اخر الاخبار

صدرت للقاص جاسم ألياس* مجموعة قصصية بعنوان (خبز التنور) عن دار مؤسسة رسلان للطباعة والنشر عند قراءتنا للمجموعة اننا ازاء كاتب يميل إلى شكل الحكاية، وله تنويعات على ذلك القالب الحكائي بشقيه الفعلي والتخييلي على الرغم من انه قد استأثرت بقصصه حكاية واحدة تكاد تجتاح اغلب القصص وهي قصة الحب بين روشي و بطل الحكايات وتداعيات ذلك الحب وصلته بالبيئة الريفية التي ينحدر منها كل من روشي ومحبوبها .

فكيف عبر الكاتب عن الواقع فعليا أو متخيلا؟

قصة “خبز التنور” التي نجد فيها وعدا من الكاتب بأهمية العالم الذي اختاره مسرحا، تدور فيه معظم رؤاه التي تقدم تصورا لإعادة تشكيل الواقع إبداعيا. فالعنوان الذي حملته هذه المجموعة هو لإحدى قصصها وهي قصته الاولى وامتدادها من خلال ثيمات عدة اهمها حب الارض والمنبع والاصل والجذور بدلالتهم المستلهمة من البيئة الريفية، والرامزة إليها عبر إشارة موحية تمثلتها عبارة (خبز التنور) الذي لا يخلو بيتا ريفيا من اعداده .

جاء اهتمام القاص بتصوير حالات حزنه وبث عواطفه بشفافية التعامل مع اللغة بوصفها انجازا ابداعيا وجماليا ولم يشغل نفسه بتعقيداتها فكانت جمله واضحة منسابة بأسلوبها التقليدي المعروف مع قدرة على مطاوعة عنصري الزمان والمكان اللذان استثمر فيهما القاص وظيفتان في البنية القصصية،  فهو تارة يقص ما حدث وما يحدث مسهما في الأحداث، وتارة أخرى يعلق على الحدث من دون أن يسهم في صنعه. ومن ثم، فهو يؤدي دوراً مزدوجا في السرد القصصي، ويتأتى ذلك عبر ضفاف اللغة الوصفية وهذه التقنية تشكل جسراً يربط بين الأمكنة سواء أكانت مفتوحة أم مغلقة، قرية أم مدينة، كما يربط الأزمنة سواء أكانت ماضياً أم حاضراً أم مستقبلاً.

ثمة ما يتصدر الواجهة وهو يتمثل في بناء وحدة الانطباع بالغربة وبرؤية الاغتراب داخل الوطن (العراق) أي في الفضاء الإقليمي ما بين القرية والمدينة، وهناك مواقف رسمت بإتقان وهي تدعونا لإعادة تأمل فكرة «الفقد كاستعادة وكفرصة»، فالشخصيات لا تعتبر الفقد نهاية، بل إنه بداية للبحث، وبداية للحركة وللعمل، مما يشعرها بالحياة. «الفقد» ليس موتا، ولكنه حافز على استعادة الاهتمام من جديد، لتكرس فكرة مفادها عندما يضيع منك شيء عليك ان ترى أهمية للبحث عنه وبذلك لم يسمح للأشياء الجميلة ان تضيع بل كان يجدها شاخصة في الكثير من ملامح الطبيعة فضلا عن اهتمامه بأن يكون مشخصا لكل الحالات الانسانية ومنها ما جاء في قصة (صديقي هادي)  التي وظف فيها شموخ ابن القرية رغم ملابسه الرثة ووجباته الرخيصة في بغداد، وفي قصة اخرى وهي (في القرية) كان يقارب فيها نظرة بنت المدينة وما يصاحبها من تعالي تجاه ابن الريف بطريقة ساخرة لا تخلو من رؤية وموقف، ولم تخلو القصص من ترسيخ لبعض المبادئ ومنها رفض العبودية في استهجانه ان يُقبل الخادم يد الأغا في قصة (بنت محمود)  ومن موقع هيمنة المدار الدلالي الذي لا يغادر موضوعة التعلق بالأرض وربطها بالحب العذري بين روشي وبطل القص وهي الحكاية المستأثرة وفي أغلب قصص المجموعة لم يغادر القاص توصيفاته لمشاهد تعانق الطبيعة بجمالها وبما فيها من عيون نضاحة وفرخ البط السائح في الحقول وشجرة الزيتون الوارفة وازهار تضيء قرب النوافذ وطاحونة لها من ذكرى الشيء الجميل وصورا اخاذة للجلابيب المغموسة بالطين وانصات لرجفة المسحاة والكاروك التي هي صدى لرجفة الكادحين والفلاحين الذين يأكلون من عرق جبينهم فالقاص لم يتجاوز الفقر والعوز ولا الاحلام البسيطة في قصصه ومنها (سلاما ايها الكادحون، قلبي سرقوه، في الطابق العلوي، اهل القرية يحبونك يا عيدو، في الطريق، اسرق لون الاراجيح، الرجوع إلى الينابيع) لتتكامل القصص في اقتراح نفسها على القارئ، كمنظومة سردية متوالدة من بعضها، كما تتوالد الخلايا الطبيعية من بعضها حينا، ومتكاملة فيما بينها، كما تتكامل أجزاء البنية العضوية للجسم حينا آخر.

ــــــــــــــــــــــــ

*شاعر وقاص ايزيدي من سنجار، يقيم حالياً في المانيا.

عرض مقالات: