اخر الاخبار

الصفحة الأولى

عشرة أشهر تبقت من عمرها مراقبون: المحاصصة كسبت رهان التعديل الوزاري  والحكومة ستكتفي بتصريف الأعمال

بغداد ـ  طريق الشعب

يبدو أن الحكومة الحالية التي بدأ أنصارها يحشّدون لموسم الانتخابات المقبلة، قد استسلمت لرهان قوى المحاصصة التي وقفت بالضد من التعديل الوزاري، الذي تعهّد السيد رئيس مجلس الوزراء بإجرائه بعد سنة من تشكيل حكومته، الى جانب الكثير من الملفات التي تصدرت منهاجه الوزاري، لكنها لم تغادرْه إلى أرض الواقع، إنما بقيت حبيسة الاستهلاك الإعلامي.

ولقرابة 22 عاما، ظل العراقيون يأملون في إصلاحات حقيقية تقترب من تطلعاتهم إلى الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على نظام مؤسساتي وقانوني، يسعى لتحقيق العيش الكريم لجميع أبناء البلد. لكن النهج المحاصصاتي لم ينتج سوى حكومات عاجزة عن تحقيق ذلك، مستسلمة للولاءات الحزبية والمصالح الضيقة، ورغبات الأقلية المتنفذة، تاركة العراقيين يتقلبون من أزمة الى أزمة.

عرقلة مقصودة

وفي مقابلة متلفزة، أذاعتها قناة العراقية، الخميس الماضي، تطرق رئيس مجلس الوزراء محمد السوداني الى ملف التعديل الوزاري، مؤكدا وجود عرقلة مقصودة لإجرائه.

وقال إن لديه "تقييمات، ونتائجها توصلت الى ان هناك حاجة الى تعديل وزاري يشمل 4ـ 6 وزارات"، مشيرا إلى ان تأخر التعديل "ليس له علاقة بعامل الوقت؛ فبعض القوى السياسية ارتأت ان يكون التعديل الوزاري شكليا لوزارتين او ثلاث، لكنني رفضت".

وأضاف انه فاتح القوى السياسية بشأن تلك التعديلات، لكنه واجه "مشكلتين، حيث كان يفترض اجراء التعديلات قبل فترة ولكن شغور منصب رئيس مجلس النواب حال دون ذلك. بينما الكتل السياسية تتعامل بمزاجية مع ملف تغيير الوزراء، وبعض الكتل قدمت مرشحين، ولكن مواصفاتهم اقل بكثير من الوزير المراد تغييره".

واشار الى انه "في ظل غياب التوافق مع القوى السياسية، لا يمكنني الذهاب الى البرلمان وطلب تغيير بعض الوزراء".

أسباب الإخفاق

وفي هذا الشأن، قال الأكاديمي، د. مجاشع التميمي ان "حديث رئيس الوزراء عن الحاجة إلى إجراء هذه التعديلات، وتأكيده على وجود عراقيل تمنع هذا الإجراء، يعني انه ما يزال يواجه ضغوطا كبيرة ولا يتمتع بأي حرية كما ادعت القوى السياسية وقت تشكيل الحكومة عام 2022".

وأضاف التميمي في حديث مع "طريق الشعب"، أن "المحاصصة ـ كما كان متوقعاً ـ قيدت رئيس الوزراء كثيراً، ولم تسهل مطلقا اي جهود في تقديم الخدمات وتحقيق البرنامج الحكومي، وهذه هي أبرز اسباب الاخفاق في تنفيذ المنهاج الحكومي".

وتابع قائلا: ان "الشعور بالإحباط، قد يكون هو الذي دفع السوداني للحديث بهذه الصراحة في الاعلام عن القيود التي وضعتها القوى السياسية في موضوع التعديل الوزاري الذي وعد به منذ 2023".

ولفت الى ان "اغلب الوزراء كانوا دون مستوى الطموح واغلبهم لا يملكون الخبرة في الإدارة خاصة في هذه الظروف، التي على أساسها سميت حكومة الخدمات، بل ان بعضهم لا يصلح لإدارة قسم، وليس وزارة".

واكد التميمي ان هناك "حاجة لإجراء تعديلات وزارية، لان اغلبهم ليس بمستوى المسؤولية، وحتى نتائج تقييم اللجنة التي شكلها السوداني، أظهرت انهم غير قادرين على ترجمة البرنامج الحكومي على ارض الواقع، كما يفترض ان تكون التعديلات وفق تقييمات ورؤية رئيس الحكومة، لا مزاج القوى السياسية".

نتائج المحاصصة

وضمن السياق، قال رئيس مركز بغداد للدراسات، د. مناف الموسوي ان "هذا الاخفاق هو نتيجة طبيعية حينما تتشكل الحكومة على اساس المحاصصة، والواقع يقول ان رئيس الوزراء غير قادر على الاقدام على تغيير وزاري، فهؤلاء الوزراء حصة القوى السياسية التي شكلت الحكومة"، مؤكدا ان "الحديث عن اي تعديل وزاري أصبح بلا قيمة او معنى، فهذا التغيير حتى لو تم فلن يسهم بتحسين الأداء الضعيف للحكومة الحالية، التي لم يتبق من عمرها سوى 10 أشهر".

ولفت في حديثه مع "طريق الشعب"، الى ان "رئيس الحكومة لا يمكنه اتخاذ قرار بهذا الشأن دون العودة الى القوى التي شكلت حكومته، والتي بطبيعة الحال لم تسمح"، مبينا ان "المحاصصة السياسية والطائفية هي أخطر ممارسة تنتجها القوى المتنفذة، حيث ان الوزراء عادة ما يعملون لمصلحة الحزب او الزعيم السياسي، على حساب مصالح الشعب والدولة".

وتابع الموسوي: ان "رغبة إجراء تعديلات وزارية، تدلل على ان هناك خللا وسوء ادارة واشكالا لدى الحكومة"، مبينا ان "اغلب الوزارات لم تنفذ المنهاج الوزاري. بمعنى ان هناك اخفاقا في الكثير من القطاعات مثل الصحة والتعليم الى جانب بقية القطاعات الاخرى". وخلص الى القول ان هذا الإخفاق الحكومي يأتي في الاصرار على نهج المحاصصة، وغياب المعارضة الحقيقية والرقابة الفاعلة لمجلس النواب في متابعة تنفيذ البرنامج الحكومي".

مزاج القوى المتنفذة

من جهته، قال الصحفي والناشط المدني رحيم الشمري انه "لا قيمة لأي إجراءات حكومية في تقييم الأداء، كون الحكومة تشكلت بشكل توافقي على اساس محاصصاتي، ورفضت القوى المتنفذة التوجه نحو التعديل الوزاري منذ العام 2023".

وأضاف الشمري في حديث مع "طريق الشعب"، ان "الحديث عن إجراء تعديل وزاري او استبدال وزير مجرد أضغاث أحلام، إذ لا يمكن حتى استبدال مدير عام وليس وزيرا، لان مجلس الوزراء مجرد موظفين عند رؤساء الأحزاب الحاكمة والمتحكمة بصناعة القرار، فهم يقررون كيف تسير الأمور".

ولخص المشهد بأن "الانتخابات البرلمانية صارت قريبة، وعمر الحكومة الحالية قصير جدا، بينما انتصرت المحاصصة وتغلغل الفساد أكثر في دوائر الدولة، وانشغلت الأحزاب المتنفذة بالصفقات والمكاسب والامتيازات، بينما يحمل العراقيون آمالهم وأحلامهم وتطلعاتهم، التي لم تجد اهتماما وتعاطيا جادا معها من قبل تلك القوى".

وكانت اللجنة القانونية في مجلس النواب، قد اكدت أن البرلمان سيركز خلال الفصل التشريعي المقبل على استجواب الوزراء بدلاً من النظر في التعديل الوزاري.

وقال عضو اللجنة القانونية، محمد الخفاجي، ان "هناك استجوابات مهنية ستتم خلال الفصل التشريعي المقبل، وهي تمثل إحدى أهم أدوات البرلمان الرقابية". 

وأضاف أن "اللجنة طالبت أكثر من مرة بعدم عرقلة الاستجوابات، إذ يوجد أكثر من ملف استجواب مكتمل ومدقق، ولكنه متوقف على موافقة رئاسة المجلس".

وأضاف، "نأمل تحريك هذا الموضوع في الجلسات المقبلة، خلال الفصل التشريعي المقبل، إذ إن استجواب الجهات التنفيذية يعد أحد أهم أدوار البرلمان. وفي حال أيدت هيئة الرئاسة هذا الأمر، فإن المجلس سيكون قادرًا على استجواب المسؤولين الحكوميين".

***********************************************

راصد الطريق.. يعظون الغير.. وهم لا يتعظون!

حذر رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، أمس الإثنين، من مخاطر تشكيل حكومة محاصصة في سوريا على غرار النموذج العراقي.

ويعكس هذا التحذير إدراكاً لمخاطر نهج المحاصصة. لكنه يكشف ايضا الازدواجية عندنا في التعامل مع هذا النهج.

فإذا كان نهجا مرفوضا حسب السيد المشهداني، وكما اكد كثيرون قبله، فماذا فعل برلماننا  والقوى المتنفذة لتجاوزه ونبذه؟

بل اننا نرى العكس: فالمحاصصة لا تقتصر على تشكيل الحكومات، وانما تمتد لتشمل حتى  تشريع القوانين، الذي أصبح يخضع لحساب التوازنات السياسية بين الكتل التي تدعي تمثيل المكونات. وتلك هي المحاصصة.

إن إقرار رئيس السلطة التشريعية بمخاطر المحاصصة، وتقديمه النصح للآخرين بعدم اعتمادها، ليسا مطلوبين فقط، بل ويثيران أسئلة ملحة حول دور البرلمان والقوى النافذة في نبذ نهجها. فمهمة البرلمان ليست مجرد تشخيص المشكلة، بل وتقديم الحلول لها. أم يستمر التهاون ازاء ظاهرة تقويض الديمقراطية، لأجل صفقات سياسية تتجاهل المصلحة العامة؟

في ضوء المتغيرات في وطننا والمنطقة والعالم، نقول ان الوقت حان لنبذ هذا النهج، الذي لم يجن منه العراق والعراقيون سوى الفساد، والاستحواذ على الثروات، والفشل، والتراجع في سائر المجالات.

**************************************

الصفحة الثانية

البيئة تغلق 111 نشاطا صناعيا ملوثا في بغداد والمحافظات

بغداد ـ طريق الشعب

أعلنت وزارة البيئة، أمس الإثنين، أغلقت 111 نشاطا صناعيا مخالفا للضوابط البيئية، في بغداد والمحافظات، فيما بينت أنها تسعى للحد من تلوث الهواء في العاصمة.

وقال مدير عام دائرة التوعية والإعلام البيئي، أمير علي الحسون، إن "هذه الإجراءات تأتي ضمن جهود الوزارة لتشديد الرقابة البيئية على الأنشطة غير الملتزمة، والتي تمثل تهديدًا لسلامة البيئة والصحة العامة".

وأضاف أن "أوامر الغلق الصادرة عن الفرق الرقابية لدوائر البيئة في بغداد والمحافظات، جاءت بعد تسجيل تجاوزات على المعايير البيئية والقوانين النافذة"، مبينا أن "دوائر البيئة في بغداد والمحافظات تكثف جولاتها الرقابية، وتتخذ الإجراءات القانونية بحق الأنشطة المخالفة، استنادًا إلى القانون البيئي رقم 27 لسنة 2009".

ولفت إلى أن "الوزارة تعمل على تطبيق فقرات قرار مجلس الوزراء رقم 24777، بشأن الحد من تلوث الهواء في بغداد، بالتعاون مع الوزارات القطاعية، وأمانة بغداد، والقوات الأمنية، بالإضافة إلى تعزيز الشراكة مع المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لتحسين الواقع البيئي في العراق".

وتعاني العاصمة بغداد، من ارتفاع كبير بنسبة التلوث، وغالبا ما يتسبب بحالات اختناق، وخاصة رائحة الكبريت التي تنبعث بين فترة وأخرى، دون معرفة مصدرها الحقيقي.

***************************************************

على هامش تظاهرات غاضبة أمام وزارة النفط نددت بتردي ملف الطاقة أبو العيس: طالبنا بحلول عاجلة وحددنا سقوفا زمنية لمعالجة أزمة الكهرباء

بغداد ـ بسام عبد الرزاق

شهدت العاصمة بغداد، أمس الاثنين، تظاهرة موحدة من مختلف مدن العراق أمام مقر وزارة النفط، احتجاجا على تردي خدمة الكهرباء، واستمرار اعتماد وزارة النفط على الغاز الإيراني المتعثر، لتزويد محطات الطاقة، وما سبّبه ذلك من أزمة في عموم العراق.

وقالت عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، بشرى أبو العيس، ان "التظاهرة شارك فيها العديد من الناشطين ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب، فضلا عن التنسيق مع اللجنة المركزية لتظاهرات العراق، والتي شاركت بأعداد كبيرة ومن مختلف المدن".

حلول واضحة وعاجلة

وذكرت أبو العيس لمراسل "طريق الشعب"، أن "المتظاهرين امام وزارة النفط طالبوا بحلول واضحة وعاجلة بخصوص توفير الغاز لمحطات توليد الطاقة الكهربائية بعد الازمة الحادة في توفير الطاقة التي عاشتها وتعيشها بغداد ومختلف المدن العراقية منذ أكثر من شهر".

ولفتت الى ان "المتظاهرين طالبوا أيضا، بلقاء أحد المسؤولين في وزارة النفط، وجرى على إثرها تشكيل وفد للقاء وكيل وزير النفط للشؤون الفنية وتقديم مطالب المتظاهرين، وحضر الوكيل للقاء المتظاهرين وتحدث عن إجراءات سريعة لتوفير الغاز لمحطات الكهرباء والتركيز على مشاريع الطاقة البديلة".

وبينت، ان "النقاش اظهر ان الحلول تحتاج الى وقت طويل. بالمقابل وضع المتظاهرون سقوف زمنية لإنجاز المطلوب من الوزارة".

وشهدت التظاهرة رفع شعارات مختلفة تدعو لوضع حلول لازمة الغاز، فضلا عن هتافات "تظاهر يا شعب لا تگول معليه" و"وعدك وين حسوني.. وين الكهرباء فهموني" في إشارة إلى وعود أطلقها نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة السابق حسين الشهرستاني عام 2012 بالاكتفاء الذاتي من إنتاج الغاز المخصص لتشغيل محاطات الكهرباء، وإنهاء أزمة الكهرباء في العراق بحلول نهاية عام 2013.

تخبطات في الادارة

ويشهد ملف الطاقة في العراق، الكثير من التخبطات، لاسيما في التصريحات الرسمية، حيث أعلنت وزارة الكهرباء في نهاية عام 2023، عن توقيع عقد مع الجانب التركمانستاني لتزويد العراق بالغاز، لكنها سرعان ما عادت الى نفي ما تداولته بعض وسائل الإعلام حول بدء سريان عقد الغاز مع تركمانستان، مؤكدة أن العقد لم يدخل حيز التنفيذ بعد.

وذكرت الوزارة في بيان أن المفاوضات ما زالت جارية بشأن تحديد الشركة الوسيطة التي ستضمن وصول الغاز التركمانستاني إلى العراق بشكل مستمر.

وأضافت أن الادعاءات حول دفع العراق مبالغ مالية يومية لتركمانستان هي "مغلوطة تماما"، مشيرة إلى أنه "لم يتم إطلاق أي كميات من الغاز التركمانستاني إلى العراق، ولم يتم دفع أي مبالغ مالية حتى الآن"، مما ينفي تماما ما تم تداوله عن دفع مليوني دولار يوميا، بحسب الوزارة.

كما أكدت الوزارة، أن مشكلة انقطاع الغاز الحالية تتعلق بالغاز الإيراني، الذي تم التعاقد عليه في اتفاقية منفصلة، وليس الغاز التركمانستاني.

الغاز التركمانستاني

وفي أواخر 2023 وقع العراق مذكرة تفاهم مع تركمانستان لتوريد الغاز الى العراق، وفي منتصف العام الحالي 2024 وقعت إيران وتركمانستان عقدا لتوريد الغاز التركمانستاني بطريقة "المقايضة الثنائية" لصالح العراق قبل أن يعود العراق بعد حوالي 3 أشهر لتوقيع الاتفاق الرسمي مع تركمنستان لتوريد الغاز عبر إيران.

وبحسب "المقايضة الثنائية" تقوم تركمانستان بتصدير حوالي 25 مليون متر مكعب يوميا إلى الأراضي الإيرانية الشمالية التي تعجز إيران عن إيصال الغاز اليها، ثم تعطي العراق كميات مساوية من غازها من الأراضي القريبة عبر الأنابيب، بمعنى ان العراق يشتري الغاز التركمانستاني ويدفع الأموال لتركمانستان بقيمة 20 الى 25 مليون متر مكعب يوميا ويتجاوز مسألة العقوبات أولا، ثم تقوم إيران باستهلاك هذا الغاز الذي دفع العراق أمواله لتركمانستان في محافظاتها الشمالية بالمقابل تعطي للعراق كميات مساوية من الغاز من حقولها القريبة على العراق عبر الأنابيب.

لكن استمرار قطع إيران للغاز على العراق تحت مبررات الصيانة وغيرها دون التزام بالعقد الموقع مع العراق فتح باب التساؤلات والمخاوف من أن العراق وقع "ضحية نصب"، فالعراق ملزم بدفع الأموال إلى تركمانستان مقابل 25 مليون متر مكعب يوميا وبقيمة تبلغ 2.5 مليون دولار يوميا، أو ما يقارب المليار دولار سنويا، لكن بالمقابل لا يفرض العراق شروطا كما يبدو على إيران في العقد.

وهذا ما يقوله الباحث الاقتصادي زياد الهاشمي الذي أشار إلى أن إيران لم تقطع الغاز عن العراق فحسب، بل هي تقوم باستهلاك الغاز التركمانستاني الذي يدفع العراق ثمنه وتقوم بحرقه واستهلاكه في محافظاتها الشمالية.

ويرى خبراء اقتصاد أن ذلك سيناريو خطير يكشف عن مدى الفجوة التفاوضية مع عدم إعلان وكشف العراق للبنود الرسمية للعقد مع إيران أو مع تركمانستان.

********************************************

تظاهرات تطالب بفرص العمل والخدمات والكف عن تلويث الأنهار العام الجديد على الأبواب.. ولا استجابة لمطالب المحتجين

بغداد ـ طريق الشعب

تواصلت الفعاليات الاحتجاجية في عدة محافظات، فيما تركزت مطالب المحتجين، خلال اليومين الماضيين، على توفير فرص العمل والخدمات ومعالجة مشكلة المحاضرين والكف عن رمي مخلفات الصرف الصحي في الأنهار.

مخلفات الصرف الصحي

وتظاهر العشرات من سكان منطقة "أبو سبع" في محافظة ميسان، احتجاجًا على تصريف مياه المجاري في نهر البتيرة، ما أدى إلى تلوث المياه وتأثيرها على بيئتهم وصحتهم.

وأكد المتظاهرون، أن تصريف مياه المجاري في النهر يسبب أضرارًا بيئية وصحية كبيرة، حيث يعانون من انتشار الروائح الكريهة وتلوث مصادر المياه التي يعتمدون عليها، مطالبين الجهات المعنية باتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الممارسات وتنظيف النهر، حفاظًا على صحتهم وبيئتهم.

كما دعوا الحكومة المحلية في ميسان إلى توفير حلول مستدامة للتعامل مع مشكلة مياه المجاري وتوفير شبكات صرف صحي تحترم المعايير البيئية والصحية.

توفير فرص العمل

وتظاهر العشرات من الخريجين في محافظة بابل، وسط مدينة الحلة، احتجاجًا على عدم توفر فرص العمل.

وقام المتظاهرون بإغلاق تقاطع الثورة في المدينة، مطالبين الحكومة المحلية والمركزية بتوفير فرص عمل لهم وتعيينهم في الدوائر الحكومية.

وشدد المحتجون على ضرورة توفير فرص عمل للخريجين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.

حصص مائية عادلة

ونظّم العشرات من المزارعين ومربي المواشي في محافظة المثنى وقفة احتجاجية على ضفاف نهر الصليبات، أمام مبنى المحافظة، للمطالبة بتوفير حصص مائية كافية لأراضيهم.

وأعرب المحتجّون عن استيائهم جراء شحّ المياه غير المسبوق الذي يعاني منه منطقتهم، مؤكدين أن قلة المياه أدّت إلى تكبّدهم خسائر مادية فادحة نتيجة لعدم تمكنهم من ري أراضيهم الزراعية التي كانت مشمولة ضمن الخطط الزراعية.

وقد طالب المشاركون في الوقفة السلطات المحلية بتوفير حلول عاجلة لضمان استدامة الموارد المائية وتخفيف معاناتهم.

أصحاب المولدات الأهلية

وتظاهر العشرات من أصحاب مولدات الكهرباء الأهلية في مدينة السماوة، احتجاجًا على نقص حصص الوقود المخصصة لهم. وأكد المتظاهرون أن ساعات التشغيل الطويلة التي تفرضها الظروف الحالية لا تتناسب مع الكميات المحدودة من الوقود التي يتم تزويدهم بها، مما يفاقم من معاناتهم.

وأشار المحتجون إلى أن النقص الكبير في الوقود يضعهم أمام تحديات كبيرة، أبرزها عجزهم عن توفير الكهرباء بشكل كافٍ للمواطنين، في ظل الانقطاعات المتكررة للكهرباء الوطنية.

ودعا المتظاهرون الجهات المعنية إلى إعادة النظر في الحصص المخصصة لهم، بما يضمن استمرارية عمل المولدات الكهربائية وتخفيف معاناة المواطنين، خاصة مع تزايد الحاجة إلى الكهرباء في هذه الظروف.

تظاهر العشرات من أصحاب المولدات الأهلية، أمام قائمقامية بعقوبة للمطالبة بزيادة حصة الوقود المخصصة لهم في فصل الشتاء.

وأكد المتظاهرون أن تجهيز الكهرباء الوطنية لا يتجاوز 8 ساعات يوميًا، وهو لا يختلف عن الوضع في فصل الصيف، مما يزيد من معاناتهم. وتساءل المحتجون عن سبب تخصيص 20 لتراً فقط لكل كيلو فولت (KV) من الوقود، معتبرين أن هذه الحصة غير كافية لتلبية احتياجاتهم.

احتجاج المحاضرين

وأغلق محاضرو الـ 19 ألف درجة وظيفية، مبنى مديرية تربية البصرة، احتجاجًا على تأخر حسم ملفهم وتوقيع الأمر الإداري الخاص بهم.

وأكد ممثل المحاضرين، جعفر الأسدي، أنهم يواصلون اعتصامهم منذ 13 يومًا، بعد توجههم إلى بغداد، في ظل غياب الحلول من الجهات المعنية. وأوضح الأسدي أن التصعيد مستمر حتى يتم تحقيق مطالبهم وتوقيع الكتاب الإداري الذي يضمن حقوقهم.

وأكد المحتجون، أنّ إغلاق المبنى يأتي في إطار الضغط على السلطات المحلية والوزارة لإيجاد حلول سريعة لمطالبهم التي طال انتظارها.

قطع أرزاق الكسبة

ونظّم العشرات من أهالي قضاء الهارثة في محافظة البصرة من العاملين في سوق "كرمة علي" وقفة احتجاجية للمطالبة بإيقاف إجراءات ترحيلهم من منطقة السوق ورصيفه.

وقال أصحاب المحلات والبسطات إنهم يواجهون اعتقالات من قبل القوات الأمنية بحجة تجاوزهم على الأملاك العامة. وأشاروا إلى أن سوق "كرمة علي" يعد مصدر رزقهم الوحيد، حيث يعتمدون على عملهم اليومي لإعالة عائلاتهم.

وأوضح المحتجون، أن السوق الذي يعود تاريخه لأكثر من 50 عامًا، يُعتبر مكان عمل مستقر لأصحاب المحلات والبسطات، وطالبوا الحكومة المحلية ومحافظ البصرة بالتدخل لإيجاد حلول عادلة لمشكلتهم.

كما دعا المحتجون إلى إنشاء سوق منظم يتبع البلدية بدلاً من تحويل السوق الحالي إلى مشروع تجاري خاص.

تصعيد في قضاء الصادق

وشهد قضاء الصادق شمالي البصرة تصعيدًا احتجاجيًا جديدًا، في أعقاب استعراض قوة كبيرة من مكافحة الشغب بالقرب من مكان الاعتصام، مما أدى إلى استفزاز المعتصمين واستنفار أبناء القضاء للقيام بحركة احتجاجية رداً على ذلك.

وجاء هذا التصعيد بعد مرور 72 ساعة على إعلان الاعتصام في مقتربات حقل غرب القرنة 1 النفطي، والذي ينظمه خريجو الاختصاصات النفطية للمطالبة بتوفير فرص عمل لهم في القطاع النفطي.

وأكد هيثم المنصوري، منسق حراك الصادق، أن قوة مكافحة الشغب التي وصلت إلى حقل غرب القرنة 1 مزودة بتجهيزات كبيرة من الغاز المسيل للدموع ووسائل أخرى، مشيرًا إلى أنهم يأملون أن تكون هذه القوة لحماية مؤسسات الدولة وليس لقمع المحتجين.

وأضاف أن تصرفات القوة استفزت المعتصمين، مما دفعهم إلى التحول مساء يوم غد من مكان الاعتصام الحالي إلى الموقع السابق أمام المدخل الرئيسي للحقل.

وقال أحد المحتجين، إن الحراك خرج للمطالبة بحقوقه بعد تسعة أشهر من الانتظار دون تحقيق أي نتيجة، مشيرًا إلى أن المهلة الإضافية التي استمرت ثلاثة أيام انتهت دون استجابة من الحكومة.

وأضاف أنه سيتم الدخول إلى المحطة الثامنة للحقول النفطية بشكل سلمي، مرفضين أي تصادم مع القوات الأمنية، مطالبًا بتعاونها مع المحتجين.

من جهته، أوضح متظاهر آخر من أهالي القضاء، وهو خريج هندسة وجيولوجيا، أن مطالبهم بالتعيين بالقرب من حقل غرب القرنة 1 مستمرة منذ أسبوعين دون أي استجابة.

وأكد أنهم قد وحدوا جهودهم مع الحراك الشعبي في القضاء ولن يتراجعوا حتى تحقيق مطالبهم، مشيرًا إلى أن ما يواجهونه هو التسويف والتهميش.

*************************************************

الصفحة الثالثة

مشكلة تتحول إلى ورقة انتخابية تتلاعب بها الأحزاب المتنفذة النازحون يستقبلون عامهم الجديد في مخيماتهم العتيقة

بغداد ـ محمد التميمي

يعد ملف النازحين في العراق من أكثر الملفات تعقيداً واستعصاءً. طالما بقي آلاف العائلات عالقين بين ويلات النزوح وظروف العيش القاسية داخل المخيمات، في ظل غياب اية بوادر واضحة وشاملة لإعادة التوطين أو تأمين العودة الطوعية إلى مناطقهم الأصلية.

ورغم مرور سنوات على انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، لا تزال أسباب عديدة تحول دون حسم هذا الملف، منها تعقيدات الوضع الأمني والخدمي في المناطق المحررة، وغياب التعويضات المناسبة للمتضررين، فضلاً عن النزاعات والصراعات السياسية التي أضفت طابعاً إضافياً من التعقيد.

إلى جانب ذلك، تواجه جهود معالجة أزمة النزوح مشكلة غياب التمويل الكافي، وضعف التنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، ما أدى إلى استمرار معاناة النازحين وتفاقم أوضاعهم المعيشية. كما يبرز دور بعض القوى السياسية في استغلال القضية لأغراض انتخابية، الامر الذي يؤخر الحلول الحقيقية، ويزيد من تعقيد الملف.

ومع كل هذه التحديات، يبقى السؤال الأهم: متى يتم إنهاء هذا الملف الإنساني المرهق لضمان حياة كريمة للنازحين؟

175 مخيما

وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس جيهانكير، أن ملف الهجرة والنزوح يحمل تداعيات كثيرة جداً، ويتطلب تضافر جهود جميع المؤسسات القطاعية.

وأضاف جيهانكير في حديث صحافي، أن "أي خطة للعودة تتطلب التزامات من باقي المؤسسات، مثل قطاع الكهرباء والصحة والتعليم، لتحقيق عودة آمنة تترافق مع توفير الخدمات الأساسية".

وأشار إلى أن "هناك 175 مخيمًا حاليًا، معظمها في كردستان، وأنه من الضروري توفير الخدمات في المناطق المستهدفة لإعادة النازحين"، موضحا أن "مشروعاً لإعادة النازحين بالتنسيق مع الوكالات الدولية قد انطلق في محافظة صلاح الدين، خاصة في منطقة عزيز بلد والمناطق الأخرى، لتحقيق هذا الهدف".

وواصل حديثه الذي تابعته "طريق الشعب"، أن "التحديات التي تواجه إعادة العوائل تتنوع بين التحديات الأمنية، والخدمات، والمشاكل الاجتماعية والعشائرية، وعدم توفر الفرص".

وأكد أن "هذه التحديات يجب أن تُحل لتحقيق عودة آمنة ومستدامة للنازحين".

أين الخلل؟

رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، د. فاضل الغراوي قال ان "ملف النازحين من الملفات المعقدة والإنسانية الشائكة. النازحون في العراق ولفترة زادت على عشر سنوات، تحملوا كما هائلا من المعاناة وما يتعلق بالتداعيات الانسانية لوجودهم في هذه المخيمات، حيث فقدوا الكثير من الجوانب الانسانية، التي لا تتناسب مع قيم الكرامة الانسانية التي يجب ان تقدم لهم".

واضاف قائلاً لـ"طريق الشعب"، إن "الابقاء على المخيمات حتى الان، يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق النازحين، بوجود النزوح ومخيمات النزوح لمرحلة مؤقتة"، مشيراً الى ان "هذا الملف ما زال يمثل نقطة سوداء في موضوعة المعاناة الاساسية التي يتحملها النازحون بوجودهم في هذه المخيمات، التي لا تحميهم او تقيهم من حر الصيف ولا من برد الشتاء".

وعزا الغرواي عدم اغلاق المخيمات وحسم هذا الملف الى "عدة اسباب، منها ادارية واخرى امنية و خدماتية، ومنها اسباب تتعلق بموضوعات جبر الضرر والتعويضات الاقتصادية بالنسبة للنازحين".

وواصل القول ان هناك "مشاكل اخرى، تتعلق بتعدد الادارات الموجودة في هذه المناطق وعدم تفعيل موضوع اتفاقية سنجار، وتعدد القوى الامنية الماسكة للأرض. هذه العوامل كلها اثرت بشكل كبير في مسألة عدم اغلاق المخيمات، رغم ان الدولة العراقية كانت قد حددت شهر تموز الماضي موعدا لاغلاق كل المخيمات، ولكن بسبب عدم اكتمال المنظومة التي تتعلق الاستجابة الاساسية لمتطلبات العودة الطوعية، تم تمديد هذا التوقيت لحين اكتمالها".

واكد ان "استمرار الحال على ما هو عليه، يمثل خرقاً لمسؤولية الدولة في مهامها الاساسية بتحقيق متطلبات العودة الطوعية، كما تمثل استمرارا للمعاناة الاساسية بالنسبة للنازحين، وايضا تمثل اشكالية كبيرة في عدم التعامل مع متطلبات انهاء ملف النزاع واستمرار المشاكل التي تتعلق بما بعد النزاع، وهذا ايضا يعد احد التحديات الاساسية".

وخلص الى القول ان "الخلل الاساسي يكمن في وجود العديد من الاجراءات التي لم تكتمل، وخصوصاً ان هذه الاجراءات تحتاج الى قرارات ادارية، واجراءات مباشرة من الدولة ومؤسساتها، لاكمال متطلبات حث النازحين على العودة الطوعية والتوطين في مناطقهم التي تم تهجيرهم منها".

قرار سياسي

وفي سياق متصل، قال الصحافي الايزيدي ذياب غانم ان "الحكومة العراقية عاجزة عن إعادة النازحين إلى مناطقهم، كون ان بقاء الحال على ما هو عليه مرتبط بقرار سياسي، وان الحكومة العراقية تشكلت عن طريق المحاصصة، وهناك جهات لا تريد عودة النازحين، لأسباب عديدة تتعلق بمصالحهم السياسية".

وأضاف في حديث مع "طريق الشعب"، ان "الحكومة أخفقت، ولا تزال عاجزة عن إقناع هذه الجهات باعادة النازحين، فحتى وزارة الهجرة مثلاً، اوقفت ترويج معاملات العودة الطوعية للنازحين"، مبينا ان "النازحين الان في مخيمات دهوك وزاخو، بانتظار افتتاح دوائر وزارة الهجرة لترويج معاملاتهم".

واشار غانم الى ان "اسباب عدم عودة النازحين سببه الفساد والفائدة المتحققة من بقاء الحال كما هو، وايضاً استثمار الملف سياسياً وانتخابياً، سيما وان النازحين يمثلون ورقة رابحة لبعض القوى التي تستغل معاناتهم، كما ان هناك قوى لا تريد ان تخسر سنجار سياسياً، بدليل ان قضية ادارة سنجار ايضاً تمت عرقلتها لاسباب سياسية".

وبحسب المتحدث، فإن هناك "اتفاقات سياسية خفية بين أحزاب سياسية تجنح لايقاف ترويج عمليات العودة الى سنجار وابقاء الحال على ما هو عليه"، معتقدا أن "النازحين الايزيديين بشكل خاص، تعرضوا لموجة خطابات كراهية وتحريض وتهديد؛ فالكثير منهم اتخذ قرارا بالعودة الى قضاء سنجار باعتباره الافضل".

وأردف أن هناك نازحين لا يمتلكون منازل او مأوى في سنجار، فهم مجبرون على ان ينتظروا حتى يجدون اماكن تأويهم كي يعودوا. وفي هذا الوقت تحديداً اوقفت وزارة الهجرة والمهجرين ترويج معاملات العودة، وتم اجبار النازح على البقاء في الخيمة، بينما عاد بعضهم بدون كتاب عودة".

واختتم غانم حديثه بأن وزارة الهجرة أخلت بوعودها للعائدين الى مساكنهم في سنجار: هناك عوائل نازحة منذ 5 اشهر لم تتسلم منحة العودة وقدرها 4 مليون دينار، وقبلهم ايضا وجبة عادت منذ عام 2017 ولم تتسلم المنحة ايضاً، معللا ذلك بـ"دوافع سياسية خلف ايقاف عملية العودة، فوزارة الهجرة هي المسؤول المباشر المعني بهذا الملف".

********************************************

العراق في الصحافة الدولية

ترجمة وإعداد: طريق الشعب

التطورات في سوريا ومرارات العراقيين

نشر موقع (المنطقة الجديدة) تقريراً حول تطورات العلاقة بين العراق وسوريا، ذكر فيه بأن رئيس مجلس الوزراء قد أكد على احترام بغداد لإرادة الشعب السوري والتزامها بدعم العملية السياسية الشاملة في جارتها الغربية، وذلك إثر أول زيارة قام بها وفد حكومي عراقي رفيع المستوى لدمشق، والتقى فيها بالحاكم الفعلي الجديد للبلاد أحمد الشرع.

وكانت الحكومة العراقية قد كشفت، حسب التقرير، عن قيام الوفد بمناقشة التطورات على الساحة السورية ومتطلبات الأمن والاستقرار على الحدود المشتركة بين البلدين، وإبلاغ الإدارة الجديدة برؤية بغداد فيما يتعلق بالوضع الحالي، وحرصها على التنسيق مع سوريا لضبط الحدود، محّذرة من أن أي اضطراب في سجون سوريا سيدفعها لمواجهة الإرهاب.

قلق بين العراقيين

من جانبها نشرت صحيفة "ديترويت الكاثوليك" الأمريكية تقريراً حول شعور المسيحيين في المنطقة بالقلق مما آلت إليه أوضاع سوريا، رغم التطمينات التي دأبت الإدارة الجديدة في دمشق الإعلان عنها. وأشارت الصحيفة لتصريحات بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق والعالم الكاردينال لويس ساكو، والتي أكد فيها على وجود بعض الخوف بين الناس من التداعيات التي قد يخلفها هذا التغيير في سوريا على العراق، مذّكراً بقيام تنظيم داعش وتنظيم القاعدة قبله، والذي كانت الإدارة الجديدة في دمشق مرتبطة به قبل عقد من الزمان، بطرد نحو 100 ألف مسيحي عراقي حين كانوا مسيطرين على مساحات كبيرة من البلد، وهو ما فعلته في سوريا أيضاً.

تباينات في الرأي

التقرير الثالث الذي نشرته مجلة (The Cradle) حول العلاقة بين البلدين تطرق إلى أن مناقشات رئيس جهاز المخابرات العراقي مع السوريين كانت أمنية وتركزت على ملفات ذات صلة. وبين التقرير بأن هناك تذمرا معلنا من هذه الزيارة لدى بعض حلفاء رئيس الحكومة، الذين يرون فيها استجابة لضغوط أمريكية وخليجية، رغم أن حلفاء آخرين ذكروا بأن الحكومة لم تقرر إرسال مبعوثها، إلا بعد التشاور مع الجميع، ومن أجل تحديد الخطوط الحمراء للسوريين فقط.

قنبلة موقوتة

وذكرت الصحيفة بان وجود 10 آلاف مقاتل من داعش في عشرات المعسكرات المؤقتة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية يعّد قنبلة موقوتة، بسبب خشية العراقيين من احتمال هروبهم أو تهريبهم باتجاه حدودهم، خاصة إذا ما تحققت مخاوف السلطات الكردية السورية ودخلت قواتها في قتال مع الأتراك، أو مع ميليشيات يدعمونها.

حقل ألغام

وفي نفس المجلة كتب خليل حرب مقالاً حول تداعيات ما جرى في سوريا وتأثيراتها على العراق، ذكر فيه بأن العراق برز كنقطة محورية لأزمة إقليمية متصاعدة، رغم عدم اتضاح الصورة لدى العراقيين خاصة  حجم التحديات التي يواجهونها اليوم وامتدادتها الإقليمية، معرباً عن اعتقاده بأن رئيس الحكومة يمضي بحذر شديد، وكأنه يسير في حقل ألغام نشط، فإدارته مثقلة بالضغوط الداخلية والتهديدات الأمنية والديناميكيات الإقليمية في حين تكافح أيضا المطالب الأجنبية.

الدور الإقليمي لبغداد

وتنقل المجلة عن مصدر حكومي قوله بأن العراق يشترك في مخاوفه المتزايدة مع جيرانه العرب من أن يكون الحلقة القادمة في سلسلة زعزعة الاستقرار الإقليمي، خاصة بعد إن بدت واضحة أهداف الهجمات على غزة ولبنان والمتمثلة بكونها جزءًا من استراتيجية غربية واسعة لإعادة تشكيل توازن القوى في غرب آسيا.

وتدفع هذه المخاوف بغداد – حسب المقال – إلى تحشيد عسكري ويقظة على طول الحدود مع سوريا، ومراقبة دقيقة لحشد القوات التركية في منطقة سروج بالقرب من كوباني، ولتوغل القوات الإسرائيلية في الجنوب السوري. كما نقلت المجلة عن خبراء توقعهم أن تقبل بغداد بتمديد فترة بقاء قوات التحالف الدولي في العراق، بل وحتى السماح للأميركيين برفع عددهم لتحسين مراقبة الحدود، لاسيما بعد أن تسربت أنباء عن زيادة هذا العدد في سوريا من 900 إلى 2000 شخص.

وخلص المقال للإستنتاج بأن بغداد لا تريد بسياستها حماية العراق من الفوضى التي تجتاح جيرانه فحسب، بل وأيضًا ترسيخه كقوة استقرار في منطقة مضطربة على نحو متزايد، وهو ما يتطلب الدبلوماسية والقيادة المرنة، فضلاً عن الدفاع الدؤوب عن سيادة العراق ضد الضغوط الجيوسياسية المستمرة.

******************************************

أفكار من أوراق اليسار.. اليسار والحق في الحياة

إبراهيم إسماعيل

غالباً ما تصف تقارير الأمم المتحدة سياسة المناخ التي ينتهجها زعماء العالم بالكلمات الفارغة، فثمة إدانة صارخة لما يجري، وتحذير من مخاطر كبيرة أسوأ من كل ما مرّ في الماضي، إذ تشير أحدث تقارير المنظمة العالمية إلى أن مستوى الغازات المسببة للإنحباس الحراري بات الأعلى في التاريخ، وأن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي زاد بنسبة 11.4 في المائة خلال عقدين، تضاعفت خلالهما أيضاً سرعة ارتفاع معدلات درجات الحرارة.

وعلى الرغم من كل هذا، تنكر الرأسمالية مسؤوليتها عن تدهور البيئة واستنزاف التنوع البيولوجي، وتدّعي بأن برامج حمايتها ستؤثر سلباً على النمو، محددة منظورين لحل المشكلة، يقتصر الأول على الإصلاح الاقتصادي ودعوات أخلاقية للشركات، تحثها على تقليل ضرر نشاطاتها على البيئة، وهي دعوات تمّكن الليبراليون الجدد من هزيمتها والسخرية منها في بلدان عديدة. أما الثاني فيرى بأن التحول الأخضر يحتاج لنفقات ضخمة، لا تتوفر إلاّ عند إسناد الاستثمار فيه إلى رأس المال المالي، وهو منظور كشف عنه مؤتمر COP26، حين أعلن تحالف غلاسكو الذي يسيطر على 130 تريليون دولار (أي ما يعادل 137 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي) عن استعداده لتمويل الحلول، شريطة تقليص دور الدولة في جميع ميادين الخدمات، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، مع تشديد دورها كأداة للسيطرة. ولقد فضحت الوقائع  معالم هذه الخديعة، حين انهمكت السياسات الاقتصادية في أوروبا الرأسمالية بتمويل الحرب في أوكرانيا، ووضعت جانباً التزامات حماية المناخ.

وبالمقابل، يتبنى اليسار بكل أطيافه قضايا البيئة، اتساقاً مع جوهره المتمثل بالدفاع عن الحرية والعدالة والحق في الحياة، ويوسّع من قاعدته الاجتماعية لتضم أغلب حماتها والمدافعين عنها، فيما تدحض برامجه لخفض الانبعاثات، مزاعم البرجوازية بعدم إمكانية الجمع بين زيادة النمو الاقتصادي وبين سياسات المناخ، مؤكداً على أن تجنب أي تأثير سلبي لهذه السياسات على القدرة التنافسية للشركات، يتطلب منها تنازلاً ما عن جشعها بتحقيق أرباح مهوّلة على حساب الكوكب. ومن هذا الصراع، تستنتج أطياف اليسار بأن الخلاص من الكوارث البيئية يستدعي تحديد أولويات الاحتياجات البشرية وإجراء التغييرات المطلوبة في الاستهلاك، بحيث تتم تلبية الاحتياجات الأكثر أهمية على حساب احتياجات أخرى وتقليص التفاوت بين الفقراء والأغنياء وبين الرجال والنساء، وصولاً لمجتمع خال من الاستغلال وضامن لسياسة التكافل والمساواة.

وإلى جانب الاتفاق على هذه الأسس، نجد هناك بعض التباين في تفاصيل الإتجاهات البيئية لليسار، فهناك من هو جذري في دفاعه عن الحضارة ومعاداة الرأسمالية، التي يحمّلها بالكامل المسؤولية عن أزمة المناخ جراء لهاثها المتواصل خلف التراكم والاستهلاك، دون مراعاة التأثير المدمر لهذا اللهاث على الطبيعة. ولذا لا يجد هؤلاء حلاً الاّ بتجاوز الرأسمالية وبناء حضارة ما بعد التراكم، الحضارة المنسجمة مع الطبيعة.

وهناك أطياف أخرى ترى بأن على اليسار أن يوسع من منظوره ولا يتمسك بدوغما الخوف من نهاية العالم، داعية إلى ما تسميه بالثورة الصناعية الخضراء، التي تمنح الدولة سلطة ً أقوى في فرض مشاريع حماية البيئة. وتبقى هذه الأطياف متمسكة بهذا المنظور رغم تراجع دورها بسبب صعود اليمين المتطرف وتقلص الدعم المالي الذي كانت تحظى به سياساتها قبل الجائحة والركود.

وأخيراً، ماتزال بعض أطياف اليسار محط انتقادات حادة لتأخرها في تبني قضية البيئة، بسبب خشيتها من انفراط عقد تحالفاتها المربكة مع يسار الوسط، مما أفقدها الريادة، ومكنّ اليمين، والمتطرف منه بشكل خاص، من سرقة أصوات ناخبيها القلقين.

**************************************

الصفحة الرابعة

{أنابيب الموت} تهدد نهر دجلة ومراقبون يسألون عن مصير الاتفاق المائي مع تركيا؟

بغداد ـ تبارك عبد المجيد

يحذر خبراء ومراقبون من أزمة مياه حادة وتلوث متزايد في نهر دجلة، داعين لحلول مستدامة لضبط إيقاع الموارد المائية في البلاد.

وتقف الحكومة عاجزة امام هذا الخطر الداهم الذي يهدد اهم مصادر الحياة في بلاد الرافدين، حيث يستغيث من سنوات من التجاوزات، الملوثات، وشح المياه وغيرها.

وفي هذا الشأن، يقول الخبير البيئي تحسين الموسوي أن العراق يشهد مستويات مرتفعة من التلوث بسبب رمي المخلفات ومياه الصرف الصحي ومياه البزل في الأنهار، وهو ما أدى إلى تدهور جودة المياه، خاصة في المناطق التي تنحدر جنوب بغداد، حيث تصل المياه إلى درجة عالية من التلوث تجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري أو حتى للاستخدامات الزراعية.

وأكد الموسوي ضرورة اتخاذ إجراءات فورية وعاجلة من قبل الحكومة العراقية، مشدداً على أهمية وضع ملف المياه على رأس أولويات الدولة. وقال: “يجب أن يكون هناك تحرك جاد لإيقاف التدهور الخطير الذي تشهده الموارد المائية في العراق، خاصة مع استمرار الجفاف الذي يهدد الأمن الغذائي والقومي للبلاد”.

واختتم الموسوي بدعوة صانعي القرار، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، إلى تبني استراتيجية شاملة لمعالجة أزمة المياه قبل أن تتفاقم، مشيرا إلى أن المشاريع الجمالية مثل إكساء ضفاف النهر تبقى ثانوية، ما لم يتم حل مشكلة المياه التي وصلت إلى مرحلة خطرة تهدد حاضر ومستقبل العراق.

تراجع الخزين المائي

وقال الخبير البيئي عادل المختار، إن ان العراق يواجه أزمة مياه خانقة، والإيرادات المائية من تركيا منخفضة بشكل كبير، ما أدى إلى تراجع خطير في خزيننا المائي".

وأوضح المختار لـ "طريق الشعب"، أن "العراق يعتمد على تقليل إطلاقات السدود عند وصول مياه كافية من تركيا، لكن هذه السنة كانت مختلفة تماماً، حيث أُجبر العراق على السحب المستمر من خزانه المائي.

وتابع، أن "الخزين المائي انخفض من 21 مليار متر مكعب إلى 13 ملياراً فقط، وهو مؤشر خطير، خاصة ونحن في بداية فصل الشتاء"، مضيفا أن "الوضع قد يتفاقم في حال استمر الجفاف هذا العام، مما يضع البلاد أمام كارثة حقيقية في أشهر الصيف المقبلة، حيث سيستمر استنزاف الخزين المائي".

وأعرب عن استغرابه من غياب جدية التعامل مع هذه الأزمة، متسائلاً: "أين ذهب الاتفاق المائي مع تركيا الذي احتُفي به سابقاً؟ ما فائدته إذا كانت الإطلاقات المائية لا تزال قليلة؟".

واختتم المختار حديثه بالتأكيد على ضرورة التركيز على حلول مستدامة لأزمة المياه التي تهدد الأمن المائي والغذائي للعراق، داعياً إلى إجراءات فورية للتفاوض مع تركيا وضمان حقوق العراق المائية قبل تفاقم الأزمة.

أنابيب الموت

وقال صميم سلام، المختص في مجال البيئة والمياه والتغيرات المناخية، أن نهر دجلة يشهد في الآونة الأخيرة تجاوزات خطرة ومتزايدة، أبرزها ما وصفه بـ”أنابيب الموت”، وهي أنابيب الصرف الصحي التي تصب مباشرة في النهر.

وأضاف لـ"طريق الشعب"، أن هذه الأنابيب تحمل مخلفات سائلة من المدن الصناعية، والمستشفيات، والمعامل، ومعظمها دون معالجة، ما يرفع مستويات التلوث، ويزيد من تركيز العناصر الثقيلة في المياه.

وأشار إلى أن هذه المخاطر تتفاقم بسبب انخفاض منسوب المياه في نهر دجلة وقلة المياه الجارية، ما يؤثر سلباً على صحة المواطنين، خاصة مع ضعف محطات معالجة المياه التي تزوّد المنازل. كما تنعكس هذه الممارسات على الثروة السمكية والأمن الزراعي.

وتابع، أن هناك تجاوزات أخرى تتمثل في الاستثمارات الجائرة التي تؤدي إلى تدمير الصورة البصرية لجرفي نهر دجلة، والتعدي على عمود النهر بطرق مخالفة للقانون، مشددا على أن مثل هذه الممارسات تتنافى مع قانون الري الذي يحظر التعدي على محرمات الأنهار، وهو ما يقع ضمن مسؤوليات وزارة الموارد المائية.

كما دعا سلام وزارة البيئة إلى تكثيف الرقابة على المتجاوزين تطبيقاً لقانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009.

وحذر من خطورة النفايات الطبية السائلة التي تخلفها بعض المستشفيات، في النهر بما فيها “مدينة الطب”، موضحا أن هذه النفايات تحتوي على مواد خطرة تسبب أمراضاً انتقالية بسبب تماسها المباشر مع مياه النهر، داعياً وزارة الصحة إلى متابعة هذه التجاوزات وضمان التخلص الآمن من النفايات الطبية.

وختم صميم بالقول: إن هناك حاجة ملحة لتحديد عمود وقناة نهر دجلة لمنع التجاوزات، وإن إكساء ضفتي النهر بطبقة رصف يمكن أن يكون حلاً فعالاً لتحسين الصورة الجمالية والسياحية للنهر، معتقدا أن لخطوات أبعادا إيجابية على الصحة النفسية للمواطنين، بالإضافة إلى دورها في الحفاظ على الموارد المائية وتقليل التلوث البيئي.

***************************************

وقفة اقتصادية.. من المسؤول عن استمرار أزمة الكهرباء؟

إبراهيم المشهداني

يعاني العراقيون، منذ العام 2003 وما قبلها، من تدهور مريع في أمن الطاقة الكهربائية، وظلوا يعقدون الآمال على النظام الجديد في معالجة الأزمة التي تلاحقهم سنة بعد أخرى وفي كل دورة حكومية، يسمعون التصريحات المتكررة وأكثرها ابهاما. والذي يثير الغضب هو عشرات المليارات التي أنفقت على ما زعم حلا جذريا لأزمة الكهرباء وتوفيرها بما يسد الطلب عليها غير أن ما يسمعه العراقيون من تصريحات تزيدهم حيرة وعجبا، فكل وزير يتقلد منصب الوزارة يلقي باللائمة على من سبقه فمن هو المسؤول إذن؟

أثناء زيارة رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، إلى العاصمة الألمانية برلين في كانون الثاني 2023، وقّع وزير الكهرباء زياد علي فاضل، مذكرة تفاهم جديدة مع شركة سيمنز الألمانية، تستهدف مواصلة التعاون مع الشركة في مجال إصلاح الكهرباء في العراق وتطوير هذا التعاون، حيث أصبحت الشركة فاعلاً أساسياً في هذا القطاع منذ عام 2008. وفي شباط 2023، وقَّعت حكومة السوداني على مذكرات تفاهم جديدة مع شركة جنرال إلكتريك (جي إي) الأمريكية لغرض تطوير المحطات الكهربائية وصيانتها.

أثارت المذكرات مع الشركتين تساؤلات حول البُعد السياسي لهما، خصوصاً في ظل تنافس غير خفي تدخلت فيه أحياناً حكومتا الولايات المتحدة لصالح "جي إي"، وألمانيا لصالح سيمنز، ودار جزءٌ من تلك التساؤلات حول ما الذي يمكن أن تُغيِّره هذه المذكرات في واقع الكهرباء في العراق، نظراً لأن الشركتين تهيمنان على قطاع الكهرباء، في ظل استمرار المشاكل الهيكلية التي تسببت بأزمة الكهرباء.

لقد أنفق العراق 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء ذهب اكثر من نصفها في صورة استثمارات في انشاء محطات توليد جديدة فيما الجزء المتبقي من المبلغ المذكور لأغراض تشغيلية أبرزها الرواتب والوقود  واستيراد التيار الكهربائي من دول الجوار وفقا لهذه الأرقام وخاصة بجانبها الاستثماري، كان بالإمكان انتاج اكثر من 40 ألف ميكا واط بما يكفي لسكان العراق بما فيه  الزيادة الحاصلة بعد عام 2003 والبالغة 25 مليون نسمة غير أن الواقع وحسب تصريحات وزارة الكهرباء فان إجمالي الانتاج وصل إلى 23 ميكا واط وعاد الآن لينخفض إلى 18 ألف ميكا واط نتيجة لعدم التزام الطرف الإيراني بالعقد المبرم حول تزويد العراق الكميات المبرمة في العقد من الغاز والتيار الكهربائي سواء للأسباب صيانية للطرف الآخر أو أية أسباب أخرى فان العراق غير مسؤول عنها. على أن هناك عقودا أخرى مع مصر وكوريا الجنوبية وإيران تتعلق بتزويد العراق توربينات سيمنز وكانت التوربينات مصممة على أساس أن تعمل بالغاز مع أن العقود نصت على استخدامها الخام والوقود الثقيل مما ترتب على هذه المخالفات إطالة ساعات التنظيف والصيانة وما يتبعها من زيادة التكاليف.

وزارة الكهرباء كانت جزءا من المشكلة وتتحمل الجزء الأكبر من الأزمة فلم تكن فقط بخيلة في تجهيز المواطن بما يسد حاجته من الطاقة الكهربائية فقط وإنما ايضا تركته فريسة لجشع أصحاب المولدات الأهلية التي تبتز ما لا يقل عن ثلث دخل المواطن العراقي وأنها رغم ذلك كانت جزءا من الحل، إذ كيف سيكون حال المواطن لو لم تكن هذه المولدات التي يزيد عددها أكثر من 4000 مولدة، موجودة؟ غير أن غياب الرقابة على إدارة عملها من قبل المحافظين كانت السبب في سوء خدماتها فإن محافظة بغداد على سبيل المثال تطلق بين الحين والآخر تعليمات تحدد أسعار الأمبيرية حسب حجم ووقت الخدمات التي تقدمها غير أن أصحابها لم يلتزموا بتعليمات المحافظة بحجة أن الوقود يشترى من السوق السوداء ولم تجهز بالوقود الحكومي وهذ إشكالية أخرى توضع على طاولة المساومات.

إن عمق الأزمة وتفاقمها يتطلب مراجعة شاملة لسياسات الوزارة وإجراءاتها منذ عام 2003 من خلال الابتعاد عن الإجراءات السطحية وضبط إدارة الأموال المخصصة لها عن طريق الابتعاد عن العقود الوهمية والدقة في تقدير قيمها والتعاقد مع الشركات الرصينة بعقود ملزمة والإشراف الحكومي المركزي على عمل الوزارة.

********************************************

شيوعيو البصرة يؤبّنون المناضل محسن ملاّ علي

البصرة - طريق الشعب

احتضنت "قاعة الشهيد هندال" في مقر اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في البصرة، أخيرا، جلسة تأبين للرفيق المناضل محسن ملاّ علي، الذي فارق الحياة قبل نحو عشرة أيام عن عمر قارب 95 عاما، بعد سفر نضالي امتد منذ أربعينيات القرن الماضي.

أدار الجلسة الرفيق الاعلامي باسم محمد حسين، الذي دعا الحاضرين إلى الوقوف دقيقة صمت في ذكرى الفقيد. ثم تحدث عن مزاياه ومسيرته النضالية من اجل "وطن حرٍّ وشعب سعيد".

بعدها قرأ الرفيق مقداد حسين كلمة باسم اللجنة المحلية، تناول فيها بعض محطات مسيرة الفقيد النضالية. أعقبه الرفيق عباس الجوراني بالحديث عن مواقف الفقيد ونضاله في سبيل تحقيق العدالة والمساواة.

ثم قرأ الرفيق سالم محسن كلمة باسم اتحاد نقابات العمّال في البصرة، أشار فيها إلى دور الفقيد في تأسيس النقابات العمالية منذ الخمسينيات وحتى بعد سقوط النظام الدكتاتوري.

فيما قدم الرفيق ماجد قاسم ورقة تطرق فيها إلى خطوات الفقيد وتنقّله بين العراق والكويت وايران ومدن العراق واقضية البصرة ونواحيها، ولقائه بالرفيق الخالد فهد واجتماعاته وسفره مع الرفيق اسطورة النضال سلام عادل. كذلك تطرق إلى لقائه بالزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، وصولاً الى آخر ايام عمره.

وفي الختام عرض مدير الجلسة فيلماّ يتضمن أكثر من خمسين صورة توثق جوانب من حياة الفقيد.

هذا وحضر الجلسة عدد من الرفاق، إلى جانب ابن الفقيد "وسام" وحفيده علي.

********************************************

الصفحة الخامسة

لا كهرباءَ ولا دعمَ حكوميا! فلاحو صلاح الدين يتكبدون خسائر فادحة

متابعة – طريق الشعب

يشكو فلاحون كثيرون في محافظة صلاح الدين من تعرّضهم إلى خسائر فادحة، جراء غياب او ضعف الدعم الحكومي عن القطاع الزراعي، مؤكدين في أحاديث صحفية أن تلك الخسائر دفعت الكثيرين منهم إلى ترك مهنة الأجداد، والهجرة إلى مراكز المدن بحثا عن مهن أخرى تساعدهم في تأمين قوت عائلاتهم.

وتضم صلاح الدين، في أقضيتها ونواحيها، مساحات زراعية واسعة وبساتين كانت تنتج في السابق أصنافا كثيرة من الخضراوات والفاكهة، إضافة إلى المحاصيل الاستراتيجية. أما اليوم، وبفعل أزمة المياه وتراجع الدعم الحكومي وامتلاء الأسواق بالمحاصيل المستوردة، فقد تراجع القطاع الزراعي كثيرا في هذه المحافظة، شأن غيرها من المحافظات الزراعية. 

فلاحون أصبحوا عمّال بناء

في تقرير متلفز عرضته وكالة أنباء "السومرية نيوز"، يذكر أحد  الفلاحين أن أكثر زملائه بدأوا يتركون الريف ويتوجهون إلى المدن بحثا عن فرص عمل بديلة، بعد تعرضهم إلى خسائر فادحة جراء تدهور التيار الكهربائي وعدم حصولهم على وقود مدعوم لتشغيل مضخاتهم الزراعية.

ويؤكد أن "الكثيرين من الفلاحين تركوا الزراعة واشتغلوا عمال بناء، وأن أراضي زراعية واسعة في المحافظة أصبحت جرداء بعد أن هجرها أصحابها".

فيما يذكر مزارع آخر، أن صلاح الدين كانت تشتهر بإنتاج محاصيل كثيرة تصل إلى أسواق مختلف محافظات البلاد، معربا عن أسفه لتراجع الواقع الزراعي في المحافظة بسبب غياب الدعم الحكومي. ويلفت إلى أن هناك محاصيل عديدة تُزرع في صلاح الدين بوفرة، لا تزال تدخل إلى البلاد عبر أبواب الاستيراد، ما يضع المنتج المحلي في مواجهة منافسه المستورد الذي يباع بسعر أقل بسبب انخفاض تكاليف الإنتاج في الدول الموردة، وبالتالي يتعرض الفلاح المحلي إلى خسائر طائلة.

ويؤكد أن انتاج البطاطا وفير هذا الموسم، حيث يباع الكيلوغرام منها في "العلوة" بـ400 دينار، وبالرغم من ذلك لا تزال البطاطا المستوردة تدخل إلى السوق العراقية.

أزمة الكهرباء تفاقم التعقيد

وبعد أزمة المياه التي أنهكت العملية الزراعية في عموم البلاد، جاءت أزمة الكهرباء لتزيد الأمر تعقيدا. إذ لم يعد الفلاحون قادرين على تشغيل مضخاتهم الزراعية التي تعمل بالطاقة الكهربائية، بسبب تدهور الكهرباء وانخفاض ساعات تجهيزها بشكل كبير. أما المضخات التي تعمل بالوقود، فهذه أيضا بات من الصعب على الفلاحين تشغيلها، نظرا لارتفاع سعر الوقود في السوق السوداء -  حسب ما يؤكده عديد من الفلاحين.

وينوّه الفلاحون إلى أن كلف الإنتاج العالية تفرض عليهم زيادة أسعار محاصيلهم، بالشكل الذي لا يناسب القدرة الشرائية للمواطنين، ومعظمهم من ذوي الدخل المحدود، مبينين أنهم يتحملون تكاليف كبيرة في شراء البذور والاسمدة وغيرها من متطلبات العملية الزراعية.

الفلاحون عاجزون عن شراء "الكاز"

رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في صلاح الدين، مؤيد الوسمي، يقول في حديث لـ"السومرية" أن الفلاح يواجه صعوبة في الحصول على "الكاز"، الذي وصل سعر البرميل منه في السوق السوداء إلى 200 ألف دينار، وهذه الكمية لا تكفي لتشغيل المضخة سوى لـ"رية واحدة"، مشيرا إلى ان الفلاحين معظمهم يعانون ظروفا اقتصادية صعبة، ما يجعلهم عاجزين عن شراء الوقود.

وينوّه ان "زراعة الحنطة ستعرض الفلاحين إلى خسائر كبيرة. فالبذور لا تزال على وجه الأرض، لم تنبت حتى الآن بسبب شح المياه، ونحن مقبلون على شهر كانون الثاني"، مرجّحا انخفاض انتاج القمح هذا الموسم بشكل واضح، وبالتالي تعرض المزارعين إلى خسائر فادحة.

وفي ما يخص الأسمدة، يلفت الوسمي إلى ان "سعر طن سماد اليوريا الذي يتسلمونه من الدولة، يصل إلى 630 ألف دينار، بينما يبيعه التجار في السوق بحدود 610 آلاف دينار، بفارق سعر أقل من الدولة"!

*******************************************

حصة وقود المولدات لا تكفي الظلام قد يلف بعقوبة مطلع العام الجديد!

متابعة – طريق الشعب

لوح أصحاب المولدات الأهلية في مدينة بعقوبة، بإطفاء مولداتهم في اليوم الأول من العام الجديد، بسبب عدم كفاية حصصهم من الوقود الحكومي، في ظل انقطاع الكهرباء لنحو 16 ساعة في اليوم، مقابل تجهيزهم بـ20 لترا من الوقود لكل "كي في" واحد.

جاء ذلك في تظاهرة نظمها العشرات منهم، الأحد الماضي أمام مبنى القائم مقامية. وطالبوا فيها بزيادة حصة الوقود.

ردام هلال، أحد أصحاب المولدات، طالب في حديث صحفي بتزويده بحصة من الوقود تكفي لتشغيل المولدة خلال ساعات انقطاع الكهرباء الوطنية، مبينا أن "20 لترا لكل (كي في) واحد، غير كافية. إذ يتطلب منا تشغيل مولداتنا من 12 ظهرا حتى 12 ليلا. لذلك أن الكاز الذي نتسلمه من الحكومة لا يكفينا أكثر من 10 أيام، وبالتالي علينا أن نشتري وقودا إضافيا للـ20 يوما المتبقية".

وأوضح أنهم يتكبدون مصاريف كثيرة، تذهب إلى الضرائب وتجديد الإجازة الذي يكلف 6 ملايين دينار.    

من جانبه، قال رئيس رابطة المولدات في بعقوبة وسام الشمري، أنه "في ظل أزمة الكهرباء، يجب على الحكومة ان تدعمنا لنتمكن من توفير الكهرباء للمواطن"، مشيرا إلى ان "المولدات تعمل يوميا من 9 إلى 10 ساعات، وهذا شبيه بمعدل التشغيل الصيفي".

وتابع قوله: "في الصيف يكون سعر الأمبير 10 آلاف دينار، ويحصل صاحب المولدة من الدولة شهريا على 40 لترا لكل (كي في). أما الآن فالتسعيرة تبلغ 8 آلاف دينار للأمبير، وكمية الوقود التي توفرها الدولة 20 لترا لكل (كي في)".

وأكد الشمري أن "أي جهة نذهب إليها لنشتكي، تقول ان الموضوع ليس من اختصاصي"!

أما كريم العبيدي، وهو أيضا صاحب مولدة، فلفت إلى ان "سعر برميل الكاز الحكومي 90 ألف دينار، ومجموع حصتنا ما بين 10 إلى 15 برميلا شهريا. في حين نحتاج إلى 70 برميلا في الشهر"، مشيرا إلى ان "الوقود التجاري شحيح، وسعر البرميل منه يصل إلى 160 ألف دينار".

ونوّه العبيدي إلى ان "أزمة الكهرباء الحالية أثرت علينا بشكل كبير، ومنعتنا من تعويض خسائر الصيف. فصاحب المولدة يأمل دائما في فصل الشتاء تعويض الخسائر التي يتكبدها في الصيف، وإراحة مولدته"، مؤكدا أنهم سيضطرون إلى إطفاء مولداتهم مطلع السنة الجديدة، في حال عدم زيادة حصصهم من الوقود.

ووفقا لوسام أحمد، وهو ممثل عن أصحاب المولدات، فإن بعقوبة تضم نحو 660 مولدة أهلية، مشددا على أهمية توفير وقود كاف لتشغيل تلك المولدات بالشكل المطلوب.

***************************************

بسبب أزمة الكهرباء آلاف الدوانم الزراعية مهددة بالهلاك في السماوة!

متابعة – طريق الشعب

يعاني المزارعون في بادية السماوة أزمة جديدة تهدد محاصيلهم الزراعية بالهلاك، سببها تدهور التيار الكهربائي وعدم قدرتهم على تشغيل مضخات السقي.

ووفقا لمزارعين، فإن آلاف الدوانم الزراعية مهددة بالموت عطشا، مبينين أن الكهرباء تنقطع عنهم نحو 18 يوما، وتعود فترة 5 أيام بصورة متذبذبة، ما يصعب عليهم ري أراضيهم بشكل كامل.  المزارع كريم آل مهيدي، قال في حديث صحفي أن "آلاف الدوانم من مزارعنا مهددة بالهلاك بسبب انقطاع الكهرباء وقلة المياه، مشيرا إلى ان لديه نحو 100 دونم ماتت بسبب عدم وصول المياه إليها بشكل صحيح "لأن السقي عندنا يتم وفق نظام المراشنة، وهذا النظام يحتاج إلى كهرباء مستمرة تتيح تشغيل المضخات لحين ري الأرض كاملة". 

وأكد أن "الكهرباء تصلنا 5 أيام فقط كل 18 يوما"، مشيرا إلى ان "نظام المراشنة لم يُطبق عندنا بالشكل الصحيح. فالمطلوب هو تشغيل الكهرباء 4 أيام وقطعها 4 أيام، وهكذا، إلا ان ما يحصل لدينا هو تكرار انقطاع التيار خلال فترة تجهيزه، وأحيانا يأتينا بفولتية منخفضة لا تساعد على تشغيل المضخات. وهذه المشكلة تسببت أيضا في تلف مضخاتنا". ولفت آل مهيدي إلى ان المزارعين في بادية السماوة يرفضون نظام "المراشنة"، كونه تسبب في هلاك مزارعهم. وانهم يطالبون بمد شبكة كهرباء جديدة، وتوفير محولات إضافية.

من جانبه، قال مدير كهرباء المثنى مازن الزهيري، أنه "سجلنا العديد من شكاوى المزارعين حول مشكلة الكهرباء، حيث يعانون خسائر في محاصيلهم"، مضيفا في حديث صحفي أن "أزمة الكهرباء مشكلة رئيسة في جميع أنحاء البلاد. ونحن نتسلم حصتنا الكهربائية من بغداد ونقوم بتوزيعها على عموم المحافظة، حيث يحصل المزارعون على حصة كبيرة منها". وأشار إلى انه "في هذا الموسم فوجئنا بإضافة عدد كبير جداً من المحولات في المناطق الزراعية. فعلى سبيل المثال، المنطقة التي كانت تحصل على حصة من 20 مولدة في الموسم الماضي، نجدها هذا الموسم تضم أكثر من 100 محولة. لذلك ان هذه الزيادة في عدد المحولات تشكل ضغطاً على الطاقة المتاحة، ما يقلل من الحصص ويضعف الفولتية". وأكد الزهيري أنه "ضمن مشاريعنا القادمة، سنعمل على مد شبكات كهرباء جديدة ومحولات لتوفير الطاقة الكهربائية لمزارع البادية.. نعد المزارعين بتحسن الوضع".

*******************************************

في الحلة عمال النظافة يعملون تحت برد قارس

متابعة – طريق الشعب

رغم أجواء الشتاء الباردة، خاصة في ساعات المساء والليل، يخرج عمال النظافة في مدينة الحلة متحدين قسوة الطقس لينظفوا شوارع مدينتهم. فيما يأملون من المواطنين التعاون معهم عبر إيداع النفايات في الحاويات المخصصة لها وليس على الأرض!

ونشرت وكالات أنباء صورا لعمال ينظفون الشوارع وسط الضباب وتحت درجات حرارة منخفضة.

وفي حديث صحفي، ذكرت مسؤولة شعبة الإعلام في بلدية الحلة وداد العبادي، أن "العمال يبدأون عملهم في الساعة الثامنة مساء، ويواصلون العمل في الأجواء الباردة بهدف تنظيف مدينتهم"، مشيرة إلى ان "هناك 700 عامل نظافة يعملون في مدينة الحلة".

فيما لفتت إلى أن "أبرز المعرقلات التي يواجهها العمال، هو عدم تعاون المواطنين معهم. فهناك من يرمي النفايات بصورة عشوائية"، مضيفة قولها: "كذلك هناك ستوتات وقلابات أهلية تعمل في نقل النفايات، تقوم بقلب أحمالها في الساحات العامة وعلى الأرصفة".

ويأمل عمال النظافة من المواطنين التعاون معهم، وعدم رمي النفايات في غير أماكنها.

****************************************

الرمادي أهالي الحوز يشربون مياها ملوثة بمواد كيمياوية!

متابعة – طريق الشعب

تشهد منطقة الحوز في مدينة الرمادي كارثة بيئية خطيرة، متمثلة في انتشار ملوثات بيولوجية وكيميائية في مياه الإسالة المركزية، التي تصل إلى منازل المواطنين.

ووفقا لما نقلته وكالة أنباء "شفق نيوز" عن الخبير البيئي والاختصاصي في شؤون المياه، طه الجنابي، فإن "مشكلة تلوث مياه الإسالة المركزية في مدينة الرمادي ومنطقة الحوز، تمثل تهديدًا مباشرًا لصحة السكان والبيئة على حد سواء"، مبينا أن سبب التلوث هو "عدم صيانة شبكة الأنابيب بشكل دوري، وعدم إجراء فحص طبي للمياه، فضلا عن تصريف مياه المجاري بشكل عشوائي في الأنهار".

وأضاف قائلا أن "التلوث الحالي يتسبب في أضرار واسعة تشمل الأمراض البكتيرية مثل الكوليرا والتيفوئيد والإسهال الحاد"، مبينا أن "هناك أمراضا فيروسية خطيرة قد تنتقل عبر المياه الملوثة، ومنها التهاب الكبد الفيروسي A".

وتابع الجنابي قوله: "كذلك هناك أمراض طفيلية مثل الجيارديا والدودة الشريطية، التي تسبب اضطرابات هضمية وضعفا في المناعة، إضافة إلى التسمم الكيميائي، وهذه كلها ناتجة عن تلوث المياه بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق، فضلاً عن المركبات السامة كالنترات والنتريت، التي تؤثر بشكل كبير على الكبد والكلى والجهاز العصبي".

ورأى أن "الحلول تتطلب تدخلًا عاجلًا لإعادة تأهيل شبكات المياه، وتطبيق معايير صارمة للصحة والسلامة، بالإضافة إلى محاسبة الجهات المسؤولة عن هذا الإهمال"، مشددا على "ضرورة توعية المواطنين بخطورة استخدام مياه الإسالة الملوثة، وحثهم على استخدام مصادر مياه بديلة حتى يتم حل المشكلة جذريا".

******************************************

تكريت تحويل مكب نفايات  إلى متنزه

متابعة – طريق الشعب

شهدت مدينة تكريت مساء أول أمس الأحد، افتتاح "متنزه الأنواء الجوية" على أرض مساحتها 5 دوانم، كانت سابقا مكب نفايات.

في حديث صحفي، قال مدير البلدية نصيف جاسم، أن "هذه المساحة الخضراء الجديدة التي تقع عند مدخل المدينة الجنوبي، نفذتها دائرتنا"، مبينا أن "المتنزه أنجز بتصاميم هندسية حديثة".

واشار إلى ان "خطتنا لعام 2025، تتضمن زيادة المناطق الخضراء في المدينة، وترتيب المتنزهات القديمة"، لافتا إلى انه "بعد فترة سيتم افتتاح متنزه آخر كبير في منطقة الكفاءات".

من جهته، قال معاون مدير البلدية محمود العجيلي، أن "العمل في المتنزه بدأ منذ أيار الماضي، بعد أن كانت هذه الأرض مكب نفايات"، مشيرا إلى ان "المتنزه أثث بمقاعد خشبية ومجسمات حيوانات مضاءة".

****************************************************

الصفحة السادسة

الصحة العالمية تطالب بوقف الهجمات على المستشفيات في القطاع 451 يوما على العدوان.. الأطفال يموتون برداً وجيش الاحتلال يواصل ارتكاب المجازر

متابعة ـ طريق الشعب

كثف جيش الاحتلال الصهيوني قصفه المدفعي على مناطق متفرقة في القطاع، مواصلاً تدمير المباني السكنية في محافظة الشمال، في ظل تصعيد حملات التطهير العرقي في اليوم الـ 451 للعدوان المستمر على غزة،

في هذه الأثناء، يواصل النازحون الفلسطينيون في أنحاء قطاع غزة قضاء ليال عصيبة، إذ غمرت مياه الأمطار خيامهم، في حين تسببت الرياح العاتية في تمزق أجزاء منها أو تطايرها بالكامل. ويأتي هذا في وقتٍ تعرضت فيه هذه الخيام للاهتراء نتيجة أكثر من 15 شهراً من الإبادة المتواصلة.

التطورات الأمنية والسياسية

وفي المقابل، اعترف جيش الاحتلال بمقتل أحد جنوده وإصابة اثنين آخرين بجروح في شمال القطاع، مشيرًا إلى أن أحد المصابين هو ضابط حالته خطرة. وبهذا يرتفع عدد قتلى جيش الاحتلال إلى 40 جندياً خلال العملية الأخيرة في منطقة جباليا.

على الصعيد السياسي، قال القيادي في حركة حماس أسامة حمدان إن الحركة أظهرت أقصى درجات المرونة في مفاوضات تبادل الأسرى، إلا أنه أشار إلى أن إسرائيل تستمر في نقض اتفاقاتها في كل محطة من محطات التفاوض، رافضةً الانسحاب الكامل من القطاع.

وأعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، أمس الاثنين، استشهاد 4 معتقلين من قطاع غزة بالسجون الإسرائيلية، ليرتفع بذلك عدد الشهداء إلى 5 خلال الـ 24 ساعة الأخيرة.

الغاية من استهداف المستشفيات

من جانبها، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن إغلاق مستشفى "كمال عدوان" يعد جزءا من إستراتيجية إسرائيلية تهدف إلى إخلاء منطقة شمال قطاع غزة بالكامل من المدنيين.

ونقلت الصحيفة عن الجيش الإسرائيلي تأكيده أنه لن يسمح بإعادة تشغيل مستشفى كمال عدوان. كما أشارت إلى أن الجيش قام -خلال عملياته في جباليا– بقطع الاتصال بين مدينة غزة ومنطقة شمال القطاع.

وقالت الصحيفة إنه على الرغم من نفي الجيش ارتباطه بما يُعرف بـ "خطة الجنرالات"، فإن الواقع يظهر تنفيذ أجزاء منها بالفعل.

طالب مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، بوقف الهجمات على المستشفيات في قطاع غزة بعد أن قصفت "إسرائيل" مستشفى الأهلي العربي "المعمداني" ومستشفى الوفاء، وداهمت مستشفى كمال عدوان واعتقلت مديره حسام أبو صفية خلال الأيام الماضية.

وقال غيبريسوس، في منشور على منصة "إكس" "لقد أصبحت المستشفيات في غزة مرة أخرى ساحات للمعركة، والمنظومة الصحية تحت تهديد خطير".

وأضاف "نكرر: أوقفوا الهجمات على المستشفيات. الناس في غزة يحتاجون إلى الوصول إلى الرعاية الصحية. العاملون في الخدمات الإنسانية يحتاجون إلى إتاحة المجال لهم لتقديم المساعدات الصحية. أوقفوا إطلاق النار!".

وأوضح أن المنظمة وبالتعاون مع شركائها قامت بتسليم الإمدادات الطبية الأساسية والغذاء والماء إلى المستشفى الإندونيسي، مشيرا إلى أنه تم نقل 10 مرضى في حالة حرجة إلى مستشفى الشفاء، لكن قوات الاحتلال قامت باحتجاز 4 مرضى أثناء نقلهم، داعيا سلطات الاحتلال إلى ضمان احترام احتياجاتهم الصحية، وحقوقهم.

كما طالب بضرورة الإفراج عن مدير مستشفى كمال عدوان الدكتور حسام أبو صفية الذي لا يعرف مكان وجوده.

الأطفال يموتون برداً

وبشأن معاناة الأطفال، توفي أمس الاثنين سادس طفل في غزة جراء البرد القارس الذي يعاني منه النازحون في الخيام، وهو توأم الطفل الذي فارق الحياة أمس الأول الأحد.

وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" بأن الرضيع علي البطران، البالغ من العمر شهراً واحداً، توفي بعد ان سبقه توأمه جمعة الذي توفي أمس الأول الأحد بسبب البرد في خيمة بمنطقة "دير البلح" وسط قطاع غزة.

وفي الأيام الماضية، تم توثيق وفاة أربعة أطفال حديثي الولادة نتيجة انخفاض درجات الحرارة الشديد، في ظل الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة من قبل الكيان الصهيوني.

وبحسب المصادر المحلية، فإن انعدام الأمن الغذائي بين الأمهات أدى إلى ظهور حالات مرضية جديدة بين الأطفال، مما يزيد من تفاقم الوضع الصحي في ظل الظروف المأساوية التي تمر بها المنطقة.

فيما تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي لليوم الـ 451 على التوالي شن مئات الغارات برا وبحرا وجوا، وتنفيذ جرائم ضد المدنيين في مختلف أنحاء قطاع غزة، وارتكاب مجازر دامية، في وقت يعاني فيه القطاع من حصار خانق ونزوح أكثر من 90 في المائة من السكان.

وقتل الاحتلال الصهيوني أكثر من 45 ألفًا و514 شهيدًا، أغلبهم من النساء والأطفال، فيما أصيب أكثر من 108 آلاف و189 آخرين، ولا تزال الحصيلة غير نهائية، إذ لا يزال العديد من الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات، في وقت تعجز فيه طواقم الإسعاف والإنقاذ عن الوصول إليهم بسبب استمرار القصف، وقيود مشددة على دخول الوقود والمساعدات الإنسانية الحيوية التي من شأنها تخفيف الوضع الإنساني الكارثي في القطاع.

*********************************************

الكيان يتمدد في اتجاه سوريا ويفكر بالبقاء في لبنان

دمشق ـ وكالات

توغل جيش الاحتلال الإسرائيلي، في عمق مدينة القنيطرة جنوبي سوريا، أمس الاثنين، وإن الدبابات تحاصر مباني حكومية هناك، وتطالب بإخلائها.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن قوات الاحتلال اقتحمت مدينة البعث في القنيطرة، وقامت بالتقدم بالدبابات باتجاه عدة منشآت حكومية، بما في ذلك مديرية التموين، والمصرف العقاري، والمخبز الآلي، تحت ذريعة إجراء عمليات تفتيش.

وأكد أن قوات الاحتلال قامت بطرد الموظفين من المباني الحكومية، حيث تم طردهم من مكاتبهم دون تقديم أسباب واضحة لهذه الإجراءات، وفي الوقت نفسه، منعت الموظفين من العودة إلى أماكن عملهم، مما أثار استياءً واسعاً بين المدنيين الذين اعتبروا أن هذه الإجراءات تأتي في إطار التوسع العسكري الإسرائيلي في المنطقة، عقب سقوط نظام الأسد.

وكانت قوات الاحتلال رفعت قبل ثلاثة أيام العلم الإسرائيلي على مبنى في مدينة البعث في محافظة القنيطرة، وأنشأت ساترا ترابيا في محيط المدينة.

على صعيد متصل، انسحبت قوات الاحتلال من قرى جملة والشجرة وبيت قره وكويا ومعرية وصيدا في ريف ‎درعا الغربي بعد أن دخلت القرى وأجرت عمليات تفتيش في المنازل، وتمركزت القوات الإسرائيلية في القرى المحاذية للشريط الحدودي في القنيطرة وفي جبل الشيخ.

على الجانب الاخر، قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" الصهيونية، إن الاحتلال يدرس البقاء في جنوب لبنان لمدة تتجاوز الـ 60 يوما المتفق عليها في اتفاق وقف إطلاق النار.

وأضافت الصحيفة: "إسرائيل، إمكانية بقاء قوات جيشها في بعض نقاط السيطرة في جنوب لبنان، حتى بعد مرور 60 يوما المنصوص عليها في الاتفاق، كموعد من المفترض أن يكمل فيه الجيش الإسرائيلي انسحابه من لبنان إلى خط الحدود الدولية".

******************************************

كوريا الجنوبية توقف العمل بطراز الطائرة المنكوبة

سيؤول ـ وكالات

أصدرت هيئة الطيران الكورية الجنوبية أمرا بوقف طيران جميع الطائرات من طراز بوينغ 737-800 وإجراء فحوص سلامة عليها للتأكد من عدم وجود خلل في تصنيعها يتعلق بالآلية الهيدروليكية لإنزال العجلات، وذلك بعد مقتل 179 شخصا في كارثة تحطم طائرة من هذا الطراز أثناء عودتها من تايلند في مطار موان الدولي.

وقال "جو جونغ-وان"، رئيس مكتب سياسة الطيران في وزارة النقل الكورية الجنوبية إن "هناك 101 طائرة من طراز "بوينغ 737-800" تعمل حاليا في كوريا الجنوبية. لذلك، فإنّنا ندرس إجراء عمليات تفتيش خاصة لهذا الطراز تحديدا".

وفي سياق متصل، نقلت وكالة رويترز أن القائم بأعمال رئيس كوريا الجنوبية "تشوي سانج-موك" قد أمر بإجراء فحص طارئ لمنظومة تشغيل الطائرات في البلاد.

ولقي أمس الاول الأحد 179 شخصا مصرعهم في تحطّم طائرة أثناء هبوطها في مطار "موان آتية" من بانكوك وعلى متنها 181 شخصا، في حادث لم ينج منه سوى شخصين.

واندلعت النيران في الطائرة التي كانت تقل 181 شخصا بعد أن انحرفت عن المدرج مباشرة بعد الهبوط واصطدمت بحاجز.

وفي حادثة أخرى أضافت مزيدا من القلق في كوريا الجنوبية، ذكرت وكالة يونهاب للأنباء أن طائرة ركاب تابعة لشركة الطيران جيجو الكورية الجنوبية تعرضت لمشكلة في عجلات الهبوط بعد إقلاعها من مطار جيمبو في سول في طريقها إلى مدينة جيجو.

***********************************************************

طالبان تأمر بإغلاق النوافذ أمام النساء

كابول ـ وكالات

أمر زعيم حركة طالبان الملا هبة الله أخوند زاده، بإغلاق النوافذ التي تطل على أماكن تجلس فيها النساء الأفغانيات والتوقف عن بنائها.

ونشر المتحدث باسم حكومة طالبان، بيانا على منصة إكس قال فيه إن المباني الجديدة يجب ألا تحتوي على نوافذ يمكن من خلالها رؤية "الفناء أو المطبخ أو البئر أو الأماكن الأخرى التي تستخدمها النساء عادة".

كما أضاف في البيان الذي نشرت مقاطع منه باللغات العربية والداري والباشتو أن "رؤية المحل الذي هو مقر النساء كالمطبخ وباب البئر وصحن الدار يعد ضررا فاحشا".

وسيتعين على مجلس البلدية والخدمات الأخرى ذات الصلة مراقبة مواقع البناء للتأكد من عدم إمكان رؤية منازل الجيران، بحسب النص.

كذلك نص المرسوم أيضا أنه في حال وجود مثل هذه النوافذ المواجهة، فإن أصحاب المنازل مدعوون إلى بناء جدار أو حجب الرؤية، "لتجنب الإزعاج الذي يسببه للجيران".

وخلال السنوات الثلاث التي أعقبت عودتها إلى السلطة بعد خوضها تمردا استمر 20 عاما، عزّزت حكومة طالبان قبضتها على البلاد، وفرضت قوانين متشددة تستند إلى تفسيرها الصارم للشريعة.

كما حظرت على النساء خصوصا إسماع أصواتهن خارج منازلهن، وفرضت عليهن تغطية أجسادهن ووجوههن بالكامل إذا "اضطررن" للخروج، في قرارات أثارت قلقا كبيرا بين العديد من الأفغان والمدافعين عن حقوق الإنسان، فضلا عن الدول الغربية.

كذلك أقفلت المدارس الثانوية والجامعات بوجه الفتيات والطالبات.

***********************************************

القضية الكردية في تركيا.. بين دعوات الحل وتعنت المستبدين

رشيد غويلب

أدى سقوط نظام الأسد، ووصول جماعات إسلامية متطرفة إلى السلطة ولو مؤقتا، إلى تصاعد التوتر على الحدود السورية التركية واندلعت معارك بين المجموعات الإرهابية المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية. وأعلن مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من سجنه في تركيا، عن استعداده لإطلاق دعوة تاريخية، وفق مفهومه "الأمة الديمقراطية"، الذي يعني قيام دولة ديمقراطية في تركيا تعترف بحقوق القوميات والمجموعات الثقافية، وتلبي حاجات الأكثرية.  وفي رسالة أصدرها أوجلان من عقب لقاء بنواب وقيادات بارزة من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب المؤيد للأكراد، شدد أ على أن المرحلة تستوجب الجنوح إلى السلام وتفرض استعجال الحل.

في المقابل وفي وقت سابق دعا الرئيس التركي أردوغان مسلحي القوات الكردية في سوريا إلى إلقاء أسلحتهم وإلا سيُدفنون معها..

فهل ستنجح دعوة أوجلان في الوصول إلى حل سلمي للقضية الكردية في تركيا، مستفيدا من ضغط حلفاء ومنافسي تركيا في الهيمنة على سوريا؟ وهل سيصب ذلك في مصلحة الإدارة الذاتية التي يقودها الكرد شرقي الفرات في سوريا؟

حبس انفرادي

منذ اختطافه عام 1999، ظل عبد الله أوجلان محتجزاً في الحبس الانفرادي في سجن جزيرة إمرالي في بحر مرمرة. لكن ذلك لم يضعف تأثيره السياسي، داخل حزب العمال الكردستاني، في مجريات صراع الكرد مع حكومة اردوغان لنيل حقوقهم المشروعة. وجذبت زيارة أعضاء البرلمان لأوجلان يوم السبت، والتي وافقت عليها وزارة العدل لأول مرة منذ قرابة عشر سنوات، الكثير من الاهتمام. لقد وصفت النائبتان سيري ثرية أوندر وبرفين بولدان الحوار مع اوجلان بـ "المحادثات الشاملة حول حل دائم للمسألة الكردية والتطورات الحالية في الشرق الأوسط". لقد " تحدث أوجلان لصالح تعزيز الأخوة التركية الكردية مرة أخرى. وان الأحداث في غزة وسوريا أظهرت أن حل المشكلة التي تتفاقم بسبب التدخلات الخارجية لم يعد من الممكن تأجيله. وأحد أهم الأماكن لعملية الحل هو البرلمان.

تأثير المتغيرات في المنطقة

وكان بولدان وأوندير قد شاركتا بالفعل في المحادثات بين أوجلان وممثلي الدولة بين عامي 2013 و2015. وقد تم إلغاء عملية الحوار، التي كانت جارية، في ذلك الوقت من قبل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي فضل الاعتماد على التحالف مع حزب الحركة القومي التركي الفاشي باعتباره مؤيد الأغلبية. والغريب ان زعيم الحزب المذكور دولت بهجلي، هو الذي كسرفي تشرين الأول 2024 المحظور، عندما اقترح، بدعم من أردوغان، دعوة أوجلان إلى البرلمان ليعلن انهاء الكفاح المسلح، ارتباطا بما يشهده الشرق الأوسط من متغيرات على خلفية حرب الإبادة ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني وسقوط حكومة الأسد في سوريا، والضغط الأمريكي الاسرائيلي لفرض ما يسمى "بالشرق الأوسط الجديد"، يبدو أن الحكومة التركية تأمل في توظيف تأثير وجلان لاستعادة الهدوء على جبهة حربها ضد الشعب الكردي. وقد أوضح أوجلان الآن استعداده من حيث المبدأ العمل على "نموذج جديد" للسلام والديمقراطية لأنه يتمتع بالكفاءة والتصميم على تقديم مساهمة إيجابية تجاه مبادرة بهجلي وأردوغان.

من جانبهما اكدت النائبتان من حزب "الديمقراطية والمساواة للشعوب"، سيري ثرية أوندر وبرفين بولدان ان "أوجلان كلفنا بمهمة لالتقاء مع المعارضة ونحن سنؤدي هذه المهمة" وأضافت بولدان أنها ستعاود زيارة أوجلان رفقة أوندر عقب الانتهاء من اللقاءات والاتصالات التي سيجرونها".

*********************************************

الصفحة السابعة

عام 2024 استمرار للأزمات والحروب والاستحقاقات الديمقراطية

د. علي مهدي

شهد عام 2024 عددا كبيرا من الأحداث والمواقف، فاستمرت الحروب والأزمات وكانت هناك أيضا أكبر استحقاقات انتخابية في العالم.

فقد استمرت الحرب الروسية الأوكرانية دون أي حسم للصراع العبثي بين الدولتين والتي أريد لها أن تكون مستنقع للقوات الروسية عبر استنزاف موارد روسيا وامكانيتها البشرية وبالتالي إبعادها من حلبة المنافسة العالمية.

 وكذلك تصاعد الصراع في منطقة الشرق الأوسط الذي ابتدأت شرارته في السابع من تشرين الأول 2023 في غزة، وقد حُسم الكثير منها لصالح المشروع الأمريكي الإسرائيلي والذي توج بانهيار نظام بشار الأسد في سوريا، على حساب تلاشي أثر مشروع الهلال الشيعي وما يسمى بوحدة الساحات المدعوم من إيران، وفقدان روسيا موطئ قدم مهم في مياه المتوسط الدافئة، وتحقيق تركيا ما كانت تخبئه في المنطقة.

استمرت الحرب الأهلية في السودان دون بصيص أمل بإنهائها سلميا، مع وجود معاناة إنسانية واسعة، تضمنت وفاة الآلاف من الأشخاص، ونزوح الملايين، بينما فشلت الجهود العربية والدولية في التوصل إلى حلول تجبر طرفي الصراع على إيقاف الصراع المسلح.

وما يميز عام 2024 عن الأعوام الأخرى يعتبر عام الانتخابات الأكبر فقد شارك 4.5 مليار شخص في 80 دولة في تحديد قيادات دولهم من خلال انتخاب عدد من الرؤساء او انتخاب عدد من البرلمانات التي بدورها اختارت عددا من رؤساء الوزارات. حيث عاقب المقترعون الأحزاب الحاكمة في عدد من الدول، مما أدى إلى خسارة أحزاب بارزة في دول مثل الهند، اليابان وجنوب افريقيا لعدد من مقاعدها واضطرارها إلى اللجوء لتشكيل حكومات ائتلافية.

روسيا: فوز بوتين بولاية خامسة

جرت الانتخابات الرئاسية في روسيا في الفترة من 15 إلى 17 آذار 2024. وتعد الانتخابات الرئاسية الثامنة في البلاد، وقد فاز فيها الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بنسبة 88 بالمائة من الأصوات، وهي أعلى نسبة في الانتخابات الرئاسية في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، وبهذا بسط قيصر روسيا سطوته على الدولة مستغلا الحرب في أوكرانيا، وحاجة البلاد للوحدة لتجاوز محنة الحرب.

إيران: فوز إصلاحي بعد غياب 19 عاما

بتاريخ 19 ايار أعلن عن وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومُرافقيه إثر تحطم مروحية بالقرب من ورزقان في محافظة أذربيجان الشرقية.

لتجري بعدها انتخابات جديدة، وفاز فيها المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان بعد حصوله على 16 مليون صوت الذي يدعو للانفتاح على الغرب بعد غياب ممثل الإصلاحيين عن السلطة دام أكثر من 19 سنة، في الجولة الثانية التي جرت في 6 تموز من الانتخابات الرئاسية الإيرانية أمام المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي الذي حصل على 13 مليون. وقد كانت نسبة المشاركة بحدود 49.8 بالمائة.

الهند: بريق مودي يخفت ونجم غاندي يسطع من جديد

شارك أكثر من 640 مليون ناخب وعلى مدار 6 أسابيع في الانتخابات التي جرت في الهند والتي كانت نسبة المشاركة قد تجاوزت ال 66 بالمائة نصفهم من النساء وتمثل أكبر انتخابات نيابية يشهدها الكوكب.

لم يحصل رئيس الوزراء الهندي ناريندار مودي وحزبه بهارتيا جاناتا الهندوسي على الأغلبية المطلقة التي كان يتوقعها، واضطراره على التنازل أمام عدد من الأحزاب المحلية لتشكيل حكومة ائتلافية، بعد سيطرته على البلاد لأكثر من عقد، وتعتبر هذه النتيجة انتصارا بطعم الهزيمة، وبنفس الوقت بزوغ نجم خصمه زعيم حزب المؤتمر المعارض راهول غاندي.

بريطانيا: عودة العمال بعد إقصاء عن الحكم دام أكثر من 14 عاما

استطاع حزب العمال بقيادة كير ستامر من الحصول على أغلبية مقاعد مجلس النواب البريطاني بعد نيله على 411 مقعدا من 650 مقعدا، وبلغت نسبة المشاركة 59.9 بالمائة، ويبدو أن الناخبين يعاقبون المحافظين بسبب أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة وعدم استقرار امتد لسنوات وتنافس داخلي.

وكان ريشي سوناك رئيس الوزراء السابق قد فاجأ الجميع والعديد من أعضاء حزبه عندما دعا إلى إجراء الانتخابات في وقت أبكر مما كان يحتاج إليه في أيار.

فرنسا: انتخابات مبكرة ونتائج غير حاسمة

على إثر نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في 9 حزيران التي حقق فيها اليمين المتطرف الفرنسي على المرتبة الأولى، اتخذ الرئيس الفرنسي ماكرون قرارا بحل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية قبل أوانها في 30 حزيران للجولة الأولى و3 تموز للجولة الثانية.

وقد أظهرت النتائج النهائية للجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة على تصدر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفائه في فرنسا حاصدا 33,1 بالمائة من الأصوات، متقدما على تحالف اليسار الذي خاض الانتخابات تحت مسمى الجبهة الشعبية الجديدة (28 بالمائة) وكذلك معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون (20 بالمائة). مما أربك الحسابات لقوى اليسار واليمين التقليدي، واضطرار كل منهم على تقديم عدد من التنازلات لبعضهما البعض للتحضير لانتخابات الجولة الثانية التي جرت بتاريخ 3 تموز، وقد حققت اليسار الفرنسي فوزا غير متوقع فقد أسفرت نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية عن تصدر تحالف اليسار "الجبهة الشعبية الجديدة" لعدد المقاعد في الجمعية الوطنية بحصوله على 182 مقعدا مقابل 168 مقعدا للتحالف الرئاسي و143 مقعدا لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفائه. وبهذا تم قطع دابر حصول اليمين المتطرف على المركز الأول كما كان متوقعا من قبل العديد من المراقبين.

إشكاليات تقاسم الفوز

على ضوء نتائج الانتخابات لم تستطع الأطراف الثلاثة الرئيسة الحصول على الأغلبية المطلقة من مجموع مقاعد الجمعية الوطنية البالغة عددها 577. مما أتاح للرئيس الفرنسي التقدير الشخصي عند تعيين رئيس الوزراء وفق نص المادة الثامنة من الدستور الفرنسي لسنة 1958.

لقد أدخل هذا الوضع غير المسبوق في فرنسا بأزمة وزارية، حيث رشح الرئيس الفرنسي ميشيل بارنييه وهو أحد الشخصيات السياسية من خارج الجبهة الشعبية الجديدة بتشكيل الوزارة، ونالت الثقة بعد صوت لها أعضاء اليمين واليمين المتطرف، لكن سرعان ما تم حجب الثقة عنها، ومرة أخرى تم تعيّن فرانسوا بايرو، زعيم تيار الوسط، رئيسا للوزراء، من قبل الرئيس الفرنسي متجاهلا الطرف الفائز الأول والذي يبقى أسير مواقف اليمين المتطرف.

الحلول الممكنة

وتبقى فرنسا تعيش في أزمة وزارية نتيجة انتخابات لم تحسم الطرف الحائز على الأغلبية المطلقة، او الاتفاق على تشكيلة وزارية ائتلافية تجمع اليمين واليسار، كحائط صد ضد اليمين المتطرف.

الولايات المتحدة: ترامب يحقق تفويضا غير مسبوق

وكان حدث الانتخابات الأبرز هو الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في تشرين الثاني، ولها دور مؤثر وبارز في تحديد مجرى العلاقات الدولية لما يتمتع به ساكن البيت الأبيض من سلطات وإمكانيات لا يتمتع بها أي رئيس غيره، فقد انسحب منها الرئيس جو بايدن بعد ضغوطات عديدة، مفسحاً المجالَ لنائبته كاميلا هاريس التي تلقت هزيمةً على يد الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي شكل رجوعه للبيت الأبيض حالة لم تحدث إلا قبل أكثر من قرن، وهو المعروف بتقلباته وعدم التكهن بقراراته.

إضافة إلى فوز ترامب بمنصب الرئيس فقد حقق الجمهوريون في هذه الانتخابات ثلاثية الحكم أي الرئاسة ومجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ)، وستسهم تلك السيطرة، في مساعدة ترامب على تنفيذ أجندته، بحسب قواعد الديمقراطية الأميركية، وهو تفويض غير مسبوق.

سريلانكا: فوز حزب الرئيس اليساري بالأغلبية المطلقة لمقاعد البرلمان

شهدت سريلانكا انتخابات مبكرة في شهر تشرين الثاني، وقد حقق تحالف قوة الشعب الوطني بالأغلبية المطلقة بحصوله على 159 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغ عددها 225، بمشاركة أكثر من 70 بالمائة من الناخبين، وقد جاءت هذه الدعوة للانتخابات بعد فوز الرئيس أنور كومارا ديساناياكي الذي فاز بموقع الرئاسة في شهر أيلول من السنة الماضية لكي يتفرغ بتحقق برنامجه لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المسروقة، بعد عامين من الانهيار المالي.

ومن الجدير بالذكر أن الرئيس السريلانكي أنور كومارا ديساناياكي ابن عامل وناشط سياسي منذ شبابه وشارك في المظاهرات الطلابية، وانضم إلى اتحاد الطلاب الاشتراكي، الجناح الطلابي لجبهة التحرير الشعبية التي شنت الكفاح المسلح في عام 1971قبل التخلي عن السلاح والانغمار في العمل السياسي السلمي.

مجموعة بريكس: ثبات في التواصل وتوسع في العضوية

احتلت مجموعة دول بريكس مكانة كبيرة على الصعيد العالمي في هذه السنة مقابل تكتل الدول الصناعية بقيادة الولايات المتحدة، وبدأت تأخذ دورها بعد التوصل في عقد اجتماعاتها الدورية والتوسع الحاصل في عدد أعضائها باعتباره ميدانا مهما لتعزيز التعاون والوحدة بين دول الجنوب العالمي وزيادة تأثيرها كمنصة رئيسية للتعاون الدولي. وقد تزايد نشاط مجموعة بريكس في فترة رئاسة روسيا لهذه السنة التي قامت ب 250 فعالية ومنح بيلاروس، بوليفيا، إندونيسيا، كازاخستان، ماليزيا، تايلاند، أوغندا، وأوزبكستان صفة الدول الشريكة يمثل "علامة فارقة جديدة".

**************************************

المحاصصة والطائفية: جذور السلاح المنفلت وأزمة العراق الأمنية

أسامة عبد الكريم

 

منذ عام 2003، شهد العراق تحولات جذرية في بنيته السياسية، حيث باتت المحاصصة الطائفية والعرقية أساس النظام السياسي الجديد. وعلى الرغم من أنها استهدفت تحقيق توازن بين مكونات الشعب، إلا أن هذه السياسات ساهمت بشكل كبير في تآكل مفهوم الدولة الوطنية، بدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية. أفرزت المحاصصة بيئة مؤاتية لانتشار السلاح المنفلت، وأدت إلى ظهور جماعات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة. هذه الجماعات تحولت إلى أدوات نفوذ حزبية وطائفية، مما قوض هيبة الدولة وأضعف قدرتها على فرض سيادة القانون.

السلاح المنفلت وتأثيره على استقرار العراق

انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة لم يؤثر فقط على الأمن العام، بل أصبح تهديداً مباشراً لاستقرار البلاد. فقد تحولت الجماعات المسلحة إلى مراكز قوى موازية، تستخدم السلاح لتحقيق مصالحها السياسية أو الاقتصادية، مما أدى إلى تعطيل بناء جيش وطني قوي وموحد. كما أن ضعف مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية عزز من شرعية هذه الجماعات لدى بعض الفئات المجتمعية التي ترى فيها وسيلة للحماية أو الدفاع عن الحقوق. هذا الوضع أدى إلى ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة، والنزاعات المسلحة، وزعزعة الثقة بين المواطنين والدولة، فضلاً عن عرقلة الاستثمار والتنمية.

حصر السلاح بيد الدولة: التشريعات كخطوة أولى

للتغلب على هذه الأزمة، يجب أن تكون الخطوة الأولى إصدار قوانين صارمة من قبل مجلس النواب العراقي تنظم حيازة واستخدام السلاح. يجب أن تتضمن هذه القوانين عقوبات مشددة على حيازة السلاح غير المرخص، وآليات واضحة لاسترداد الأسلحة المنتشرة. كما يجب أن تُدعم هذه التشريعات بإرادة سياسية قوية تضمن تطبيقها على الجميع دون استثناء، بما في ذلك الفصائل المسلحة التابعة للأحزاب السياسية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز دور القضاء لضمان محاسبة المخالفين بشفافية وعدالة، وتشكيل لجان مشتركة من الجهات الأمنية لمتابعة التنفيذ.

إلى جانب التشريع، يجب أن تشمل الخطة برامج لتوعية المجتمع بمخاطر السلاح المنفلت. كما يمكن تقديم حوافز اقتصادية واجتماعية لتشجيع تسليم الأسلحة، مثل توفير فرص عمل بديلة لأفراد الجماعات المسلحة ودمجهم في المجتمع، لضمان الانتقال السلمي نحو دولة مدنية خالية من السلاح.

التعاون الدولي ودور المجتمع المدني

إلى جانب الجهود المحلية، يمكن للعراق الاستفادة من خبرات وتجارب الدول الأخرى التي نجحت في نزع السلاح وإعادة دمج المقاتلين. التنسيق مع المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي، يمكن أن يوفر دعماً تقنياً ومالياً لتنفيذ برامج نزع السلاح، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة. كما يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دوراً محورياً في بناء جسور الثقة بين الدولة والمواطنين، من خلال مبادرات توعية وبرامج لإعادة دمج أفراد الجماعات المسلحة في الحياة المدنية.

لا دولة عصرية مع السلاح المنفلت

لا يمكن تصور بناء دولة عصرية مستقرة مع وجود السلاح المنفلت الذي يقوض مؤسسات الدولة ويعزز الفوضى. الدولة الحديثة تقوم على سيادة القانون، حيث يكون احتكار السلاح بيد المؤسسات الشرعية وحدها. لذا، حصر السلاح بيد الدولة ليس مجرد مطلب أمني، بل هو شرط أساسي لبناء مؤسسات قوية قادرة على إدارة شؤون البلاد بكفاءة.

دون خطوات جادة وفعالة لحصر السلاح، سيبقى العراق عالقاً في دائرة العنف، مما يعوق تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة. الإرادة السياسية الصادقة، إلى جانب الدعم المجتمعي والدولي، يمكن أن تكون حجر الأساس في إعادة بناء الدولة العراقية كدولة قانون ومواطنة.

****************************************************

الصفحة الثامنة

في حوار مع "طريق الشعب".. الشيخ طالب السنجري: قوى الإسلام السياسي لا تمتلك منهجية متكاملة للحكم وإعادة تجاربها مجازفة غير محسوبة المخاطر

علي شغاتي: بدايةً، مَن هو الشيخ طالب السنجري؟

بغداد ـ طريق الشعب

ضمن سلسلة اللقاءات التي دأبت جريدة "طريق الشعب" على إجرائها مع عدد من الشخصيات الوطنية، الدينية، الاجتماعية، والثقافية في العراق، حاور الرفيق علي شغاتي عضو هيئة تحرير الجريدة، الشيخ طالب السنجري رئيس مركز إرشاد للتعايش والحوار في العراق.

واُستهل اللقاء متسائلا عن سيرة السنجري الشخصية، منذ نشأته، وتاريخه النضالي ضد النظام البعثي الدكتاتوري، بالإضافة إلى المرحلة التي أعقبت غزو العراق، وصولاً إلى التطورات السياسية الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

وفي أدناه النص الكامل للحوار:

الشيخ طالب السنجري: أنا أنحدر من عائلة فقيرة من مدينة الشطرة، لكنها عائلة مناضلة ومعتزة بنفسها. عائلتي كانت تكسب رزقها بعرق جبينها، وأنا فخور بهذا الانتماء، حيث بقيت عائلتي شامخة ولم تستسلم برغم قسوة الظروف.

الشطرة، مدينتي، تلك المدينة الشاعرة والمثقفة التي اشتهرت بأنها "موسكو الصغرى". كانت مدينة تقرأ وتكتب، وامتلأت بأبناء الفكر والثقافة، وبهذا الجو نشأت وترعرعت.

سُميت موسكو الصغرى لما فيها من كثرة المنتمين للحزب الشيوعي العراقي، الشيوعيين المثقفين وأصحاب الوعي والفكر. لقد عشت في هذا الوسط الذي جمع بين الأصالة والتجدد.

ولست ممن يجيدون المديح، ولكن أقول بفخر إنني نشأت وسط المثقفين، سواء كانوا إسلاميين أو شيوعيين. لا فرق عندي، فقد كان الشيوعيون أول من أسس لحركة الثقافة في الشطرة، ثم تبعهم الإسلاميون الذين كانوا من القرّاء المتميزين أيضًا.

في تلك المدينة العظيمة، لم ألحظ فرقًا يُذكر في مستوى الوعي الثقافي بين الإسلامي والشيوعي. كان الجميع إخوةً متحابين، تجمعهم المدينة بما حملته من وعي، فكر، ومفردات اجتماعية راقية.

علي شغاتي: نود  العودة إلى تلك الحقبة التي عشتها في تلك المدينة التي جمعت بين مختلف الأطياف، وأريد أن أسألكم : بالنظر إلى خطاب الإقصاء الذي نشهده اليوم، كيف كان الحال في ذلك الوقت؟ هل ظهرت مشكلات أو مظاهر عداء أو حالات عنف، خاصةً في مدينة الشطرة، التي احتضنت هذا التنوع مثل غيرها من مدن العراق؟

الشيخ طالب السنجري: سأضرب مثالاً على ذلك. في منزلنا، كان لدينا موكب يُعرف باسم "موكب السجاد – الطرف الشرقي"، وكان والدي رجلا متدينا بسيطا يدير شؤون هذا الموكب. ورغم أن أغلب أفراد عائلتي كانوا شيوعيين، إلا أنهم كانوا يشاركون في الموكب بشكل طبيعي.

وعندما أقول إن شيوعيين كانوا يشاركون في الموكب، لا أعني بذلك أنهم كانوا أشخاصاً سطحيين أو بعيدين عن الفكر، بل كانوا أصحاب رأي فيما يتعلق بالقضية الحسينية والفكر الإسلامي، ولم يكن وجودهم في هذه الأجواء أمراً غريباً.

أذكر حادثة أخرى حين كنت في العاشرة من عمري. خرج موكب القامة من منزل عمنا الحاج حامد واوية، وكان والدي من ضمن المشاركين. كنت أقف في الشارع حين رأيت موكب القامة يحمل تمثالاً يشبه جثة مغطاة بالدماء. شعرت بالرعب وظننت أن الجثة تعود لوالدي، فبكيت بحرقة. المشهد كان مربكاً للغاية؛ القامات، الدماء، وكل شيء حدث في وقت واحد.

حينها، ناديت على عمي نعيم العصفوري، ـ صاحب مكتبة المتنبي في شارع المتنبي ـ، وقلت له: "هذا أبي!" لكنه هدأني قائلاً: "لا، ليس والدك."

عمي نعيم كان أقرب الشيوعيين إليّ، وكنت أحبه كثيراً. في تلك الفترة، كان يوسف سلمان يوسف (فهد) مؤسس الحزب الشيوعي العراق، يزورنا في البيت، كما اخبرتني والدتي. وكانت هناك محبة كبيرة تجمعه بأفراد عائلتنا، لأن أغلبهم كانوا شيوعيين.

وحين كبرت، سألت أحد أقاربي الذي كان شيوعياً: "ما علاقتك بوالدي (الحسيني) ولماذا كنت تبكي على الحسين؟" فأجابني ممازحاً: "أبكي على والدك." بشكل عام، الشيوعيون لم يكن لديهم قطيعة مع القضايا الدينية. كانت علاقتهم متداخلة مع المجتمع، وكانوا يشاركون في المناسبات الدينية بحب وتقدير، دون أي تصادم أو انقطاع.

علي شغاتي: في ما يتعلق بجيل ما بعد سطوة البعث، يثار تساؤل شائع: لماذا أصبحتم شيوعيين؟ لكنني أرغب في عكس هذا السؤال على جنابكم.

أنت من عائلة يغلب عليها الطابع الشيوعي واليساري. ما الذي دفعك إلى الاتجاه نحو التنظيمات الإسلامية السياسية؟ وأين كانت البداية؟

الشيخ طالب السنجري: البداية كانت في مدينة الشطرة، حيث نشأت فكرياً وثقافياً ونفسياً. كنت في السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمري، وكنت قارئاً جيداً منذ سن الثانية عشرة. في ذلك الوقت، كان أحد أقربائي، عزيز عبد ربه، قومياً، لكنه تحول فيما بعد إلى صفوف الإخوان المسلمين.

دعاني للانضمام إليهم، فذهبت. في ذلك الحين، كان مسؤولنا في الناصرية أبو سلام العبايچي، وكنا نجتمع معه أسبوعياً. أما المسؤول العام عن المجموعة، فقد كان الشهيد قيس القرطاس في البصرة، وكان يزورنا شهرياً للإشراف على حلقاتنا.

طبيعة الإخوان المسلمين كانت شبيهة إلى حد كبير بطبيعة الشيوعيين، من حيث الاهتمام بالفرد. كانوا يحرصون على تطوير أعضائهم من خلال توفير الكتب والصحف ومتابعة مدى التزامهم بالقراءة والتعلم.

نشأتُ في هذا الجو الإسلامي حتى عام 1970. في تلك الفترة، التقيت أحد الإخوة في البصرة، وعرض عليَّ الانتماء إلى حزب الدعوة، وهو ما قمت به بالفعل. حزب الدعوة كان محطة فارقة في حياتي، إذ أثرى معرفتي وأضاف لي الكثير. اللقاء الذي جمعني بالسيد محمد باقر الصدر كان نقطة تحول كبرى. وجدته بركاناً من العلم، الزهد، الثقافة، الوعي، والإنسانية، وتأثرت به كثيراً، وذبت في شخصيته وفكره.

علي شغاتي: حدثنا  عن علاقتك بالسيد محمد باقر الصدر؟

الشيخ طالب السنجري: بدأت علاقتي بالسيد محمد باقر الصدر في عام 1970. فمثل ما ذكرت اني قد كنت نشأت في بيئة دينية، وتأثرت بأحد رجال الدين الكبار في مدينتنا، وهو الشيخ محمد إبراهيم الكرباسي، الذي كان بمستوى مرجع وله رسالة علمية. جيلي كله تقريباً ترعرع تحت ظله، وكنت من المداومين على حضور دروسه في المسجد. فقد كان يولي اهتماماً كبيراً بي وبغيري، ويحرص على تثقيفنا وتوجيهنا.

عندما ذهبت إلى النجف في عام 1970، كنت أمتلك خلفية ثقافية ودينية واسعة. كنت قد قرأت شرائع الإسلام، وتعلمت علم المنطق، وأتقنت النحو العربي، وكنت قارئاً جيداً لفكر الآخرين. قرأت كتابات البعثيين، بما في ذلك ستة مجلدات لزكي الأرسوزي، واطلعت على أفكار ميشيل عفلق. كذلك قرأت كثيراً للشيوعيين، وتأثرت بكتاب رأس المال لكارل ماركس، كما كنت أقرأ النشرات في مجلة الثقافة الجديدة.

لاحظ السيد الصدر اهتمامي المتنوع، فقال لي: "لماذا لا تأتي إلى الحوزة؟ سأرعاك، وأنت بمثابة ابني". لم أستطع أن أقول لا للسيد محمد باقر الصدر، فقد استوعبني تماماً وفهم ما بداخلي.

في البداية، لم أكن ميالاً للحوزة ولا لفكرة ارتداء العمامة. قلت له بصراحة: "سيدنا، هل يمكن ألا أرتدي العمامة؟" فأجابني: "ممكن". ومع ذلك، استمر في متابعتي، حتى طرح فكرة العمامة مجدداً، حرصاً على سلامتي بسبب دخولي وخروجي المستمر من الحوزة. كان يرى أن العمامة قد تكون غطاءً يحمي تحركاتي من أنظار الأمن.

لم يكن يعلم السيد الصدر حينها أنني من السادة المشعشعين الموسويين. وانا لم يكن لدي اهتمام كبير بالألقاب مثل "سيد" أو "شيخ". جاء السيد الصدر بالعمامة البيضاء وألبسني إياها، وهكذا أصبحت "الشيخ طالب السنجري". إلى اليوم، يسألني أقاربي: "نحن سادة وأنت الشيخ طالب السنجري، كيف حدث هذا؟"

بصراحة، أشعر بالخجل من فكرة تبديل العمامة، فأنا لم أستفد من الحوزة مادياً، ولم أكن من أولئك الذين يعيشون على الدين أو العمامة. جئت إلى الدين والحوزة بشكل مهني، ولم أعتشِ عليهما.

ولم أسعَ إلى استغلال الدين أو المنابر، ولم أتبنَّ النعي أو الخطابات التي تستميل الجمهور لأهداف شخصية. بالعكس، كنت منفتحاً على الجميع، يساري الفكر، مواطناً يساوي بين الناس دون تمييز. هذا التوجه جلب لي الكثير من الانتقادات؛ هناك من اتهمني بأنني سني، أو شيوعي، أو علماني، أو ليبرالي.

بالنسبة للسيد محمد باقر الصدر، كان وما زال بالنسبة لي قبلة فكرية، ونقطة انطلاق واعية شكلتني ووجهتني نحو الحياة المنفتحة على الأفكار والإنسانية. في السنوات الأولى، كان تأثيره عميقاً في تكويني.

أما اليوم، إذا سألتني عن نظرتي إليه، فلدي بعض التحفظات التي قد لا تتفق مع ما يردده المادحون، لكن يظل السيد الصدر بالنسبة لي شخصية عظيمة أثرت في حياتي وفكري.

علي شغاتي: السيد محمد باقر الصدر، كاتب ومفكر كبير، ومؤسس حزب الدعوة الإسلامية، وهو شخصية تركت أثرا محوظا في العراق خلال القرن العشرين. هل لنا ان  نفهم  من داخل البيئة الإسلامية نفسها، ما هي الملاحظات التي يمكن أن تؤخذ عليه؟

 

الشيخ طالب السنجري: السيد محمد باقر الصدر كان عملاقاً بكل معنى الكلمة؛ ذكي جداً وفقيه متمكن، حيث كان يتعامل مع الفقه الإسلامي كما لو كان عجينة بين يديه. ومع ذلك، بقدر ما كان إنتاجه الفكري مثل فلسفتنا واقتصادنا عظيماً، إذ شكّل ردوداً على الفكر الشيوعي والماركسية، إلا أنني أرى أن عليه كان أن يوازن. بمعنى، كما كتب ضد الماركسية، كان ينبغي عليه أن ينتقد الفكر الرأسمالي أيضاً، ويقدّم تصوراً إسلامياً في مواجهته.

علي شغاتي: وماذا كان يمكن أن يكتب؟

الشيخ طالب السنجري: المسألة تتعلق بصراع المدارس الفكرية؛ هناك المدرسة الماركسية، والرأسمالية، والاشتراكية، والإسلامية. إذا كنت تسعى لإبراز النظرية الإسلامية في الاقتصاد والفلسفة، عليك أن تواجه جميع التيارات الأخرى. الآخرون لديهم فلسفاتهم وأفكارهم، فلماذا تنتقد فكراً معيناً وتترك فكراً آخر دون تفنيد؟ في البداية، كنت أؤيد هذا التوجه لأنه كان يعكس الوضع السائد، لكنني لاحقاً بدأت أراجع هذا الموقف.

علي شغاتي: في ظل انتشار الفكر الماركسي في العراق، والذي دخل بسرعة إلى كل بيت تقريباً وترك أثراً كبيراً، قد أجد العذر لبعض المفكرين الإسلاميين الذين ركزوا على محاربة هذا الفكر باعتباره تهديداً للدين وهو ليس كذلك كما تعرفون.

لكن ألا ترى أنكم، وأقصد هنا المؤسسة الدينية ورجال الدين والقوى الإسلامية، انشغلتم كثيراً بمحاربة الماركسية؟ وفي المقابل، تغاضيتم عن الفكر الرأسمالي، بل وربما وجدتم أنفسكم او لنقل البعض في نهاية المطاف في أحضان المعسكر الغربي، خلال حقبة كانت مقسمة بين معسكرين عالميين؟

الشيخ طالب السنجري: المسألة ليست "ارتماء" بقدر ما هي "غفلة"، بالنسبة للمدرسة الإسلامية الشيعية، لم يكن هناك وعي شامل بمواجهة الرأسمالية كما واجهنا الماركسية. الحوزة الشيعية في تلك الحقبة لم تكن تؤمن بفكرة التشيع كمنهج فكري عابر للحدود. المنهج الذي كان يجمعني مع الشيعي الباكستاني، أو البحريني، أو السعودي، أو الإيراني، كان يواجه تحديات مختلفة.

في ذلك الوقت، كان الشاه في إيران يُعتبر الحامي للشيعة في العالم، وكان يُروّج لنفسه على هذا الأساس، بل إن العديد من رجال الدين الكبار كانوا يرونه "حامي حمى الشيعة". سمعت شخصياً من بعض كبار العلماء الشيعة هذه العبارة. هؤلاء أنفسهم، الذين دعوا لحماية الشاه، وقفوا لاحقاً ضد السيد الخميني، الذي كان يُعتبر "الشيعي المتحرر"، أو كما أحب أن أصفه، "تشي جيفارا عصره".

علي شغاتي: لماذا هذا الانشغال بمحاربة الفكر الماركسي ؟

الشيخ طالب السنجري: في عام 1979 خرجتُ من العراق متوجهاً إلى بيروت، ومنها أرسلني الشيخ محمد مهدي شمس الدين إلى مدينة صور. هناك، أقمت في شقة بمفردي، وكان الهدف أن أصلي في المسجد الذي كان يصلي فيه السيد موسى الصدر رحمه الله. أثناء إقامتي، كنت أسمع صخباً موسيقياً متواصلاً صباحاً ومساءً. كوني شاباً ثورياً ومعمماً ورجل دين، كانت عقليتي تميل إلى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارها أسمى وأقدس الفرائض.

نزلتُ إلى صاحب محل التسجيلات الموجود في أسفل البناية. كان شاباً، وقد استقبلني بلطف. قلت له بلهجة مباشرة: "لماذا كل هذه الموسيقى طوال الوقت؟ أولاً، هذا حرام، وثانياً، إنها تزعجني."

ردّ علي متسائلاً: "حرام؟ أعطني دقيقة من وقتك". ثم أعاد تشغيل نفس الشريط المزعج لي. ولكن عندما استمعتُ بتمعّن، وجدتُ نفسي متأثراً، حتى أن عيني دمعتا. سألني: "حرام أم حلال؟" فأجبته: "حلال."

هذا الموقف يعكس جزءاً من طبيعتنا إلى جانب تديننا، نحن نعاني من عقدة تجاه الشيوعيين، نشأت من تربيتنا غير المرنة. مثلاً، كارل ماركس نفسه كان متديناً، لكن لم ينقل لنا أحد هذه المعلومة.

أذكر أن الشيخ معن الكوفي، وهو مجتهد ومدرس في الحوزة، كان زميلي في المدرسة الأزريّة. كنا نسكن معاً، ومعنا السيد كمال الحيدري. وقد درستُ عنده علم النفس، وهو صديق مقرّب للمرجع الأعلى السيد علي السيستاني. أخبرني أن السيد علي السيستاني قرأ كتاب رأس المال لماركس أربع مرات. لكن كحركة إسلامية، وأخص بالذكر حزب الدعوة، لم يكن خطابنا الفكري والممارساتي مرناً. عندما ذهبت إلى بيروت كداعية، كان معظم أصدقائي من حزب الدعوة مثل الشيخ صبحي الطفيلي، والسيد عباس الموسوي، والشيخ راغب حرب، وغيرهم ممن أسسوا حزب الله لاحقاً.  الشيخ محمد مهدي شمس الدين طلب مني التدريس في الحوزة، والتحقت بمدرسة الشهيدين في الغبيري، حيث وفروا لي سكناً، وباشرت التدريس. لاحقاً، طلبت مني منظمة أمل التي أسسها السيد موسى الصدر تقديم محاضرات.

في النجف كنا نجلس على الأرض، لكن عندما دخلت قاعة المحاضرات هناك، وجدتها منظمة؛ رجال ونساء يجلسون بخطوط منفصلة. بعض النساء كنّ محجبات، وأخريات سافرات، ومع ذلك كله كنّ يهتفن "يا علي" كان هذا الجو غريباً عليّ بسبب التربية الصارمة التي تلقيتها. لفت انتباهي أن هناك امرأة تدخن، وهذا زاد من شعوري بالغرابة.

حين بدأت أفكر في المواضيع المناسبة للمحاضرات، اقترح أحد الشباب الحاضرين، أن تكون محاضراتي عن الماركسية.

بالفعل، بدأت أحاضر عن الماركسية، واستمريت إلى أن تحولت هذه المحاضرات إلى كتاب طُبع بعنوان "طرح في الفكر الماركسي"، ونُشر باسمي.

علي شغاتي: أريد أن أسمع رأيك حول فتوى المرجع الديني السيد محسن الحكيم الشهيرة "الشيوعية كفر وإلحاد". هذه الفتوى تبعتها موجة من الدماء والتضحيات الكبيرة، وأثارت العديد من الإشكالات والجدل. دماء العراقيين آنذاك استُغلّت إلى أبعد الحدود من قبل البعثيين ومن سايرهم من القوميين، الذين مارسوا القتل والتهجير ضد مناضلين عراقيين وطنيين كانت غايتهم الدفاع عن العراق وشعبه.

الشيخ طالب السنجري: هناك سببان وراء ذلك: داخلي وخارجي. السبب الداخلي يكمن في أننا كإسلاميين، مثلما نحن اليوم، نجامل الدين السائد ونتماشى معه. في بداية ظهور الشيوعية، كان هناك مفكرون شيوعيون أصيلون يحملون فكراً عميقاً، لكن الشيوعية التي سادت فيما بعد أساءت إلى الشيوعية الأصيلة وإلى الفكر الشيوعي نفسه.

وكما هو معروف فان المرجعية الدينية في النجف لا بد أن تُعبّر عن موقفها في مواجهة الاضطرابات الشعبية. السيد محسن الحكيم، الذي كان المرجع الأعلى وزعيماً وطنياً قبل أن يكون زعيماً دينياً، يعدّ من أبرز قادة ثورة العشرين. كان مناضلاً شجاعاً حمل السلاح وشارك في المعارك، حيث جاء إلى الناصرية مع الحبوبي. الحكيم كان شخصية جماهيرية يتمتع بكاريزما وذاكرة قوية، فضلاً عن كونه أبويًّا في تعامله. لذلك، ارتبط به جيل الدعاة الأول ليس فكرياً، بل انتماءً أبوياً، إذ لم يكن لديه طرح فكري محدد، بل رعاية معنوية وأبوية.

عندما رأى السيد محسن الحكيم الشارع العراقي يشهد تلك انتشار الأفكار الشيوعية، قرر اتخاذ موقف حاسم. تبرأ من أي رجل دين لديه ابن شيوعي. في البصرة، كان هناك سيد من عائلته يُدعى الحكيم، وكان ابنه نوري الحكيم، طبيباً بارعاً وطيب الأخلاق ولكنه شيوعي التوجه. طلب السيد الحكيم من الرجل أن يتبرأ من ابنه، وعندما رفض، أسقطه اجتماعياً، إلى درجة أن الناس توقفوا عن الصلاة خلفه رغم شهرته.

أما على الصعيد الخارجي، فهناك تحليل أطرحه، وقد أكون مخطئاً أو مصيباً. برأيي، يعود السبب إلى حزب "توده" الإيراني، وهو الحزب الشيوعي القوي الذي كاد يصل إلى الحكم في إيران، ما جعله نداً خطيراً للشاه. الشاه أدرك أن التصدي للشيوعيين وإسقاطهم اجتماعياً يتطلب دعماً دينيًّا. لذلك، اعتمد على المرجعية التي أصدرت فتوى تُكفّر الشيوعية وتصفها بالإلحاد. هذه الفتوى فتحت الشارع على مواجهة الشيوعية، وبدأت إثرها موجة من العنف وسفك الدماء.

كرجل دين، أرى أن تلك الفتوى قد تكون صائبة أو خاطئة، لكنها شكّلت جزءًا من قراءة للواقع آنذاك. أما المرجعية اليوم، كما هو الحال مع السيد علي السيستاني، فتتبنى خطاباً مغايراً يقوم على مفهوم المواطنة، في خطابات السيد السيستاني، هناك تركيز واضح على حقوق المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم، وهو ما ساهم في حقن دماء العراقيين. هذا النهج يختلف تماماً عن الخطاب السابق للمرجعيات، التي كانت تركز على منطق الدين فقط دون الاعتراف بمفهوم المواطنة.

علي شغاتي: هل تعتقدون أن تضرر البرجوازية الشيعية من ثورة 14 تموز 1958 دفع السيد محسن الحكيم لإصدار مثل هذه الفتوى؟

الشيخ طالب السنجري: لا أنفي ذلك، لكنه ليس السبب الوحيد؛ هناك عدة أسباب اجتمعت. على سبيل المثال، في عام 1976، قام حزب البعث بطباعة كتاب فلسفتنا للسيد محمد باقر الصدر، وقد كتب مقدمة هذه الطبعة وزير التربية عبد الستار الجواري. الكتاب وُزِّع على المكتبات والمدارس، مما يعكس تعامل البعثيين مع الفكر الديني بطريقة انتقائية.

علي شغاتي: جاء البعثيون الى السلطة وحدث ما حدث، ودفع العراقيون الثمن غالياً، كما حدث معك ومع ملايين العراقيين الذين عانوا في الداخل والخارج.

أود أن أسألكم: هل ترى أوجه تشابه بين تلك الفترة وهذه الفترة؟ خصوصاً في ظل ما يحدث حالياً في العراق مع انفراد جهات سياسية معينة بالحكم، خاصة بعد اعتزال السيد مقتدى الصدر للعمل السياسي وانسحاب نوابه.

كما بدأت حملة ممنهجة يُراد تصويرها على أنها فردية، لكنها تعكس منهجاً واضحاً، مثل حظر الاتحادات والمنظمات المهنية، والتضييق على حرية التعبير والصحفيين والنشطاء.

 

الشيخ طالب السنجري: أعتقد أن هناك أسبابا عدة وراء ما يحدث، ولعلنا نختصرها بأسباب أولها السبب العقائدي حيث ان أغلب من يحكمون الآن هم إسلاميون، ويحملون عقيدة لا تلتقي مع الخط الآخر، سواء كان شيوعياً أو غيره.

وهنا أيضا، السبب النفسي فكما تعلم في عام 1972، تم تشكيل جبهة وطنية بين البعثيين والشيوعيين، والمتضرر الأكبر منها كان الإسلاميون. فقد تضررنا حينها بشكل كبير.

في تلك الجبهة، تعرض الحزب الشيوعي لانتكاسة، ورغم ذلك، بقي حزباً ذا شخصية واضحة. لكن بالنسبة للإسلاميين، تلك الفترة كانت صعبة نفسيًّا. دخولنا السجون ومعاناتنا كان لها أثر نفسي عميق، حتى لو لم نتخلَّ عن الحوار مع أي قوى أو فكر موجود في الساحة، وخصوصاً الشيوعيين، حيث نلتقي معهم في كثير من القضايا المشتركة، الا ان الموضوع ترك أثرا نفسيا عميقا في نفوسنا.

الآن، إذا نظرت إلى ممارسات بعض الشخصيات الإسلامية، تجد أن اليسارية تظهر واضحة في خطابهم أو حتى على مظهرهم، مما يشير إلى نوع من التقاطع أو التوافق غير المعلن. ومع ذلك، تبقى تلك المرحلة مؤذية نفسيًّا للكثير منهم، ويبدو أن بعض القيادات الإسلامية الحالية لم تتخلص من تلك الآثار النفسية.

اما السبب المنهجي فيبدو ان الإخوة الذين يحكمون اليوم جاءوا بلا منهج واضح للحكم. كما يقول المفكر الألماني: "أعطني منهجاً، أعطيك أمة" وغياب المنهج يعني غياب التوجه الواضح لبناء الدولة، ما أدى إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.

المنهج يجب أن يحدد العلاقة مع الأحزاب العلمانية، والملحدين، والممارسات الاجتماعية المختلفة مثل البارات والكابريهات والمراقد. لكن في ظل غياب هذا المنهج، تصبح الأمور خاضعة لثقافة الفرد الحاكم. إذا كان الحاكم مثقفاً وواعياً، فسينعكس ذلك على قراراته، أما إذا كان متخلفاً، فسينعكس التخلف على الدولة بأكملها.

لذلك، فإن ما نشهده اليوم هو نتيجة مباشرة لغياب المنهج، إضافة إلى تراكمات نفسية وعقائدية من الماضي.

علي شغاتي: هنا  تشير إلى أن الحكم في العراق يتبع منهجية قائمة على الأهواء، بعيداً عن الالتزام بالدستور والقوانين.

الشيخ طالب السنجري: الدستور والقوانين في حد ذاتها مفخخة، لكنها رغم عيوبها تبقى ضرورية. يجب أن يكون للبلد دستور، ونحن مع الدستور رغم مشكلاته، لأنه الأساس الذي يُفترض أن يحكم البلاد.

أنا، كمواطن عراقي، لو كان الدستور هو الحاكم الفعلي، لكنت مطمئناً، ولكن الواقع يقول إن الذي يحكم هو رأي الحاكم، وتوجهاته، وثقافة حزبه، وانتماءاته، وهذا النهج يؤدي إلى تدمير البلد.

من جهة أخرى، كرجل دين ومسؤول عن مؤسسة تُعنى بالتعايش والحوار، لا أرى تعايشاً ولا حواراً حقيقياً على الأرض، لأن فكر المواطنة غير موجود أساساً.

علي شغاتي: فكر المواطنة دائماً يظهر في كتاباتكم، حيث تدعون إلى تأسيس فقه وطني. لكن هناك تساؤل يُطرح: هل يوجد فقه غير وطني؟ وما هو؟ وهل هناك صراع بين الفكرين على أرض الواقع أم أن الأمر نظري فقط؟

الشيخ طالب السنجري: نعم، هناك فقه غير وطني، والصراع بينهما نظري وواقعي على حد سواء. الفقه الوطني يؤسس للتعايش بين أفراد المجتمع دون النظر إلى اعتقاداتهم، أو إثنياتهم، أو أعراقهم، أو لغاتهم. أما الفقه غير الوطني، فهو الذي يكرّس الانقسامات ويعتمد على الولاءات الضيقة التي تعرقل بناء دولة المواطنة.

علي شغاتي: هل يمكننا تأسيس فقه وطني بالاعتماد على المؤسسات الدينية الحالية؟ وهل هي قادرة على ذلك؟

الشيخ طالب السنجري: أبداً، المؤسسات الدينية الحالية ليست قادرة على ذلك. أستثني من هذا السيد علي السيستاني، الذي يمتلك وعياً وفكراً وطنياً، لكن هذا الفكر غير مكتوب أو مؤسس، بل يقتصر على التوجيهات العامة ايضا.

المؤسسات الدينية لم تكتب حتى الآن فقهاً وطنياً، وربما لا تعجز عن ذلك، لكنها تركز على كتابة ونشر الرسائل العملية فقط. هذه الرسائل لا تُسهم في بناء وحدة تجمع العراقيين، ولا تؤسس لموقف موحد في الثقافة أو الفكر أو الانتماء.

أنا أريد أن يرتبط المواطن بالدولة، سواء كانت مؤمنة أو كافرة، وأن يدفع الضرائب، ويلتزم بنظام المرور، والنظام الصحي والاجتماعي. كما هو الحال في أوروبا، حيث الناس تعيش وفق القانون والدستور، ويحكمهم هذا الإطار الواضح بعيداً عن الانتماءات الضيقة.

شغاتي: هل ترون أن الدين نفسه يحتوي على فقه وطني؟

الشيخ طالب السنجري: الدين في جوهره قائم على الفقه الوطني. عندما دخل رسول الله محمد الى مكة منتصراً، رغم أنها المدينة التي عذبته وطردته وجوعته، كان للنبي فقه وطني واضح.

فقد دخل منحني الرأس على فرسه تواضعاً، وعندما قال له أحد الصحابة: "ارفع رأسك يا رسول الله، ألسنا منتصرين؟"، رد النبي: "أستحي من الله."

هذا مثال على الأخلاق والفقه الوطني، وهو ما ظهر جلياً عندما قال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" لم يُقدم على الذبح أو الانتقام، بل منح الأمان للجميع، مخالفاً التوقعات.

علي شغاتي: بعد عام 2003، دخل العراق تجربة سياسية جديدة غير مألوفة. النظام السياسي تأسس على أنقاض الاحتلال وبقايا الحقبة الدكتاتورية، ولكنه بني على أساس المكونات بدلاً من الهوية الوطنية الجامعة، ما أدى إلى ظهور الهويات الفرعية واختفاء القانون. كيف تُقيم هذه العملية السياسية بعد عام 2003؟

الشيخ طالب السنجري: يجب أن نكون واضحين؛ الأمريكيون أرادوا فرض نموذج يشبه "لبننة" العراق (نظام المكونات في لبنان)، وهو نفس المشروع الذي يُراد تطبيقه في سوريا والمنطقة بأسرها.

لكن المشكلة ليست فقط عند الأمريكيين، فهم يسعون للسيطرة واستعادة نهج الاستعمار. الغباء الأمريكي يكمن في محاولتهم إعادة هذا النمط في عصر لم يعد يقبل الاستعمار والاستغلال.

كان يُفترض، رغم رفضي المطلق لأي احتلال، أن يظهروا بصورة إيجابية أثناء احتلالهم للعراق. ففي الداخل، أمريكا تُعتبر جنة تُحكم بالقانون، بينما في الخارج تمارس سياسة أشبه بخنزير في حظيرة قذرة. وكل من رافق الاحتلال أو دعمه، تلوث بتلك القذارة.

كان يجب علينا كعراقيين، سواء عبر المنظمات، العشائر، المرجعيات الدينية، أو الحكماء، أن نقف بحزم ضد نظام المحاصصة. نعم، انتقد الكثيرون المحاصصة، لكن انتقادهم كان أشبه بكتابة مقال دون اتخاذ موقف عملي.

علي شغاتي: هل تعتقدون أن عدم التصدي لنظام المحاصصة كان لدوافع مصلحية؟

الشيخ طالب السنجري: بالتأكيد الجميع استفاد من نظام المحاصصة، لأنها تدر الأموال والمنافع، وعند الحديث عن هذا الموضوع فبالرغم من ان السيد السيستاني يُعد نموذجاً إيجابياً؛ فهو يستقبل الجميع من السنة والمسيحيين والإيزيديين، سواء رجالاً أم نساءً. لكن انتقادي الوحيد له هو أنه لم يستخدم "العصا لمن عصا". أعتقد أنه كان ينبغي أن يكون أكثر صرامة في مواجهة هذه التجاوزات من قبل القوى الماسكة للسلطة.

علي شغاتي: هل تعتقدون أن المرجع الديني الأعلى في العراق قادر على كبح جماح قوى متنفذة بما تمتلكه من فصائل مسلحة ومؤسسات اقتصادية؟ خاصة مع ما صدر مؤخراً عن المرجعية، حينما انتقدت الفساد والمحاصصة وعدم حصر السلاح بيد الدولة. بعد ذلك، خرجت شخصيات بارزة محسوبة على المكون الشيعي عبر وسائل الإعلام لتقول إن المرجعية لم تقصد حصر سلاح الفصائل، وربما كانت تشير إلى سلاح الأمريكيين!

الشيخ طالب السنجري: هذا يدل دلالة قاطعة على أن المرجعية لا تمتلك مكاتب ذات صفة رسمية تفسر بشكل واضح ما تقوله المرجعية، مما يترك تصريحاتها مفتوحة للتأويل والتفسير حسب المصالح.

علي شغاتي: هل تعتقدون أن الإمعان في زج الدين في أروقة الدولة يؤدي إلى إساءة يتحمل الدين عواقبها؟

الشيخ طالب السنجري: أتفق مع فكرة عدم زج الدين في السياسة، بل أذهب أبعد من ذلك؛ أعتبر أن الدين السائد اليوم ليس هو الدين الحقيقي. الدين الحقيقي هو الإيمان بالله ورسوله والقرآن، وهو الجامع الذي يحتضن كل الأديان.

إذا فهمنا الدين بهذا الشكل، فعلى كل فرد أن يعبر عن تدينه بحرية، دون فرض مفاهيمه على الآخرين أو مطالبتهم بالانتماء إليه. الدين مسألة شخصية بحتة، ولا ينبغي أن يكون أداة للمجازفة بمصير الشعوب أو التشريعات.

ما يحدث اليوم يُظهر مخاطر زج الدين في الحياة السياسية. خذ مثال الصهيونية العالمية؛ لقد جازفت باليهودية واحتلت فلسطين، قتلت أطفال غزة، وارتكبت جرائم في لبنان. كل هذا لأنها زجت الدين في مشروعها السياسي.

علي شغاتي: هل تابعتم  ما يجري في العراق مؤخراً بشأن تعديل قانون الأحوال الشخصية؟ هذا الموضوع أثار جدلا وسجالا كبيرين، أدى إلى تعطيل عمل البرلمان الذي يعاني أصلاً من ضعف واضح وعجز عن تحقيق أبسط أدواره التشريعية.

وبعيداً عن الجدل، أسترجع في ذاكرتي ما حدث عندما جاءت هذه الأحزاب إلى السلطة، حيث بدأت قضم المؤسسات الاقتصادية للدولة، وأقامت مكاتبها التي حلت محل الدولة. بعد ذلك، سيطرت على المؤسسة الأمنية وأوجدت إطاراً قانونياً لبعض عناصرها.

اليوم يبدو أن الأمر وصل إلى قضم المؤسسة القضائية. هل نحن متجهون نحو نموذج يشبه لبنان؟ هل هذا هو الهدف من هذه التعديلات؟

الشيخ طالب السنجري: لا أعتقد أن هذا هو الهدف، ولا يمكنني التشكيك في نوايا القائمين على هذه التعديلات. أعرف معظمهم وأعرف تاريخهم في المؤسسات القضائية والتنفيذية والتشريعية. بحسب معرفتي، قد يكونون مشتبهين، لكن الحديث عن خيانة أو سرقة مبالغ فيه، لدي حرص شخصي على ألا أتهم أحداً بدون دليل أو أن أنساق مع الشارع في توجيه اتهامات بالفساد.

علي شغاتي: صحيح أن جزءاً من الحديث عن الفساد شعبوي، لكن هذا لا ينفي وجود فساد كبير في العراق، والذي أدى إلى تفاوت طبقي واضح نتيجة هذه العمليات. السؤال  هنا : لماذا تواصل هذه القوى قضم مؤسسات الدولة بدل أن تسعى إلى تقويتها؟

الشيخ طالب السنجري: ليست هناك مؤسسات قائمة بالأساس لتُقضم. الجيش، على سبيل المثال، حله بريمر، وتم تدمير الدولة بالكامل، وليس فقط النظام السابق. الأمر يتطلب إعادة بناء المؤسسات الحكومية وإعادة الوعي الوطني للعراقيين، وهو دور يجب أن تشترك فيه الأحزاب، سواء كانت إسلامية أو علمانية.

علي شغاتي: الحديث عن أمن العراق وتجنيب العراقيين ويلات الحرب يطول. سنوات طويلة عاشها العراق في حروب متتالية، ملأت حياة الناس بالمعاناة والآهات.

الآن، بعد 14 شهراً على "طوفان الأقصى" وما تبعها من استشهاد قيادات مثل هنية والسنوار ونصر الله، إلى جانب تغيير النظام السوري، نجد أنفسنا أمام صراعات إقليمية ودولية معقدة.

بعيداً عن الحلول الأمنية، التي أثبت التاريخ أنها ليست دائماً ناجعة، ما الذي ينبغي على العراق فعله لتجنيب الشعب العراقي خطر هذه الصراعات؟

الشيخ طالب السنجري: العراق كدولة واحدة وجامعة لا علاقة له بلبنان أو فلسطين أو حتى أمريكا وإيران. أنا عراقي، وما يهمني هو العراق فقط. ليس هذا لأنني أفتقر إلى الضمير الوطني، بل لأننا كدولة غير قادرين على التدخل في هذه القضايا الدولية.

عندما نصبح بحجم روسيا أو أمريكا أو الصين، وضمن توازنات القوى العالمية، يمكننا أن نكون حاضرين في المشهد الدولي. أما الآن، فالأولوية يجب أن تكون لبناء العراق والحفاظ على شعبه.

علي شغاتي: هل هذه دعوة للنأي بالنفس عن الصراعات؟

الشيخ طالب السنجري: نعم، أدعو لأن أعيش تحت شجرتي آمناً ومطمئناً، وآكل لقمتي بسلام.

علي شغاتي: إذاً، كيف تردون على من يقول إنه إذا تم الخلاص من لبنان، سيأتي الدور على سوريا، وبعدها العراق؟

الشيخ طالب السنجري: أقول له: لقد حصلت على النتيجة التي تريدها، املأ جيبك وابقَ في مكانك، واستمر كتاجر حروب. أما أنا، فأختار أن أكون تاجر سلام.

علي شغاتي: هل تعتقدون أن هؤلاء الأشخاص تجار حروب؟

الشيخ طالب السنجري: نعم، هم بلا شك تجار حروب. لماذا يجب أن يذهب أبنائي وشبابي للقتال بينما بيتي لا يزال غير مرمم؟ لم أبنِ مؤسسات أو مجتمعاً بعد، ولدي آلاف المشكلات الداخلية التي يجب حلها. كيف يمكن أن أترك بيتي وأذهب لترميم بيت جاري؟ بأي منطق؟ الحل هو أن نتحدث ونكتب، ونحن لسنا بمأمن من السوقية التي تحكم الواقع.

علي شغاتي: هل ما زلتم تعتقدون أن الانتخابات هي الحل الوحيد للتغيير في العراق؟

الشيخ طالب السنجري: صندوق الانتخابات ليس مقدساً، لكنه يمثل حلاً مثالياً لقضايانا وخطوة في الاتجاه الصحيح. الانتخابات تعلم الناس على المشاركة، مثل استخدام الحبر الأزرق للإدلاء بأصواتهم.

أتذكر أن أحد المراجع الكبار قال إنه لا يمكن انتخاب الشيوعيين، لكنني أقول إن صندوق الانتخابات ليس شيعياً، إسلامياً، أو شيوعياً. إذا صوّت الشعب واختار رئيساً شيوعياً، شيعياً، أو سنياً، فما المانع؟ لماذا نعيش في دوامة التناحر والتاريخ؟ يجب أن نترك كل هذا خلفنا ونركز على بناء الحاضر.

علي شغاتي: هل يمكن أن يكون للدولة دين؟

الشيخ طالب السنجري: إذا صار للدولة دين، فإنها ستنهار ويحل الخراب، فالأديان تقود الأشخاص، وليس الدول أو الحكومات أو الأحزاب.

علي شغاتي: هل يمكن أن تسلط الضوء على تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران؟ وهل تعتقد أن الغرب تخلّى عن الشاه في تلك اللحظة لصالح الخميني بهدف إنشاء دولة إسلامية في إيران لقطع امتداد الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى نحو العراق وسوريا؟

الشيخ طالب السنجري: السيد الخميني كان معادياً للغرب بشكل تام، ولم يترك مجالاً لأي تقارب معه؛ فقد أغلق أذنيه وقلبه تجاهه. لقد عاصرت السيد الخميني وعشت في تلك المرحلة التي كانت من أصعب مراحل الانتماء إلى هذه الثورة. عرفت السيد الخميني منذ ان كان في النجف، وتأثرت بشخصيته وقيادته. كان يمتلك كاريزما فريدة لا يمتلكها أحد غيره.

الثورة الإيرانية امتدت إلى أكثر من 20 عاماً، والسيد الخميني هيّأ لهذه الثورة منذ سنوات طويلة عبر أشرطة الكاسيت والأساتذة في الجامعات، حيث ربّى جيلاً انتمى إلى هذه الثورة.

فالدكتور علي شريعتي كان العمود الثقافي الذي استندت إليه الثورة، وكان خمينياً بامتياز، ولكنه لم يكن مجرد إنسان بسيط يتبع من دون تحليل؛ فقد كان عالماً اجتماعياً بارعاً. تعاضدت جهود الخميني، وعلي شريعتي، ومرتضى مطهري، وباقي القوى الوطنية الايرانية، واتفقوا على تشكيل هذا الحراك الثوري. السيد الخميني نجح في استقطاب هذه الجهود، وحتى بعض عناصر الحزب الشيوعي الإيراني (توده)، حيث رأوا فيه رجلاً وطنياً وحدوياً أكثر من كونه دينياً.

السيد الخميني قبل الثورة كان شخصية، وعند استلام الحكم أصبح شخصية أخرى، كما يحدث مع معظم الثوار. الشعب الإيراني أحب الخميني، لأنه رأى فيه المخلّص من فساد الشاه الذي لم يكن يمتلك الكاريزما أو المصداقية للاستمرار في الحكم، خاصة مع تفشي الفساد والجوع والمطاردات السياسية.

الخميني جاء كنتيجة طبيعية لهذا الحراك الشعبي، ولم يكن للغرب يد في مجيئه للحكم. الغرب ببساطة لم يكن قادراً على فهم شخصية الخميني وتحليلها. كانوا ينتظرون أن يهدأ الوضع، معتقدين أن الخميني قد يتحول إلى مجرد رجل دين يصلي بالناس ويجمع الخمس. لكن الخميني كان أذكى من ذلك؛ فقد قرأ هذه المعادلة جيداً.

وعندما وصل إلى طهران، استقر أولاً في مدرسة ابتدائية بدلاً من قصر أو مركز قيادة، وعندما استلم الخميني الحكم، استغل عمامته وطرح فكرة الاستفتاء الشعبي على نظام الحكم، حيث اختار الشعب النظام الإسلامي. لكن الفكر الشيعي الذي يحمله الخميني لم يكن شاملاً بما يكفي ليجمع المسلمين كافة تحت مظلته. لذا، تم تبني مفاهيم شيعية مثل ولاية الفقيه، مما خلق فجوة بين النظام الإيراني والأنظمة الإسلامية الأخرى.

على الرغم من ذلك، يجب الإشارة إلى أن الجمهورية الإسلامية حققت مكانة قوية في المنطقة. صحيح أن لديها مواقف إيجابية في الدفاع عن المستضعفين ومواجهة الهيمنة الأمريكية، إلا أن هناك أيضاً ملاحظات كثيرة على أدائها، وخاصة في منهجيتها وتطبيقاتها العملية.

علي شغاتي: كيف تقيمون تجربة حكم الإخوان المسلمين في المنطقة، سواء في مصر أو تونس، وحالياً مع احتمالية تجربة جديدة في سوريا؟ وإذا أمكن، كيف تأثرت التيارات الشيعية بفكر سيد قطب، حسن البنا، وغيرهما من مفكري الإسلام السياسي؟ كيف ترى هذه التجربة؟

الشيخ طالب السنجري: الإسلام السياسي سقط على يد الإخوان المسلمين، وإعادته إلى المشهد هي مجازفة، كما أن الإيمان به بشقيه الشيعي والسني يمثل مجازفة، والسبب ببساطة هو أن القوى الإسلامية لا تمتلك نظرية حكم متكاملة.

اليوم، نحن نعيش في ظل حراك اجتماعي متسارع ونظريات جديدة تتشكل يومياً، ومع ذلك، نجد أن الشيعة غارقون في خلافات حول علي وعمر، بينما السنة يعيشون تحت وطأة نظرية الخلافة. هذه التناقضات التاريخية والمذهبية تجعل من الصعب أن يكون أحدهم حاكماً لبلد متنوع الإثنيات، الأعراق، اللغات، والثقافات.

لذلك، البديل الحقيقي هو إعادة توجيه وعي العراقيين نحو "فقه وطني" بدلاً من "فقه ديني". هذا الفقه الوطني هو السبيل الوحيد لبناء دولة عادلة وشاملة تستوعب جميع مكوناتها.

*****************************************

الصفحة العاشرة

الاصالة في شعر مظفر النواب

تقي مطشر الشحماني

أنا والنواب

كنت ومنذ عرفت النواب شاعرا في الستينات وأنا مولع بشعره أتتبعه في كل جريدة أو مجلة يُنشر فيها وكنت أكتبه في دفتر عندي حتى عام 1972 وفي 25/5 من العام نفسه حيث قمت بجمع ما حصلت عليه من قصائده وجعلتها في دفتر خاص وكتبت عليه (للريل وحمد.. ديوان شعر لمظفر النواب)، وتشاء الصدفة أن أحصل على ديوان النواب وإذا به بنفس العنوان ( للريل وحمد،). عام 1964 كنت أعمل في شعبة الأوراق في وزارة الأعلام والمرحوم لطفي الخوري مترجما في قسم الرقابة كرقيب للمطبوعات ومترجم. وحين نجاح النواب الخروج من السجن ترك خلفه دفتر كتب فيه بعض قصائده وملاحظاته وبخط يده، وأُرسل الدفتر من قبل مديرية الأمن العامة إلى وزارة الأعلام- دائرة رقابة المطبوعات- بكتاب سري سائلين: هل يمكن اعتبار ما ورد في الدفتر مبرزات جرميه ضد النواب، وأُحيل الكتاب السري إلى المرحوم لطفي الخوري، فأرسه إلي وقال: هذا دفتر صاحبك النواب اقرأه. وأجب أنت على الكتاب لنرسله إلى الأمن العامة، فقمت بنسخ كافة موجودات دفتر النواب واحتفظت بها وما زلت.وكتبت، (إن شعر النواب يعبر عن ذاته وعن مبادئه فاذا ما أُعتبرت مبادئه معادية فهي مبرزات جرمية وان لم تكن فهي قصائد شاعر يعبر بها عن خواطره).

عام 1972 أو 1973 كتبت مقالا بعنوان الأصالة في شعر مظفر النواب وقدمته    

حينها إلى المرحوم لطفي الخوري رئيس تحرير مجلة التراث الشعبي التي كنت السكرتير التنفيذي لها. إلا ان المرحوم الخوري رفض النشر وقال ضاحكا (تقي تريد تورطنا) وبالفعل تركت المقال وأهملته. اليوم وأنا أقلب في أوراقي القديمة رأيت مجموعة من الأوراق مطوية وإذا بها البحث نفسه. فعن لي أن أعيد نشره.

الشعر الشعبي هو أحد أركان الأدب الشعبي العراقي، ومن المعلوم أن الشعر الشعبي كما الشعر العربي قد طرأت عليه تغيرات كثيرة كالتي طرأت على الشعر العربي ومنها الخروج على التفعيلة القديمة، فنتج عنها الشعر الحر، كما نتج عن الشعر الشعبي نتاج جديد هو الشعر الشعبي الحر الذي لا يلتزم بالأوزان والتفعيلة والطور وكان من أوائل رواد هذا الشعر هو الشاعر العراقي مظفر النواب، نعم هناك من رافق النواب في مسيرته من الأوائل كعريان السيد خلف وكاظم إسماعيل گاطع وغيرهم إلا آن لشعر النواب ميزة ينفرد بها عن هؤلاء الشعراء كونهم آبناء بيئة جنوبية عاشوا وترعرعوا فيها وعايشوها في واقع حياتهم اليومية أما النواب فهو إبن مدينة بغداد عاش ونشأ فيها وفي منطقة الكرخ تحديداً ولا تربطه بالجنوب رابطة سوى رابطة الأنتماء للطبقة الفلا حية المسحوقة والتي كانت المبادئ التي يعتنقها تدافع عنها، لذا إلتصق النواب وعشق الريف الجنوبي وحاول ومن خلال أصدقائه ومعارفه أن يتقن اللهجة الجنوبية وحتي من خلال معايشته التي قضاها في ألأهوار منذ عام 1959 وما بعدها حيث التصقت اللهجة الجنوبية بروح النواب وغدت جزء من زاده اليومي فطغت على معظم قصائده الشعرية الطافحة بالألم والثورة ضد الأقطاع وكل من يسبب الأذى للطبقة ألتي تعشقها وذاب وجدانيا فيها، النواب يكتب الشعر الشعبي بطريقة ما سمعه وعاشه في الأهوار من كلمات الرثاء والنواح والثورة والأصالة والحسچه.. إستعمل تعابير أناس الهور ولهجتهم، إندمجت روحه مع أرواحهم وأحس بمعاناتهم فصاغها شعرا عن لسانهم وأبدع فيها، مزج موروثه التاريخي والثقافي في نسج قصائده الجميلة، فهو يتذكر دموع بنات أبو فراس الحمداني وهن يبكين أباهن وقد تخيل كيف جرى دمعهن مختلطا بالكحل، وكذا قول جميل حين يقول:

وإذا ما تراجعنا الذي كان بيننا

جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل،

لكن شتان بين التغزل المترف والثورة، فيقول النواب في قصيدة (صويحب)

ميلن لا تنگطن كحل فوگ الدم

ميلن وردة الخزامة تنگط سم

جرح إصويحب إبعطابه ما يلتم

لا تفرح بدمنا لا يالگطاعي

صويحب من يموت المنجل إيداعي

ثم يقول

ودن على المكاحل يا مضايف هيل

غطنه بكحل دخله ومحبة ليل

نعم النواب أول شاعر مزج بشاعريته التاريخ والأصالة والتحديث في شعر جديد لم يألفه الريف ولم تألفه الحداثة الجديدة، مزج بين شعور مثقف يفكر بعقلية المدينة ولكن على لسان قروية ثُكلت بزوجها، وهذا النفس نراه مستمرا في قصائده التالية: .مضايف، هيل عشاير سعود،  مامش مايل، جد ازيرج، سفن غيلان، ويستمر في مزج الحداثة بالموروث الشعبي لأنسان الهور الذي حزنه مدمر لأنه ينبع من أعماق ذاته المملوءة بالعشق والثورة والأصالة وحكايا الدواوين، وفالات الصيد، والتنمر والمقاومة، يستغلها النواب كلها ليرسلها شعرا أخاذا ألفه الجميع رغم غرابة طرحه بهذا الأسلوب:

هاي أنه لحضنك لا تلم روحك

أضمك بالگصايب عين لتلوحك

يصويحب أفي الفيه لجروحك

يتلاگن عيون الذيب بشراعي

وأحاه.. شكبر ضحكات الأقطاعي

أو كأنه يصاحب ريفية (معيدية) تقف على قبر ابنها أو حبيبها لتخاطبه بكل حزن المعدان:

أنه أمك حرز جيتك دگوم إلها تلگاها

زلگ والروح ما بيها تشيل احمول دنياها

أروز الضيم أشيمها وأشيم الضيم وأتباها

وإجت للموت كل زينه تحني اجفوف موتاها

وگلك يا حرز روحي اوصلت حدها

هذا هو النواب، يغرق نفسه في عذابات الفلاحين ويندمج بصدق مع أحزانهم ويواكب مواقفهم النضالية ضد الأقطاع ليحملها مشعلا يضيئ به دروبهم نحو الطريق الممهد بأشلاء الضحايا والمسحوقين، نعم النواب يندمج حد النخاع مع من أحبهم ورفع راية الدفاع عن مصالحهم وأمالهم. من يقرأ شعر النواب يلفت انتباهه ظاهرة وخاصية تميز بها شعره وهي خلوه من ظاهرة الأنهزامية والتخاذل والتصبر والحث على الأنتظار والخنوع بل شعره مليء بالثورة والحركة والتمرد، الأمر الذي كان النواب قد إلتفت اليه منذ عام 1959و1960فكانت قصائده الثورية:

البد البد ابدمك يلقطاعي

صويحب من يموت المنجل ايداعي

جلد اقطاعي خيمتنه على عظام الحرامية

زلمنه تخوض مي تشرين حدر البردي تتنطر

زلمنه تحز ظلام الليل تشتل ذبحة الخنجر

زلمنه الما تهاب الموت تضحك ساعة المنحر

زلمنه تغني والخنجر على الشريان..على الميمر

الغزل في شعر النواب

أما الغزل في شعر النواب فهو غزل عاشق يذوب مع الحبيبة، يذوب مع الجمال، يصنع ألهة للجمال يتعشقها مصنوعة من بردي الهور وقصبه، ألهة بلون الكعيبة والخضيري وام سكه، ألهة بلون سمار بنات الهور وطيبتهن، ألهة قدماها في الهور حد خصرها وبيدها منجل (تحش) به البردي والقصب لتملأ به مشحوفها يختلط مع جمالها عطور المسك والمحلب والهيل والقرنفل وجوزة البوة:

شگد نده نگط على الضلع ونسيت أگلك يمته

شگد رازقي ونيمته

وشكثر هجرك عاشر اليالي الهوه وما لمته

إنته السحنت الليل بگليبي وكلت موش إنته

ثم يستمر النواب راسما صورا رقيقة رائعة:

مبروم برم الريزه يا ريان ومخوصر خصر لف العگل

كل چلمه منك نبعة البربين.. بالدلال ما تحمل ثگل

كيف خطر بفكر النواب أن يصف الهة الهور أم فاله ومنجل بهذا الوصف الرائع يصفها أنها مبرومة برم خيوط الحرير(الريزه) وأنها مخوصرة خصر لف العگل، إن أي ريفي سوف يفهم معنى أن يكون خصر الفتاة مخوصر كلف العگل لأن العقال يبرم ويلف بقوة لا يعرفها إلا من يرتديه، ثم كيف اختار النواب نبعة البربين للدلالة على غنج حبيبته، إذ أن نبعة البربين أو عود البربين إن أمسكت به وأردت أن توقفه فأنه ينكسر لطراوته، بربكم هل يوجد أجمل من هذه الأوصاف لأم شيلة سمراء الهور ورائعته، أما بقية قصائده في الغزل فصور مذهلة.

آما في قصيدة البنفسج فهو يرسم صورة تفوق صورة آحمد رامي الشاعر المصري الرقيق في قوله:

اللي شفتو أبل ما تشوفك عنيه

عمري ضايع يحسبوه ازاي عليه

فيقول النواب وما آجمل قوله:

چانن ثيابي علي غربه گبل جيتك

ومستاحش من عيوني

وفي الحقيقة لو كتبنا مئات الصفحات عن شرح قصائد النواب لم نوفه حقه فالنواب  ينفرد بصور شعرية لم يلتقطها غيره، تثير الجدل والخلاف بين عشاق شعره كقوله:

روحي ولا تگلها شبيچ وانته الماي

مگطوعه مثل خيط السمچ روحي

من يقرأ هذا المقطع الشعري يفهم منه أن روحه (مگطوعه) مثل خيط السمك، أي خيط هذا الذي يريده النواب؟ الخيط الذي يربط به السمك بعد صيده ليوضع في الماء، أم خيط صنارة السمك، بعضهم قال ان النواب قصد خيط السما أو (خويط الليلو) كما يسميه أهلنا في الجنوب، ولكن الحقيقة هي غير هذا, وإنما هو أن السمك الصغير لايسير مفردا بل على شكل جماعات (زرة) وهو مايطلق عليه خيط السمك، وعندما ترمي حجاراً في الماء أو يقترب أحد من الشاطئ فيشعر السمك بالخطر فيتفرق وحينها ينقطع الشكل الخيطي، كيف جاءته هذه الفكرة وكم راقب النهر ليرى خيط السمك هذا وهو يرميه بحجر فيراه يتفرق (ينگطع خيطه) لينقل لنا هذه الصورة الرائعة  (مگطوعه مثل خيط السمچ روحي )، ثم لم حلاوة الليل دائما (محروگه) والتي يشبه روحه بها، ربما لعدم وجود الضوء أو لنعاس الصانع أو إنشغاله بأمور أخرى أدت إلى (حرگ الحلاوه) ثم أخيرا اليأس من تحرك الحبيب وإشتعال روح الشوق فيه فيصفه النواب (بيا ثلج) اللي ما وجيت أو (يا تل جل) اللي ما وجيت كما قراءها أخرون.

التوريه في شعر النواب

من أجمل ما يقوله النواب في أشعاره هي إستعماله التورية في بعض قصائده، فعندما يريد أن يقول أن شعر حبيبته أشقر كما في الريل وحمد يقول:

ذري ذهب يامشط يالخلگك اشطوله

وعن ظهور الشيب في زلف المعشوق لطول الانتظار يقول:

والگيض إجانه وانگضه ورد گيض إجه وهم انگضه

والزلف هجرك فضضه ورد فضضه ومامش رجه

ويصف أحد أبطاله عند قتاله مع رجال الشرطة ألتي قدمت للقبض عليه

كل مهجة ثريه اتلاليك يمطيح نجمات الورشن

أي أن إصاباته كانت بالرأس لأن الشرطة كانت تلبس (السدارة) وتضع عليها نجمة من الألمنيوم (الفافون) الذي يسميه الجنوبيون الورشن. هذا ما عندي عن النواب, وقد أكون أطلت.  نعم كنت أريد أن أكتب أكثر عن النواب عن قصائده قصيدة قصيدة لكني إكتفيت بذلك لأني مهما كتبت عن النواب فلن أوفه حقه، فعذرا لأبي عادل من انسان أُعجِب به صغيرا وشاب على ذلك الأعجاب.

********************************************

يا محلا الوطن

فاروق كنا

يا مَحلا هذا الوطن

يعيش بضمائرنه

تعلمنه منه الوفه

والحب تعلمنه

احنه نطينه الوعد

والوطن عاهدنه

باجر يلمنه الصبح

والأيام تسعدنه

ثورتنا ثورة عَلم

ما بيها فَـرقة ناسْ

بيد الشبيبه الصامده

والمرأه رفعة راس

بيها اليحب الوطن

بيها الشعب حُراس

أنتانيك لو باقي العمر

شوك ووفه واخلاص

دم الشَـهيد النزف

من اجله كُـلنا انثـور

يبقه نضاله الوفي

وأسمه يظل محفور

الشعب باسمه هتف

والظلمه تصبح نور

باجر نعيد الزمن

ونبقه نمد اجسور

هّيهات ، ما نقبل بَـعد

ينباع موطنّه

يرجع وهذا وعد

كل الوطن إلنه

ونتعلم من الدرس

ومتعود هل المحنه

ما نقبل بذلتك

ونعيش بوطن جنه

******************************************

مراجل

محمد خضير ابو رافد

فناجين المراجل شفّت الهيل

حمد دك اكهوه ومناطر الريل

حمد دك اكهوه ومناطر الزين

يوصل للمحطه اوتشهك العين

ولك ياريل ماشايل فراكين

شلت من جان نوره ايبدد الليل

فناجين المراجل شفّت الهيل

شلت من جان نوره ايضوي عالناس

على الفقره توطن بيه الاحساس

على حبهم ربه اوما كاطع الياس

شد جرحه اوتحمّل ويل ياويل

فناجين المراجل شفّت الهيل

عبر ليل البنفسج واشتهه الجوع

تحزم عالحداثه اوصار ينبوع

قوافيه تصب حسرات ودموع

عفيف اوبالرجوله امحزم الحيل

فناجين المراجل شفّت الهيل

حمد ذل الطغاة اوما عرف خوف

فكره اشراع عالي اوبان للشوف

طريق الشعب بالاخطار محفوف

مد روحه جسر وتقهقر السيل

فناجين المراجل شفّت الهيل

مد روحه جسر عبّر الغيره

ركب دانك هواه ابدون حيره

يدري الروح بالدنيه كصيره

شجخ روحه علم يم نجمة اسهيل

فناجين المراجل شفّت الهيل

نكل جدمه اومشه للدنيه خطار

ينحت للعقل زينات الافكار

سليم النيه مايرضخ للاخطار

السعاده من جبينه اتقبله تقبيل

فناجين المراجل شفّت الهيل

جيت ابشوك للدنيه مظفّر

البست ثوب السعاده ابلون الاحمر

نبيل احساس عالطيبات تفتر

قصايد للهوى اترتلها ترتيل

فناجين المراجل شفّت الهيل

حفرت ابذاكرة شعب العراقي

اوفكرك بالوجود اهواي راقي

عفيف ابشرف عالطيبات باقي

يساري اوماتمر بيك التجاهيل

فناجين المراجل شفّت الهيل

******************************************

عرفتك نرجسي

حيدر جليل

من ضني اشتعل وبرودتك تضحك

ومن ليلي انطفة و ما گابلتك صبحك

ومن غيرت دربك يا وكيح الراي

ماشيت الخسارة وضيعت  ربحك

وانا ماي التركني هم يرد للماي

سراب الي تبعته و باجر يصيحك

علاك بوهم و خلاك تصعد فوگ

وحاسبلك وكت بس يخلص يطيحك

يل ما قدرت كل الخسرته وياك

اعوفن جرحي جنت والتهي بجرحك

 ليكضك خجل   وروح وين تريد

ودوس أعلى المضا وسويه الي يريحك

ما احسبك خسارة الربح عدي هواي

عرفتك نرجسي و تحب الي يمدحك

و انا بطبعبي انسجم ويه التواضع حيل

وانت بكل غرور اذم الي ينصحك

يخايب لا تضن طبعك يوصلك يوم

يم باب السعادة و يشتعل فرحك

تظل تركض عبث وادور استقرار

والايام تمشي و لازم تفضحك

*******************************************

الخبز

كامل الركابي

الخبز بايت

مو خبز تنور حار

ما ألومك

انت چنت

بخيمه

بايت

ناسي اصابيعك

المتشنجات من البرد

تشبك فوگ صدرك

شكل يشبه

من علامات انتصار

لو يجي !!!!!

خل يجي اليوم

ويشع وجه النهار

وتبتسم روحي واگلك :

روح اخذ من روح امك

خبز من تنور

حار !

************************************************

الصفحة الحادية عشر

جديد المجلات الأدبية

* صدر العدد الجديد (5/ 2024) من مجلة "الاديب الثقافية" التي يرأس تحريرها الناقد والقاص عباس عبد جاسم، وتضمن عدداً من الأبحاث القيمة والنصوص والقراءات الرصينة. من ابرز كتاب العدد د. فيصل غازي التميمي، أسامة غانم، خضير اللامي، امجد توفيق، سعد الدين شاهين، رعد فاضل، عادي الياسري، فيصل عبد الحسين.

* وعن اتحاد الادباء والكتاب في العراق صدر العدد (4/ 2024) من مجلة "الاديب العراقي" والتي يرأس تحريرها د. علي متعب جاسم، ومن ابرز ما ورد في العدد: ندوة عن اللغة والسلطة وهيمنة فعل الخطاب على وعي المجتمع، د. صاحب أبو جناح بموضع ابن رشد في كتاب الضروري في صناعة النحو)، ثلاث سمات للأدب بعد ما بعد الحداثي. النزعة التجديدية في المشروع القصصي لجماعة البصرة) لعبد علي حسن.

* وفي السويد صدرت مجلة باللغة العربية باسم "اغورا" يرأس تحريرها كريم سعدون ومديرها محمود هدايت. العدد الأول ينم عن اهتمام المجلة بالفكر والفلسفة والفن. من موضوعاتها: التعددية ارث هيدغر/ لمكسيم بلان. ترجمة إبراهيم محمود، موريس بلاشو/ جنون الموت. ترجمة صلاح بن عياد. التفلسف شعرياً، اوس حسن، في الأيديولوجيا والشعر/ ناظم حكمت مثالاً، لحيدر الكعبي، الى العدو/ فلاديمير هولان، ترجمة سهيل نجم.

*****************************************

مسرحية.. آخر المطاف

رياض ممدوح

الزمان: بعد عام 2009. المكان: العراق بعد الاحتلال.

الشخصيات:

هو : رجلُ في الخمسينات من عُمره.

هي: امرأة في الاربعينات من عمرها.

المنظر: (صالة في منزل قديم خرب وقد تحول الى انقاض، ولا شيء من اثاث سوى فَرشات مهلهلة على الأرضية، وعلى الجدران فَرشات ممزقة باهتة الوانها بفعل الزمن، عليها صورة غزالة قد اصابها سهم اطلقه صياد وهو على عربته التاريخية وبأزيائه الاشورية.

المسرح مظلم وبقعة ضوء على الشخصية النائمة والتي ترى كوابيس).

هي: (تدخل قلقة من سماع صوته يحدث نفسه).

ما بك يا زوجي العزيز؟ سمعت صوتك وانا في المطبخ. ما الذي يؤلمك، الم تهدأ جراحك؟

هو : وكيف تهدأ وهي آلام في الروح اكثر منها آلام في الجسد؟

هي: لقد مضى اكثر من شهرين على اطلاق سراحك وانت تئن من جراحك وآلامك.

هو: آلام جسدي هدأت، ولكن الآلام في روحي نار تزداد اضطراماً مع كل جرح في جسدي يشفى، مثل كفتي ميزان. مَن تمر به قصتي او تجربتي في الحياة لا يمكنه ان يرويها بالكلمات ابدا. لأنه قد اصبح حطام انسان وقد سحقته الحياة، في البداية اراد بسذاجته تغيير العالم وانتهى الى ان يحلم بان ُيدفن في هذا العالم بهدوء ودون ان يبقى له ذكر ابدا. فكيف تتوقعين منه ان يروي لك قصته؟ ان قصة مثل هذه لا تروى بالكلمات والافواه، انما تروى بالجراح النازفة فقط.

هي: انسى كل شيء، فانت قد اعتدت على السجون والمعتقلات.

هو: (يرتفع صوته انفعالا) هذه المرة تختلف عن كل الاعتقالات السابقة.

هي: وما الذي يختلف في هذه المرة.. انت وابي رحمه الله، قد تحملتم كل تلك الاعتقالات.

هو: كان ابوك قد اعتقل اكثر مني، وهو في الاخر حطم نظاماً ملكياً ومات بعدها تحت التعذيب ايضا.

هي: وانت ايضا مع الاخرين استطعتم تحطيم الصنم.

هو: كنتً مثل حصان جامح كما كنت أحب ان اغرّد خارج السرب لم اكن كتلة حديد في الميزان، بل كنت قنبلة تريد تفجير العالم لتُعيد بنائه، ولم اكن اقنع باقل من ذلك، وباني لم اُخلق الا لهذا. كنت سهما منطلقا نحو هدفه الأوحد متخلصا من كل ما يعيقه من أهل واحباب اختلفوا معه، حتى ان كان الاب او الأم او الزوجة، الحياة في كفة وهدفي بالكفة الاخرى، فكنا سهام تتثلم والجدران تُرمّم وتعود اقوى مما كانت.

هي: تناسى الآلام وابدأ من جديد.

هو: انا لا أتألم من اعتقالاتي السابقة تلك، ما يؤلمني هو اعتقالي الاخير وتعذيبي على يد من كانوا زملاء لي في المعارضة وهم الان الجلّادين والحكّام الجدد. لقد تم خداعي والغدر بي من قِبَل اقرب المقرّبين.. " كنت وحدك.. بعد ان تركوك وهربوا. كانت نظرة مني اليهم كافية لتمدني بالعزم. وها انا

وحدي انظر الى الهاربين الذين سيتهمونني بالسقوط والخيانة.

هي: الغدر صفة رذيلة في الانسان، فلا تستغرب ذلك.

هو: كان آسري يعذبني وانا ابكي، يضربني وانا ابكي، ابكي ليس من الالم بل من خيانة من اتهموني بالخيانة (ينهار الممثل باكياً). لقد كان حصان طروادة وكر ذئاب. وانا الان حطام انسان، لا ماض يفخر به، ولا حاضر يُسعَد به، ولا مستقبل يتلهف اليه.

هي: قضى ابي عمره بمقارعة الملكية، وقضيت انت عمرك بمحاربة الدكتاتورية، وسياتي ولدك بعدك ويقضي عمره للقضاء على مجموعة الفساد هذه، أليست هذه كلماتك انت ومن قبلك ابي؟ لقد حفظتها منكما كلها.

هو: وانا تحت سياط زملائي السابقين، احدق الى وجوههم من الاسفل اكاد لا اعرفها. لا ادري هل هي الان قد ارتدت اقنعة جديدة.

عرفَت اقدامنا ضربات الفلقة قبل ان تعرف لبس الاحذية، تلقينا الضربات على بطوننا الخاوية التي لم تمتلئ يوماً.

هي: انتم مثل متسابقين في قفز الموانع، كلما اجتزتم حاجزا ظهر اخر.

هو: كنا نؤمن بأنفسنا ونقول ان الف ارنب لا يُعادل حصانا واحدا. ونحن حصان طروادة، حصان" التنظيم الحديدي". دخلت في هذا الدهليّز كما يدخل نبي خالص النيّة فيه، دهليز مظلم لا نور فيه الا نور قلوبنا، معتقدين اننا مجموعة من الانبياء يعيشون من اجل رسالتهم، سرْت معهم مغمض العينين معتقدا ان نقاء القلب يكفي نوراً لي في هذه الدهاليز. ما يعذبني الان هو، هل انهم كانوا معنا وغيّرتهم الكراسي، ام انهم منذ البداية كانوا اعداء بأقنعة اصدقاء، فأيهم القناع وايّهم الوجه؟

هي: لَمَ لا تقول انهم منذ البداية شاركوا الاعداء، وقرروا أي المركبين يغرق يقفزون للآخر؟

هو: وكأني كنت المغفل الوحيد بين الشياطين، و كنت العاري الوحيد بين المتلصّصين، وكيف لا يشعر بخيبة الامل من اضاع عمره في محاربة طواحين الهواء. انا من اضاع في الاوهام عمره. انا ذلك الحصان الذي ذهبوا به الى النهر واعادوه عطشاناً. انا الجندي المجهول الذي صعد على ظهره الكثيرون.

هي: كم كانت امي تقول له ان يتفرغ لنفسه ولنا نحن، ولا شيء ينفع غير ذلك.

هو: كان عزائي الكبير هو اني كنت وسط الجموع من امثالي، كنا حزمة لن ولم تنكسر. كنا امواجاً تتبع امواجاً نحو الهدف، نتسابق نحو الصفوف الاولى لا نُبالي بعدد الطعنات التي نتلقاها بل نُفكر فقط بما سنلحقه بالعدو من طعنات. كنا نحن رأس الرمح. كنا نعتقد انه يمكن لمنقار اصغر طائر ان يفقأ عين اكبر الفيلة، وانه لا يمكن لأضخم الفيلة ان يطمر بقدمه مخرزا ثابتا في الارض.

هي: ليكن نضال ابي خير عبرة لك.

هو: كان والدك كتلة صلبة من المبادئ، منه تعلمت وعرفت الحياة  وكيف تُعاش، كان قدوتي وقائدي في كل شيء.

هي: حقا كان قدوة لك في كل شيء، واكثر ما اخشاه ان نفتقدك ايضاً.

هو: لم يمت نادما، لم يكن يعيش لنفسه وعائلته فقط.

هي: ليته عاش كما يريد لكن بعيدا عنا، لكانت تلك اكبر خدمة يقدمها لنا انا وامي التي انتحرت بعد احتجازهم لها، مهدّدين بها ابي ليعترف. فمَن منهما كان الضحية، هو ام هي؟

هو: هما الاثنان.

هي: لا بل هي الاكثر. الآن بعد ان كبرتُ عرفتُ سبب انتحارها، انه

الشرف والكرامة التي لا تعادلها كل سياط العالم، انه الموت الروحي قبل الجسدي.

هو: هما الاثنان ضحية، لكن نعم، تضحيتها هي الاكبر.

هي: كنت اخشى مصيرها عندما كنت ازورك في السجون وانا منهارة فتضخّ فيّ الشجاعة. كم حاولت ان اسحبك من هذا الجُب، اقول الجُب لأنك ترفض ان اسميه مستنقع.

تمنيت وعملت كثيرا على ان اسحبك، لكنك سحبتني انت الى نفس الجُب. كنتَ تكلّفني ان انقل رسائل بينك وبين زملائك الذين كانوا خارج السجن. وهكذا اصبحتُ في القاع معك. تعال يا زوجي العزيز نبدأ بداية جديدة.

هو: كيف يكون ذلك؟ كيف يعود مَن عمره جاوز التسعين الى حبه الاول في مراهقته؟ كيف يشترك الانسان في سباق بعد ان قُطعت ساقيه؟

كيف يشرب المخمور بعد ان انتهت حتى الثمالة ؟ كيف..؟

هي: وماذا بيدك الان لتفعله؟

هو: بيديّ الكثير. بيديّ خبرتي السابقة، خبرتي في كيف تنفض العنقاء غبار حرائقها عن نفسها.

هي: وكيف ذلك.

هو: انطلق بين الشباب في الساحات الواسعة وتحت الشمس، اضيف خبْراتي الى خبراتهم، واصرخ عاليا بشعاراتهم ومطالبهم.

هي: وستدخل السجن ثانية.

هو: لا يهم بعد الان. لقد تأقلمّت على حياة السجون، ولن أتأقلم في خارجها.(يهمّ بالخروج) اذن، الى اللقاء، او الوداع، يا زوجتي الحبيبة.

هي: انتظر، فانا آتيه معك. فلدّي صوت للصراخ يعلو على صوتك. وانا اجدَر منك في اعداد الخبز والطعام للشباب المتواجدين في الساحات (تضحك ويضحك هو ايضا. يضع احدهم كفّه بكف الاخر ويخرجان).

********************************************************

حرائق "ابن زريق البغدادي"

عبدالرزاق الربيعي/ مسقط/ عُمان

شططٌ رياحي

في الطريقِ إليك

فالأسوارُ لاحتْ من بعيدٍ

والبلادُ تجّهمتْ

شططٌ غنائي

والسماءُ إليكِ مُقفلةٌ

على اللاشيء

واللاشيءُ من حمأِ

وصلصالي هواءٌ يابسٌ

شططٌ على شططٍ

وأنتِ قريبةٌ

حدّ الغيابِ

بعيدةٌ

حدّ العناقِ

جميلةٌ حدّ الغرامِ

وأنتِ مثلي

تعشقينَ الشمسَ

مثلي تحفرينَ دمي

لتنتزعك

من أصفارهِ

شططٌ

فكيف َ أضمُّ عليكِ

هذا البحرَ

كيف ألمّ أشيائي الصغيرةَ فيكِ:

  • محبرتي
  • جحيم َ أصابعي
  • لغتي الهزيلةَ في الخصامِ
  • مدائني الأولى
  • رصاصات النوارسِ

وهي تهطلُ منكِ

يا امرأةً عثرتُ باسمِها

عثرتْ باسمي

في الطريق

إلى الصلاة ِ

فكيفَ لي

أن أمحوَ الطرقاتِ

من قدميّ؟

كيف تنامُ روحي

والسماءُ وحيدةٌ

في مهدِها الحجريّ

كنتِ مهيبةً

حدّ البكاءِ

أليفةً

حدّ الحمامِ

حبيبةً

حدّ الخصامِ

وقلتَ: يا "ابن زريق" لا......

" لا تعذليه ..."

فإنّ الريحَ في أردانهِ شططٌ

وموج البحر ِ في أبياتهِ شططٌ

حقائبُه

وتذكرةُ الإيابِ

وعودُه

شططٌ

وضحكتُهُ الجديدةُ

في الجريدةِ

كلُّها شططٌ فلا ..

" لا تعذليه ...

تهدّمتْ شفةُ القصيدةِ

حين أسرجَ حلمَهُ

فأسرّ لي:

-- جرحي قيامُ الليلِ

في صحراؤكِ العظمى

وجرحُكِ في يدي

لكنّ سيري

لا يسرُّ الناظرينَ إليكِ

سِرنا تحتَ لمع البرقِ

جمّعنا أصابعَنا

بكفّ واحدٍ

جُرحًا على جُرحٍ

لممنا مفرداتِ البحرِ

من صَدَفٍ

ورملٍ أخضر الأمواجِ

كان الليلُ يمحونا كثيرًا

كانتِ الأمطارُ

فوقَ القلبِ

تجري كالطفولةِ

في دمي تجري

وكانَ الوقتُ

يهبطُ مسرعًا

حتى وقفنا

عند سور ِ المقبرة

موتُ على موتٍ

وأنتِ بعيدةٌ عنّي

وأنّي صرتّ أبحثُ

عنكِ فيّ

لعلّني

أخفيكِ

في ظلماتِ

كهف المحبرة

**********************************************************

قراءة في قصائد "ادعوها إلى الشاي فتدعوني إلى القلق" ستحلق من رؤوسكم البلابل

صباح محسن جاسم

من لواعج ما دوّنته ريشة الشاعر المهندس ثامر سعيد منذ تراكم سنوات القحط العجاف، مجموعته الشعرية التي اصدرها اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين في البصرة – 2024.

في تقديمه الفلسفي يخاطب الشاعرُ أصدقاءه " المجانين" – المُعلّقين في الهواءِ المُمِلِّ إلى الأبد... أنْ: " لا تخاطروا بأحلامكم العالية / ستحلّقُ من رؤوسِكم البلابل./ السماءُ خائنةٌ/ وثمةُ فخاخٌ مضمرةٌ/ على امتدادِ هذا الفراغ المريب."

العنوان، نصٌ بحد ذاته! تُرى كيف تسنّى للشاعر أن يلتقط هكذا عنوان لمجموعته! أجاب تساؤلي مراوغاً: " أنا حَدّاد الكلمات"... قصائد محتواها يتجاوز العديد مما ألفناه في دواوين من كتبوا العشرات من القصائد. هذا الشاعر يستحق تأمّل ملامح وجهه ليخلق منها نصّاً آخرَ لا يفكُّ أسراره سواه ! وإذ يعاشقُ الشاعرُ بين هالة الشعر وهالة سحر الطبيعة ، يرفدنا بمعادل موضوعي يمتزج بين الواقعي والشعري. شاعر تشدّه اللحظة البَصَريّة ، يلتقطها ويدورُ من حولها فيستنطقُ جماليةً رؤاه إلى جانب ما تكتنزه من جمال.  في لحظة شاردة  يسّاقط نظره لمجموعة من سيقان القصب " عصا موسى" –  قصب البامبو- فيستعين بأبنته الصغرى علها تؤازره فيما يراه ، أنّ تلكم السيقان حقاً راقصةٌ جذلةً بوجودهما معاً ... فتحلُّ في اكثر من موضع من قصائده المنثورة كما لآليءٍ ساحرة ، نتتبعُ أثَرَها في نص عنوان مجموعته :" ام خذلتني الأغاني وأنا أوجِزُ أشجار الغيابِ/ برقصةٍ مع سيقانِ البامبو/قبلَ أن تكسرَ مزهريتها/ وتصيرُ أضلاعاً لنافذةِ السماء ؟ " وكذا الحال مع نصّه الآخر"  بورتريه لسنةٍ شاحبة" حيث يرسم صورةً استحوذت على تأمله في لحظة بَصَريّة : " لن أرسمَ بورتريه لوجه هذه السنة/ ولن أصنع لها كما كنتُ/ إطاراً من سيقان البامبو/ فقد رميتُ على الذكرياتِ الطلاق." ويعاود القصب المكتوي لينشد ناياته المفجوعة كأغنية مثقّبة بالحنين- في نصّه الشعري المتأسّي الحزين – على مقام الشجن- ص47 :

الأغنيةُ المثقّبة بالحنين/ تقولُ للقصب الذي سيصبحُ/ في يومٍ ما نايات:/ لن أتركها بسلام."

قصائد حاشدة بالصور المتحركة، بل حتى بالألوان ومواضيع تدين الخرافة والحروب وتستهجن فتاوى انتباذ الموسيقى والرقص بالكلمات:" هل صحيحٌ أن الموسيقى عندكم حلال/ ورقصات الهيوة أو الروك اند رول لم يجرؤ مفتٍ/ على تحريمها؟".  كما لا يفوت عقيرة الشاعر التضامنية مع السجناء الأبرياء:  " يا مولانا: قلبي طفلٌ في الستين/ يتراشقُ مع ظِلّه بالوردِ في الطرقات/ ويرقصُ كالسكارى تحت المطر/ يسألني كلّ ليلةٍ عن العاشقين/ أحوالهم منصوبةٌ في أعالي الرغبات/ وحالي مكسورةٌ كأغاني السجناء!!" ، من نص -درسٌ في النحو-.زرقة تُذكّرُ بأزرق أزرق – هوليا-:

وها قد جذبته زرقة البحر، هو الغارق في " زرقة مارك زوغربيرغ الصاخبة" في – هذا ما حدّني به الوقتُ- : " إلى أين تُفضي كلُّ هذه المعابر؟/ وحين تتصفّحُ جريدةً/ أو تغرقُ في زرقةِ مارك زوغربيرغ الصاخبة/ حاول أن لا يتعكرَ نهرُكَ/بوفرةِ ما تطفو أمامكَ/من جثثٍ نتنةٍ"

  - مارك صاحب موقع فيسبوك المصاب بعمى الألوان، وميله إلى اللون الأزرق المرتبط بالطمأنينةِ والإستقرار والإيمان والثقة بالنفس-.واذ تقفل سماء الشاعر أبوابها على حين غرّة فوطنه بلا أبواب. أما قهوته فـ مرّة :

" قهوتي مرّةٌ. / لا أخونُها بحبّاتِ سُكّر/ وثمةُ أمرأةٌ تُحبني جداً" أما النساءُ فـ " غاباتٌ عالية.. / فلا تدخلهنَّ بقلبِ حطّابٍ/ فيخذلك فأسُك". المرأة المحتفية بيومها في الثامن من آذار، ينشد لها لواعجه ومناه بموسيقى بوح عاشقٍ  لفتاته الفرنسية  في مهرجان اللومانتيه ": وأنتِ تُقلّمين الغصنَ الثامنَ / من شجرةِ آذار./ أقولُ لكِ: جوتيم بوكو– أُحِبُّكِ جداً " في نصّه الشعري – أحبكِ عارياً- تفتننا الصورة التفاعلية : ان هذه عصارة النصوص وخميرتها ورؤية الشاعر المكاشفة عن ما يجري في النظام الدولي الرأسمالي.. حيث تُساق الضحايا بعاطفيتها السمجة لا بعقلية العارف المتفحّص الذكي المحتسب ، إلى حتوفها المرسومة سلفاً..!

هكذا يقرأ لمن يروم  متابعته بسخرية الشاعر اللاذعة :

" يقولون : إن المقاهي عندكم مكتظةٌ بالجميلات/ والكهربةُ لا تتذبذبُ ولا تنقطع/ اقتصاد وطنك الجديد لا شأن له/ بوصايا البنك الدولي/ والحصة التموينية لا تُقطع وفقاً لعلاواتِ الراتبِ الشهري.

وأن يثرينا العطش لبقية القصائد تستوقفنا حكمة مفعمة بالديالكتيك :" لا ترمِ سرَّكَ في بئر/ ستشربهُ كل القوافل."

هذا الشاعر النافخ في بوق إسرافيل، سيظلُّ نافخا نافحا قصائده بالمتضاد المبهر ليظهرها في مجموعته الشِعرية الجديدة " رقصة سيقان البامبو" هكذا  تحطّ  كنورسٍ من نوارس دجلة.

*****************************************

الصفحة الثانية عشر

الكاتب رشيد غويلب في «بيتنا الثقافي» عن {اليسار بين الانكفاء والصعود}

بغداد – طريق الشعب

في آخر فعالياته لهذا العام، ضيّف منتدى "بيتنا الثقافي" في بغداد السبت الماضي، المترجم والكاتب المهتم بشؤون اليسار رشيد غويلب، الذي ألقى محاضرة بعنوان "اليسار بين الانكفاء والصعود.. الاسباب والتحديات"، بحضور جمع كبير من المتابعين والمهتمين، بضمنهم سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي.

المحاضرة التي احتضنتها قاعة المنتدى في ساحة الأندلس، أدارها السيد سعدون هليل، واستبقها بتقديم نبذة عن الضيف.

في بداية حديثه، نوّه غويلب إلى انه سيتحدث كناشط سياسي. ثم قدم تعريفا مكثفا لمفهوم اليسار، مؤكدا نسبية المفهوم واتساع حدود توصيفه "فهو يمتد وفق التوصيف التقليدي من الديمقراطية الاجتماعية الى اليسار المتطرف، في حين ان اغلب الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية وأحزاب الخضر في أوربا تتبنى بشكل متزايد سياسات يمينية وليبرالية جديدة".

وتابع قوله: "منهجيا – وفق قراءتي - فإن اليسار مضاد للرأسمالية، ويناضل من اجل بديل لها جوهره العدالة الاجتماعية الجذرية وإعادة توزيع الثروة لصالح الأكثرية، هو الاشتراكية. وان يكون علميا، أمميا، متضامنا، تحرري الموقف من حقوق المرأة وفي رؤيته للعلاقات الاجتماعية وخصوصية الأفراد".

وأشار الى العوامل التي ادت الى نهوض اليسار، منذ انشقاق الحركة العمالية العالمية على خلفية الموقف من الحرب العالمية الأولى، وانتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917، التي اعطت قوى اليسار زخما استثنائيا. وشدد على ان اهمية اليسار قائمة ما دام النضال في سبيل عالم افضل مستمرا.

كذلك اشار الى النهوض الذي شهدته حركة التحرر العالمية، التي لعب فيها اليسار دورا رياديا، على خلفية انهيار عالم الامبراطوريات القديمة، مضيفا قوله: "أدى اندحار الفاشية إلى انكماش اليمين في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، ما شكّل عاملا مهما آخر لصعود اليسار". وتابع قائلا أن "الفاشية القديمة والجديدة، مثلت وتمثل تطورا داخل الرأسمالية السائدة وليس تجاوزا لها"، مشيرا إلى الدور المحوري الذي لعبته قوات الانصار الشيوعية في الخلاص من الفاشية في العديد من البلدان الأوربية.

وسلط المحاضر الضوء على الدور الذي لعبه المثقفون اليساريون في طرح ثقافة تقدمية في مواجهة الثقافات التقليدية السائدة، وعلى تصاعد الانتاج الذي ادى الى تعزيز دور النقابات العمالية في الحياة السياسية. كذلك تأثير بناء البلدان الاشتراكية السابقة، والذي ساعد ضمن امور اخرى في تبني البلدان الغربية نموذج دولة الرفاه، ما حقق قدرا من العدالة الاجتماعية وساعد على نشر مفاهيم تقدمية.

وبشأن اسباب تراجع اليسار، اشار غويلب الى "نهاية تجربة الاشتراكية الفعلية وغياب (المثل) بالنسبة لقوى اليسار، والى انتشار الجمود الفكري الذي حوّل الماركسية الى عقيدة جامدة، بجانب البيروقراطية والمركزية الشديدة، التي لم تنحصر في البلدان الاشتراكية، بل انتقلت الى احزاب اليسار العالمي بدرجات متباينة. كذلك التأثير السلبي لتقاسم مناطق النفوذ خلال عقود الحرب الباردة، وضعف التضامن مع شعوب الجنوب العالمي، نتيجة لنمو ارستقراطية عمالية في البلدان الرأسمالية. واخيرا سيادة الليبرالية الجديدة، واولوية نشاط رأس المال المالي على حساب تعزيز التصنيع والانتاج".

أما بشأن تحديات اليسار الراهنة، فقد لفت إلى "اهمية تجاوز الانغلاق الفكري، الذي ادى الى الابتعاد عن المنهج العلمي في التحليل. والى اهمية التثقيف بكون معركة اليسار الكبرى تدور اليوم حول تعزيز وعي تقدمي انساني، وضرورة ربط الفكر بالممارسة، وتأكيد الروح النضالية، والابتعاد عن النفعية وتبرير انتشارها واضرارها الفادحة على روح اليسار الكفاحية. وان يراكم اليسار تحالفات على اساس حاجات الناس بالاستناد الى مشروعه، وعدم الانجرار تحت اية ذريعة الى مشاريع قوى السلطة".

وشدد على اهمية المراجعة التفصيلية بروح تضامنية، وتجديد مشروع اليسار على اساس ثوابته وما هو مضيء في تجربته بما يتناسب وتطورات الحياة. ختاما، اشار غويلب الى نجاحات اليسار المتحققة عالميا رغم حالة التراجع العامة، كما هو الحال في بلجيكا والنمسا واخيرا في الأورغواي وسريلانكا. ودعا الى "منح مشروع اليسار المستقبل الذي يستحقه، بشجاعة ومثابرة، وبنقد ذاتي أساسه الاعتراف بالأخطاء وعدم محاولة تحجيمها، والاستعداد للتعلم باعتباره السبيل الوحيد لجعل اليسار أكثر تأثيرا. هذا وطرح الحاضرون أسئلة ومداخلات نوعية، بعضها يتعلق باليسار العراقي. وقد ردغويلب معقبا عليها وموضحا.

وقبيل الختام، قدم الرفيق رائد فهمي مداخلة ضافية تناول فيها طبيعة المرحلة والبرنامج الذي يتبناه الحزب، فضلا عن عديد من الأفكار بشأن تطور الرأسمالية والصراع بين تياراتها المختلفة.

وفي الختام قدم الرفيق حيدر مثنى عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، شهادة تقدير للضيف، باسم المنتدى.

*************************************

قف.. صفقات!

عبد المنعم الأعسم

اينما تذهب يقال لك هناك صفقة تحت الطاولة، وهناك طاولات تحت الخدمة، وهناك "خدمات" تحت صالات في عمق ياردات، في دول مجاورة، وفي عواصم بعيدة، وخلال هذا الضجيج برز لاعبون إعلاميون يلفقون صفقات مثيرة، ونيئة، وغير معلنة لكل لقاء بين ممثلي الدول، على أساس السبق الصحفي الزائف، او اختصاصات التكنولوجيا المزعومة. يقول مهندس الصفقات النمساوي الشهير في القرن التاسع عشر كليمنصو فون مترنيخ وهو يدافع عما عُرف به "ليس كل لقاء بين السياسيين يعني وجود صفقة.. لا تدنسوا سمعة الصفقات" وتقوم "أمجاد" مترنيخ على صناعة صفقات حقيقية مثيرة (سميت باسمه) بين ممثلي الأطراف المتحاربة في أوربا، وقد عُرف على نطاق واسع أن أولئك القادة كانوا يشتمون بعضهم في الممرات التي توصل إلى صالات الاجتماعات، لكنهم سرعان ما يتصافحون في مسعى إلى تقاسم أسلاب الحرب، وخرائط الدول، وإخضاعها.

نعم، هناك صفقات تُصمم بين المتحاربين، وفي البعض منها غير مكتوبة، والاخيرة تكون عرضة للانهيار.. طالما ان الذين صمموها كانوا يكذبون على بعضهم، وعلى الجمهور، بل انهم يتفاجأون إذا ما صدقهم أحدٌ.

*****************************************

هل تتحوّل مكتبة قلعة صالح إلى مركز تجاري؟!

متابعة – طريق الشعب

 

تدور أحاديث في قضاء قلعة صالح بمحافظة ميسان، حول مساعٍ لبيع المكتبة العامة أو تحويلها إلى مركز تجاري، بعد أن تهالكت وأصبحت مهجورة، ونُقلت مقتنياتها إلى غرفة صغيرة في مبنى البلدية.

لكن قائم مقام القضاء يقول أن تلك الأحاديث مجرد شائعات، وان المكتبة مدرجة ضمن مشاريع 2025، وسيكون المبنى الجديد من أربعة طوابق وبطراز حديث.

مدير المكتبة علي عبد السادة، طالب في حديث صحفي الجهات المعنية، بإعادة بناء المكتبة باعتبارها صرحا ثقافيا جماليا مهما، مشيرا إلى انهم رفعوا بذلك طلبا إلى القائم مقام، الذي بدوره أحال الطلب إلى المحافظة "لكننا لم نتلقَ أي استجابة حتى الآن". 

وأكد أن "المكتبة أصبحت مهجورة، والطلبة والمثقفين الذين كانوا يزورونها سابقا، باتوا اليوم يأسفون كثيرا على حالها"، مشيرا إلى ان المحافظة قررت نقل الأثاث والكتب إلى غرفة في مبنى البلدية، لا تصلح لاستقبال القرّاء ولا يتوفر فيها مكان للمطالعة.

من جانبه، قال قائم مقام القضاء علي حيدر، أن "كثيرين يتساءلون عن مصير المكتبة. وأود أن أوضح انها لم تُدرج ضمن مشاريع العام 2024. حيث كانت الأولوية لمؤسسات مهمة أخرى، كالمدارس. لكن بعد تحقيق نسبة إنجاز جيدة في مشاريع الاعمار، تم إدراج المكتبة ضمن موازنة 2025".

وأكد في حديث صحفي أن "البناء الجديد سيكون بهيكل عمراني حديث، ومن المتوقع أن يبدأ التنفيذ قريبًا"، نافيا صحة الأحاديث الدائرة حول بيع المكتبة أو تحويلها إلى مركز تجاري.

إلى ذلك، قال الشاعر عدنان منكوب، أن "كل مدينة في البلاد بحاجة إلى مكتبة. وبالنسبة لقضاء قلعة صالح، فهو بحاجة ماسة إلى إعادة بناء مكتبته"، مشيرا إلى أن "المكتبة، بالإضافة إلى كونها مكانا للمطالعة، تصلح أيضا أن تكون حاضنة للأمسيات الثقافية والأدبية".

********************************************

اختتام {مهرجان الفيحاء} الخامس في البصرة

البصرة - صلاح العمران

اختتمت يوم الأربعاء الماضي في مدينة البصرة، فعاليات "مهرجان الفيحاء" الخامس الذي أقامته "مؤسسة هواجس" للثقافة والفنون بالتعاون مع نقابة الفنانين في المحافظة، وبمشاركة فنانين من مختلف محافظات البلاد.

المهرجان الذي استمر 3 أيام، تضمن فعاليات موسيقية وشعرية، فضلا عن معرض تشكيلي شارك فيه نحو 70 فنانة وفنانا من البصرة وبقية المحافظات.

وتوزعت الأعمال التشكيلية التي عُرضت على قاعة نقابة الفنانين، بين الرسم والنحت والخزف. ومثلت مدارس وأساليب فنية مختلفة.

وفي حديث لـ"طريق الشعب"، قال الفنان سرجو محمود، من السليمانية، انه شارك في هذا المعرض التشكيلي مع 14 فنانا آخرين من أبناء مدينته، 13 منهم نساء.

وفيما رأى الفنان خالد الشيباني أن الجميل في المهرجان هو انه جمع فنانين من مختلف المحافظات في مدينة البصرة المعطاء، أشار الفنان محمد الزيدي إلى ان المهرجان يساهم في تعزيز اللحمة بين فناني البلاد.

نقيب فناني البصرة فتحي شداد، وصف المهرجان بـ"العرس الإبداعي"، مؤكدا أن أبواب مقر نقابته مفتوحة دائما أمام مختلف الفعاليات الفنية.

إلى ذلك، ذكر الفنان علاء داود، من بغداد، أن المهرجان أقيم بجهود ذاتية من "مؤسسة هواجس"، التي تحملت أجور نقل الفنانين وسكنهم وضيافتهم.

*****************************************

رواية جديدة  للكاتب يوسف أبو الفوز

متابعة  طريق الشعب

 

عن "مؤسسة أبجد" للترجمة والنشر والتوزيع في بغداد، صدرت أخيرا رواية جديدة للكاتب العراقي المقيم في فنلندا، يوسف أبو الفوز، عنوانها "العُثّة".

تجتهد الرواية الواقعة في 315 صفحة من القطع المتوسط، للغوص في النفس البشرية والبحث عن الذات، متناولة موضوعة الشعور بالذنب، وحالة التكفير عن الأخطاء. إذ تناقش شخصيات الرواية احوالها ومحيطها، وتستعرض ماضيها، وتكشف عن مشاعرها كالقلق والخوف من المستقبل، ورغبتها في التغيير نحو الأفضل، وشحنة الامل التي تدفعها الى التشبث بالحياة.

تغطي الرواية جانبا من حياة وهموم وتطلعات العراقيين المغتربين، وتتابع مصائرهم.  

******************************************

ليس مجرد كلام.. أمنية عراقية  في العام الجديد..!

عبد السادة البصري

في هذه الليلة وحينما تغازل عقارب الساعة بعضها لتدقّ معلنةً دخولنا سنة جديدة، سأجلس أقلّب دفتر ملاحظاتي خلال العام الذي مرّ، علّني أجد ما يسرّني، أو أمنية كنت قد دونتها ذات يوم وتحققت، وانا على يقينٍ أنني لن أجد سوى أمانٍ ليس لها حدّ لكنّها سراب في سراب!

سرحتُ حيث طفولتي وكيف كنتُ أمنّي النفس بأحلام وأمنيات كبيرة، أرسمها على الورق وأظلّ أقلّبها ذات اليمين وذات الشمال وأغنّي ! كم من الأمنيات كنّا نكتبها ونقولها ونجيب معلمنا حين يسألنا : ما أمنيتك في العام الجديد؟! أتذكّر إنني دائما أجيبه: أن أنجح وأحصل على درجات عالية. قبل عام 2003 كنّا نمنّي النفس بالحرية والسعادة وزوال الغمّة التي جثمت على صدر البلاد والعباد، وكان من بين أمنياتي أن أحصل على بيت يؤويني وعائلتي، لأتخلص من غائلة الإيجارات وهمومها وقلقها وهواجسها، التي لم تبارحني لحظة ــ وطبعا لست الوحيد بل هي أمنية أغلبية الشعب ــ اضافة الى الاحساس بالأمان والعيش الرغيد وما الى ذلك.

انقشعت الغمّة وزالت الدكتاتورية الفاشيّة، لكن هل تحققت أمانينا؟ وهي بسيطة جدا قياساً إلى ما يعيشه الناس في بلدان أقل مورداً وثروات من بلدنا ولكن ..!

هذه مثلاً أزمة السكن، هل هي معضلة ووطننا يمتلك المساحات الشاسعة من الصحاري والأراضي القفر؟! بالتأكيد لا، والدليل انني حتى هذه اللحظة والآخرين نعاني من هموم الإيجارات و(يومية بمكان) وكأننا لم ننتمِ لهذا الوطن أبداً، ولم نحمله نبضاً بين ضلوعنا وعشقاً أبديا ، فانتشرت العشوائيات والتجاوزات وارتفعت نسبة الايجارات وتفاقمت هذه الأزمة !

لهذا في كل عام أجلس أقلّب دفتر الأمنيات، لأكتشف أنني لا أملك أمنية واحدة أبداً، لأن كل الأماني التي حلمت بها ذات يوم أصبحت سرابا. رُبَّ سائل يقول : كم أنت متشائم وقانط ويائس ؟! فأجيبه : لا أبداً، أنا متفائلُ جداً وأحمل في داخلي أملاً كبيراً، ولكن كلّما أبصر الفساد المستشري والمتزايد يوماً بعد آخر في كل مفصل من مفاصل البلاد، أصاب بالإحباط. وحينما أشاهد وأقرأ وأسمع عن السرقات، وما يدور خلف الكواليس من صفقات لأجل تمرير تشريعات تفتت لحمة هذا الشعب وتزيد الطين بلة، أصاب بالإحباط. لكنني أدوس على إحباطي وأقول: لا بدّ أن يأتي اليوم الذي يكنس فيه الخيّرون الفاسدين ويرمونهم في شرّ أعمالهم، ليتخلّص الناس والوطن ممن ماتت ضمائرهم، والمصيبة الكبرى انهم لم يحاسبهم القانون أبداً!

للعراقيين أمنية لها الصدارة، وأنا على يقين تام إنها تراود مخيّلة ونفوس الجميع، ألا وهي أن يخلو الوطن من الفساد والفاسدين ويسود العدل والحقّ وتشيع المحبة في قلوب الجميع..

 وكل عام وأمنيتي ما زالت تشاكسني وتقضّ مضجعي، فامتلاك شبرٍ وسقف بيتٍ هي كل ما نتمناه نحن الغرباء في هذا الوطن !