اخر الاخبار

 لا يمكن قراءة الموازنات السنوية من خلال الأرقام التخمينية المخططة وهي عبارة عن قوائم صماء، عبر أوجه ومقادير الإنفاق العام للدولة خلال هذه السنة ومصادر تقارير الإيرادات المتوقع جبايتها ومقدار الوفرة المالية أو العجز في الموازنة، وانما يمكن النظر اليها بوصفها من أهم أدوات الدولة الديمقراطية بمقياس مؤشرات الأداء خلال العام وأوجه الإنفاق في كافة القطاعات إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار معدلات النمو وتخفيض معدلات الفقر عبر التخطيط العلمي.

فالعجز في الموازنة يمثل أحد التحديات التي تواجه تنفيذ الموازنة السنوية وهو الأهم فإن الزيادة في هذا العجز يترتب عليه وجوب البحث عن مصادر تمويله وأول هذه المصادر كما هو مفترض الإيرادات المتأتية من قطاع الإنتاج الحقيقي، ولما كان هذا القطاع بحكم الغائب تتحمل مسؤوليته الحكومات المتتالية منذ عام 2003، لهذا تلجأ الحكومة إلى مصادر التمويل الداخلية والخارجية منها، فإن حجم الاقتراض الداخلي البالغ 70 تريليون دينار (يعادل 53 مليار دولار) بقياس سعر الصرف الرسمي من البنك المركزي والبالغ نسبته 60 في المائة،  والمتبقي من  البنوك الرسمية والخاصة، أما المصدر الآخر فالاقتراض من الخارج سواء كانت المؤسسات المالية العالمية أو البنوك الخارجية بضمانات، مع العلم أن حجم الاقتراض الخارجي يقدر حسب المصادر الرسمية 30 مليار دولار،  ومن المعلوم أن نسبة العجز في الموازنة العامة والبالغ 64 تريليون دينار تشكل 32 في المائة  فيما تشكل النسبة للإيرادات النفطية 47 في المائة، بينما في الأحوال الاعتيادية وفق قانون الإدارة المالية والدين العام لسنة 2019 ( 3 ) في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وهي ما لم يجري التقيد بها في كافة الموازنات السنوية السابقة مما يجعل نسبة العجز المخطط تشكل 10 أضعاف النسبة المسموح بها وفقا للمادة (6) من القانون المذكور مما يحمل الحكومة   مسؤولية هذا الخرق المتكرر.

ومن التحديات التي تواجه أية خطة لمعالجة العجز في الموازنة السنوية ضعف دور الرقابة على كيفية تنفيذ الإنفاق العام المحدد بالموازنات السنوية بالرغم من دوره الكبير في ترشيد الإنفاق وضبط الانحرافات، والترشيد هنا يقصد به تدعيم الشفافية في العمليات المالية في نطاق تنفيذ الموازنة في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وتحرير أموال الدولة من أعباء قاتلة تتمثل في ممارسات الفساد الواسع وتهريبها وممارسة غسيل الأموال المسروقة أمام عيون الأجهزة الرقابية.

والتحدي الأكثر تأثيرا في معالجة العجز السنوي غياب الحسابات الختامية عن كل الموازنات السنوية في مخالفة وتحد للدستور العراقي التي نصت عليه المادة 62 بحجج ذرائعية غير مقبولة وإلقاء اللوم على الوحدات الحسابية الحكومية بحجة إشكالية السلف دون أي اهتمام جدي رغم تهويل صغائر المخالفات، وكل ذلك قاد إلى التجاوز على المال العام وآخرها وليس أخيرها سرقة القرن لحقت بها سرقة محافظة ديالى بحزمة من المليارات. 

إن الحسابات الختامية التي أنجز بعضها وآخرها في عام 2013 دون فائدة لأنها لم ترتبط بالموازنة السنوية بوصفها جزءا لا يتجزأ منها، إذ أن النفقات في الموازنة تبنى على ما أنفق خلال السنة السابقة. إن هذا السكوت المستمر وآثاره في تدمير الاقتصاد العراقي دعا سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي لإقامة دعوى في المحكمة الاتحادية المسؤولة عن حماية الدستور تستهدف حماية المال العام من لصوص الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية الدستور التي تدخل في نطاق مهمات القضاء العراقي ومسئولياته.

إن مسؤولية الحكومة ومجلس النواب في معالجة العجز السنوي تتطلب حزمة من الإجراءات نذكرها بما يلي:

  1. زيادة الضرائب التصاعدية وزيادة الموارد المتأتية من الدوائر الكمركية وتنظيف الأخيرة من تسلط الجهات السياسية والفصائل المسلحة.
  2. تعظيم النمو الاقتصادي وانعكاسه على الناتج المحلي الإجمالي ومعالجة الهدر في الموازنة التشغيلية.
  3. تقليص شامل في النفقات غير الضرورية أينما وجدت ومراجعة تضخم الرواتب والمخصصات في مختلف السلطات وتعديل القوانين واللوائح التي تتيح صناعة فوارق لا مبرر لها عن أقرانهم في جهاز الدولة.
عرض مقالات: