اخر الاخبار

في خضم تصاعد التوتر الأميركي – الإيراني، يجد العراق نفسه عالقاً بين حاجته الملحّة لتأمين الطاقة واستمرار الضغط الأميركي لمنع التعامل مع طهران.

ومع اقتراب أشهر الصيف التي تشهد ذروة الاستهلاك الكهربائي، تسعى الحكومة التي تعهدت بتحقيق اكتفاء ذاتي في استثمار الغاز، للتحرك من اجل الحصول على استثناء جديد يسمح لها باستيراد الغاز الإيراني، وسط خيارات محدودة وتحديات متراكمة في قطاع الطاقة.

بغداد قدمت طلباً جديداً للاستثناء

وكشف وكيل وزارة الخارجية لشؤون التخطيط الاستراتيجي، هشام العلوي، أن العراق قدّم طلبًا رسميًا للولايات المتحدة لتمديد استثناء استيراد الغاز الإيراني لمدة ستة أشهر إضافية.

وقال إن الحكومة العراقية تدرك صعوبة الموافقة على هذا الطلب، خاصة مع رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تشديد الضغط على إيران، إلا أن الجانب الأميركي بدأ فعليًا بدراسة الطلب بجدية.

وقال العلوي في تصريح صحفي، إن “الطلب العراقي استند إلى حاجة البلاد الملحة لاستمرار تشغيل محطاتها الغازية خلال فصل الصيف، خاصة مع قرب موعد الانتخابات، فضلاً عن عدم توفر بدائل حقيقية في الوقت الراهن، سواء من خلال تطوير الغاز المصاحب أو تعزيز الاستيراد من دول الجوار كتركيا والدول العربية”.

 وأضاف، أن القرار الأميركي في مثل هذه القضايا يُتخذ على مستويات عليا، وليس فقط في وزارة الخزانة، ومن المتوقع ان يُستجاب بسهولة لهذا الطلب، مرجحًا أن تستثمر الإدارة الأميركية الطلب كورقة تفاوضية مع بغداد في حال رغبت في الموافقة.

وكانت الادارة الأميركية قد جددت، في نيسان الماضي، موقفها الرافض لاستمرار تعامل العراق مع إيران في مجال استيراد الغاز، وذلك خلال لقاء وزير الخارجية فؤاد حسين بنائب وزير الخزانة الأميركي مايكل فولكندر في واشنطن، حيث ناقشا ملف الطاقة العراقي وسعي بغداد لتحقيق الاستقلال في هذا المجال.

الخياران الوحيدان

من جانبه، أكد الخبير في مجال الطاقة دريد عبد الله أن الضغوط الأميركية على العراق لوقف استيراد الغاز من إيران، تأتي في سياق حملة ضغط منسقة تمارسها الإدارة الأميركية على طهران، مشيرًا إلى أن العراق لا يملك حاليًا سوى خيارين لمواصلة تلبية احتياجاته من الغاز حتى نهاية العام.

وأوضح في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "الخيار الأول يتمثل بالاستيراد المباشر من إيران، على أن تُحول مستحقات الغاز إلى ديون مؤجلة، أما الخيار الثاني فهو استيراد الغاز من تركمانستان مقابل ما يقارب مليار دولار كل ثلاثة أشهر، على أن يُنقل عبر الأراضي الإيرانية ويُسلّم للعراق من منفذين حدوديين في ديالى والبصرة".

وأشار عبدالله إلى أن "الموقف الأميركي قد يتغير تبعًا لتطور المفاوضات مع إيران، ومدى قدرة العراق على إقناع واشنطن بصعوبة إيجاد بدائل واقعية وسريعة لتلبية احتياجاته من الغاز".

وبيّن الخبير في مجال الطاقة، أن “الاعتماد على الغاز المستورد ليس عيبًا أو استثناءً، فهناك دول نفطية كالكويت والبحرين والإمارات وعُمان، وحتى إيران والسعودية، تعتمد بدرجة ما على الغاز المستورد”، لكنه شدد في الوقت نفسه على "ضرورة تطوير البنى التحتية لقطاع الغاز في العراق لضمان الاستقلالية على المدى البعيد".

وأشار إلى أن "إيران تصدر الغاز إلى أكثر من ست دول، من بينها تركيا والعراق، بمعدل يقارب 10 مليارات متر مكعب سنويًا، ولدى بعض تلك الدول، مثل تركيا وأرمينيا وأذربيجان، عقود طويلة الأجل مع إيران، ما يرجح استمرار الصادرات الإيرانية رغم الضغوط السياسية".

واردف بالقول إن “أساس المشكلة يكمن في الصراع الأميركي-الإيراني”، لافتًا إلى أن قرارات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب غير متوقعة.

ولكنه رجّح أن "تسمح الإدارة الأميركية بتمديد الاستثناء العراقي خلال الأسبوع الجاري، خاصة وأن تدفقات الغاز والكهرباء الإيرانية لم تتوقف حتى الآن. وفي حال أصرّت واشنطن على موقفها، فقد يتجه العراق إلى تفعيل عقود طويلة الأمد مع الجانب التركماني كخيار بديل".

الغاز الإيراني.. ورقة ضغط استراتيجية

وقال الخبير النفطي بلال الخليفة إن استثناء العراق من العقوبات الأميركية المتعلقة باستيراد الطاقة من إيران ليس امراً جديداً، إذ حصلت بغداد في السنوات السابقة على استثناءات مؤقتة، غالبًا لا تتجاوز ثلاثة أشهر وتمدد، في ظل حاجة البلاد الماسة للكهرباء، واعتمادها على الغاز الإيراني لتشغيل محطاتها.

وأوضح في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "سياسة الولايات المتحدة، في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، شهدت تحولاً كبيراً، حيث تم التركيز على الأبعاد الاقتصادية للمواجهة العالمية، خصوصاً مع صعود الصين".

وأضاف، أن “ترامب ينظر إلى الصين باعتبارها التهديد الأول لأميركا، وسعى لتقليص نفوذها عبر تحجيم حلفائها مثل روسيا وإيران وكسب علاقة صداقة مع هذه الاطراف لاضعاف جبهة الصين”، مشيرًا إلى أن "هذا التوجه انعكس في سياسة - العقوبات القصوى- ضد طهران".

وأشار إلى أن العراق، "بحكم موقعه الجيوسياسي وارتباطه باستراتيجية الأمن القومي الأميركي، يتأثر بهذه السياسات"، مضيفًا أن "الضغوط الأميركية بعدم تجديد الاستثناء العراقي من استيراد الغاز الإيراني، تمثل جزءاً من الضغط على طهران لا على بغداد بالدرجة الأولى".

ونوه الى ان "التقدم بقضية استيراد الغاز من جديد مرتبط بعوامل عديدة، اهمها نتائج المفاوضات بينهما، والذي من الممكن ان يرسم خارطة اقتصادية جديدة في المنطقة، ومن جهة اخرى، يعتمد على شكل الحكومة القادمة الذي سيحدد موقف الادارة الامريكية بتمديد الاستثناء".

وأوضح الخليفة، أن “العراق في وضع لا يُحسد عليه، خصوصاً ونحن مقبلون على أشهر الذروة في استهلاك الكهرباء، ما يستوجب تحركات سريعة، أبرزها تسريع وتيرة استثمار الغاز المصاحب المحروق"، منبهاً الى ان "الـ70 في المائة المستثمرة غير كافية. حيث هناك 30 في المائة غير مستثمرة وتبلغ كميته نحو 1000 مليون قدم مكعب قياسي وهو نفس مقدار المستورد من ايران".

وبيّن أن "هذه الكمية، في حال استثمارها، يمكن أن تولد نحو 4 آلاف ميغاواط، وهو بواقع الحال غير كاف، فالعراق سيظل يعاني عجزاً كهربائياً يتجاوز 10 آلاف ميغاواط، حتى مع الاستيراد الإيراني، ما يدفع للبحث عن بدائل أخرى او رديف للغاز الايراني".

ونوه الخليفة بالقول ان "الغاز المسال المستورد تكلفته مرتفعة بنحو ضعفين أو أكثر مقارنة بالغاز الإيراني أو الذي يصل عبر الأنابيب"، معتبرًا "استيراد الغاز المسال عبر منصات بحرية مكلفًا وغير مستدام”.

ولفت الى إمكانية "إحياء مشروع قديم لنقل الغاز القطري إلى العراق كحل استراتيجي أكثر اقتصادية لا سيما انه ارخص، رغم التحديات السياسية التي تعترض تنفيذه والمحاذير التي عرقلته".