اخر الاخبار

في مساء عراقي لا يشبه سواه، يوم 11 تشرين الثاني الجاري، وعلى مسرح ميدويفل –  ميسيساكا، جمعت الجمعية العراقية الكندية في مهرجان أيام الثقافة العراقية قمتين من الجمال تمثلان الذاكرة والروح في آن واحد.

الأولى كانت للفنان الراحل مؤيد نعمة، الذي جعل من الكاريكاتير ضميرا ناطقا باسم الناس، وريشة تجرؤ على قول ما تعجز عنه الكلمات.

معرضه الاستذكاري لم يكن مجرد لوحات تعرض، بل حكايات من زمن عراقي متقلب، فيها وجع الناس وسخريتهم النبيلة، وفيها حس فنان عاش صادقا، ورحل تاركا خلفه أثرا لا يمحى، وإبداعا لا يتكرر.

أما القمة الثانية، فكانت مع العازف والموسيقي المرهف نصير شمة، الذي جعل من العود سفيرا للسلام ومترجما للحنين. في أمسيته امتزجت الفخامة بالعاطفة، وتحول الصوت إلى لغة تخاطب القلب قبل الأذن.

عزف مستذكرا محمود درويش فكان اللحن صلاة لأمهات غزة، واستحضر بدر شاكر السياب وهو يوقظ الشعر العربي من سباته، ولامس بجماله الزهرة البرية في حلبجة، الشاهدة على جرح كردي لم يندمل.

ثم مر بأنين لوركا وهو يقاد إلى الإعدام، ليموت واقفا، وختم رحلته بنغمة تحمل سحر الأخطل الصغير، كأن العود بين يديه كان وطنا كاملا ينطق بالشعر والموسيقى معا.

كان الحفل أكثر من عرض فني بل لقاء بين ذاكرة وطن لا ينسى، ووجدان جالية لا تنقطع عن جذورها.

ازدحمت القاعة بالجمهور، لكن الأجمل كان ذلك الصمت المهيب الذي سبق التصفيق.. صمت يشبه الامتنان، ويقول كل ما لا يقال.

كانت أمسية شاهدة على تاريخ وإرث بلد وشعب لن يموت، بل يولد من جديد مع كل عمل يخلق على أيدي مبدعيه.