوداً واسعة على الحريات العامة، في محاولة لطمس روح تشرين وإجهاض أي حراك جماهيري قد يطالب بالحقوق.

وخلص الى القول أن محاولات القمع لا يمكن أن تلغي حقيقة أن مطالب تشرين ما زالت حاضرة في الشارع، وأن جذوة الاحتجاج ستبقى متقدة حتى تحقيق التغيير المنشود.

مطالب التغيير لم تمُت

من جانبه، قال الناشط السياسي مرتجى إبراهيم إن ذكرى انتفاضة تشرين السادسة، تحل بينما لا تزال الأزمات التي ادت لاندلاعها قائمة، وتفاقمت اكثر، وزاد الوضع بشكل سوءا.

وأوضح إبراهيم، ان هذا الحدث الشعبي والجماهيري الكبير، شكل انعطافة سياسية مهمة، كشفت عجز النظام السياسي عن الاستجابة لمطالب الناس، وعمقت الهوة بينهم وبين الشعب.

وتابع قائلاً، أن تشرين جسّدت إرادة شعبية عابرة للطوائف والمكونات، ورفعت شعار (الوطن أولاً) في مواجهة منظومة الفساد والمحاصصة، التي أنهكت الدولة وأفقرت المجتمع.

وأشار إبراهيم إلى أن قمع الحريات ومنع أي نشاط احتجاجي سلمي من قبل الحكومة الحالية يؤكد أن العقلية الحاكمة ما زالت أسيرة منطق القوة واحتكار القرار، وهو ما يعيد إلى الأذهان ممارسات الأنظمة الاستبدادية التي سقطت تحت ضغط الشارع.

وأضاف أن التظاهر السلمي وحرية التعبير مكفولة دستورياً، لكن السلطة تعمل على تعطيلها عبر الترهيب والملاحقات، ما يعني أن الفجوة بين السلطة والمجتمع في اتساع مستمر.

وختم إبراهيم حديثه بالقول إن إحياء تشرين اليوم يحمل رسالة سياسية واضحة، مفادها أن العراقيين لم ينسوا شهداءهم ولا مطالبهم في العدالة والكرامة والعيش الكريم، وأن أي محاولة لإخماد صوت الشارع لن تنجح، لأن جذور الأزمة السياسية ما زالت قائمة ولم تعالج حتى الآن.

أين نتائج التحقيقات؟

الى ذلك، قالت الناشطة مآب عامر إن الذكرى السنوية السادسة لتظاهرات تشرين تعيد إلى الأذهان توصيات الجهات الحكومية المتكررة بتسريع عمل لجان التحقيق للكشف عن الانتهاكات التي رافقت الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأول 2019، والتي أسفرت عن سقوط مئات الضحايا بين قتيل ومعتقل وجريح، داعية إلى إعلان النتائج بشفافية أمام الرأي العام.

وأكدت أنه حتى الآن لم يتحقق شيء من ذلك، الأمر الذي يعزز قناعة الشباب بأن “الحال لم يتغير ولن يتغير”.

وأشارت عامر إلى أن غياب العدالة وضياع الحقوق الإنسانية وتزايد الانتهاكات، إضافة إلى تردي الخدمات وتفاقم أزمة فرص العمل وارتفاع الأسعار، كلها عوامل دفعت غالبية المواطنين، ولا سيما الشباب، إلى الاستياء من عجزهم عن تأمين متطلبات الحياة الكريمة.

وبيّنت أن الكثير من الشباب باتوا يعتقدون أن الإصلاح أصبح بعيد المنال، وأنهم عالقون في “دوامة لا تنتهي من الانتظار”.

ولفتت الى ان الشهادات الجامعية لم تعد ذات قيمة حقيقية في ظل اضطرار الخريجين لدفع مبالغ مالية طائلة، قد تصل إلى آلاف الدولارات، من أجل فرصة عمل حكومية لا تتحقق غالباً إلا عبر جهات متنفذة تسعى وراء المكاسب الخاصة بعيداً عن حقوق المواطن البسيط.

ولفتت في سياق حديثها إلى أن بعض الشباب ينظر إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة باعتبارها “الفرصة الحقيقية للتغيير”، بينما يرى آخرون أن الأوضاع لن تتبدل ما دامت مفاصل الدولة ومقدراتها محتكرة بالوتيرة ذاتها.

واستدركت بالقول إن الأمل لم يغِب، وإنما ينتعش مع كل ذكرى لتشرين، حيث يبذل العديد من الشباب والشابات جهوداً في حث الآخرين على الاستمرار بالمطالبة بالإصلاح والتغيير، فيما يعمل غيرهم على بث روح الأمل والتوعية للمشاركة في الانتخابات المقبلة باعتبارها وسيلة للتغيير عبر صناديق الاقتراع.

ذكرى ثقيلة على من حاول وأدها

الى ذلك، قالت الناشطة آمنة حامد إن تشرين شكّلت لحظة فارقة في تاريخ العراق الحديث، حيث خرج الشباب إلى الساحات بصدور عارية وأصوات تهتف بكلمة واحدة: “نريد وطن”.

وأضافت أن هذا الشعار كان تجسيدًا لحلم بالعدالة، والحرية، وبلد يُحكم بالمعايير الوطنية بعيداً عن الطائفية وتقاسم الأحزاب للسلطة كغنيمة.

وأكدت أن تشرين كانت صرخة لشباب محروم، وتراكمت عبر سنوات من القهر والخذلان، لتتحول إلى موقف أخلاقي واجتماعي وسياسي جريء.

وأشارت إلى أن السلطة اكتشفت في تلك اللحظات أن من كانت تعتقد انه جمهورها، الذي كانت تراهن على صمته وخضوعه، هو نفسه الذي نزل يواجه الرصاص وقنابل الغاز، في مشهد جعل من تشرين كاشفاً للطبقة السياسية وهشاشتها أمام إرادة الشعب.

وزادت بالقول أنه ورغم كل الممارسات، لم تُطفأ تشرين رغم محاولات القمع، وما تزال ذاكرة حية تحضر كلما أرادت السلطة نسيان أن أقوى لحظة تهديد لها جاءت من أبنائها، من جمهورها الأكبر، ومن الذين رفضوا الطائفية والانقسام.

واختتمت قائلة: “في تشرين شعرنا لأول مرة أننا وطن واحد، أن ما يجمعنا أكبر من كل ما فرقونا به. لقد حضن الشباب الموت، فقط ليحضنوا الوطن، مشيرة الى ان تشرين ستبقى علامة فارقة، وذكرى ثقيلة على من حاولوا وأدها، وعزيزة على من عاشها وشارك بها وقال لا.

حراك مستمر وان تراجع زخمه

وعلى صعيد ذي صلة، قال الناشط أحمد سعد إن انتفاضة تشرين السادسة كانت اختباراً حقيقياً لنضج النظام السياسي العراقي وقدرته على الاستجابة لمطالب شعبه المشروعة، مشيراً إلى أن الاحتجاجات كشفت فشل المنظومة الحاكمة في بناء الدولة وفق أسس العدالة والمواطنة.

وأضاف أن استمرار احتكار السلطة والمقدرات من قبل أحزاب متنفذة وعدم وجود آليات واضحة لمحاسبة الفاسدين يزيد من إحباط الشباب ويعزز شعورهم باللامبالاة تجاه العملية السياسية الرسمية.

لكنه شدد على أن الحراك الشعبي سيظل قوة ضاغطة لا يمكن تجاهلها، وان كان يشهد تراجعا في زخمه ومطالبه السياسية حالياً، وأن أي إصلاح حقيقي يجب أن يبدأ بالاستجابة لمطالب المحتجين ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والانتهاكات، لضمان ولادة عراق جديد قائم على القانون والمساواة. وأشار سعد إلى أن تشرين أثبتت أن الشعب لم يعد يقبل بالمظاهر والشعارات الفارغة، وأنه يطالب بتغيير جذري في منظومة الحكم، بما يشمل إعادة توزيع السلطات بشكل يضمن شفافية العمل السياسي ووقف الاحتكار الطائفي والفئوي للسلطة.

ولفت إلى أن الاحتجاجات أظهرت أهمية دور الشباب في إعادة صياغة المشهد السياسي، لأنهم الجيل القادر على مقاومة الفساد والمطالبة بالعدالة الاجتماعية، مؤكداً أن أي تجاهل لمطالبهم يعني استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها العراق منذ سنوات طويلة.

واختتم سعد بالقول ان رسالة تشرين كانت بسيطة وواضحة وصريحة "الشعب لن يصمت بعد الآن"، وأن أي حكومة ترغب في البقاء يجب أن تتجاوب مع مطالبه، وإلا فإن الحراك الشعبي سيعود وبشكل اكثر قوة لا يمكن كسرها أو احتواؤها.

الشباب هم ضمانة التغيير

من جهته، اكد سجاد محمود أن تشرين كانت بداية عملية تحوّل سياسي في وعي الشعب العراقي، حيث أدرك المواطن أن مطالب العدالة والحرية لا تتحقق إلا عبر ضغط مستمر على النظام السياسي، لا الاكتفاء بالوعود الرسمية أو الإجراءات الشكلية.

وأوضح محمود، أن الحكومة الحالية فشلت في تحقيق أي إنجاز ملموس فيما يخص الإصلاح، وأن استمرار النهج التقليدي في إدارة الدولة، القائم على المحاصصة والولاءات الفئوية، سيؤدي حتمًا إلى مزيد من الاحتقان الشعبي وإضعاف ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.

وأشار إلى أن الشباب هم الضمانة الحقيقية للتغيير، فهم الجيل الذي شهد القمع والملاحقات والقتل أثناء الاحتجاجات، ومع ذلك لم يتراجع، بل أصبحوا أكثر وعياً وإدراكاً بأهمية المشاركة السياسية والمطالبة بالحقوق المشروعة.

وأكد أن أي محاولة لتقويض حراكهم أو تهميش أصواتهم لن تمنع العراق من السير نحو الديمقراطية الحقيقية، مبيناً أن الانتخابات القادمة تمثل اختباراً حقيقياً، قد يعاقب الشعب فيها هذه الطبقة السياسية، واختباراً لها، ان كانت ستستمر في نفس السياسات التقليدية التي أعادت إنتاج الأزمات نفسها.

وخلص الى القول "ستبقى تشرين تجربة تعليمية لكل الشباب، فقد علمتنا أن المشاركة والمراقبة والمحاسبة هي الطريق الوحيد لبناء دولة عادلة، وأن أي إصلاح حقيقي لن يأتي إلا من خلال الضغط المستمر والمطالبة بحقوقنا المشروعة في كل الساحات والميادين".

***************************************************

الصفحة الحادية عشر

انتفاضة تشرين فوزي السعد

حين تُنتهك الحقوق وتصادر الحريّات وتكبّل الأفواه بالأصفاد تأبى النفوس الأبية أن تخضع لهذا الظلم وتقف ذليلة أمام جبروت الطغاة الذين راحوا يسعون الى تحقيق مآربهم الدنيئة على حساب هموم وأوجاع تلك الطبقات الكادحة في المجتمع الطبقات المحرومة من أيّة وسيلة عيش سعيد في الوقت الذي راح فيه الطغاة يعبثون بخيرات الوطن مثلما يبتغون ولا يأبهون للذي بدا يغلي في تلك النفوس الأبية من رفض واحتجاج ولا يعيرون اهتماماً لثورة العاقل إذا غضب ...  إنتفاضة تشرين ثورة غضب إنطلق بها فتية وضعوا أرواحهم فوق أكفّهم وألقوا بها في مهاوي الردى حتى مضوا يتساقطون في ساحات المجد واحداً بعد الآخر من أجل إعلاء كلمة الحق أمام الباطل فإذا سقط واحد منهم نهض الآخر من رفاته ليكمل المسير وهكذا الى أن يتحقق ما كانوا يطمحون له ويسعون إليه.

**************************************

جواد سليم كان معهم

ليث الصندوق

من الماضي

ومن المستقبل

جاءوا إلى نصب الحرية

حاملين في جيوبهم أضراسَ السنوات المنخورة

جاءوا من المدن التي تتنفسُ حسراتِها

وتصّاعدُ من أنامل أطفالِها أعمدةُ دخان

جاءوا على عربات الصبر والانتظار

ليوقظوا جواد سليم من ميتته

ويسمعوا شهاداتِ تماثيلِهِ

وهيَ ترى أذرعَ الأخطبوطِ تتسلّلُ

من المزاريب

لتختطفَ بريقَ المآذن الذهبية

من تحت أجفانِ الحالمين

ألسماءُ صافيةٌ

كأن أيادي العاصرين عصرتها للتو

ألأسفلتُ يغلي

وفقاعاتُه تنفجر على جلود المنتظرين

ألآفُ الشبان

يئنونَ من أحجار المستقبل على أكتافهم

عيونُهم مثلُ أسرابِ عصافير

توكّرُ على حِبال أهدابهم

وتنقرُ الحقولَ التي في جباههم

شُبّانٌ تجاوزوا الستين

وشيوخٌ دون العشرين

يوسّعونَ بأكتافهم ضيقَ الأزقة

ويدخلون البيوتَ من أنوف الأطفال الرطبة

مطلقين حسراتِهم عبرَ صماماتِ قناني الغاز

كلما لمسوا سلوخَهم

إنطلقتْ من أفواههم صرخة

يهتفونَ ، ويهتفونَ

حتى أوشكتْ جدرانُ الدكاكين

أنْ تتحولَ إلى قطيفةٍ صفراء

وبالرغم من أنهم مُتعبون

إلا أنّ أمواجَ غضبهم أغرقتِ الشوارع

فبدتِ العماراتُ كأنها زوارقٌ

تمخرُ فوقَ أمواج اللافتاتِ والرؤوس

رأيتُ التماثيلَ المتشبثة بإفريز النُصب

تتسلق جبالَ المظالم والآلام

ألجنديَّ، والطفلَ، والأمَّ ، والفلاحةَ، والعامل

رأيتُهم يحملون أحشاءهم النازفة بأياديهم

ناقلين رسالة الأصابع المكسورةِ إلى السماء

فجواد سليم هناك

يُطلق دخان غليونَهُ سحاباتٍ على العالم

ثمّ يستعيدُ من الدخان ألسنواتِ التي تعجّل حذفها من عُمُره

لقد رَحَلَ دونَ أنْ يودّعَ تماثيلَهُ البرونزية

فخلّفتْ حسراتُ الفراقِ عليها صَدأً أخضر

وعلى الضفة المتوارية تحت أكداس الصمت

كان المذعورون

يخلعون القبعاتِ التي تغطيهم من الرؤوس حتى الأقدام

ويلبسونَ سراويلَ أطفالِهم القصيرة

ليوهموا المتظاهرين

أنهم لم يتجاوزوا بعدُ سِنّ الرّضاع

**************************************

نحن لسنا حديقة خلفية

رياض الغريب

ساحة البحرية

في البصرة

ساحة الحبوبي

في الناصرية

ساحة مجسر الثورة

في بابل

ساحة التحرير

 في بغداد

كلها

ساحات وطن

وفي كل مرة

نخسر كل شيء

جلسنا في تقاطع الثورة

نحن ابناء بابل

دائما مانجلس قرب التقاطعات

ويقول أحدنا

اريد وطنا لامشفى

ساقف في تقاطعات الطرق

امد يدي كشحاذ

اسأل المارة

من باب الخرائط وطنا

يليق بجنوني

انا الطفل المدلل داخلي

احلم بوطن

يشبه حدائق لاتنتهي

قد يسأل احدهم

عن تقاطع الثورة

اقول له

معظم الشهداء

واعني شهداء تشرين

سقطوا قربه

وفي كل عام

يمر المشاة الى الحسين

قرب صورهم

كل عاشوراء تشرين

في بابل

قد يكون مترجم

اسباني

يريد ان يترجم هذا النص

سأكون واضحا

ومباشرا

تقاطع الثورة

وسط مدينة الحلة

والحلة

تعني بابل

يمر من تحت مجسره

الكثير من البشر

هم يؤمنون بفكرة واحدة

ان الحسين قتل ظلما

ملاحظه

عليك ان تبحث عن الحسين

واعني

هنا المترجم

قد يكون روسي

أو الماني

أو عراقي

من الجنوب

الحسين فكرة

من يسير اليه

كذلك من سقط

في تشرين

شباب يشبهون وردة

في الصباح

******************************************

الانتفاضة المسروقة

د. علي المرهج

قد تُسرق الانتفاضة من مُنظّريها لحُسن نية لأن من يعتنقها يعتقد أن من حقه التصرف بها وتوظيفها بمسارات يعتقد أنها مسارات أفضل للانتصار بما لم يقل بها من نظّروا لها.

في المقابل هناك سوء نية وقصدية في سرقة الانتفاضة والثورة ومكتسباتها، وهذا ما حدث ويحدث وسيحدث كما أعتقد. يحصل هذا في الأغلب الأعم من البعض لأجل تحقيق مكاسب ومنافع شخصية.

ما حدث في تشرين انتفاضة وليست ثورة من وجهة نظري، لأن الانتفاضة هي الاستعداد التام للثورة، ولكن قد لا تُحقق الانتفاضة مراميها نتيجة تحديات داخلية أو خارجية، فهي ثورة لم تكتمل عناصرها، لأن الانتفاضة تكون ثورة حينما تتحقق متطلبات الثوار.

تشرين انتفاضة تحمل بين طياتها عناصر الثورة سواء في المطالب أو في العمل الثوري المُنظم، ولكن النظامين الداخلي والخارجي لم يكونا عاملين مساعدين، إن لم يكونا خاذلين للمنتفضين الذين لم يطلبوا سوى أن يكون لهم وطن حر. خرج الشباب العراقي منتفضًا وكانت الأمهات في المقدمة والشعار الأسمى في تشرين كان (نريد وطن)، لكن الطائفيين كانوا لهم بالمرصاد. لم يكن لأمريكا ممثلة بالبيت الأبيض لها موقف مساند للمنتفضين في تشرين على الرغم من أن المناوئين للمنتفضين يتهمونهم بأنهم مدعومون من الأمريكان، ولو كانوا كذلك لما تخلّى الأمريكان عنهم، وتركهم يواجهون مصيرهم، فكان الشهداء منهم بالمئات والجرحى بالآلاف؟!

السؤال من سرق الانتفاضة؟

الجواب ان من سرق الانتفاضة وتضحيات الشباب وثكل الأمهات هم الذين جاءوا بعد الحكومة التي اجبرت على الاستقالة وكان ذلك بتوافق واضح وليس خفيًا بين الموالين لأمريكا والموالين لإيران من الساسة العراقيين.

كثيرون ادعوا أنهم تشرينيون، ومنهم شارك في تشرين فعلًا فتمكن من التسلق على ظهور الثوار الذين يعون ويعرفون معنى الثورة ولكن من حصد ثمارها هم المخادعون من الذين أتقنوا القتل والتخريب والتدليس أكثر من الوعي بقيمة الثورة.

يطرح الرؤية الخلاصية مفكرون ومثقفون ثوريون يعرفون حجم المعاناة في مجتمعهم وتؤيدهم الجماهير المضطهدة، ولكن في الأغلب الأعم نجد أن "الشطار" و"العيارين" من المثقفين وبعض الناشطين المدنيين سواء من انبرى للوقوف مع المنتفضين لأجل تحقيق مصلحة شخصية، أو بعض الساسة من الذين أيدوا تشرين لكسب جمهورها، أو من صار ضدها لكسب جمهور المعارضين لها. كل هؤلاء شاركوا في سرة الانتفاضة.

هذا ما حصل ويحصل وسيحصل في أغلب الثورات يستشهد القادة الشرفاء المُصدِقون فيها، ويُعزل ولو بعد حين المُنظّرون والمثقفون الذين اكتووا بها، أو يموت كمدًا بعض القادة الأحياء، ويتسيد المشهد الشطار والعيارين، فيتبعهم بعض المثقفين والساسة ممن يُجيدون اللعب على حبال سيرك العملية السياسة.

وعلى الرغم من كل الذي جرى على انتفاضة تشرين من تشويه وما وجه إلى شبابها من تُهم، وما مارسه بعض من شارك في تشويهها، لا سيما بعض من فازوا في الانتخابات السابقة مستغلين تضحيات أبنائها، إلا أنها لا زالت الانتفاضة التي عرت صناع القرار السياسي في العراق وكشفت عن روح وطنية بعيدًا عن الطائفية ونظام الحكم القام على المحاصصة، لأنها رفعت شعار الوطن أولًا، ولا خلاص للعراق إلا باعادة ترميم "الهوية الوطنية" لأنها الحصن الذي يحتمي فيه العراقيون تحت مظلة واحدة أو وطن له سيادته على أرضه ومائه وسمائه هو العراق، وأن العملية السياسية في العراق لا تنتظم بوجود أحزاب مدعومة من الخارج.

****************************************

تظاهرات تشرين.. السؤال أم الجواب؟

رعد كريم عزيز

تتيح لنا ذكرى تظاهرات تشرين مراجعة الاسباب والدروس التي يمكن الاستفادة منها في سبيل تحقيق العدالة ضمن القانون واحترام حرية الفرد وهو يسعى لحياة كريمة في وطن متعدد الاعراق والاديان ,وشهدت سنة  2019 شهر تشرين الاول اعتى  الاحتجاجت تحت نصب الحرية في قلب بغداد وبرزت تظاهرات شبابية سرعان ما استقطبت الشباب من كلا الجنسين ومن مختلف الفئات وخاصة الطلبة حتى اصبح لهم اماكن معرفة وخيام ثابتة ,وحصل المحتجون في البداية على دعم شعبي هائل بدعم لوجستي تضامني ورفعوا شعار ( نريد وطن) ,ولكن ما ساعد على قمع التظاهرات عدم وجود وحدة الصف وانعكاس الانقسام المجتمعي الذي تقوده الاحزاب.

ورغم ان الاحتجاجات ارغمت رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة الا ان تحقيق شعار نريد وطن لم يتحقق كما اراد لها المتظاهرون.وأحد اسباب عدم التحقق, انها تظاهرات ما ان كبرت واتسعت واصبح لها الصوت العالي عراقيا وعربيا وعالميا ,التفت عليها الاحزاب ونصبت خيامها واخترقت خصوصيتها وسقط مئات الضحايا بالقنابل الدخانية والرصاص الحي واصيب الالاف بجروح خطيرة , بسبب ان التظاهرات مكانيا تشبه اعتصام المتظاهرين في وادي منبسط وهو ساحة التحرير ومقترباتها باستثناء بناية المطعم التركي فيما تسيطر الحكومة على المرتفعات المحيطة بالساحة وهي سطوح البنايات العالية ,حتى ضاع دم الضحايا بين الرصاص المجهول والتصريحات الاعلامية التي تلمع الحكومة.وليس الحال في جميع المحافظات المنتفضة مختلف عن شكل التظاهرات في بغداد وقدمت المحافظات مشهدا واضحا لقيمة المطالب المستحقة للمواطن الذي تعرض للظلم والقسوة ,واحد من النتائج المهمة التي يجب الانتباه لها بعد مضي ست سنوات على اشتعالها انها قدمت اسئلة عديدة وكبيرة ولكنها لم تستطع ان تقدم الاجوبة الكافية بسبب ان الحكومة تحظى بغطاء تضامني تعسفي من جميع الاحزاب التي تشترك في الحكومة خوفا على مصالحها التي حصلت عليه اساسا بغطاء خارجي لا يريد ان ينحرف عن المسار المرسوم بطاعة القادة في الداخل لرؤيا الخارج الذي جمل الحكومة فضل  القضاء على الدكتاتورية,وذلك ما افضى الى التشظي في المطالب وعدم الوصول الى نتيجة فيها الاجوبة على اسئلة قديمة تتحدث عن الجوع والظلم وغياب العدالة. ماحصل في النتيجة الاخيرة ان الضحايا تحولوا الى رسوم في جدران نفق ساحة التحرير لذا لم تزيلها الحكومات المتعاقبة لانها استمرت في مسك تقاليد الحكم الذي يتيح لها استغلال الموارد وكسب المغانم فيما ذهبت دماء الضحايا هباءً بلا اجابة عن السؤال والفقراء لم يحصلوا الا على السماح لوسيلة النقل ( التكتك ) بالدخول الى وسط العاصمة واختراق شارع الرشيد بعد ان كانت تسير في اطراف العاصمة فقط , وبقيت اسئلة الثوار الاولى بلا اجوبة لانهم غابوا تحت التراب وبقي من ركب الموجة مستغلا الشباب وصدقهم وتضحيتهم من اجل استغلال السلطة من اوسع ابوابها في سرقة المال والجلوس على كراسي المناصب بالتزوير والكذب تحت نصب الحرية بانتظار الجواب لسؤال وجودي صعب مفاده متى يحصل العراقي على فضاء حريته في وطن حر بلا قيود تعسفية يملك مفتاحها الاجلاف الجوف وهم يزيدون حقائبهم بالمال المنهوب.

*******************************************

الصفحة الثانية عشر

معاً لبناء بيت الحزب.. بيت الشعب

دعماً للحملة الوطنية لبناء مقر الحزب الشيوعي العراقي، تبرع الرفاق والأصدقاء:

- فاضل فليح (أبو هشام) 200 يورو

- عادل محمد حسن  (ابو داليا) 50 يورو

الشكر والتقدير للرفاق والأصدقاء على دعمهم واسنادهم حملة الحزب لبناء مقره المركزي في بغداد.

معاً حتى يكتمل بناء بيت الشيوعيين.. بيت العراقيين.

*******************************************

قصائد من «ملحمة التكتك»

يحيى السماوي

 

ذهول

يا للذهول!

كلما اغتال الفاشيون الجدد شجرة

نبت مكانها

بستان باتساع وطن

مثقل الاشجار بعناقيد

الارادة!

مدينة الناصرية

ايها الآتون

من مستنقع العُهر السياسي

وكهف الهمجية

قبلكم أسرف في القتل وفي

التدمير (هولاكو)

ليُعلي في الفراتين

عروش الوثنية

فاشربوا نخب انتصار الوحش في

الحرب.

ولكن

ستُزالون وتبقى “الناصرية”.

فغداً

لا بد ان يهزم جيش القمع

تابوت الضحية

الأشعر منا جميعاً

نحن. الشعراء. جميعنا

نكتب قصائدنا بالحبر

الا فتيةُ وشباب ساحة التحرير

فإنهم يكتبونها

بدمائهم..

المعلقاتُ ليست سبعاً..

انها ثمان..

سبع

عُلِقن على جدران الكعبة

والثامنة

عُلِقت على جبل أُحد الثورة

في المطعم التركي

العبيد

يا ساسة الصدفة

قد شوهتم الحياة في عراقنا

الجميل

والزُبر والتوراة والقرآن

والإنجيل

فويلكم

من غضب الشعب اذا استفزه

الفاسد

والسارق والعميل

جميعكم

“ابرهةُ الضليل”

لن تُرعبوا شباب هذا العصر

بالجندِ

ولا بـ “الفيل”

فكلهم طيرُ “أبابيل”

وصخرُ عزمِهم “سِجيل”

لست مع الحياد

حين تكون الحرب بين النور

والظلام

بين الذئب والغزال

ام بين المناضلين والجلاد

لست مع الحياد

في ثورة الجياع ضد سارقي رغيفهم

وموقدي حرائق الفتنة في

بغداد

فواصلوا ثورتكم

يا حاملي بشارة السنبل للصحراء

والرحيق للأوراد

ومُسرجي شمس المسرات

على البلاد

غداً تقُصُ مجدكم في كتب الخلود

“شهرزاد”

هتاف

هتف الحُر العراقي

بوجه القاتل النذل

المُلثم

سدِدِ الطلقة نحو

الثائر الاعزل

نفذ امر مولاك بدَكِ “المطعم التركي”

واستأصل غيارى ساحة التحرير

والأبرار عند الجسر

او

“باب المعظم”

ربما تسقطني أرضاً

ولكن

ان تنالوا قِمتي

لو

ألف سُلّم

**************************************

اما بعد.. في خضم الانتفاضة استعدت العافية

منى سعيد

وأنا أصارع المرض الخبيث بعد عودتي من غربة نحو عشرين عاما وبعد علاج أمتد لثمانية أشهر، كنت أقاوم بأقصى طاقتي للبقاء على قيد الحياة. حتى العلاجات التي جلبتها معي من الخارج وملأت حقيبة سفر كبيرة أثارت استغراب شرطة تفتيش المطار، ثم مرروها إشفاقا علي..

في تلك الأيام وأنا بين أهلي لم استطع مقاومة رغبة المشاركة بانتفاضة تشرين. يوميا كنت أهم بمغادرة فراش المرض والذهاب الى ساحة التحرير ولا أتمكن ، حتى غمرني شعور بالتقصير لا أسامح عليها نفسي..

أخيرا أقنعت اثنين من شبابنا المساهمين بالانتفاضة بمساعدتي واسنادي باليدين حتى أتمكن من بلوغ الساحة.. وعلى الرغم من ترددهما أوصلاني الى نهاية شارع أبي نؤاس أولا، ومن ثم رافقاني بعربة تكتك إلى الساحة.

جرجرت قدمي وأنا ألهث انفعالا بروح ثورية أيقظت كل حواسي،ووجدت نفسي أشارك بالهتافات مرة ، والتقط خبز سيدة تقدم الرغيف للثوار مرة أخرى. ابكي بحرقة مسترجعة آلام شعبنا وويلاته في ظل دكتاتورية فاشية بشعة ، وفرحة في الوقت نفسه ، بل أصبحت أقبل وجنات شابات باسلات كن من كلية الطب تبرعن بتقديم خدماتهن للمصابين من الثوار، وشابات جامعيات أخريات أمسكن مكانس وأخذن ينظفن الساحة بهمة ونشاط ، شاعرات بمهام كبيرة وإن كانت بسيطة أمام عظمة مهام جموع الانتفاضة.

 شيئا فشيئا سرت روح الانتفاضة ببدني، شعرت بعافية صبا تعود بعد ان غادرتني منذ زمن ، تحررت من ملازمة رفيقيّ ، وأخذت أطوف على خيم المحتجين واحدة إثر أخرى. استقبلني في عدد منها أصدقاء ورفاق وزملاء لم أرهم منذ زمن، بل فوجئوا بوجودي بينهم ، أطلقت ضحكات ملء القلب لنكات تبادلوها أمامي مستعرضين مواقف طريفة، حدثت أثناء تواجدهم هناك.

 وفي خيمة أخرى وجدت نفسي أطلق حنجرتي في أغنيات ثورية جميلة استرجعتها من ذاكرة السبعينات. هممت بمشاركة رقصة دبكة مجموعة شباب أمام خيمة أخرى، لولا خشية تعثري وسقوطي أرضا.

 في ذلك اليوم التاريخي من حياتي وحياة شعب كامل عاش أهم حدث ثوري في تاريخنا المعاصر، شعرت بجدوى أن نعيش يغذينا الأمل بأمنيات وهمم شباب شجعان، يواجهون الموت بصدورعارية، وتلقفون الدخانيات بأيديهم ثم يعيدون قذفها بوجه مطلقيها في شجاعة أسطورية نادرة..

إنها حكاية شعب باسل لن يموت، يتحدى الظلم ويقاوم بكل قواه.

شعبٌ أنا فرد منه، قاومت مرضي وشفيت بفضل تواجدي في ذلك اليوم المدهش، في قلب الانتفاضة وبين شبابها الثائر.