تقول وزارة الداخلية أن العراق احتل المرتبة الثالثة عالمياً في مكافحة المخدرات وفق تصنيف دولي، مع ضبط أكثر من 13 طناً من المواد المخدرة منذ عام 2023، فيما تركز جهود المديرية العامة لمكافحة المخدرات على العمليات الاستخباراتية والتعاون الدولي لتفكيك شبكات التهريب.
عمليات نوعية وتنسيق دولي
وقال مدير العلاقات والإعلام في المديرية العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، العميد زياد خلف، في بيان تابعته "طريق الشعب"، أن "الجهود الحكومية أثمرت عن إنجازات أمنية مهمة في ملف مكافحة المخدرات منذ تسلّم الحكومة الحالية مهامها".
وأضاف خلف أن "هذه الإنجازات تمثّلت في حجم الضبط الكبير للمواد المخدرة، إلى جانب الأحكام القضائية الصارمة الصادرة بحق كبار تجار المخدرات الذين كانوا يستوردون هذه السموم إلى داخل البلاد".
وأشار إلى أن "المديرية العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية تمكنت، منذ عام 2023 وحتى تشرين الأول 2025، من ضبط أكثر من 13 طناً من المواد المخدرة، في حين لم تتجاوز الضبطيات خلال السنوات الأربع السابقة لعام 2023 ثلاثة أطنان".
وبين أن "المديرية تواصل حربها ضد تجار المخدرات داخل البلاد وخارجها، ونفذت خلال هذه الفترة عدداً من العمليات النوعية بالتعاون مع جهات دولية"، لافتاً إلى أن "العراق صُنّف في أحد التقارير الدولية بالمرتبة الثالثة عالمياً خلال مؤتمر شاركت فيه أكثر من 138 دولة، كما وصفه معهد (نيو لاينز) بأنه زعيم إقليمي في مجال مكافحة المخدرات".
وشدد خلف على أن "جرائم المخدرات تُعدّ من الجرائم العابرة للحدود، الأمر الذي يتطلب تعاوناً إقليمياً ودولياً واسعاً"، مؤكداً أن "المديرية عززت تعاونها مع مختلف الدول لتبادل المعلومات وتنفيذ عمليات مشتركة لملاحقة الشبكات الإجرامية".
وحاولت "طريق الشعب" الحصول على وثيقة تؤكد التصنيف الذي تحدث عنه خلف، لكن الجهات المختصة في وزارة الداخلية لم تبد أية مساعدة في هذا الشأن.
ملف بالغ التعقيد
ويؤكد المحلل السياسي علي الحبيب، الذي عمل في ملف مكافحة المخدرات، أن جهود مكافحة المخدرات في العراق شهدت خلال الفترة الأخيرة "تحولًا نوعيا مهما"، إذ انتقلت من أسلوب العمل التقليدي القائم على الملاحقة الشرطوية إلى عمل استخباراتي متقدم، يستهدف تفكيك شبكات التهريب والترويج من الجذور.
ويقول الحبيب لـ"طريق الشعب"، أن ملف المخدرات في العراق أصبح بالغ التعقيد والتشابك، نظرا لتعدد المنافذ والطرق التي تُستغل في إدخال المواد المخدرة إلى البلاد، مشيرا إلى أن رغم وجود أولوية حكومية واضحة لمواجهة هذه الظاهرة، إلا أن التحديات ما تزال كبيرة، بسبب استمرار تسرب السموم إلى الداخل، عبر بعض منافذ حدودية.
ويضيف أن عمل مديرية مكافحة المخدرات تطور بشكل ملحوظ، إذ لم يعد يقتصر على المتابعة الميدانية للشرطة أو ضبط الحالات الفردية، بل أصبح عملاً استخباراتياً يجري في الظل، يهدف إلى الوصول إلى مصادر التهريب الرئيسة والمروجين وشبكات التوزيع، مؤكداً أن هذا التطور انعكس إيجاباً على نوعية العمليات والنتائج المحققة.
ويشير الحبيب الى أن "العراق يواجه تحديا مزدوجا لكونه تحول من بلد عابر للمخدرات إلى بلد مستهلك لها"، محذرا من خطورة هذا التحول على المجتمع، في ظل وجود دول مجاورة تُعد من أبرز مصادر هذه المواد، منها إيران وأفغانستان وسوريا والكويت وتركيا.
ويؤكد أن وزارة الداخلية تعمل بالتنسيق مع جهاز الأمن الوطني والجهات الأمنية الأخرى على إحكام السيطرة على المنافذ الحدودية، إلى جانب تعزيز التعاون الدولي مع وزارات داخلية الدول المجاورة من خلال مؤتمرات واتفاقيات تهدف إلى تبادل المعلومات وتنفيذ عمليات مشتركة.
ويقول الحبيب، أن الوزارة نفذت عمليات نوعية ناجحة خلال الأشهر الماضية، أثمرت عن ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة والقبض على عدد من المتورطين.
نشاط شبكات التهريب يتراجع؟
أما رئيس منظمة التعافي للحد من خطورة المخدرات عصام كشيش، فيرى أن الإجراءات الأمنية الأخيرة في العراق حققت "نتائج ملموسة في ملف مكافحة المخدرات"، مشيرًا إلى أن البلاد تشهد تراجعًا ملحوظًا في نشاط شبكات التهريب والترويج، بفضل الجهود الأمنية المتواصلة والتعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال.
ويقول كشيش لـ"طريق الشعب"، أن العراق استضاف خلال الفترة الماضية مؤتمرين إقليميين مهمين لمكافحة المخدرات في منطقة الشرق الأوسط، شارك في أحدهما رئيس الوزراء. وفي الآخر رئيس الوزراء ووزير الداخلية.
ويربط كشيش نجاح الإجراءات الأمنية في تقليص عمليات التهريب والتوزيع بارتفاع سعر غرام المواد المخدرة من نحو 15 أو 25 ألف دينار سابقا إلى ما يقارب 125 ألف دينار حالياً، وهذا يدل على صعوبة المتاجرة بهذه المواد.
ويشير الى أن العراق أبرم اتفاقيات أمنية مع دول الجوار، من بينها إيران وتركيا ودول الخليج، بهدف ملاحقة عصابات المافيا وشبكات التهريب الدولية التي تنشط في نقل المخدرات من أفغانستان مرورًا بإيران والعراق وصولًا إلى دول الخليج.
وينبه الى أن الأجهزة الأمنية ركزت في استراتيجيتها على ملاحقة التاجر المحلي والناقل الرئيس للمخدرات، بدلًا من التركيز على المتعاطين، نظرًا لكون التاجر المحلي يمثل حلقة الوصل الأساسية بين شبكات التهريب الدولية والمستهلكين داخل البلاد.
ثغرات كبيرة في المنافذ
وبالرغم من هذه الجهود، يرى مراقبون أن مكافحة المخدرات في العراق ما زالت تتطلب تعزيز الإجراءات وزيادة الفعالية، خاصة مع انتشار المواد المخدرة في الأزقة، الأحياء، وحتى المدارس.
وحذر المحلل السياسي محمد زنكنة من أن العراق أصبح بيئة خصبة لتجارة المخدرات، نتيجة الثغرات الكبيرة في المنافذ الحدودية، وغياب الانضباط الأمني والتنسيق بين القوات الرسمية، إضافة إلى استغلال بعض الميليشيات لهذا المجال كمصدر رزق.
وقال زنكنة لـ"طريق الشعب"، إن الكبتاغون والكريستال والماريغوانا أصبحت أكثر ثلاثة أصناف من المخدرات انتشارا في الداخل، مشيراً إلى أن هذه المواد تنتشر أحيانًا مجانًا في البداية، لتتحول فيما بعد إلى تجارة مربحة تؤدي إلى ارتفاع أسعارها وإلى تفاقم الجرائم.
وأضاف أن العنف في العراق وصل إلى مستويات غير مسبوقة، إذ ارتفعت حالات القتل والخطف والعنف ضد الأطفال والنساء، إذ يكون أحيانًا مرتكبو هذه الجرائم من القصر، نتيجة الإدمان على المخدرات.
وأكد زنكنة أن بعض الأحزاب السياسية والميليشيات تشترك بشكل مباشر في هذه التجارة، مستفيدة من انتشار المخدرات إلى جانب تجارة السلاح، في ظل ضعف الدولة في فرض سيطرتها على هذه الملفات الحساسة.
وخلص إلى أن استمرار هذا الوضع يشكل تهديدا حقيقيا للأمن المجتمعي والسياسي في العراق، وأن المعالجة تتطلب جهودا حقيقية لفرض القانون وتنظيم الحدود ومكافحة الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة.