اخر الاخبار

أكد الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، أن الحملة الانتخابية الحالية تشهد "إنفاقًا ماليًا غير مسبوق واستخدامًا واضحًا للنفوذ والسلطة"، ما يفقد العملية الانتخابية مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين المرشحين.

وقال فهمي في حديث لـ " طريق الشعب "، إن القوى التي لا تمتلك السلطة والمال تخوض الانتخابات في ظروف صعبة وتعتمد على إقناع الناخب بدل المال السياسي".

وأضاف  فهمي إن "أنشطة متعددة سبقت انطلاق الحملة الانتخابية وتلتها، غير أن السمة البارزة لهذه الانتخابات هي الأموال الضخمة التي صُرفت في سبيلها، ما أوجد حالة من اللاعدالة الواضحة، ليس فقط من حيث الإنفاق المالي، بل أيضًا في استغلال المناصب والنفوذ ، وان العديد من المرشحين يشغلون مناصب عليا في الدولة، تتيح لهم موارد وإمكانات لا تتوفر للمرشحين الآخرين"، مشيرًا إلى أن "قانون الأحزاب كان من المفترض أن يُطبّق بشكل جدي لضمان حدٍّ أدنى من المنافسة العادلة، إلا أن الواقع يشير إلى غياب ذلك، خصوصًا مع مشاركة جماعات سياسية تمتلك تشكيلات مسلحة تستخدمها في الأطر الانتخابية، وأن بعض الأحزاب التي تمتلك فصائل مسلحة تدخل الحملة ولديها أعداد مضمونة من الناخبين، ما يمنحها تفوقًا مبكرًا ، على أن القوى التي لا تملك المال أو النفوذ أو السلطة تخوض الانتخابات في ظروف صعبة وتحديات كبيرة".

حملة الحزب الشيوعي الانتخابية

وتابع فهمي: "حملة الحزب الشيوعي العراقي تركز على القناعة والإقناع، بمعنى أننا نحاول أن نكسب الناخبين من منطلق قناعتهم بمشروعنا وأولوياتنا ومزايا مرشحينا"، مؤكداً أن "أغلب القوائم الأخرى التي تمتلك المال لا تلجأ إلى الإقناع بل إلى شراء الأصوات والذمم، وهنا يكمن الفرق الجوهري".

وأضاف أن "الحزب الشيوعي العراقي يتميّز في حملته بالتواصل المباشر مع المواطنين عبر حملات طرق الأبواب، وأن مجاميع من أعضاء الحزب تخرج إلى مختلف مناطق البلاد لتطرق الأبواب، وتعرض وجهات نظرنا وتستمع إلى المواطنين ومشكلاتهم".

وأشار إلى أن "هذه الحملة تُستقبل بترحاب واسع وتقدير خاص لمرشحي الحزب والمرشحين المدنيين عمومًا"، مبينًا أن "ممارسات بعض القوائم الثرية والقريبة من مواقع السلطة تسهم في تشجيع العزوف الانتخابي لأنها لا تقدم صورة توحي بالثقة أو نية حقيقية لمحاربة الفساد وإحداث تغيير في المسار السياسي".

وانتقد الرفيق "محاولة اختطاف العملية الانتخابية عبر المال السياسي وشراء الذمم بدل العمل على تعزيز الثقة والنزاهة والمصداقية من خلال طرح برامج انتخابية حقيقية".

التحالفات الانتخابية

وأوضح فهمي أن "الحزب الشيوعي العراقي يخوض الانتخابات الحالية عبر عدة قوائم وتحالفات، نظرًا لاختلاف طبيعة المحافظات العراقية وتنوع القوى السياسية فيها، وأن هذه التحالفات تهدف إلى توسيع الحضور المدني ومواجهة نهج المحاصصة والفساد المستشري".

وقال إن "الحزب يشارك في ثلاثة أطر رئيسية هي تحالف البديل في محافظات بغداد وديالى والنجف وكربلاء وواسط والديوانية، وتحالف فاو– زاخو في محافظتي البصرة وبابل، والتحالف المدني الديمقراطي في محافظة ذي قار".

وبيّن أن "هذا التنوع يعكس خصوصية كل محافظة من حيث توزيع القوى السياسية ومواقفها وأوزانها، وأن الحزب يسعى من خلال هذه التحالفات إلى بلورة مشروع سياسي واقتصادي بديل يعالج جذور الأزمات في البلاد".

مواجهة الفساد والمحاصصة

وقال فهمي إن "القوى المشاركة في هذه التحالفات تتفق على أهداف واضحة، أبرزها مواجهة منظومة الفساد التي أصبحت جزءًا من بنية النظام السياسي، إضافة إلى الحفاظ على السيادة الوطنية واستقلالية القرار العراقي في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة".

وأشار إلى أن "نهج المحاصصة الطائفية جعل من الصعب تحقيق مواقف وطنية راسخة"، موضحًا أن "التباينات داخل الأحزاب المشاركة في الحكومة نفسها أدت إلى تشظي القرار السياسي، ما انعكس سلبًا على أداء الدولة وإدارتها، وأن أخطر ما أفرزته المنظومة الحاكمة هو سوء الإدارة الاقتصادية".

الأزمة الاقتصادية الراهنة

وأوضح فهمي أن "الثروات الوطنية تتركّز بيد قلة، فيما تتسع معدلات الفقر والأمية وتتراجع الخدمات الأساسي، وان إدارة الموازنة العامة تعاني من انعدام الشفافية، ومن خلل متزايد بين الإيرادات والإنفاق، حيث وصل العجز الفعلي إلى تريليونات الدنانير ومليارات الدولارات".

وأضاف أن "الحكومات المتعاقبة اعتمدت سياسات مالية توسعية أدت إلى تضخم الموازنة التشغيلية، حتى باتت النفقات الثابتة تستهلك الجزء الأكبر من الإيرادات النفطية، ما جعل الاستثمار العام شبه غائب، وأجبر الدولة على التوسع في الاقتراض الداخلي والخارجي".

وأشار إلى أن "الاقتراض الداخلي رغم أنه أقل خطورة من الخارجي، إلا أن له تداعيات اقتصادية مقلقة، أبرزها ضعف السيولة وارتفاع الأعباء على الخزينة العامة"، مؤكدًا أن "البلاد تواجه أزمة مالية متنامية بسبب سوء إدارة الموارد".

أزمات خدمية ومعيشية

وفي الجانب الخدمي، حذّر فهمي من "تفاقم أزمة المياه"، معتبرًا أنها "تمثل خطرًا استراتيجيًا على الزراعة والبيئة والحياة العامة"، ودعا إلى "استخدام الدبلوماسية الاقتصادية والتجارية في التعامل مع تركيا وإيران لضمان الحصص المائية للعراق، إلى جانب تبنّي سياسات داخلية لترشيد استخدام المياه وتحديث تقنيات الري والسقي".

وقال إن "التمويل ما زال العائق الأساس أمام تنفيذ مشاريع التحلية والإرواء في المحافظات الجنوبية، خصوصًا في البصرة، رغم أن هذه المشاريع مدرجة ضمن الخطط الحكومية".

وأكد أن "التحديات لا تقتصر على المياه، بل تمتد إلى الصحة والتعليم"، موضحًا أن "هذه القطاعات الحيوية تعاني نقصًا حادًا في التمويل، ما ينعكس مباشرة على حياة المواطن وجودة الخدمات العامة".

سياسات مالية عادلة

وفي حديثه عن برنامج تحالف "البديل"، قال فهمي إن "التحالف يدعو إلى سياسة مختلفة في إدارة الدولة والمال العام"، مشددًا على أن "مشكلة العراق ليست في نقص الثروات، بل في سوء إدارتها".

وأوضح أن "استمرار نهج المحاصصة والتخادمات السياسية والفساد يجعل من حسن إدارة المال العام أمرًا شبه مستحيل"، مضيفًا أن "الإصلاح الحقيقي في الموازنة العامة يتطلب قرارات سياسية جريئة تُحمّل أصحاب الثروات والمداخيل العالية العبء الأكبر، لا أصحاب الدخل المحدود".

وبيّن أن "الدولة تلجأ اليوم إلى فرض الضرائب والرسوم لتغطية العجز المالي، وهو ما يثقل كاهل المواطنين والقطاع الخاص معًا"، مشيرًا إلى أن "أي مواطن اليوم يشعر بازدياد الضرائب والرسوم، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضعف الإنتاج وقلة فرص العمل".

وأشار إلى أن "هذه السياسات تُضعف القطاع الخاص رغم الخطاب الرسمي حول دعمه"، موضحًا أن "الحزب يؤكد أهمية القطاع الخاص كشريك مساند للدولة وليس بديلًا عنها في القطاعات الحيوية".

تراجع التعليم والصحة

وأضاف فهمي أن "الدولة تبقى هي الفاعل الأساسي في تقديم الخدمات العامة، خصوصًا في مجالات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والبنى التحتية".

وانتقد "تراجع التعليم والصحة العامة"، مبينًا أن "الأسر العراقية، حتى محدودة الدخل، باتت تضطر إلى توجيه جزء من موازناتها للتعليم الخاص بسبب ضعف التعليم الحكومي"، مشيرًا إلى أن "الوضع في القطاع الصحي أكثر سوءًا، إذ يضطر المواطن إلى شراء الأدوية بأسعار مرتفعة ودفع مبالغ كبيرة للحصول على خدمة معقولة، حتى في المستشفيات الحكومية".

وقال إن "مبدأي التعليم المجاني والصحة المجانية أُفرغا من مضمونهما، وتحولت الخدمات الأساسية إلى سلع تُشترى بالمال، ما يعمّق الفوارق الطبقية والاجتماعية".

وأضاف أن "هذا الواقع ناتج عن تزاوج رأس المال مع النفوذ السياسي والإعلامي وحتى السلاح، ما أوجد منظومة مصالح متشابكة يتحمل أعباءها المواطن العادي".

إصلاح وبناء الدولة

وشدد فهمي على أن "كل تجارب الشعوب أثبتت أن التنمية لا تتحقق إلا عبر بناء دولة مؤسسات قوية"، موضحًا أن "النظام القائم على المحاصصة والتوافقات السياسية أثبت فشله في هذا الجانب".

وقال إن "منظومة المحاصصة والفساد غير قادرة على بناء دولة مؤسسات حقيقية، لأنها تعتمد على التخادم والصفقات المشبوهة، وغالبًا ما تُتخذ القرارات خارج إطار الدستور والقانون"، مضيفًا أن "أحد أهم ركائز الدولة الحديثة هو احتكار السلاح من قبلها، وان وجود السلاح المنفلت خارج إطار الدولة يمثل تهديدًا خطيرًا للأمن الوطني والسيادة، وتبريرات استمراره تحت ذريعة التحديات الأمنية لا يمكن أن تستمر، لأن الحل يكمن في مؤسسات الدولة لا خارجها".

وبيّن أن "إعادة بناء الدولة وتطوير مؤسساتها هو أحد المحاور الرئيسية في استراتيجية سياسات البديل التي يتبناها الحزب الشيوعي"، مؤكدًا أنها "تشمل إصلاحات اقتصادية واجتماعية متكاملة تهدف إلى تحقيق العدالة والاستقرار".

وأوضح أن "الحزب يدعو إلى تطوير القدرات الإنتاجية الوطنية، وخلق بيئة استثمارية ومناخ مؤسسي آمن يدعم التنمية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية باعتبارها شرطًا أساسيًا للاستقرار السياسي والاجتماعي".

العدالة والسكن الكريم

وأشار فهمي إلى أن "العدالة الاجتماعية تتطلب توسيع أنظمة الضمان الاجتماعي لتشمل الفئات الضعيفة وكبار السن والأيتام والنساء المعيلات وذوي الاحتياجات الخاصة، فضلًا عن معالجة أزمات السكن والصحة والتعليم باعتبارها أولويات وطنية".

وأكد أن "ملف السكن يمثل التزامًا دستوريًا على الدولة"، داعيًا إلى "وضع استراتيجية وطنية للإسكان تراعي مستوى الدخل وتستهدف الفئات محدودة ومتوسطة الدخل"، مشيرًا إلى أن "المشاريع الحالية موجهة في الغالب للفئات الثرية".

كما دعا إلى "معالجة ظاهرة العشوائيات ضمن خطة وطنية شاملة تشترك فيها الدولة والقطاع الخاص عبر شراكات عادلة، تضمن توفير مساكن ميسّرة وبمواصفات مناسبة للفئات الشعبية الواسعة".

وختم فهمي بالقول: "إن البديل الذي ندعو إليه لا يقتصر على تغيير الوجوه، بل على بناء دولة العدالة والمؤسسات التي تحتكم إلى القانون، وتستثمر ثرواتها لخدمة الشعب، لا لخدمة مصالح ضيقة أو فئوية".