اخر الاخبار

الشوارع والمساحات الفارغة هنا وهناك في احياء مدن العراق ليست جديدة. فقد ولدت مع عمر الدولة العراقية وقبلها بكل تأكيد يومَ كان الفقر ولا زال يفرض نفسهُ في المجتمع بقوة.

أصحاب البسطات، والتي نسميها شعبياً بـ "الچمبر"، هؤلاء الذين لا تتوفر احصائيات رسمية عنهم، هُم لرُبما بالملايين من الكسبة الفقراء الذين رمت بهم ظروف العراق القاهرة عبر كل العقود الى الشوارع، وبالكاد يحصل بعضهم على قوت يومه لكي يعيل عائلته.

ما نشاهده اليوم من حملات لإزالة البسطات في هذه المحافظة أو تلك، ليس وليد اليوم، بل كنا نشاهده ونحن صغار في الدراسة الابتدائية قبل اكثر من نصف قرن، يومَ كان رجال البلدية يجوبون الأسواق الشعبية و يهاجمون اصحاب البسطات في غفلةٍ منهم ويرمون اغراضهم في الشارع في مشاهد فوضى موجعة..!

نحن مع نظافة وتنظيم الشوارع والمدن، والتي تسعى إليها الجهات البلدية في المحافظات، لكن المشكلة هذه مركّبة و تدلُ على ان البطالة في البلد واسعة. وما ان يتم الحدّ من المشكلة بالقسر والقوة دون حلول ترضي البائعين والدولة، سرعان ما تعود ثانيةً وثالثة إلى الظهور مع بقاء ظروف البلاد ذاتها إن لم تكن تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

اصحاب البسطات هؤلاء هم جزء من العاطلين عن العمل، والدولة وحكوماتها عبر كل الأنظمة لم تستوعب هذه الأعداد الهائلة في مشاريع تنموية زراعية او خدمية على سبيل المثال أو في مشاريع الدولة ذاتها او مشاريع مختلطة مع القطاع الخاص او مشاريع القطاع الخاص نفسه، إلا في حدود معينة. وإن هؤلاء العاطلين عن العمل لم يأتوا بسبب الأتمتة التي ظهرت منذ عقود طوال في صناعات بلدان عديدة مع التطور العلمي التكنولوجي الصناعي، والتي تحل محل الأيادي العاملة في المصانع او المعامل. إذ ان العراق يفتقر بشكل كبير لهذه الآلية المتقدمة علمياً او للصناعات بمختلف درجاتها او أنواعها، كذلك لمشاريع زراعية واسعة. فكيف إذا دخلت هذه الاتمتة التي اصبحت جزءا من "قوة العمل" في الوقت الراهن والتي تفرض نفسها مع التقدم العلمي، إلى بلادنا؟

لا ننسى ان هؤلاء العاطلين الذين يفترشون الشوارع والذين بينهم قسم لا بأس به من خريجي الجامعات والمعاهد والمتسربين من الدراسة، يعتبرون في علم الاقتصاد جزءا من قوة العمل المعطلة التي يجب استثمارها في مشاريع عديدة بدلاً من هذه الحال المزرية التي تهدد معيشة ومستقبل الملايين، والتي يبدو ان الدولة عاجزة حتى الآن عن إيجاد حلول حتى آنية لها وسط الظروف السائدة في البلاد.

"لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته"