اخر الاخبار

اضطر أحمد حسان، وهو كاتب ومخرج مسرحي من ذي قار، إلى التوقف عن تدريب الممثلين على المسرح منذ أكثر من عامين، بعد أن قضى سنوات طويلة يقيم دورات تدريبية للشباب والفتيان.

جاء ذلك بعد أن أخبرته إدارة المنتدى الذي يتدرب فيه بأن خشبة المسرح انتهت صلاحيتها!

وإلى جانب حسان، يُعاني عدد كبير من المسرحيين في عموم ذي قار، المشكلة ذاتها. إذ لا تتوفر قاعات مسرحيّة شعبية يطورون فيها مهاراتهم الفنية، أو يتدربون على عروضهم، لا سيما أنهم يجدون أحيانا فرصا للمشاركة في مهرجانات محلية أو عربية.

ولم يقع هذا الإهمال على المسرح وحسب. فدور السينما هي الأخرى انقرضت في البلاد، بين من تحوّلت إلى مخازن أو استثمرت في مجالات أخرى، أو نخرها التقادم فتهاوت!

السلطة لا تُفكر في الفن

ومعلوم أن ذي قار تتميز بحراكها المسرحي النشيط. لكن المسرحيين لا يجدون قاعات تحتضن نشاطاتهم، سوى مسارح الأنشطة المدرسية ومنتديات الشباب والرياضة، وهذه تُعتبر صالات بسيطة غير مجهزة بالمستلزمات والأدوات الضرورية لهذا الفن. وتوجد قاعة مسرحية وسط الناصرية تُدعى "البهو"، لكنها آيلة للسقوط!

يقول حسان في حديث صحفي: "أنا ضحيّة غياب الأبنية المسرحية. فلو كان هناك مبنى مسرحيّ متوفر، لما كنتُ قد توقّفت عن تدريب الشباب والفتيان"، مضيفا قوله أنه "قبل عامين أخبرتنا إدارة المنتدى الذي نتدرّب فيه، وهو تابع لوزارة الشباب والرياضة، بضرورة التوقّف، خشيةً على حياتنا، لأن القاعة آيلة للسقوط".

ويرى حسان أنَّ "الفنّ والمسرح بشكل خاص تعرّضا لإهمال متعمّد، وقد تعدّى الأمر إلى استثمار القاعات الكبيرة في المسرح والسينما. فالسلطة لا تفكّر في المسرح ولا في الفن، لذلك نرى أن ما يحصل هو تهميش واضح".

شحّ المسارح

من جانبه، يقول الكاتب المسرحي علي عبد النبي الزيدي، أنّهَ "منذ 2003 لم تلتفت الدولة إلى دعم قطاع الثقافة، ومنها المسارح، بشكل صحيح ومخطّط له".

وفيما يشيد بمسرح "أور" الجديد في الناصرية، الذي يسع حوالي 500 متفرج، والذي زوّد بتقنيات حديثة، إلى جانب المسرح السومري المفتوح الذي بُني أيضا في المدينة الأثرية وهو بسعة 1500 متفرج، يؤكد أن البصرة تعاني شحا في المباني المسرحية، ولا توجد فيها سوى قاعة وحيدة في منطقة العشار، وهي "قاعة عتبة بن غزوان"، التي تفتقر إلى المواصفات المسرحية المطلوبة، والتي باتت تحتضن فعاليات حزبية وسياسية، وليس فقط أنشطة فنية.

ويتابع الزيدي قوله: "أما ميسان والديوانية والمثنى وواسط، وغيرها من محافظات البلاد، فهي تعاني المشكلة ذاتها. إذ تنشط فيها الحركة المسرحية، لكنها تفتقر للبنى التحتية"، مشيرا إلى أن هناك نشاطا مسرحيا ملحوظا في تلك المحافظات، بينما تُقام العروض في المنتديات الرياضية والثقافية أو قاعات الأنشطة المدرسية.

جدير بالذكر، أنه حينما أعلنت النجف عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2012، تم بناء قصر ثقافي فيها، يضم قاعات وغرفا ومسرحا، لكن المشروع أهمل وأحاطته النفايات والأنقاض!

سلطة فكرية

ان إنتاج الأعمال المسرحية الكبرى يحتاج إلى صالات عرض لائقة، تُظهر الميزات الجمالية لتلك الأعمال. وقد انتشر عدد من القاعات في بغداد والمحافظات خلال الحقبة الدكتاتورية، وقت كان الفكر الواحد يهيمن على إدارة المؤسسات الفنية – وفقا للكاتب والناقد المسرحي سعدي عبد الكريم، الذي يؤكد في حديث صحفي أن "الفنان المسرحي العراقي كان يبحث له عن منافذ يمرّر منها أفكاره الاحتجاجية بعيداً عن سلطة الرقيب. وقد تعدّدت أشكال العروض المسرحية بين الجاد والشعبي على خريطة كبيرة من المسارح التي احتضنت تلك العروض".

ويضيف قوله أنه "بعد 2003، تقلصت أعداد المسارح، وتحول معظمها إلى مخازن تجارية"، معتقدا أن "سبب هذا الإهمال يعود إلى أهمية المسرح بوصفه سلطة فكرية عليا تبثُّ معالم التغيير عبر عروضها، وتستنهض العقل الخامل لتحيله إلى عقل متحرّك معارض ومحتج. هذه الظاهرة التحريضية تخيف الساسة، والدليل الأكثر وضوحاً هو أنَّ الحكومات لم تبنِ مسرحاً واحداً في العراق، بل احتلت بعض المسارح لخدمة أحزابها"!

مسارح العاصمة تحتضر

توجد في بغداد ثلاثة مسارح كبيرة ذات مواصفات جيدة، هي المسرح الوطني ومسرح الرشيد ومسرح المنصور، لكنها تُصنف على انها مبان قديمة تحتاج إلى التأهيل باستمرار، وتعاني الإهمال بين الحين والآخر – وفق ما يؤكده اختصاصيون. 

وبحسب الناقد المسرحي محمد حسين حبيب، فإن "التغاضي عن احتياجات فنّ المسرح يعني التغاضي عن كونك إنساناً. لقد ضُربنا عُرض الحائط من قبل الحكومات المتعاقبة، على هذا الموضوع المخجل المتعلق بالمباني المسرحية، وتوقفنا عن الشكوى والتشكي والمطالبة منذ سنوات".

ويؤكد في حديث صحفي أن "بغداد تضم مسارح مهمة، جميعها بنيت قبل 2003، واليوم ليس هناك اهتمام متواصل حتى بتطويرها تقنيا وفنيا، ما عدا إجراء ترميمات مُخجلة تحدث هنا وهناك بمبدأ المؤقت. إذ لا توجد بنايات مسرحية جديدة في العاصمة ولا في مدن البلاد جميعها، وإن حدث استثناء هنا أو هناك فتجده لأغراض حزبية أو شخصانية أو لدعاية انتخابية".

جدير بالذكر، أنه في حزيران 2022، أفادت وزارة الثقافة بأنّها قدمت لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي مجموعة مشاريع تتضمن بناء مسارح ومتحف ومركز فنون في بغداد، لكن تلك المشاريع لم تُنفذ على أرض الواقع.

ورغم المباني المسرحية الشحيحة والآيلة إلى السقوط، إلا ان المسرح العراقي حاضر في الفعاليات العربية ومشارك فاعل في اللجان والنصوص والعروض المسرحية، ولا يزال مستمرا في إحراز جوائز فنية كبيرة محلية وعربية.