بجانب مكتبة المرهج تقع مكتبة أدهم عادل، ولم أعرف من هو من قبل، ما أعرفه أنه صديق لأولاد أخي د.سعيد، الحُسين ورشد، وإلتقيته أكثر من مرة، فوجدته دمث الأخلاق يكتنز ثقافة أكثر من عمره بكثير، فهو مواليد 1987، وبعد أن أثار إنتباهي، سألت أولاد أخي من هو أدهم عادل؟ لأنني وجدت فيه تميز واضح، فأجابوني (هاي شنو عمو صدك متعرفه)!، فأجبتهم أعرفه أنه صديقكما، ولكنني أسأل عن تكوينه وبنائه الثقافي، فأجابوني (عمو ونحن نستغرب كيف لم تعرفه أو تسمع به)؟!، فقلت لهم العمر يمر. المهم أنني عرفت منهم أنه شاعر شعبي وله مريدون كُثر، وهو يكتب القصة القصيرة وعنده ديوان شعري طُبع أكثر من تسع طبعات، هو "بوح الصعاليك" ومجموعته الشعرية "كتاب المجانين" بما يزيد على عشر طبعات، و "ضوه سرداب" ديوان شعري، و "هذا الكون سيء السمعة"ومجاميع قصصية معروفة أهمها: "ألوان". له مشاركات بأماس دولية وعربية في أغلب العواصم الأوربية.
كتب رواية "ملاك أكتوبر" والكتاب باين من عنوانه، أنها رواية تحدثنا عن ثورة تشرين. يكشف فيها عن حجم تضحيات شباب تشرين ونزعتهم الوطنية، بل يُحدثنا عن أمهات الشهداء الثكالى:"يمه الولد يبني ييمه.. تره وليدي وأريد رباي منه، يمه مطرور طر اللوح كًلبي، يمه ينار كًلبي نار طرفه، نوبة تشب ونوبه تطفه، كًلبي مثل دلو المكير، وصدري من الحسرة تكسر...".
كانت عينا أمه ترنو إليه، فتردد عزرائيل ولكن القتلة كانوا متأهبين ولا يهمهم عزرائيل ولم يلتفتوا لأمهات الشهداء!. يُهدي روايته "خيال أسود..أهلًا بكم في عقلي" إلى "من ظلمتهم الدنيا". "من يخاف أن يضع عقله بين الخيال والواقع، أنصحه وبكل أمانة ألا يُكمل".
"المرأة تموت مرة وتفقد عقلها مرتين، عندما تعشق وعندما تفقد صغارها"، وكأنه يروم الربط بين روايته هذه وروايته "ملاك أكتوبر" ليشي لنا عن حجم الخسارة عند أم فقدت إبنًا لها في حرب أو إنتفاضة!. "لم تصرون على أن تجعلوا كل شيئ واقعًا وحقيقيًا؟!، أما كفتكم الحقيقة بؤسًا؟ أما كفاكم الواقع فشلًا وإحباطًا وإنكسارًا..ما هي الجنائز والشهداء والأمراض والنائحات والقبور والأيتام والأرامل إلا حقيقة؟..ما هو الدمع والحزن والألم والمرض والخوف والفقدان والعذاب إلا واقعًا؟.
إنهم خيالي، هربت به من هذه الدنيا إليه"..."يا خيالي الأسود كمستنقع، تملك من الشر ما يكفي لأن تكون إنسانً"!. "عندما تعرض للظلم والاضطهاد والحرمان والذل في حياتك فإن ردك على الناس سيكون على نوعين:
إما في الواقع أو في الخيال، وأدهم عادل يعيش في الخيال.
"السعادة ليست في الضحك والتعاسة ليست في الدمع...السعادة والحزن تكمن هناك في هذا العقل الحقير الذي يستقر في جماجمكم". توثقت علاقتي به، وصرت من المتابعين له فيما يُقدمه من "يوتيوبات" يشرح فيها رؤيته لحوادث إنسانية في مجتمعنا، مبرزًا لما فينا من فقدان لأنسنتنا على وفق ملاحظاته لممارسات لاإنسانية في حياتنا العراقية.
أهداني أكثر من مجموعة من أشعاره، وتابعت لقاءاته وحواراته، فآثرت قراءة قصائد له وجدتها تشف عن روحه يشهد له أغلب الشعراء الشعبيين بأنه يمتلك صورة شعرية من نمط خاص، يُصنف نفسه بأنه شاعر شعبي، على الرغم من أنه يُجيد الكتابة في أنماط أدبية أخرى. يكتب نصًا شعريًا فيه من الدهشة والصورة الشعرية الوجدانية ما قريبًا لأبناء جيله:
أخاف أحلم حلم مو زين
خلي إيدج على عيوني
وأخاف أمشي بدرب بيه ناس
لا ترحين من دوني
وصفه البعض بأنه "شاعر الشبيبة وصوت معاناتهم" وهو وصف ينطوي على توصيف يساري لتجربة أدهم عادل.
من أجل أن تبتسم النساء
سأبصق بوجه
الكهنة والشيوخ
سألغي دروس الوطنية والتاريخ
من المدارس
سأسرق طابوق المعابد
وأبني بيوتًا للأرامل
شاب شاعر يخرق كل حدود التاريخ الذي تحدده العادات والتقاليد الموروثة البالية ليُعيد لأبناء جيله حضورهم وفاعليته في التأثير وإعادة صياغة تاريخهم ليكونوا هم جيل التغيير. تشريني منتفض بإمتياز، مدافع عن حقوق أبناء جيله المقهورين:
شما أكول الضحكة كبرت
نكبر وياها الشظايا
ناس تركض على العيشة
وناس تركض على(اللحايا)
هو من الشباب القلائل الذين يعون قيمة الثقافة في بناء جيل واع، ورغم أنه منافخ ومدافع عن أبناء جيله ويُشاركههم همومهم، لكنه يأخذ عليهم تغافلهم عن قيمة الوعي الثقافي الذي يقض مضاجع الفاسدين والمستبدين. ناقد للصراع المذهبي الذي يجد فيه منذ أيام "السقيفة" إلى يومنا هذا ما كان ولن يكون غير صراع يأكل أجساد الفقراء ويعتاش عليه "وعاظ السلاطين" والأغنياء.
وآني مليت أعاتب
كافي يومية نتعارك عل المذاهب
كافي كلمن لام ربعه
وطالع الغبشه يحارب
يتهمه الآخرون ممن لا يفقهون قوله بأنه "مُلحد"، فيكتب قصيدة بعنوان "مو ملحد":
مو مُلحد
وأحب الله وأعرفه بيا كتر موجود
مثل احديثه تندل جرة الكحلة
ودرب كًلبه سهل بالضحكة نوصله
ما عنده وجه مسدود ما عنده جهنم
لا يعذب ناس
ولا يحجي سوالف سود
لليسهر غطا ونجمات
لليعطش نهر ممدود
متأثر بقراءاته للتصوف والمتصوفة التي تملأ روحه بنزوع وجداني كأنه يُعيد أقوال "ابن عربي" بصياغة شعرية شعبية عراقية:
هذا (الله) الحجيت وياه وحاجاني..
كًلي إضحك وحب الناس تلكاني
يقول إبن عربي:
لقد صار قلبي قابلًا كل صورة
فمرعى لغزلان ودير رهبان
..,
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحُب ديني وإيماني
لو ركزنا لوجدنا القافية عند أدهم عادل هي ذات القافية التي جاءت في قصيدة (ابن عربي)، والمحتوى والقصد هو ذاته، وإن جاءت قصيدة أدهم بلهجة عامية. يجيد طرح قضايا المرأة في قصائده، فأجاد الكتابة على لسان المرأة والتعبير عن معاناتها في مجتمعنا:
خلوني أفكر بالشرف ليضيع
وأني من اللعب هس توني مفطومه
دفنوني بكمر جوه الليالي السود
وإذا مات الكمر تطشر نجومه
صح أنتوا بشر باللبس مستورين
بس هو عقلكم نازع هدومه
ما يُميز هذا الشاعر الذي لم يعش شبابه بقدر ما عاش مُعاناة أبناء جيله في البحث عن وطن يستكينون فيه ويسكنون إليه، فحملوا انتفاضة تشرين على أكتافهم وهتفوا بشعارها الأثير "نريد وطن":
أحن لبيتي المهدم
أحن لوجوه ماكلها الفقر والضيم
مثل باب المثلم
أحن لوطن ميحبني!
أحن لناس أدافع عنها وتسبني
هكذا كان حال ثوار تشرين الشباب يحنون للوطن ويبحثون عن كرامة لهذا الوطن، رغم أن الكثير قد أمعن في سبهم والتشكيك في نوياهام على الرغم من أنهم ضحوا بأنفسهم فعلًا لا قولًا، وأدهم عادل كان واحدًا من هذا الشباب الذين كانوا يحملون الوطن على راحة جبينهم، يموتون من أجل هذا الوطن الذي لم يُنصفهم ولم يمنحهم ما يستحقون، ولكنهم منحوه أرواحهم وما يستحق من تضحية ليكون هو "الوطن".
كبل لا أجتف وأسبل
أريد أسأل
ليش اليخنك أحلامي ويبوك
عيوني ما يخجل
إذا صلى
...
كبل ليصير عوره الصوت
أريد أم الشهيد بكيفها تهلهل
أظنني بعد متابعة وقراءة لقصائد هذا الشاعر الذي يعي ما يقول، وإن قيل أن الفطرة أساس الإبداع، ولكنه شاعر يستكمل مسيرة الشعراء من أمثال مظفر النواب وسيد عريان والكاطع في أن تكون القصيدة نتاج وعي ثقافي بمالموروت الشعري والثقافي للمجتمع الذي يولد فيه الشاعر. الجميل فيه أن شاعر في مُقتبل العمر يُعجب بشعره شاعر كبير مثل (عريان السيد خلف) بعد أن قرأ مجموعته الشعرية "ضوه بسرداب".
من أول خيط يعكد روحه عل الشباج
لوشالة ضوه بسرداب
وي الوجع عندي عتاب
طفيت الحرك والروح
وشرعت العمر بستان
رجيته عله طين الهور
ما شوفته صم تراب
وخميت السنين اللبستهن ثوب
وبيهن دورت عن جيب ما مفتوك
ضميت النسيم الهاب
ما خليت فتحة بباب
ومدري شلون طبت ريحة العطاب
وأفتح وأغلك باب
وألكه الروح
كسرة خبز جوه الباب
ما شوفته صم تراب