اخر الاخبار

برغم مرور عقدين وأكثر على سقوط النظام الدكتاتوري في 2003، لا تزال منظومة الحكم التي تسيطر على العملية السياسية، تحرص على تكريس نظام المحاصصة المشوه وتغليب الهويات الطائفية على الوطنية الجامعة، وذلك على حساب الحريات والحقوق العامة، الامر الذي يضع الكثير من القوى الوطنية أمام تحد كبير لإحداث التغيير الشامل، وصون تلك الحقوق والحريات.

لهذا وقفنا ضد الحرب!

سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، يرى أن تاريخ 2006 في العراق كان مفصلياً حيث بدأت المحاصصة تتبلور بشكل واضح في السلطة، مشيرا إلى ضرورة تجميع القوى المجتمعية الساخطة، لإحداث التغيير المطلوب.

وقال فهمي لـ"طريق الشعب"، انه "منذ زمن المعارضة كنا ننبه الى ان التدخل الخارجي وتغيير النظام عن طريق الحرب ليس بالضرورة ان يأتي بالديمقراطية كما نتطلع اليها"، مشيرا الى ان "بيان الحزب قبيل الحرب نوّه بهذا الأمر، كون الجهة المحتلة لديها أولويات ومصالح تؤثر على مسار الاحداث. وفي نفس الوقت كان هناك جدل في داخل المعارضة بشأن تغيير النظام الدكتاتوري، وما اذا كان بالإمكان الاعتماد على العوامل الداخلية بتضامن وإسناد ودعم خارجي، لأن هذا التغيير لا يمكن أن يحدث بواسطة عوامل داخلية خالصة، فالنظام صعب ودكتاتوري، ولا يتورع عن استخدام كل وسائل البطش، وبالتالي لا يمكن تغييره إلا بقوى خارجية. وهذا ما حصل، لكننا وقفنا ضد الحرب وكل اشكال التدخل".

وأضاف، انه "حين حدث السقوط ولاحقا الاحتلال، كان الشعور مزدوجا لدى الناس. التخلص من الدكتاتورية ولكن في نفس الوقت جاء باحتلال، ومحصلة هذين البعدين عشنا تداعياتها بين اعلان الاحتلال وانطلاق العملية السياسية، والآمال كانت معقودة فعلا على عراق ديمقراطي حقيقي يسير على طريق الاستقرار والتنمية الاقتصادية، ولكن حين انطلقت العملية السياسية ـ وليس ببعيد عن مواقف الأحزاب الطائفية سواء السياسية أو القومية ـ اصبح هذا التصنيف المكوناتي وبدأت العملية السياسية على أساس الاحتواءات الطائفية والقومية، ولاحقا في عام 2006 بدأت المحاصصة بمعناها الأكثر تبلورا للسلطة، وهنا بدأ جذر الفساد والفشل".

نظام ينتج الأزمات!

وتابع الرفيق فهمي، ان "العملية السياسية وكل ما ترتب عليها من تطورات سياسية وعملية بناء الدولة الذي اثبت انه فاشل وما رافقه من فساد وعدم توازن وتدخلات خارجية، كل ذلك مرتبط بالأداء المذكور سابقا، وبالتدريج بدأت الآمال المعقودة على تغيير النظام السابق تخبو، وجاءت مرحلة الحرب الطائفية، وصار هذا الاستقطاب، وانتشر الفساد، وبدأت الفجوة تكبر بالتدريج بين التمثيل السياسي ومؤسساته وما بين الجمهور. وهنا يطرح السؤال، هل كان هذا التطور حتميا؟ نعتقد انه لم يكن حتميا لذلك في فترة دخولنا الى مجلس الحكم ومشاركتنا في الحكومة اعتبرنا الموضوع نوعا من الصراع الذي نخوضه لتصويب المسارات، ووضعها في المسار الصحيح نحو دولة مواطنة حقيقية، تؤمّن التمثيل الحقيقي للأطياف المختلفة، وبشكل خاص القضية القومية في اطارها الاتحادي. لكن في النهاية ترسخ نهج المحاصصة من خلال جملة عوامل، وترسخت اثاره وتوسعت، لذلك اتخذنا موقفا بالابتعاد عن المواقع التنفيذية كوننا لاحظنا بالممارسة انه مع هذا النظام والمصالح التي تقف وراءه، اصبح من المتعذر تغييره من الداخل".

إعادة انتاج منظومة الحكم

وأشار فهمي الى ان "الديمقراطية اختزلت بالعملية الانتخابية وهي بحد ذاتها عرجاء ويشوبها الخلل على صعيد القانون وعدم تطبيق قانون الأحزاب ومدى استقلالية المفوضية ونوعية الاشراف وآلياته، وعمليات التزوير التي بدأت حتى الأحزاب الحاكمة تعترف بها. وهذه العملية الانتخابية التي أصبحت الركن الأساسي للديمقراطية، أصبحت ـ هي الاخرى ـ وسيلة لإعادة إنتاج المنظومة الحاكمة، وليس للتداول السلمي الحقيقي للسلطة، وهذا ما يفسر عزوف الناس عن الانتخابات".

وواصل فهمي حديثه انه "هنا يُطرح سؤال عن كيفية تصويب الأمور؟ لذلك طرحنا مشروع التغيير وهو محصلة لهذه التطورات، واستنتاج أن هذه المنظومة عاجزة عن إجراء الإصلاحات الحقيقية، كونها دائما تتحرك ضمن منطق المحاصصة، وضمن آليات المحاصصة، وحتى مع مجيء وزارة تريد تحقيق شيء، فان أحكام المحاصصة سوف تقيدها وتفرض منطقها. وهذا الأمر ينطبق على كل الوزارات سابقا وحاليا. ولهذا نتحدث عن ضرورة تغيير المسارات، والتغيير المطلوب هو الانتقال من نظام المحاصصة الى منطقة أقرب للمواطنة، من دون الاخلال بمسألة التمثيل. فالتمثيل الذي نتحدث عنه يخص بناء الدولة. وان الانتقال نحو المواطنة يرتبط بالإصلاح الديمقراطي الحقيقي للمؤسسات، لكن عملية بناء المؤسسات غائبة اليوم، كون ما يجري اليوم هو ـ عمليا ـ التفاف على الدستور. ومن يحمل الدستور هذه الإشكالات نعتقد أنه مخطئ. نعم، لأن الدستور فيه فقرات ومواد ومقدمة مبنية ومشجعة على موضوعة المكونات، لكن لاحظنا على مدى سنوات ان التوافقات حلت محل المواد الدستورية، وهذه التوافقات هي عبارة عن تقاسم المصالح والمنافع في الدولة".

المتضررون من النظام وفرض الإرادة!

وأوضح فهمي، ان "الازمات لا يجري حلها وانما تسكينها واطفاؤها لفترة معينة، فنحن نعيش في حالة صراع مستمر لإطفاء الحرائق وليس إنهاءها. ونلاحظ أن العلاقة الإشكالية مع إقليم كردستان تتراجع في كل سنة. كذلك على صعيد الفساد والموازنة، وبالتالي التغيير المطلوب مرهون بتغيير موازين القوى، كما يحتاج الى قوة تستطيع التغلب على منظومة المصالح المسنودة من القوى التنفيذية وقوة المال والسياسة. وندرك أن هذا أمر صعب. لذلك نحن نتحدث عن تجميع الأوساط الاجتماعية الواسعة المتضررة من هذا النظام وتحويل التذمر والاستياء الى قوة سياسية، وهذا فيه عمل كثير. وهذه القوة كامنة في المجتمع، والدليل ما رأيناه في انتفاضة تشرين. واليوم أيضا تظهر هذه القوة من خلال حراك المعلمين وسبقه حراك الممرضين، وهذه قوة هائلة، فهي من يستطيع التغيير، لاسيما إذا أخذنا شعار تعديل سلم الرواتب. هذا الأمر لن يتغير وهناك منظومة مصالح تريد الإبقاء على منافعها. لكن حين تأتي هبّة شعبية بهذه القوة، تستطيع فرض ارادتها".

وأشار فهمي الى انه "في حديثنا عن تغيير موازين القوى نستند أيضا الى ان هذه القوة المجتمعية الكامنة والمتضررة والتي تواجه ظروفا اجتماعية وأمنية صعبة، ونعيش الان مع حالات امنية من بينها ما حصل مع المهندس الشاب بشير، فهذه مظاهر كشفت، بينما هناك العديد من هذه الحالات داخل السجون تجري طمطمتها. صحيح انه لا توجد مفخخات وظواهر صارخة، لكن في مفردات الوضع الأمني هناك مشاكل. وهذا يتبين من المطالبات بالحماية من قبل المعلمين والتمريضيين والأطباء والمحامين وغيرهم. فكيف يجري الحديث عن الامن وهذه الشرائح بالملايين تطالب بقوانين لحمايتها؟ والمواطن ـ الى حد كبير ـ يشعر بأنه مكشوف امام الضغوطات".

التغيير الذي نتطلع اليه

وواصل فهمي: "نتحدث الان عن التغيير على صعيد وجهة البلد سواء في بناء الدولة وبناء الاقتصاد، وما يحصل اليوم هو ان هذا المسار الحالي بدأ يصطدم بمعوقات كبيرة يجعل من الصعب الاستمرار بها، بما فيها الدولي والإقليمي، فالضغط الدولي ليس بالضرورة يدفع باتجاه التغيير الذي نتطلع اليه، إنما لديه أهداف عسكرية، فضلا عن طبيعة العلاقة مع ايران، لكن هذه البنود بالذات ستؤدي الى تداعيات على المنظومة الحاكمة وتهز مرتكزاتها، وهذا يشعرهم بقلق ويؤثر على موازين القوى الداخلية. والجانب الآخر أن الوضع الاقتصادي وطريقة معالجته يؤديان الى تأثر شرائح كبيرة بما فيها الشرائح الوسطى التي بدأت أوضاعها تنحسر وتتراجع وتجد صعوبة في تأمين احتياجاتها. وهناك شرائح كثيرة بعد إحداث المعلمين والممرضين سترتفع مطالبها. وهذه المطالب لها عواقب مالية، إذا ما وافقت الحكومة على إعادة هيكلة الموازنة وإحداث تغيير. وهنا يتبيّن أن الحديث عن استقرار في البلد أما خداع للنفس أو خداع للآخرين. لكن واقع الأمر ان هناك عناصر أزمة حقيقية ستزداد في المستقبل". وأوضح الرفيق فهمي، ان "الانتخابات الآن بحد ذاتها أصبحت موضوع صراع، في ظل اعتماد نفس الآليات، بينما الأحزاب المتنفذة ذاتها تتحدث عن استغلال النفوذ ـ بمعنى إعادة إنتاج نفس الوضع ونفس الأزمة، وهي يجب ان تكون اقرب لأن تعكس آراء المواطنين. لذلك نقول إنّ العراق مقبل ـ نتيجة التحديات الخارجية والمشاكل الداخلية ـ على التغيير، وليس التغيير الشكلي واطفاء الحرائق، انما هناك تحركات بسبب غياب العدالة الاجتماعية واصبح الثراء انفجاريا في بعض الأقطاب مقابل شرائح واسعة يتدهور وضعها".

وأنهى الرفيق فهمي حديثه بالقول: "اننا لا نريد أن نضع صورة سوداء، فالشعب يمتلك طاقات ويستطيع المساهمة في التغيير من خلال تحديد خياراته، وأن القوى الواعية يفترض بها ان تلعب دورا في تنظيم الاحتجاجات والاستياء والضغط أيضا، من اجل تعديل الآليات، وهي كلها جزء من عملية التغيير".

ديمقراطية شكلية!

من جهته، قال الأكاديمي والمحلل السياسي، د. غالب الدعمي، إن "اختلاف النظام الحالي عن السابق، هو أن المواطن يستطيع انتقاد النظام الحالي والنفاذ بنفسه دون التعرض لعقوبات تصل الى الإعدام والتنكيل، لكن الديمقراطية التي وصلتنا مشوشة، وتحول مركز القرار من شخص واحد وتوزع على مجموعة بيوتات وعوائل ومافيات سياسية ومالية واقتصادية".

وأضاف، ان "هذه سمة هي النظام الحالي، ولا يمكن أن نطلق عليه أنه نظام ديمقراطي مع أن آلياته ديمقراطية ولكن تطبيقاته على أرض الواقع تؤكد إننا لسنا في نظام ديمقراطي، وإنما شكل لهذا النظام؛ فالانتخابات لا تفضي إلى خيار الشعب، وإنما من يمارسون الاقتراع اغلبهم ينتمون إلى أحزاب، وهو جمهور منتفع. أما الجمهور الآخر فقد أصابته خيبة وابتعد عن المشاركة، وهذا لا يعني انه جمهور إيجابي، بل على العكس، اذ تحول الى جمهور سلبي، لأنه تخلى عن وضعه، وتخلى عن إرادته، وتخلى عن طموحاته وسلمها لجمهور مصلحي تابع لهذه الأحزاب".

تقويض السلاح والمافيات

وخلص الدعمي الى انه "من دون تقويض سلطة الزعامات السياسية ومن دون تقويض سلطة السلاح والمافيات المالية لن ينهض العراق"، مبينا انه "من أجل أن ينهض البلد نحتاج إلى أن يكون صوتنا عاليا أحيانا كما يقول مالكوم إكس: (على المرء أن يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد)، فإذا لم نمارس الضجيج كرأي عام وجمهور لا أعتقد أننا سنستطيع تغيير الحال، وسيبقى هؤلاء قابعون على صدورنا بفضل مالهم وسلاحهم".

عرض مقالات: