حلّت الذكرى الثالثة بعد المائة لتأسيس الجيش العراقي، والذي تم الإحتفاء بها في استعراض عسكري كبير في العاصمة بغداد. فرغم أن جيشنا الباسل قد احتل المرتبة الثالثة عربياً والـثالثة والعشرين عالمياً، بعدد القوات “الجاهزة للقتال” والتي بلغت 200 ألف مقاتل حسب ما ذكره موقع “غلوبال فاير بَوَر” الأمريكي، بعد ان كان في  المرتبة 57 عالمياً في عام 2021، وفي المرتبة 34 عالمياً في سنة 2022، فإنه ما زال دون مستوى التطور الذي يأمله العراقيون، سواءً من الناحية التقنية أو على أساس التسليح غير التقليدي أو وجود تقنيات دفاعية كأنظمة الدفاع الجوي مثلاً.

يقول مراقبون إن التدخلات الخارجية تقف حائلاً امام تطوير المنظومة العسكرية في العراق، من خلال اداوتها السياسية التي تعكس اجندتها داخل البلاد.

تنويع مصادر التسليح

النائب على البنداوي، عضو لجنة الامن والدفاع النيابية، يقول إن “الجيش العراقي من الجيوش المعروفة على مستوى الوطن العربي والعالم. وقد خاض حروباً عديدة كان اخرها حربه على الارهاب والتي انتصر فيها مقاتلونا بشجاعة واستبسلوا فيها”.

ويضيف البنداوي في تصريح لـ”طريق الشعب”، ان “لجنة الامن النيابية، قدمت مقترحات من اجل تطوير المؤسسة العسكرية، وعملت على دعم هذه المؤسسة بالتخصيصات المناسبة من اجل تقديم كل التجهيزات والاسلحة في الموازنة الثلاثية”.

ويجد النائب، ان “من الضروري اليوم ان يجهز جيشنا بالعدة والعدد، وأن يشمل ذلك منظومات الدفاع الجوي والطائرات الحديثة”، مؤكدا ان “كل القوى السياسية معنية بدعم هذه المؤسسة وتطويرها، من اجل تقديم كل ما يحتاجه الجيش لغرض حماية امن البلاد، وهذا ما يحتل موقعاً في اولويات اللجنة”.

ويشير البنداوي الى ان “الكثير من قضايا التسليح تحتاج الى اموال طائلة، والحكومة واللجنة المالية النيابية ولجنة الامن الدفاع النيابية، عملوا من اجل تأمين اغلب الاحتياجات للجيش العراقي. وهناك الكثير من القضايا، التي ستحل في المستقبل”، مشددا على “ضرورة ان يتم تنويع مصادر توريد الاسلحة، كي نبني منظومة عسكرية متكاملة، كما توجد لجان فنية لغرض تأمين الاحتياجات العسكرية سواء من فرنسا او المانيا او روسيا، وليس فقط من الولايات المتحدة”.

إضعاف العراق عسكريا

فيما يؤشر الخبير الامني والاستراتيجي احمد الشريفي “تغييبا” للاهتمام بالمؤسسة العسكرية، وان القدرات التسليحية والتدريبية للجيش لا تلبي الطموح، ولا ترتقي الى مستوى الاطمئنان لقدرة الجيش على اداء مهامه ودوره الوظيفي حسب الدستور.

ويقول الشريفي، أنه “لا توجد دولة على المستوى الاقليمي، لديها رغبة في ان يكون العراق بلداً قوياً اقتصادياً او عسكرياً، بل العكس. الجميع يريد ان يكون العراق ضعيفاً وسوقاً لمنتجاتهم ومنطلقاً لتعزيز دورهم في التوازنات الاقليمية والدولية، وهذا مثبت بالأدلة”.

ويضيف، أن “من المؤسف ان هذه الدول استطاعت ان تحقق اختراقا سياسيا وصنعت حلفاء سياسيين، عملوا على تنفيذ هذه الرغبة في اضعاف الجيش واضعاف المؤسسات الاقتصادية وعدم تفعيل القطاع الخاص وغير ذلك”، مشيرا الى ان القوى السياسية “عجزت عن دعم المؤسسة فنياً، واقتصر الامر على تسليح تقليدي بالمدرعات والبنادق والآليات وغيرها من اشكال التسليح البسيط، وهذه الصفقات لا تخلو هي الأخرى من فساد، بل في اكثر الاحيان تكون الدوافع وراءها ليس رغبة في التسليح، وانما رغبة في استثمار التخصيصات المالية للجيش في ملفات فساد وكومشنات”.

ويؤكد الشريفي، ان الجيش “ما زال يفتقر الى الجهد التقني، فهو محدود ومتواضع جدا. وهذا بالحقيقة احدى ذرائع الوجود الامريكي في العراق، لتوفير الدعم الجوي واللوجستي والجهد الاستخباري الجوي”، مؤكدا ان “الجميع مستفيد من ضعف العراق، بينما المتضرر الوحيد هو الوطن والمواطن”.

ويشير الخبير الأمني الى أهمية وجود إرادة سياسية “تأتي من نموذج سياسي وطني قادر على ان ينتزع دوراً للعراق في هذه التوازنات الاقليمية والدولية، ويبعد العوامل الاقليمية والدولية عن التأثير في مسار التداول السلمي للسلطة في العراق، لأن ليس من المعقول أن تأتي هذه العوامل بشخصية وطنية، بل بشخصيات تتخادم مع المصالح العابرة للحدود دون ان تخدم المشروع الوطني”.

عرقلة سياسية

يقول المختص بالشأن الامني سرمد البياتي: “اننا بحاجة الى الكثير في مجال التسليح، فنحن بحاجة الى عقود حديثة من اجل مواكبة ما يحصل بالعالم؛ فالحروب والتقنيات تطورت، بما فيها حروب المسيرات وغيرها”.

ويضيف البياتي في حديث مع “طريق الشعب”، ان “مواكبة التطور العالمي في المجال العسكري، يتطلب ان نقوم بتنويع مصادر تسليحنا وتجهيزنا، ولكون البلد نظامه برلمانيا، فلا بد من تدخل مؤسساتي ـ مجلس النواب ـ من اجل صرف الاموال اللازمة لتجهيز الجيش العراقي بالعدة التي يحتاجها فعليا لمواكبة التطور”.

ويتابع الخبير البياتي بالقول: “كان يجب أن نمتلك طائرات مقاتلة ودفاعات جوية واسراب من المسيرات على مستوى عال من الدقة، لكن للأسف هناك توجها داخل المؤسسة السياسية، يعرقل تطور الجيش، واصحاب هذا التوجه هم من يمتلكون قرار التمويل والدعم المادي للعقود. ويمكن القول ان هناك جنبة سياسية كبيرة تلعب دورا في هذا”.

المحاصصة والفساد

وعلى صعيد متصل، يؤكد الباحث في الشأن السياسي، وسام المالكي، ان مقياس قوة الدولة مرتبط بوجود جيش وطني قوي، رادع للفوضى والاضطرابات والمخاطر، حيث يمكنه بسط الامن وفرض القانون وحماية السيادة.

ويقول المالكي في حديث مع “طريق الشعب”، بالقول: ان “القوى الدولية والإقليمية تعي مكانة العراق الاستراتيجية لما يمتلكه من تاريخ وموارد طبيعية وموقع قاري بحري وثروة نفطية، بحيث يمكنه أن يصبح لاعباً اساسياً في الشرق الاوسط، مما يدفعها للعمل على ابقائه ضعيفاً”.

ويجد المالكي أنه من المفترض اعادة تأهيل وتسليح الجيش، إلاّ أن ما ادى الى تراجع قوته، هو شيوع المحسوبية والمنسوبية والطائفية والمناطقية، عند اعادة تشكيله على يد القوات الامريكية وبمساعدة بعض القوى السياسية المتنفذة. وربما كان هذا أحد اسباب الحرب الطائفية وانتشار الارهاب وسقوط محافظات بيد عصابات داعش الارهابية في العام 2014”.

وينبه الى ان المحاصصة الطائفية “خلفت الفساد في بعض مفاصل الجيش وتسببت في وصول اشخاص غير كفوئين الى المناصب العليا، فتدهور الامن على كل الصعد بالاضافة الى اغراق المؤسسة العسكرية بالضباط الدمج. كذلك التدخل السياسي الداخلي والخارجي، وانشاء جيوش موازية ومحاولة جعلها بديلاً عن الجيش العراقي”.

ويختتم المالكي حديثه بأن “اي سلاح خارج المؤسسة العسكرية يهدد السلم المجتمعي، ولهذا لا بد من تقوية الجيش العراقي وتسليحه وابعاده عن التدخلات السياسية وتكليف الضباط النزيهين والكفوئين والمهنيين بإدارته”.

عرض مقالات: