تغيّر اتجاهات الرأي بعد عقدين من السنين
لموقع مؤسسة غالوب الدولية، كتبت رند داغر وتمارا ديماسي تقريرًا عن المزاج الشعبي العام في العراق بعد 22 عامًا من سقوط الدكتاتورية، مقارنةً ذلك بما كان عليه الوضع في عام 2003، وعلى ضوء مجموعة استطلاعات رأي أجرتها مجموعة IIACSS، العضو في المؤسسة.
تطور في خضم الصعاب
أشار التقرير إلى أن المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد ما يزال في حالة تطور، تتجاذبه فترات من العنف والصمود والإصلاح. ففيما اتسمت السنوات الأولى بانعدام شديد للثقة، جراء تفكك السلطة المركزية واندلاع التوترات الطائفية واتساع دائرة التفجيرات والاغتيالات والتهجير القسري والنزوح داخل البلاد وإلى خارجها، تُظهر بيانات الرأي العام التي جُمعت على مدار الاثني عشر شهرًا الماضية تحسنًا تدريجيًا في الشعور الوطني، لا سيما في صورة زيادة الثقة بالدولة.
الانتكاسة الخطيرة
وبعد أن استذكر التقرير الاحتجاجات الواسعة التي جرت في عام 2013 في الرمادي والفلوجة وسامراء والموصل وكركوك، جراء مشاعر الغضب الشعبي من التهميش، والانتفاضة الشبابية الكبيرة في تشرين عام 2019 والتي انطلقت بسبب عجز الحكومات العراقية المتعاقبة عن حل قضايا حرجة، مثل البطالة، وتدهور الخدمات العامة، والفساد الممنهج، أكد على أن الحراكين قد كشفا عن نقاط الضعف الهيكلية العميقة في النظام السياسي العراقي، رغم تمكن تنظيم داعش الإرهابي من اختطاف الأولى والاستفادة منها في توسيع هيمنته على محافظتين رئيسيتين (نينوى والأنبار) في عام 2014، ورغم قدرة أجهزة الأمن على قمع الثانية وإغراقها بالدم بعد أن تمكنت من إسقاط الحكومة.
ويبدو، حسب التقرير، بأن هذه الانتكاسات دفعت باتجاه البدء بمحاولات لإعادة البناء والإصلاح، خاصة بعد القضاء على داعش، على الرغم من أن ذلك لم يبدد القلق من التحديات الكبيرة التي ما تزال تؤرق العراقيين.
من الأمن إلى الاقتصاد
وذكر التقرير بأن الاستطلاع الوطني الذي أجرته IIACSS في 2003 كشف عن شعور 60 في المائة من العراقيين بعدم الأمان في أحيائهم، فيما انخفضت هذه النسبة إلى 10 في المائة في استطلاع بهذا الشأن، تم إجراؤه قبل أشهر. وعزا التقرير ذلك إلى تعزيز قوات الأمن واستعادة الأراضي من داعش وجهود إعادة بناء الحكم المحلي وتحسينه تدريجيًا، رغم أن هذا التحسن ما زال محفوفًا بخطر الانتكاسة نتيجة الفساد والتشرذم السياسي الذي ربما يضعف ثقة الناس بالدولة.
وأضاف التقرير بأن الشغل الشاغل للعراقيين قد تغير من الأمن في عام 2003 إلى البطالة وغياب فرص العمل في عام 2025، تليها مباشرةً الصعوبات الاقتصادية والفساد، معتبرًا ذلك نتاجًا لتقلص الطبقة المتوسطة، وتضخم القطاع العام وركوده، ومحدودية الفرص في القطاع الخاص، والضغوط المتزايدة جراء هيمنة الاقتصاد الريعي.
وأكد التقرير على أن هذه التحديات تزداد حدة بين شباب العراق، وخاصة من حصل منهم على تعليم عالٍ، دون أن يجد وظيفة تتناسب مع مهاراته، فوقع أسير الإحباط وخيبة الأمل، مما يشترط بشكل بالغ الأهمية السعي لرسم السياسات السليمة التي تضمن مستقبل هذه القطاعات وتستجيب لطموحات الشعب ولمتغيرات احتياجاته.
السياسة العامة
وكشف التقرير عن تغير في تقييم الاتجاه الذي تسير نحوه البلاد، ففي الوقت الذي كان فيه ما لا يقل عن 45 في المائة من العراقيين يعربون عن تفاؤلهم بتحول ديمقراطي وبتحسن الخدمات العامة وبالتعافي الوطني في عام 2003، لم يبد هذا التفاؤل سوى 14 في المائة منهم في عام 2016. لكن استطلاع الرأي في عام 2025 أظهر بأن 52 في المائة من المواطنين قد عبروا عن قناعتهم بأن بلادهم تسير في الاتجاه الصحيح، مما يمثل علامة فارقة رمزية.
كما وجد الاستطلاع بأن 45 في المائة من الشعب لا يثق بالحكومة الحالية، وهي نسبة شبه ثابتة رغم أنها شهدت شيئًا من التراجع مؤخرًا مما يؤشر تحسنًا مقارنةً بمستوى الثقة العامة قبل بضع سنوات فقط. واستدركت كاتبتا التقرير بالقول بأن هذا التحسن في التصور العام لا يشير إلى حل كامل لتحديات العراق، فلا يزال الفساد وبطالة الشباب والقضايا الاقتصادية الهيكلية تُثقل كاهل الرأي العام. ولكن في بلد طالما اتسم بعدم الاستقرار، فإن الثقة المتزايدة في المؤسسات قد يشير إلى نقطة تحول بطيئة وذات مغزى.