اخر الاخبار

تتجدّد من وقت لآخر الدعوات لإعادة النظر في الرواتب والامتيازات الممنوحة للرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها، بينما تواصل الفجوة بين المواطن والمسؤول الاتساع، نتيجة لتحكم فئة محددة بمقدرات البلد.

وفي حين تبدو هذه الدعوات منسجمة ومتسقة ظاهرياً مع مطالب الشارع المتزايدة خصوصاً في الايام الاخيرة التي تفجرت فيها الاحتجاجات بمختلف مناطق البلاد، مطالبة بتعديد سلم الرواتب وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن توقيتها وغياب المعالجات الجذرية الحقيقية يطرحان تساؤلات جادة حول مدى صدق النوايا، في ظل استحقاقات انتخابية قريبة، ما يجعل هذا الحراك بنظر كثيرين أقرب إلى المناورة السياسية منه إلى مشروع إصلاحي حقيقي.

حراك نيابي

وكشف عضو مجلس النواب فراس المسلماوي، اخيراً، عن جمع أكثر من 60 توقيعاً نيابياً، لتعديل قانون سلم رواتب الموظفين، وكذلك تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والنواب والدرجات الخاصة، كافة في عموم العراق لتحقيق العدالة الاجتماعية".

وأضاف "نحن مع مطالب المعلمين وشرائح الموظفين في الوزارات والمؤسسات الدولة كافة"، مشيراً إلى أن "الطلب قُدم إلى رئاسة مجلس النواب لتفعيل عمل لجنة الرواتب لتحقيق العدالة الاجتماعية برواتب الموظفين، وأن الراتب الأدنى للموظفين سيحدد لاحقاً".

عبء الرواتب الخاصة

ومع تصاعد الدعوات المطالِبة بمراجعة رواتب وامتيازات الرئاسات الثلاث، وأعضاء مجلس النواب، والدرجات الخاصة، يرى الباحث والأكاديمي جليل اللامي أن هذا الحراك، رغم ما يحمله من مطالب مشروعة تتوافق مع نفس الشارع العراقي، لكنه لا يخلو من بُعد سياسي واضح، خصوصًا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية. إذ تشير المعطيات إلى سعي بعض الأطراف لتوظيف هذا الملف انتخابيًا، من دون أن تقترن تلك المطالب برؤية إصلاحية شاملة ومتكاملة.

وقال اللامي في حديث مع "طريق الشعب"، أن "الامتيازات الممنوحة لكبار المسؤولين تمثّل عبئًا ماليًا ورمزيًا على الدولة، إذ تُنفق الحكومة أكثر من 1.5 ترليون دينار سنويًا على هذه الفئة، وتشمل المبالغ مخصصات السكن، الحماية، النقل، الوقود، إضافة إلى الرواتب التقاعدية، ما يُسهم في تعميق فجوة الثقة بين المواطن والدولة".

وتابع قائلاً انه برغم أن "هذه المبالغ قد لا تمثل نسبة كبيرة من الموازنة العامة السنوية التي تتجاوز 200 ترليون دينار، فإن رمزية استمرار تلك الامتيازات وسط أزمة مالية وإنفاق حكومي مترهّل، تعكس غيابًا حقيقيًا لرؤية اقتصادية إصلاحية".

واعتبر اللامي أن "القلق اليوم لا يرتبط فقط بارتفاع النفقات، بل بغياب الاستراتيجيات الجدية لإصلاح الهيكل الاقتصادي، في ظل التوسّع الكبير في الإنفاق التشغيلي على حساب الإنفاق التنموي والإنتاجي"، مضيفاً ان "أي حراك يُطرح في هذا السياق يجب أن يكون جزءًا من حزمة إصلاح شاملة، تتضمن مراجعة النظام المالي والإداري، وليس مجرد إجراءات انتقائية تفتقر إلى الاستدامة".

وواصل اللامي القول أن "مجلس النواب، وبكل أسف، لم يشهد خلال السنوات الأربع الماضية أي تشريع نوعي على الصعيد الاقتصادي، كما لم يمارس رقابة فاعلة على الأداء المالي للدولة، ما يثير تساؤلات جدية حول توقيت الحراك الحالي ودوافعه".

ودعا إلى "تقييم جدوى استمرار المؤسسات التشريعية إذا لم تكن بمستوى التحديات الوطنية، لا سيما في القضايا الاقتصادية الحساسة".

وختم اللامي بالقول: إن "المعالجة الجذرية باتت ضرورة لا تحتمل التأجيل"، داعيًا إلى إعادة هيكلة الامتيازات، وتحديد سقف أعلى للرواتب والمخصصات، وتطبيق مبادئ العدالة والشفافية ضمن إطار إصلاح اقتصادي شامل، لا مجرد شعارات وقتية أو خطوات مرتبطة بالمواسم الانتخابية".

امتيازات بلا منطق

فيما قال الناشط السياسي هشام الجبوري إن “رواتب الرئاسات الثلاث والامتيازات المرتبطة بها تمثل عبئًا كبيرًا على موازنة الدولة، إذ لا تنتهي هذه الامتيازات بانتهاء الدورة الانتخابية، بل تستمر عبر إحالتها إلى هيئة التقاعد، ما يعني تراكمًا مستمرًا للامتيازات دون توقف، وهو أمر غير منطقي في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يواجهها المواطن العراقي”.

وأوضح الجبوري، أن “العراق يعاني من ظاهرة متكررة تتمثل بظهور ما يُسمى بالإنجازات قبيل كل انتخابات، وهي ليست سوى أدوات دعائية تهدف إلى كسب تعاطف الشارع، من خلال تبني ملفات تحاكي همومه وتطلعاته، لكن دون نية حقيقية لمعالجتها جذريًا”.

وأضاف: ان “الشارع العراقي يدرك جيدًا أن الطبقة السياسية تتمتع بامتيازات ضخمة على حساب الناس، وأن ما يُطرح من مشاريع أو خطوات إصلاحية في المدة التي تسبق الانتخابات لا يمكن فصله عن الحملات الانتخابية المبكرة، وإلا فلماذا لم يُفتح هذا الملف طوال السنوات الأربع الماضية؟ ولماذا يجري التركيز عليه الآن فقط مع اقتراب انتهاء الدورة البرلمانية؟”.

وختم بالقول إن “أي تحرك في اللحظة الأخيرة لا يمكن اعتباره جهدًا إصلاحيًا حقيقيًا، بل هو محاولة لكسب الشارع في الوقت الضائع، ولو كانت هناك نية صادقة للتغيير، لكان الأجدر فتح هذا الملف في بداية الدورة وليس في نهايتها”.

عرض مقالات: