اخر الاخبار

عندما كنت صغيراً، كان عامل الميناء الطيّب أبي يأخذني معه بعض الأحيان الى مكان عمله، يحدّثني عن أهميّة العمل وضرورة اشاعة روح المحبّة بين العمّال والوقوف معهم لأنهم أساس كل بناء.

لهذا جلستُ اليوم أتساءل مع نفسي حول عيد العمّال العالمي الذي يهلّ علينا يوم غد: تُرى ما الذي يحصل لو خلا أيُّ بلدٍ من العمّال؟! بالتأكيد لن تقوم له قائمة أبداً ويظلّ أرضاً جرداء من كلِّ شيء!

بمعنى انه لولا العمّال لما بُنِيَت ولا تطوّرت ولا ازدهرت البلدان أبدا، لهذا علينا أن نتأمل حالهم، ونقف معهم دائما، لأنهم ركيزة النضال والبناء والعمران في كل زمان.

ولنسأل انفسنا: هل منحناهم كلَّ استحقاقاتهم؟ بالتأكيد لا، ووقفة قصيرة أمام تاريخ نضالهم المتواصل منذ قرون ومطالباتهم بالعدالة والانصاف تجعلنا مندهشين لما قدّموه من تضحيات في سبيل الحقِّ، كونهم الشريحة المظلومة دائماً. ففي أواخر القرن التاسع عشر نظّمت النقابات العمّالية الأمريكية انتفاضة للمطالبة بتعديل اجور العمال وبحقوقهم. وفي عام 1884 نظّم اتحاد المهن النظامية والنقابات العمّالية في شيكاغو اضراباً، طالب فيه بتغيير ساعات العمل وجعلها 8 ساعات. كما نظّم أكثر من 300 الف عامل أمريكي عام 1886 اضراباً واعتصاماً في ساحة «هيماركت» في نيويورك للمطالبة بحقوقهم المهدورة، وبعد 3 أيام، والذي صادف يوم الأول من أيار، ألقيت في الساحة قنبلة راح ضحيّتها عدد كبير من المضربين المعتصمين. حيث سميّت «مذبحة هيماركت»، وتمَّ اعتماد هذا اليوم عيداً عمّالياً يعبّر عن أهميّة الوقوف بوجه الطغاة والمستبدّين وأرباب العمل الرأسماليين. ورغم اختلاف توقيته في بعض البلدان، الاّ ان يوم الاول من أيار هو اليوم العالمي للعمال.

ونحن في العراق علينا ألا ننسى وقفات العمّال واضراباتهم التي سطّروا فيها أسمى معاني النضال والبطولة لتظلّ اهزوجة عمّال البصرة التي انطلقت في أواخر خمسينيات القرن المنصرم اثر اعتقال زميلهم المناضل الشهيد (هندال جادر)، مدوّية لن يهفت صداها متى هذه اللحظة «حي ميّت هندال نريده»، وأن ندرك أيضاً أن القرار الظالم والمجحف الذي أصدره النظام الفاشي المقبور بتحويل العمّال الى موظفين والغاء الاتحادات والنقابات العمّالية في حينها قد أضرّ بشريحة كبيرة منهم وأهدر الكثير من حقوقهم. لهذا علينا أن نسعى وبكل ما نستطيع من ارادة الى اعادتها لهم من خلال تعديل قانون العمل والضمان الاجتماعي، وأن نرفع القبّعة لهم دائماً لأنهم الشريحة المضحّية في كل وقت من اجل الارتقاء بالوطن وبنائه من خلال تربيتنا والسهر على تعليمنا واسعادنا وجعلنا أبناء نافعين لهذا البلد، فلولا آباؤنا العمّال لما كان هناك صرح كبير بكل شيء، رغم ما مرَّ ويمرُّ عليه من أعاصير وزوابع وما تسيّد عليه من طغاة وفاسدين، اسمه العراق!

وسيظلّ الأول من أيار علامة فارقة في تاريخ الشعوب الحيّة المطالبة بحقوقها دائماً، وسنعرف أنه لولا العمّال لما قامت وازدهرت بلدان، وكل عام والطبقة العمّالية المناضلة بألف خير والمجد والخلود للشهداء.

عرض مقالات: