اخر الاخبار

كان لظهور عصر التنوير في القرن الثامن عشر أثره على قيام الثورة الصناعية في أوربا، تلك الثورة التي أتت على الأفكار الدينية وانتقلت بالعالم من عصر الأفكار القديمة إلى عصر التصنيع، وتحولت الحياة الاجتماعية من الإيمان بالغيبيات وما لها من تخدير لقوى العالم المادية إلى عالم ينتج الخيرات ويحول الخامات إلى سلع يتداولها الناس، وقد كان لأفكار الاقتصاديين التقليديين أثرها في تكوين الرأسمال وتحوله إلى عدو لدود للقوى البشرية العاملة مستغلا قوة عملها في تحقيق فائض القيمة التي اكتشفتها الماركسية لتتحول أفكارها إلى معين يمد تلك القوى المنتجة بالقوة للدفاع عن مصالحها، وهكذا تشكلت أولى اتحادات العمال، حيث يقول ماركس في كتابه بؤس الفلسفة (ص١٦٧ ، ١٦٨ طبعة بيروت ) إن أولى محاولات العمال ليجتمعوا مع بعضهم كانت بشكل اتحادات، وأن الأحوال الاقتصادية حولت مجموعة سكان القرى إلى عمال، وخلق اتحاد رأس المال لهذه المجموعة حالة عامة ومصالح عامة، وهذه المجموعة بحد ذاتها طبقة ضد الرأسمال، ففي هذا الصراع تتحد هذه المجموعة وتشكل طبقة لنفسها وتصبح المصالح التي تدافع عنها مصالح طبقة. لكن صراع طبقة ضد طبقة يكون صراعا سياسيا، وقد تجسدت أفكار ماركس هذه في حركات العمال الثورية التي بدأت في أوربا الغربية، وقد كانت الشرارة من مدينة برمنجهام والتي تعد أول مدينة صناعية في العالم، تلتها مانشستر مركز صناعة النسيج.

بدأت الحركة العمالية في بريطانيا على يد النقابات ومجموعة سياسية ناشطة أطلق عليها اسم شهداء تولبودل ( artyrs of tolpuddle ) للفترة من العام ١٨٤٨٠١٨٣٨ والتي شكلت بدورها نواة لما عرف بالحركات الجارتية، أو الحركة الميثاقية (chartisim  )  مشتقة من كلمة ميثاق بالإنكليزية، وكانت هذه الحركة تنادي بالإصلاح السياسي تحت راية ميثاق الشعب، وهي أول حركة عمالية حاشدة في العالم،  وكان لانتشار أفكار هذه الحركة وصدور البيان الشيوعي عام ١٨٤٨ الذي جاء فيه ما يحرض العمال على الثورة، حيث جاء في هذا البيان، بيد أن البرجوازية لم تصنع فحسب الأسلحة التي تؤدي بحياتها بل أنجبت الرجال الذين يستعملون هذه الأسلحة، العمال العصريين أو البروليتاريين، ولقد أخذت هذه الحركات تتبلور وتتنظم ليظهر عنها أول أشكال التنظيم النقابي، ولعل الاستغلال الرأسمالي البشع للشغيلة وإنكار دور قوة عملها وما لهذه القوة الإنتاجية من دور مهم في نمو المصانع وتراكم الرأسمال، وفد تشكلت التنظيمات العمالية بفعل عوامل وحدة الظروف الإنتاجية، أو ما أطلقت عليه الماركسية، بالطبقة العاملة، والتي وحدها التنظيم النقابي الجديد الذي رفع العلم الأحمر لأول مرة في التاريخ والذي نال تأييد الحركات الاشتراكية الدولية والذي انتقل بدوره إلى العالم الجديد مع هجرة البريطانيين إلى القارة الأمريكية، وبعد قيام النهضة الصناعية في الولايات المتحدة انتقلت أمراض الرأسمالية إلى هذه البلاد بعد توحيدها والقائمة على الاستغلال الرأسمالي للطبقة العاملة، وكان لطول ساعات العمل وسوء ظروف هذا العمل وقلة الأجور والتي كانت جميعها تحوم حول أجر الكفاف، إذ كان العامل يتقاضى ١.٥ دولار ليوم عمل كامل طوله ١٠ ساعات، وبسبب عدم توفر الضمان الصحي أو الأمن الصناعي، بسبب هذه العوامل مع الانتشار الواسع للفكر اليساري في العالم الجديد، فقد دعا اتحاد نقابات العمال في الولايات المتحدة عام ١٨٨٦ إلى إضراب في الأول من أيار للمطالبة بأن يكون يوم العمل محددا فقط بثماني ساعات، وقد ساهم في هذا الإضراب ما يناهز ال  (٥٠٠ الف عامل )، وفي الثالث من أيار اقتحمت الشرطة موقع الإضراب وقد تم قتل ثلاثة عمال في مدينة شيكاغو حيث تظاهر أكثر من أربعين ألف عامل، وفي اليوم التالي وأثناء التجمع العمالي الحاشد انفجرت قنبلة قتل على إثر انفجارها سبعة من أفراد الشرطة وعدد من العمال المضربين إضافة إلى العدد الكبير من الجرحى، وفي العام ١٨٨٧ تم إحالة عدد من العمال إلى المحاكم، وتم الحكم بالإعدام على أربعة منهم، وفي العام ١٨٨٩ كتب رئيس اتحاد نقابات العمال في الولايات المتحدة إلى مؤتمر الأممية الثانية المنعقد في باريس داعيا إلى توحيد نضال العمال وتوحيد المطالبة بتحديد ساعات العمل، ( وبفعل قوة الحركة الشيوعية العالمية ) فقد قرر المؤتمر الاستجابة لهذه المطالب، وفي عام ١٩٠٤ دعا مؤتمر الاشتراكية الدولية المنعقد في امستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية في جميع أنحاء العالم وخصوصا المنظمات الاشتراكية منها إلى عدم العمل في يوم الأول من ايار من كل عام، والعمل على جعله عطلة وطنية في كل دول العالم. وفي عام ١٩٣٥ باركت الكنيسة هذا اليوم وعدته عيدا مقبولا، وفي الولايات المتحدة تم الاعتراف بهذا اليوم ولكن جعله في يوم الاثنين الأول من ايلول من كل عام وأسمته عيدا للعمل لا عيدا للعمال، وقامت كندا بجعله يوما للعمل أسوة بتصرف الولايات المتحدة، غير أن الشيوعيين والاشتراكيين الأمريكيين ونقابات العمال القطاعية الأمريكية ظلوا جميعا يحتفلون في الأول من ايار على أنه عيدهم الوطني مما دفع بالكونغرس الأمريكي وفي إثر المظاهرات العارمة التي انطلقت في كل من ولاية شيكاغو وسياتل وولاية نيويورك وولايات أخرى، نعم دفعت بالكونغرس لإصدار قرار عام ١٩٥٨ اعتبر فيه هذا اليوم يوم وفاء لذكرى شهداء ولاية شيكاغو،  وأعلن إثر ذلك الرئيس الأمريكي آنذاك الجنرال أيزنهاور،  أن الأول من أيار من كل عام إجازة رسمية .

إن نضال الطبقة العاملة على مدى القرنين الماضيين وبسبب الإسناد الحقيقي والمستمر لحركات العالم الشيوعية واليسارية أن اعترفت أغلب دول العالم بهذا اليوم وجعلته عيدا وطنيا يتمتع به العمال بالإجازة الرسمية، ولهم حق الاحتفال فيه للتعبير عن وحدة هذه الطبقة رغم الحدود الدولية كون ظروف الإنتاج ووحدة المصير هي عوامل عابرة لكل الحدود ولا يوحد هذه الطبقة غير الأماني المشتركة في مستقبل أفضل في ظل رأسمالية لا ترحم الشعوب.

 عاش الأول من أيار في العراق وفي كل الديار.