اخر الاخبار

لم يكن نظام صدام القمعي الدكتاتوري عادلا إلا في ظلمه الذي شمل حتى أقرب المقربين اليه. ومع ذلك لم يتناول الفن والأدب العراقيان بدرجة كافية هذه الحقيقة وسمات ذلك الظلم، وما تعرض له المعارضون من سجن وتعذيب وقتل.. وإذا كنا نجد في مكتباتنا بعض الروايات التي تتناول تجارب السجناء وما كتبوه هم أنفسهم، فاننا لا نجد عنهم فيلما سينمائيا واحدا، روائيا أو وثائقيا، حتى كلفت أخيرا مؤسسة السجناء السياسيين المخرجة الفنانة إيمان خضر بإعداد وإخراج فيلم بعنوان “جدارية المطر”، قدمته أخيرا في قاعة كاليري مجيد.

يتميز الفيلم ذو الدقائق الستين بعرض مدهش جمع الوثائقي والدرامي في تجربة متفردة، اعتمدت وثائق رسمية تتعلق بإعدام شخصين تعرضا لجدارية صدام حسين في ديالى. ويعرض الفيلم ايضا قصة حقيقة لما تعرض له الفنان سمير عبد الستار الذي يعيش في المنفى حاليا، من سجن وتعذيب وحكم بالإعدام، ثم النجاة والتسريح في صدفة انطبق عليها المثل القائل (الداخل مفقود والخارج مولود).

تستند فكرة الفيلم على حكاية سمير عبد الستار الذي اعتاد رسم صورة صدام وجدارياته بشكل روتيني، لكثرة ما كان يطلب منه ومن غيره لملء شوارع العراق بها. ولفرط إتقانه الرسم وحفظه ملامح الوجه، كان يرسم الصورة وهو مغمض العينين .. لكنه يفاجئ في ساعة سوداء باقتياده إلى سجن انفرادي وتعريضه لأسوأ أنواع التعذيب.

يظهر الفيلم بشاعات اهانته جسديا ونفسيا، وإيذائه بضربات سياط أدمت ظهره، دون ان يعلم أيّ جرم اقترف سيما إنه لم ينتم لأي حزب، فهو لم يكن سجينا سياسيا.

تمضي أحداث الفيلم ويتعرف مسؤول السجن بالصدفة على موهبته في الرسم، بعدما ملأ جدران زنزانته برسوم جسدت عذاباته وعذاب السجناء الآخرين ممن كان يسمع صرخات تعذيبهم ليلا، وبعد إضراب طالب فيه السجناء بتحسين ظروفهم ولقاء أهاليهم، بينما يطلب هو وقد جسده الفنان الشاب سلوان الفضلي، أدوات رسم وأوراق .. ويكلفه المسؤول أولا برسم صور له ولعائلته، ثم يفصح له عن سبب اعتقاله، فيكتشف إنه نسي او تغافل عن رسم الأذن اليسرى في جدارية صدام ..

ابرزت الفنانة إيمان هذا الرمز في إشارة الى قوى اليسار واضطهادها أولا، ثم لأوامر صدام القاضية بقطع آذان الفارين من الجيش آنذاك.

وتمثلت ضربة الفيلم الدرامية في تكليف الفنان برسم جدارية جديدة لصدام بمناسبة عيد ميلاده. ويرسم الفنان بالألوان الزيتية على قماش جدارية كبيرة صورا لسجناء معذبين بعيونهم الجاحظة وأفواههم المطلقة صرخات مدوية، ثم يرسم فوقها صورة صدام بالأوان المائية، وتُعلق الجدارية على واجهة السجن في الوقت الذي تلتهب فيه أحداث انتفاضة آذار عام 1991. ويصادف وقتها ان يهطل المطر بغزارة، فيزيل صورة صدام بألوانها المائية لتظهر خلفها صور السجناء المعذبين. فيحل عليه غضب جلاوزة الطاغية ويصدر بحقه الحكم بالإعدام.

عرض مقالات: