اخر الاخبار

لا يزال الواقع البيئي في العراق يواجه تحديات كبيرة في ظل تصاعد معدلات التلوث للمياه والهواء، فيما غابت المعالجات الحقيقية الناجعة نظراً لعدم وجود برامج مجدية وسياسات مناسبة في هذا الجانب.

ويؤشر مهتمون بالشأن البيئي وجود خلل في تطبيق القوانين المعنية بحماية البيئة، اضافة لعدم الاهتمام الجاد من قبل صاحب القرار بهذا الملف، الامر الذي ساهم في تفاقم الازمات.

وتعتزم “طريق الشعب” اجراء سلسلة من التقارير الصحافية حول الواقع البيئي في العراق، من أجل تسليط الضوء على التحديات الي تواجه البيئة وسبل معالجتها.

نسب تلوث مرتفعة

وأفاد تقرير نشره موقع “نومبيو” الذي يعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم، بأن مؤشر التلوث في العراق ما زال عالياً رغم انخفاض مؤشره عن عام 2019، فيما لفت إلى أن جودة الأماكن الخضراء والحدائق منخفضة.

وذكر التقرير بحسب آخر تحديث في شهر نيسان 2022، واطلعت عليه “طريق الشعب”، أن “مؤشر التلوث في العراق بلغ 73.59 %، منخفضاً عن عام 2019 الذي بلغ مؤشر التلوث فيه 79.43%، مبيناً أن “نسبة تلوث الهواء في العراق تعتبر عالية وبواقع 66.99%، فيما سجلت نسبة تلوث مياه الشرب وعدم إمكانية الوصول إليها تعتبر متوسطة وبواقع 55.50%”  

بحاجة الى مراكز أبحاث علمية

وواحدة من المشاكل التي يطالب المعنيون والمهتمون بالشأن البيئي، بمعالجتها هي عدم وجود هيئات مختصة بالشأن البيئي في عدد من الوزارات، مؤكدين اهميتها في حماية وتحسين الواقع البيئي.

وفي هذا الشأن، قال مدير معهد نيسان المهتم بالشأن البيئي فلاح الاميري: “لا نملك هيئات خاصة بالبيئة، لدينا في مجلس النواب لجنة الصحة والبيئة، التي من المفترض ان تكون كل منهما على حدة، لذلك يجب الفصل بين اللجنتين لانهما متناقضتان ومتباينتان في العمل”، لافتا الى انه يجب ان “يكون ارتباط لجنة البيئة بلجنة الطاقة النيابية بشكل مباشر، باعتبار ان الملوث الاكبر اليوم هو الاستخراج النفطي وحرق الغاز المصاحب”.

واضاف في حديثه لـ”طريق الشعب”، بقوله ان “وزارة البيئة باقية على ذات ترتيبها الكلاسيكي، وسط التحديات والمتغيرات التي بدأت تطفح على السطح، اذا لا يوجد تحديث حقيقي في العمل، ينسجم مع واقع التلوث، لذلك لا بد ان تكون هنالك آليات جديدة وحديثة”.

واكد الاميري “حاجتنا لتشكيل هيئة مرتبطة بوزارة النفط معنية بموضوعات التلوث النفطي، وللكشف بشفافية تامة عن عقود جولات التراخيص التي لا نعرف ما في بنودها بما يتعلق بالبيئة، حيث ان شركات النفط الاجنبية لا تكترث او تهتم بهذه القضايا، الى جانب تشكيل هيئة خاصة بالأهوار للعناية بها على ان ترتبط بوزارة الموارد المائية، ونفس الهيئة تعمل على قضية تلوث المياه”.

ويفتقر العراق الى وجود مراكز بحثية تُدعم من الحكومة، وترتبط بها الجهات المعنية ذات الشأن، لما لهذه المراكز من اهمية في رسم السياسات الخاصة بالبيئة. وهذا ما اكده الاميري الذي قال انه “لا يوجد في العراق مركز دراسات بيئية مرتبط بالجهات الحكومية، مع العلم ان هنالك هشاشة في المناخ العراقي وفي التعامل مع موضوعات التلوث”.

ونوه الى انه تم اعداد دراسة كاملة من قبل مديرية المنطقة الجنوبية بالتعاون مع معهد نيسان، حول موضوع انشاء مركز متخصص بالدراسات البيئية، وقدمت مديرية حماية وتحسين البيئة في المنطقة الجنوبية المشروع الى ديوان محافظة البصرة ليتم تضمينه ضمن موازنة 2023، لبناء مركز دراسات وابحاث بيئية.

وخلص مدير معهد نيسان الى انه “من الممكن ان ترتبط بعض الهيئات في السلطة التشريعية والتنفيذية، مع المركز لنحقق نتاجا علميا كبيرا، ولكي لا تكون الابحاث فقط حبرا على ورق ومركونة على الرفوف، لأنها لن ترى النور ما لم يكن هناك مركز بحثي حقيقي، مرتبط بالجهات المعنية”.

دون مستوى الطموح

وعلى صعيد متصل، اكد عضو المكتب الاستشاري لنقابة المهندسين الزراعيين د. جاسم حسين، عدم الاهتمام في كل المشاكل البيئية التي يعاني منها البلد، والناتجة عن تأثيرات التغير المناخي.

وقال في حديث خصّ به “طريق الشعب”، انهم لا يلمسون “اي اهتمام واضح من قبل الدوائر المختصة بالبحوث العلمية، التي يجريها الباحثون في المراكز البحثية والجامعات، بالرغم من ان الوضع البيئي في العراق يعاني من مشاكل مستعصية، تحتاج لوقفة جدية من قبل الحكومة، لإيجاد الحلول المناسبة لها”.

وتابع حسين متحدثا عن التشريعات البيئية الموضوعة لحماية البيئة بأنها “ما زالت دون مستوى الطموح، وان وجدت فإنها في اغلب الاحيان غير مفعلة، خاصة في ما يتعلق بالمسطحات الخضراء وحمايتها وزيادة مساحاتها، بل على العكس نلاحظ ضعفا في جوانب الادامة والخدمة لهذه المسطحات خصوصا خلال فترات الصيف الحرجة، ما يكبل الدولة بالمزيد من الأموال التي تصرف على تنفيذ تلك المسطحات”.

وعن مصادر التلوث البيئي، أوضح حسين ان من الشروط البيئية لاقامة اي منشئة صناعية هو ان “نؤمن إبعاد اي مصدر تلوث عن المدن القريبة، وبالرغم من قلة المنشآت الصناعية العاملة الا ان مصادر التلوث المؤثرة لم تزل كبيرة، خاصة المحطات الكهربائية والمنشآت النفطية التي تسبب التلوث للتربة والماء والهواء”.

ولفت الى ان هذه التصرفات السلبية ادت الى “ارتفاع مستويات التلوث بشكل ملحوظ، ما يتطلب منا العمل الجاد على تطبيق القوانين التي تمنع وتعاقب كل من يسهم في زيادة مصادر التلوث، مع ايجاد الحلول العلمية لمعالجة التلوث، وفي نفس الوقت توعية المجتمع بمخاطر التلوث”.

وبالحديث عن التلوث في العراق فمصادره عديدة، اخطرها ذلك المتعلق بتلويث المياه والذي يسميه المعنيون “الخطر الداخلي”، وهو ناجم عن رمي مخلفات المصانع ومؤسسات وزارة الصحة والصرف الصحي في الانهر.

وفي هذا الصدد، اكد عضو منظمة حماة دجلة نصير باقر بالقول: ان “مصادر التلوث ما زالت مستمرة في العراق، ولم يتم التقليل من اثرها، لأننا بلا سياسات يكون الهدف منها تقليل مصادر التلوث خصوصا في الانهر، فالمخلفات الطبية ومخلفات المصانع والصرف الصحي ترمى في النهر، وهذا اثر بشكل كبير على التنوع الاحيائي فيه”.

وقال في سياق حديثه مع “طريق الشعب”، ان “هنالك ضرورة في ضوء التحديات البيئية والمائية في العراق، لان نهتم بالأنهر ونحميها من التلوث والخطر الداخلي، الذي يعد اهم من قضية سد أليسو وقطع الروافد من جانب دول الجوار”.

وفي ما يخص تعاطي الجهات المعنية مع الملف المائي في العراق، بيّن باقر بانه يعد شكليا فقط ولا يضرب قلب الازمة او يفرض معالجات حقيقية لملف المياه.

العراق لم يف بالتزاماته

وفي جنوب العراق تعاني الاهوار التي اصبحت قبلة للسياح الاجانب من عملية جفاف مستمرة بدون اي معالجات حقيقية من قبل الجهات الحكومية على الرغم من إدراج منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) في تموز2016 الأهوار على لائحة التراث العالمي بوصفها محميّة طبيعية دولية، لكن ذلك لم ينعكس إيجابا على المنطقة ولم يساهم في إنقاذها من موجات الجفاف التي تهددها.

وفي هذا الصدد، قال الناشط البيئي احمد صالح: انه لطالما عانت الاهوار من الاهمال بسبب سياسات التجفيف من قبل النظام المباد، وكذلك اهمال الحكومات المتعاقبة بعد العام 2003.

واضاف في حديثه لـ”طريق الشعب”، انه “كان لزاماً على الحكومات المتعاقبة ان تتخذ اجراءات تتناسب مع مكانة هذه المسطحات المائية، سيما ان العراق طلب ادراجها على لائحة التراث العالمي، وهذا التكريم يحمل التزامات، لكن العراق لم يف بالتزاماته التي جزء منها توفير 50 مترا مكعبا بالثانية، كحصة مستقلة عن نهر دجلة”.

وفيما يتعلق بالتشريعات القانونية اكد الناشط “وجود قوانين منها القانون الخاص بقضية الحصة المائية وهو يحافظ على تواجد المياه وآخر متعلق بضوابط الصيد ومنع الصيد الجائر، بالسموم والصعق الكهربائي، لكن مشكلتنا هي في انفاذ القانون وتطبيقه”.

عرض مقالات: