اخر الاخبار

برغم مرور أكثر من عقدين على سقوط النظام الدكتاتوري السابق، لا تزال مؤسسات الدولة العراقية، وعلى رأسها الأجهزة الأمنية، عاجزة عن التخلص من إرث الاستبداد وأساليبه القمعية.

فبدلاً من أن تكون أداة لحماية المواطنين وصون كرامتهم، ما زالت تتورط بانتهاكات جسيمة تمسّ حقوق الإنسان وتهدد المسار الديمقراطي في البلاد.

وكانت قوات الأمن في محافظة ذي قار قد اعتدت، قبل ايام، على المتظاهرين التربويين السلميين في أثناء احتجاجاتهم على إهمال حقوق هذه الشريحة المهمة في المجتمع. كما توجهت قوات حفظ النظام في محافظة بابل إلى اعتقال عدد من المتظاهرين والناشطين، إثر رفع دعوى قضائية من نائبة في المحافظة. وبشكل يومي، ترافق تلك الانتهاكات والاعتداءات المحتجين في عموم مناطق ومحافظات البلاد، من دون ان تحرك السلطات ساكنا لحفظ كرامة الناس وصون الحريات العامة وحقوق الإنسان.

وفي ظل هذا الواقع وتراجع الحقوق والحريات، يدعو مراقبون ومعنيون، الى إصلاح المؤسسة الأمنية وتخليصها من عقيدة العنف والتسلط، وتحويلها إلى جهاز مدني ملتزم بالقانون ويحترم الكرامة الإنسانية.

ما جذور هذا السلوك؟

في هذا الصدد، قال رئيس مؤسسة “حق” لحقوق الإنسان، عمر العلواني، إن “الأجهزة الأمنية في العراق تمارس مهامها دون وجود تدابير حقيقية تمنعها من تجاوز القانون، وهو ما يفسر تكرار حالات التعذيب والانتهاكات بحق المواطنين، سواء أثناء تنفيذ الواجب أو خارجه”.

وأضاف، "اننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى تغيير العقلية الأمنية السائدة، ويجب أن تخضع الأجهزة الأمنية للقانون من خلال إجراءات وتدابير توعوية مستمرة، تعرّف رجل الأمن بمهامه ضمن إطار القانون، لكن ما يحدث في الواقع هو العكس تماماً، إذ يجري التعاطي مع الأحداث غالباً بطريقة عسكرية بعيدة عن النهج القانوني”.

وأشار  العلواني في حديث مع "طريق الشعب"، إلى أن “تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان في مراحل التنشئة الأولى والتدريبات الأمنية ما زال غير كافٍ، فحقوق الإنسان ليست مادة شكلية تضاف إلى المنهج وتنتهي، بل هي منظومة يجب على الدولة رعايتها وتوسيعها وتعميمها، والاهم ان يكون هناك إيمان حقيقي بها”.

ورأى أن “السلوك الأمني الحالي هو انعكاس لسلطة سياسية لا تؤمن بحقوق الإنسان ولا بالديمقراطية، وهذا يظهر بوضوح في سلوك بعض عناصر الأمن وطريقة تعاملهم مع الاحتجاجات، التي تواجه غالباً بالقمع أو باستخدام القوة المفرطة، بغض النظر عن مدى سلميتها”.

وبيّن أن “القانون يجيز استخدام القوة فقط في حالات ضيقة جداً، عندما تخرج التظاهرات عن سلميتها، وهناك توجيهات ومبادئ واضحة في هذا الصدد، لكن ما يحصل على أرض الواقع يناقض ذلك تماماً، ما يفرض على الدولة أن تعي خطورة هذا النهج”.

وختم العلواني حديثه قائلاً: ان “هذه الممارسات من شأنها أن تفضي إلى ضياع الحقوق، وإضعاف القانون، وتقويض ثقة المواطنين بالمؤسسة الأمنية، وانعدام إيمانهم بسيادة القانون، وهو ما نلاحظه بشكل واضح في العديد من الأحداث الأخيرة التي شهدت انتهاكاً للكرامة وتجاوزاً على الحقوق”

الدولة لم تستوعب الديمقراطية بعد!

من جهته، أكد الناشط الحقوقي زين العابدين البصري أن مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الأجهزة الأمنية، لم تستوعب بعد مبادئ الديمقراطية، رغم مرور أكثر من عقدين على التغيير السياسي في العراق.

وقال إن “22 عاماً على التغيير كان ينبغي أن تكون كافية لترسيخ مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء مؤسسات تحترم المواطن وتصون كرامته، لكن الواقع يشير إلى العكس تماماً”.

واوضح البصري في حديث لـ "طريق الشعب" ان “الأخطر من ذلك أن الدولة، خصوصاً الأجهزة الأمنية، ما زالت تعتمد على قوانين وُضعت في عهد النظام السابق، وتتبع ذات الأساليب والأفكار التي كان يتعامل بها حزب البعث مع الفرد العراقي، وكأن شيئاً لم يتغير”.

ولفت أن “غرف التحقيق والسجون ومراكز التوقيف ما تزال تشهد ممارسات وانتهاكات جسيمة تصل إلى حد التعذيب، وهو ما وثقته تقارير رسمية صادرة عن مؤسسات معنية بحقوق الإنسان، وفي كثير من الحالات تسببت هذه الانتهاكات بوفاة الضحايا”.

وأشار إلى أن “استمرار هذا النهج لا يمكن فهمه إلا من خلال طبيعة الطبقة السياسية التي تسلمت السلطة بعد عام 2003، والتي لا تؤمن فعلياً بالديمقراطية ولا بالتعامل مع المواطن بطريقة حضارية تحترم إنسانيته وحقوقه”.

وشدد على أن “هذه الانتهاكات ليست مجرد سلوك فردي لعناصر أمنية، بل تمثل انعكاساً لطبيعة السلطة التي تحكم البلاد بعقلية استبدادية، وهذا النهج يُنتج حالة من النقمة الشعبية، وقد يؤدي إلى نتائج خطيرة، من بينها فقدان الثقة بالأجهزة الأمنية وعدم احترامها من قبل المواطنين”.