تشهد السجون العراقية أزمة خانقة نتيجة الاكتظاظ الشديد، فهي تؤوي حالياً أكثر من ضعف طاقتها الأصلية، بحسب ما كشفه وزير العدل خالد شواني في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس".
ووفقاً للوزير، فإن عدد السجناء المحتجزين في 31 سجناً تديرها الوزارة يبلغ نحو 65 ألف نزيل، رغم أن القدرة التصميمية لهذه المنشآت لا تتجاوز نصف هذا العدد.
تدهور في الرعاية وانتهاك للحقوق
شواني أشار إلى أن هذا الاكتظاظ أدى إلى تدهور مستوى الرعاية الصحية داخل السجون، وتراجع ملحوظ في الالتزام بمعايير حقوق الإنسان. وبيّن أنه عند تسلمه المنصب، كانت نسبة الاكتظاظ تصل إلى 300%، إلا أن الإصلاحات التي نُفذت على مدار عامين ساهمت في خفض النسبة إلى 200%. وأضاف: "هدفنا أن نصل إلى نسبة 100% بحلول العام المقبل، بما يتوافق مع المعايير الدولية".
آلاف المعتقلين خارج مسؤولية الوزارة
وأكد وزير العدل أن آلاف المعتقلين لا يزالون محتجزين لدى الأجهزة الأمنية ولم يُنقلوا بعد إلى عهدة وزارة العدل بسبب ضعف القدرة الاستيعابية، رغم الحاجة الماسة لإخضاعهم لإشراف قضائي موحد.
وفي إطار معالجة الأزمة، أشار شواني إلى أن هناك أربعة سجون جديدة قيد الإنشاء حالياً، فيما تم إغلاق ثلاث سجون في السنوات الأخيرة، وافتتاح اثنين جديدين، إلى جانب توسيع ست منشآت قائمة.
من ناحية أخرى، أعلن الوزير الإفراج عن 2,118 سجيناً من سجون وزارة العدل منذ بدء تنفيذ قانون العفو العام، بالإضافة إلى إطلاق سراح عدد من المعتقلين الذين كانوا لدى الأجهزة الأمنية. وأوضح أن لجنة مختصة تتابع حالياً ملفات السجناء وتحدد من تنطبق عليهم شروط الإفراج، مشيراً إلى أن العدد المتوقع للإفراج عنهم سيكون "جيداً"، لكنه لم يحدد نسبة دقيقة بانتظار التوجيهات القضائية.
مئات السجناء الأجانب
وكشف شواني أن السجون العراقية تحتجز مئات الأجانب المدانين، أغلبهم بتهم الإرهاب والانتماء إلى تنظيمي القاعدة وداعش، ومن جنسيات مختلفة تشمل قرغيزستان وكازاخستان وأذربيجان وتركيا ومصر ودول شمال أفريقيا، إضافة إلى بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وأشار إلى وجود محادثات مع عدد من هذه الدول لإعادة مواطنيها، باستثناء من صدر بحقهم حكم بالإعدام.
وتحدث شواني عن اتفاقات قائمة مع إيران وتركيا والمملكة المتحدة لإعادة السجناء إلى دولهم، كاشفاً عن نقل 127 سجيناً إيرانياً إلى طهران. إلا أن مواطناً إيرانياً مداناً بقتل أميركي في بغداد عام 2022 لا يزال قيد الاحتجاز. وتعود القضية إلى مقتل المواطن الأميركي ستيفن إدوارد ترول، البالغ من العمر 45 عاماً من ولاية تينيسي، والذي قتل رمياً بالرصاص في منطقة الكرادة وسط بغداد في تشرين الثاني 2022. وأُدين بالجريمة المواطن الإيراني محمد علي رضا إلى جانب أربعة عراقيين، في عملية وُصفت بأنها "اختطاف انتهى بشكل خاطئ".
تعليق تنفيذ أحكام الإعدام
وفيما يخص أحكام الإعدام، أكد شواني أنها توقفت عقب بدء تطبيق قانون العفو العام، مشيراً إلى أن الحكومة تعرضت في السابق لانتقادات من منظمات حقوقية بسبب تنفيذها لعمليات إعدام جماعية دون إعلام المحامين أو ذوي المحكومين مسبقاً.
وقال الوزير إن "عدد عمليات الإعدام المنفذة محدود وليس كما يُنشر في وسائل الإعلام"، مضيفاً أن هذه العقوبة تُطبق فقط في "الجرائم التي تهدد الأمن القومي والسلامة العامة بشكل خطير"، مثل المتورطين في تفجير الكرادة عام 2016، ومرتكبي جرائم اغتصاب الأطفال، والقيادات البارزة في داعش.
وأشار إلى أن قرار تعليق تنفيذ الإعدامات جاء بهدف إعادة دراسة القضايا بموجب قانون العفو الجديد، مؤكداً أن "إجراءات صارمة" تُتخذ بحق أي انتهاكات تُرتكب داخل السجون، وأن عدداً من الموظفين أُحيلوا إلى التحقيق وتم فصلهم وملاحقتهم قضائياً.
أوضاع مزرية في السجون
من جهته، وصف الخبير الأمني صفاء الأعسم أوضاع السجون العراقية بـ"المزرية"، معتبرا أن البنية التحتية في معظم المؤسسات الإصلاحية "مهترئة ولا تتوافق مع المعايير الإنسانية". وقال الأعسم إن تقارير ميدانية تكشف عن اكتظاظ خانق داخل بعض السجون، تصل فيه أعداد النزلاء إلى نحو 60 شخصا في غرفة لا تتجاوز مساحتها (6×5 أمتار)، مما يدفع بعض السجناء إلى النوم وهم متلاصقون على الأكتاف.
وأضاف أن السجون العراقية تشهد مظاهر "استغلال فاضحة"، إذ تبلغ كلفة المكالمة الهاتفية الواحدة 10 آلاف دينار، في حين تصل كلفة استئجار هاتف أسبوعيا إلى 600 ألف دينار، وقد تبلغ 3 ملايين دينار شهريا.
وتابع أن "مثل هذه الأرقام تجعل من موقع ضابط السجن مصدرا لضخ ملايين الدنانير، وهو ما يثير تساؤلات حول احتمال شراء التواطؤ لتسهيل الهروب أو تمرير الممنوعات".
وأشار الأعسم إلى دخول المخدرات إلى السجون عبر جهات يفترض بها أن تمنعها، مؤكدا أن "الفساد داخل المؤسسات الإصلاحية بلغ مستويات مقلقة"، لافتا إلى ما سماها بـ"امتيازات النزلاء النافذين"، من قبيل امتلاك ثلاجات خاصة، وخدمة توصيل القهوة، وكأنها "سجون 5 نجوم".
ودعا إلى "إعادة تقييم شاملة للعاملين في السجون"، مؤكدا أن مواجهة هذا التحدي تتطلب "نزاهة وكفاءة عالية، بعيدا عن المجاملة والرشوة"، لضمان حماية منظومة السجون من الانهيار.