اخر الاخبار

وثّق مواطنون بمنطقة الهارثة في البصرة تسرّب بقع زيتية سوداء في مياه شط العرب، ناتجة عن محطة كهرباء الهارثة. وبرغم تأكيدات الجهات الحكومية بأن المشكلة تم حلها في غضون ساعات قليلة، إلا أن المواطنين والناشطين يشيرون إلى أن التلوث لا يزال قائمًا، ويشكل تهديدًا للبيئة وصحة السكان.

سعد البصري، أحد الناشطين من المدينة، يعبّر عن قلقه العميق من الوضع الحالي، قائلا: ان "الزيت ينتشر بشكل مستمر، ما يشكل خطرا بيئيا وصحيا كبيرا على المنطقة، خاصة وأن الشط قريب من مشروع ماء البصرة الكبير".

البصري لا يكتفي بالحديث عن المشكلة بل يوجّه نداءً عاجلاً للمسؤولين: "نطالب المسؤولين والشرفاء بالتحرك السريع لمنع تكرار هذا الحادث، الذي قد يتسبب في تلوث بيئي وتفشي الأمراض في المنطقة".

وعلّقت وزارة الكهرباء قائلة: إن المياه في شط العرب "خالصة من أي تلوث"، أما شركة إنتاج الجنوب فأشارت إلى أن التسرب الذي وقع في شباط الماضي كان مجرد "تسرب طفيف في أحد أنابيب الوقود في محطة كهرباء الهارثة" الذي حدث بسبب انطفاء الكهرباء، وأن الضرر تم سحبه خلال ساعات قليلة.

لكن البصري ينفي هذه التصريحات، مشيرا إلى أن الوضع لا يزال مقلقًا للغاية. وقال: "هذا كله كذب، لأكثر من 3 أسابيع تعمل كوادر نفط البصرة وهيئة الصحة والسلامة في موقع العمل منذ حدوث التلوث"، مؤكدا أن "المفروض من محطة الهارثة بناء ساتر ترابي على حدود المحطة مع شط العرب لمنع تكرار التلوث، كما يجب حفر حفرة مبطنة لتخزين النفط في حال حدوث تسرب أو تضرر في الأنابيب".

ويوضح البصري أن الوضع في الزبير والمحطة القريبة من المفتية لا يختلف كثيرًا، حيث المشاعل تواصل نشر الملوثات على مدار الساعة من دون أي حل جدي.

ويتساءل البصري: "هل يعقل أن وزير الكهرباء لا يرى هذا التلوث المستمر؟ ففي الصيف، مع انقطاع الكهرباء، لا يمكنك الخروج بسبب الدخان الناتج عن هذه الشعلة"، مطالبا بتدخل جهات دولية لحل المشكلة وفحص المياه.

فضلات وسوائل ملوثة

ويذكر مصدر حكومي في محافظة البصرة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن محطة كهرباء الهارثة تقع ضمن القاطع الزراعي الخاضع لإشراف مديرية الزراعة منطقة الهارثة، مشيراً إلى أن هناك وحدة بيئية تابعة للقاطع، معنية برصد التلوث ورفع تقارير شهرية إلى مديرية زراعة البصرة، والتي بدورها ترفعها إلى الجهات المعنية والمختصة.

يقول المصدر لـ "طريق الشعب"، إنّ "من أبرز مصادر التلوث الحالية هو محطات توليد الطاقة الكهربائية، لا سيما المحطات التي تعمل على الطاقة الحرارية، إذ تعتمد في تشغيلها على كميات كبيرة من المياه، وتفرز فضلات وسوائل ملوثة يتم تصريفها مباشرة في مجرى شط العرب، ما يفاقم من أزمة التلوث البيئي في النهر".

ويضيف، أن "هذا التلوث المستمر يشكل خطراً على البيئة الزراعية والمائية، ويؤثر سلباً على جودة المياه وصحة المواطنين في المناطق المجاورة".

غياب المعالجات الفعلية

يقول د. جاسم المالكي، الاستشاري في نقابة المهندسين الزراعيين بالبصرة، أن تلوث شط العرب ليس بالأمر الجديد، بل هو نتيجة تراكمات مستمرة منذ عقود، مشيراً إلى أن الأزمة تفاقمت بسبب تعدد مصادر التلوث، وغياب المعالجات الفعلية.

ويضيف المالكي لـ "طريق الشعب"، أن "الموقع الجغرافي لشط العرب، كونه في ذنائب نهري دجلة والفرات، جعله مصباً لكافة الملوثات القادمة من المحافظات الشمالية والوسطى والجنوبية، ما أدى إلى تراكمها في مجرى النهر بسبب قلة التصريف المائي وعجز النهر عن دفع هذه الملوثات باتجاه الخليج العربي".

ويشير الى انه "من بين أخطر العوامل المؤثرة أيضاً، هو توغل اللسان الملحي القادم من الخليج العربي، نتيجة لانخفاض مناسيب المياه في شط العرب، حيث يتناسب هذا التوغل عكسياً مع كمية التصريف، فكلما قلت المياه، ازداد توغل الملوحة، وهو ما تسبب بكوارث بيئية، مثل نفوق العديد من أنواع الأسماك العذبة وتراجع التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى تأثيره الكبير على الزراعة، خاصة في مناطق الفاو والسيبة وأبو الخصيب وشرق البصرة".

ويلاحظ المالكي، أن "من بين مصادر التلوث الأخرى، مياه الصرف الصحي غير المعالجة التي تُلقى مباشرة في شط العرب أو من خلال الأنهار الفرعية، والتي تحوّلت إلى مكبات للملوثات. كما أن مياه البزل الزراعي من المناطق القريبة من النهر تُسهم أيضاً في تلوثه، في ظل غياب منظومة تصريف مناسبة، ما يؤدي إلى تراكم الأملاح وازدياد التلوث عند حدوث المد العالي".

ويعتبر أن "محطات إنتاج الطاقة الكهربائية في البصرة، مثل محطة الهارثة، تشكل مصدراً إضافياً للتلوث، حيث تتسرب أثناء عمليات الصيانة كميات من المياه الصناعية المحملة بالملوثات النفطية والمواد الكيميائية إلى مجرى النهر، ما يؤدي إلى ظهور بقع زيتية كما حدث مؤخراً قرب محطة الهارثة، والتي أثرت سلباً على الحياة المائية وعمليات الصيد، وتسببت في وقف أنشطة الصيادين لفترة من الزمن".

ويختتم المالكي بالتأكيد على "ضرورة وضع حلول حقيقية وعاجلة لمعالجة هذه الملوثات، خاصة أن لها آثاراً مباشرة على صحة الإنسان، من خلال تأثيرها على محطات سحب وتحلية المياه التي تعتمد على مياه شط العرب لتوفير مياه الشرب للمواطنين".

يؤثر على الثروة السمكية

وقالت لجنة الزراعة والمياه النيابية في بيان تابعته "طريق الشعب"، أن "هذا التلوث يشكّل تهديداً مباشراً للبيئة المائية والصحة العامة، ويؤثر سلباً على الثروة السمكية ومصادر المياه المستخدمة من قبل المواطنين". وتعد اللجنة ذلك "مخالفة لقانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009، وكذلك مخالفة للمادة 33 أولاً وثانياً من الدستور العراقي، التي تؤكد وبشكل واضح على ضمان السلامة البيئية وحماية التنوع البيئي، ما يستوجب تحركاً فورياً من الجهات المختصة".

وأكدت اللجنة، أن "حماية البيئة والحفاظ على الموارد المائية مسؤولية وطنية وأخلاقية". وأشارت إلى، أنها "تعلن اتخاذ الإجراءات اللازمة بشكل عاجل، حيث سيتم إرسال كتاب رسمي إلى مكتب رئيس الوزراء، ووزارة البيئة، ووزارة الموارد المائية، ووزارة الكهرباء، بالإضافة إلى محافظة البصرة، لمطالبتهم باتخاذ التدابير الفورية لمعالجة هذا التلوث ومحاسبة الجهات المقصرة".

عرض مقالات: