تأثرت الثروة السمكية بشكل كبير بأزمة شح المياه الأخيرة التي عانى منها البلاد، للارتباط الوثيق بين هذه الثروة والمياه، ما جعل هناك نقصا حادا في إنتاجية الأسماك وتوسعة المجال لغزو المنتج المستورد، وجعله منافسا للإنتاج المحلي، فيما ولد بطالة للعديد من الايادي العاملة في هذا القطاع، في ظل حلول حكومية ووصفت بالخجولة.

تهديد للأمن الغذائي

يقول فلاح الجنابي، (وهو أحد مربي الأسماك)، ان “شح المياه والجفاف التي عانى منها البلاد، أثرت على الامن الغذائي، وكان للثورة السمكية نصيب من هذا التأثير”، مضيفا أن “الكثير من البحيرات الخاصة بتربية الأسماك، تركت بسبب الجفاف الحاصل، وهذا ما أثر على كميات انتاج الأسماك”.

ويوضح في حديثه لـ “طريق الشعب”، ان “الأطعمة الغذائية الخاصة بالأسماك، وصلت أسعارها الى (مليونين ومئة واربعين الفا) للطن الواحد، بعد ما كان سعرها (خمسمائة ألف دينار).

ويلفت الى “وجود احواض خاصة بالأسماك المتجاوزة”. ويرى انه “لولاها لكان سعر كيلو السمك عشرين ألف دينار عراقي”، كون ان المشاريع المجازة قليلة جدا، ولا تستطيع سد حاجة السوق المحلية، حيث يتواجد في المنطقة الواحدة مشروع واحد او اثنان فقط.

ويتحدث عن فايروس سابق أصاب الأسماك، وساهم في انحسار انتاجية الاسماك.

ويقول: “خسرت سبعين مليونا بسبب هذا الفايروس، الذي لم يكافح الى الان، ولم نر جدية من الجهات المعنية بتقديم علاج له”، مشيرا الى انه “حاليا نعتمد على فقسة المصابة بالفايروس”.

مناطق الجنوب المتضرر الأكبر

يقول الاستشاري البيئي لنقابة المهندسين الزراعيين/ المقر العام، جاسم المالكي، ان “محافظة البصرة تعاني من تدهور في كمية ونوعية المياه، منذ سنوات، وبدأ هذا التدهور يتأزم في الوقت الحالي”.

ويستذكر في حديثه ما حصل في هذه المحافظة عام 2018، من تظاهرات ذهب ضحيتها أكثر من عشرين شابا. وكان سبب خروجهم، هو المطالبة بتحسين واقع المياه الذي سبب حالات تسمم للمئات من المواطنين، إضافة الى أضراره على الأسماك.

وبالسياق، يقول المستشار في وزارة الموارد المائية: ان “الثروة السمكية في مناطق الجنوب والاهوار تأثرت بشكل مخيف بموضوعة شح المياه”، مشيرا الى انه “لا بيئة للأسماك دون وجود مياه صالحة”.

التجاوزات تعيق الخطط الزراعية

ويؤكد في حديثه لـ”طريق الشعب”، أنه “تم رفع دعاوى قضائية من قبل وزارة المواد المائية، بخصوص المتجاوزين على أعمدة الأنهار”، مبينا ان “الاجراءات تأخذ وقتاً طويلاً ولا يمكن التدخل بعمل القضاء، لتسريعها”.

فيما لفت الى ان هذه التجاوزات لها يد في اقتطاع نسبة كبيرة من الاطلاقات المائية المخصصة للخطة الزراعية الشتوية.

وفي ختام حديثه يذكر انه “دون وجود قوة تنفيذية لإنفاذ القوانين الخاصة، لا يمكن الحديث عن الحلول الخاصة بأوقاف التجاوزات”.

الوزارة تتهرب من تسجيلها

وبالشأن ذاته، قال المربي فلاح حسن، ان وزارة الزراعة تجبي ضرائب سنوية من أصحاب هذه الاحواض، وبمبالغ تحدد وفق الموقع. بينما هي لا تمنح الاجازات للمربين، الذين يحاولون تسجيل مشاريعهم بشكل رسمي، إلا لمن يملك مبلغ ثلاثين أو أربعين مليون دينار.

وبالعودة الى جاسم المالكي يشرح، ان احواض الأسماك المتجاوزة هي “تلك التي أنشئت دون موافقات أصولية؛ حيث تتعامل الجهات المعنية معهم بشكل حازم”، مضيفا انه “تم غلق اغلب تلك الاحواض، لتأثيرها على الوضع المائي”.

تهديد بنُدرة الأسماك

وتشير دراسات إلى ان البيئة النهرية لشط العرب باتت تتحول الى بيئة بحرية بنسبة تتجاوز سبعين بالمئة، وذلك لاكتشاف ان هناك تواجدا لأنواع من المخلوقات البحرية.

وان هذا التحول يعتبره المالكي “خطرا على البيئة النهرية، كونه يهدد اسماك المياه العذبة بجعلها نادرة، وانقراضها لاحقا”.

عاملون يفقدون أرزاقهم

وتعتبر مشاريع الأسماك المتمثلة بالأحواض، المتضرر الأول من شح المياه، بحسب قوله، موضحا انه “تم غلق العديد من بحيرات الاسماك تحديدا في مناطق السيبة بنسبة تتجاوز تسعين بالمئة في محافظة البصرة. فيما توقفت مشاريع الأقفاص العائمة التي كانت تمثل تجربة ناجحة لوزارة الزراعة، كونها ساهمت في زيادة إنتاجية الأسماك التي سدت الحاجة المحلية، إضافة الى تشغيلها العديد من الايدي العاملة في المنطقة”.

ويشير الى “فقدان الكثير من المربين والصيادين مصادر رزقهم، إضافة الى منافسة المنتج المستورد”.

لا جدية في تقديم الحلول

بدوره، أبدى موقفه من الحلول المطروحة من قبل الحكومة، قائلا انها “لا تتناسب مع كمية الضرر التي ألحقته بالثروة السمكية أولا، وبالأيدي العاملة في هذا القطاع”، واصفا إياها بأنها “حلول خجولة جدا”.

ويضيف ان الحكومة “اكتفت بتطبيق القوانين على المخالفين من اصحاب البحيرات المتجاوزة فقط، مع تقديم بعض المبادرات الصغيرة، بإطلاق “إصبعيات الأسماك” من قبل جهات مختصة، دون تقديم حلول واقعية وجدية لإنقاذ هذه الثروة، حيث لم توفر مصادر اعلاف مناسبة ولم تسيطر على الأسماك المستوردة التي غزت الأسواق المحلية دون رقيب”.