اخر الاخبار

اقامت محلية الحزب الشيوعي العراقي في محافظة النجف، أول أمس الثلاثاء، ندوة حوارية ضيفت فيها سكرتير اللجنة المركزية للحزب الرفيق رائد فهمي للحديث عن "ضرورة التغيير.. المشروع والمضمون"، بحضور جمع غفير من نخب واكاديميي المحافظة.

الندوة ادارها الأكاديمي والكاتب د. فارس حرام، عقدت في منزل الشخصية الديمقراطية والاجتماعية نجاح سميسم، وقد شهدت طرح عدد من الأسئلة المتعلقة بالوضع الراهن.

وقال حرّام في مستهل الندوة، إنّها تأتي في سياق عراقي خاص جدا، حيث المؤشرات الخارجية والداخلية والاقليمية والدولية تشير الى أن شيئا ما سيتغير في هذا البلد، ومن ثم فهي مؤشرات تضاف الى السياق التاريخي الى هذه اللحظة منذ عام 2003، وهو سياق جرت فيه دعوات كثيرة ـ سواء كانت عبر الاحتجاجات او البيانات والمواقف السياسية والكتب المؤلفة ـ إلى أن التغيير واجب في العراق، لأن تراكمات العملية السياسية وصلت الى حد يقتضي مراجعة الأدوار السياسية، ومراجعة الدستور والأعراف الدستورية.

وطرح حرام أول أسئلة الندوة بالقول: "أي تغيير نريد؟ التغيير الكلي ام الجزئي؟ الدستوري ام غير الدستوري؟".

وبدأ فهمي حديثه ردا على السؤال باستفاضة، قائلا: ان "الظرف الحالي يتميز عن الفترات السابقة، والحديث عن التغيير والإصلاح يكتسب معنى معينا في هذه اللحظة التاريخية، وهي لحظة سياسية وتاريخية تتميز عما كان سابقا، نتيجة التطورات التي شهدتها المنطقة والإدارة الامريكية الجديدة. ومن الواضح ان هناك مخططات وتصورات عن تغيير الخارطة وشرق أوسط جديد وتحالفات جديدة ومعادلات دولية بدأت تنقلب، وهذه الأمور لها تداعيات وارتدادات لا بد ان تشمل العراق، لاسيما ان ما يطرح الان يراد منه إجراء تغييرات، ومعروف ان العراق يقع في وسط معادلة النزاع بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل".

التغيير شأن داخلي

وأوضح فهمي، ان "الحزب الشيوعي طرح شعار التغيير في برنامجه المركزي منذ عام 2016، إذ أننا نرى ان العملية السياسية حين انطلقت كانت تحمل اسسا تنطوي على بذور الازمة في قضية المحاصصة الطائفية والتأصيل النظري لها بما يسمى الديمقراطية التوافقية وفيها مبرر وارد، كون العراق متعدد القوميات والأديان والمذاهب والعلاقات بين هذه المكونات، وهذا فيه شيء من التوتر والاقصاء وغيرها من الممارسات، وبالتالي كان ينظر الى ضرورة تمثيل كل هذه الاطياف وان تشترك في ظل ديمقراطية توافقية لأجل ان نؤمن التعايش السلمي".

وواصل الرفيق فهمي، ان "القوى في المعارضة هي من مثلت المكونات والاطياف في العملية السياسية، ولم تكن هناك انتخابات، انما جرى تقسيم المجتمع على أساس مكوناتي، وبعدها تشكلت حكومة، وجرى تكريس نفوذ كل طيف من هذه الاطياف، عبر توظيف امتيازات السلطة، فأصبحت الدولة هي ميدان الصراع حول زيادة الحصص، وبالتالي بقيت حالة الصراع مستمرة. وفي نفس الوقت تحصل توافقات لحل الإشكالات، وهذه التوافقات في الغالب تكون سياسية وليست مؤسسية ودستورية".

وأشار فهمي الى أن استخدام الدولة ومنافعها، ولاسيما موارد النفط، وتعزيز امتيازات قوى السلطة عبر الرواتب والعقود وغيرها، والتي تحولت لاحقا الى فساد اداري، كل ذلك كانت من محصلته انتاج دولة ضعيفة بنيويا، وغير قادرة على ان ترسم رؤى موحدة ومشتركة"، مضيفا ان "كل طرف من هذه الأطراف ينظر للدولة من خلال حصته داخلها، ومعادلة كل طرف هي تعظيم النفوذ. وبالتأكيد هذا الجو تنتج صراعات وتنعدم الرؤية المشتركة، لان كل طرف يبحث عن زيادة وزنه، حتى صارت هناك عملية ترهل في جسد الدولة، وقد تمثلت بزيادة حجمها من 1.5 مليون موظف الى 4 ملايين موظف، ومعها غابت الكفاءة والنزاهة، وصارت البنية الإدارية مفككة من خلال معادلة هذا الوزير شيعي، وذاك الوكيل سني، والآخر كردي، فضلا عن كونهم من هذا الحزب او ذاك. وبالتالي فإن هذه البنية من غير الممكن ان تتحقق دولة قوية ومتماسكة، بحيث يستعصي علينا ان نحدد من هو العدو والصديق".

لا نعرف الصديق من العدو!

وأكمل فهمي حديثه بالقول: "الآن لا نعرف هل تركيا عدو ام صديق؟ وكذلك إيران وسوريا والسعودية، وهذه الحالة تجعل الدولة ضعيفة، ودورها الخارجي يكون غير متماسك كون هناك أكثر من صوت داخل الدولة. وهذه تربة خصبة للفساد، كون هناك تضامنات ومجاميع خارج المساءلة، حيث تحول الفساد خلال هذه السنوات من مجموعة تحاول الالتفاف على المشاريع والعقود الى جزء من نسيج الدولة وبنائها، إذ أن هذه الآفة لا ترتبط اليوم بشخص فاسد أو مجموعة، بل هي جزء من بنية الدولة، وحتى العراقيين اصبحوا معتادين على ان أية معاملة لا تنجز من دون تقديم رشوة، والعقد الفلاني لا ينجز الا بإرضاء هذه الجهة التي لديها فيه حصة".

واستطرد الرفيق فهمي بالقول، ان "النفوذ الأمريكي والإيراني وغيره له امتدادات محلية وأصبح أيضا جزءا من بناء الدولة. وهذه العوامل جميعها، تفاقمت على مدى سنوات"، مردفا بأنه "في مرحلة معينة كان يمكن إصلاحها، لكن الان أصبحت قضية الإصلاح صعبة كون المصالح أصبحت كبيرة ونشأت شريحة اجتماعية نتيجة لهذا الكم الهائل من الموارد التي أصبحت تحت تصرفها، وصارت هذه الشريحة بالغة الغنى ولديها امتيازات، وهي تمتد على كل المكونات، وبالنتيجة اصبحت أزمة الدولة بنيوية".

إعادة تدوير المنظومة السياسية

ولفت فهمي الى أنّ "ما رافق الانتخابات من محددات عن طريق القانون والمفوضية وعدم تطبيق قانون الأحزاب، سمح لعملية الاقتراع بإعادة انتاج المنظومة الحاكمة، التي لم تعد - حتى الان - قادرة على تحقيق الانتقال بالسلطة وتغيير الاشكال والشخوص والأحزاب، وإذا ما شبهنا الحكومة والنظام بالعجلة فهناك مشكلة بالعجلة، في حين التنافس يجري على من يقود العجلة مع إبقاء نفس العجلة، وهذا يعني الإبقاء على المشاكل ذاتها".

وأكد ان "التغيير المطلوب هو تغيير جوهري وليس تغيير اشخاص، كون العملية السياسية قائمة على نهج المحاصصة"، في حين ان التغيير المطلوب هو "التوجه نحو دولة المواطنة التي تستوعب التنوع وتثبت حق جميع الاطياف في ان يكون تمثيلها محترما، وهذه ممكنة في إطار المواطنة وليس المحاصصة".

اشتراطات التغيير السلمي

وواصل القول: "نفضل ان يكون التغيير سلميا"، مردفا ان هذا "يشترط منظومة انتخابية تعكس فعلا اراء المواطنين والرأي العام. والمطلب الرئيس هو ان هذه الانتخابات بمنظومتها من القانون والآليات وتطبيق قانون الأحزاب وباقي الإجراءات ينبغي ان تطور وتصلح لأجل ان تكون هذه الانتخابات قادرة على عكس اراء المواطنين" مشيراً الى أن ذلك يشكل "أحد ميادين الصراع، لكننا نعرف جيدا ان القوى ذات المصلحة بالإبقاء على النظام الراهن بخصائصه لا يمكن ان تتخلى عن امتيازاتها".

رائد فهمي: المنظومة الحاكمة تقف على أرض مهزوزة

ونبه الرفيق فهمي الى ان "النظام الريعي وأدوات الدولة توفر قاعدة زبانية من خلال الرواتب والرعاية الاجتماعية، وهناك مشاكل كبرى، منها ان نسبة الفقر وصلت الى 17 بالمئة، بناء على تعريف دخل الفرد، وبمجرد زيادة هذا التعريف تصبح هذه النسبة اكبر من الـ17 بالمئة، حيث تجد شرائح الفئات الوسطى صعوبة في تأمين معيشتها؛ فالتعليم اصبح مكلفا والصحة مكلفة والكهرباء أصبحت مشكلة، وسعر الامبير في بغداد وصل الى 20 الف دينار، والسكن أيضا غير متوفر، وهذه عوامل كثيرة جدا ولا تستطيع الدولة معالجتها، كون المال العام مستباحا بشكل كبير، وهناك سوء إدارة في طريقة اختيار المسؤولين. هذه مشاكل عميقة، بدليل أن الامطار تحولت الى كارثة".

الانتخابات معركة سياسية

ولفت فهمي الى انه "اذا كان الدخل مرتفعا بعض الشيء ونقدم أموالا للرعاية فكيف بيوم غد مع مؤشرات تراجع أسعار النفط الذي وصل الى 69 دولارا للبرميل بينما مثبت في الموازنة على سعر 80 دولارا للبرميل، فمع هذا الرقم يكون لدينا عجز مالي كبير. ونلاحظ ان هناك مشاكلَ بنيوية تستفحل باستمرار، والضغط الشعبي قائم، ليس عن طريق الاحتجاجات فحسب، انما هناك عدم رضا وعزوف. لذلك نؤكد ونكرر ان المطلوب هو تغيير موازين القوى بالاستفادة من الوسائل السلمية والضغط الشعبي".

ونوّه فهمي بانه "رغم كل ملاحظاتنا على قانون الانتخابات، لكننا سنخوضها كجزء من معركة سياسية تستهدف التوعية والوصول للناس. المهم ان يستمر الضغط الشعبي، وتفعيل النقابات والجمعيات وباقي الاطر التنظيمية للمجتمع".

ورأى انه "عندما تصطدم هذه العوامل بمصاعب الحياة فإنها تشكل عناصر ضغط، وهي اقوى من كل العوامل الأخرى، وقد رأيناها في تشرين؛ حيث استسلمت الدولة للضغط الشعبي، والسلاح ليس بالضرورة يكون قويا، واليد التي تمسك بالسلاح هي من تفشل، وهذه الحقيقة يؤكدها تاريخ الشعوب".

وخلص الرفيق فهمي الى ان "اللحظة السياسية الحالية تختلف عن السابق، حيث فيها جملة من العوامل الضاغطة. كما ان المنظومة الحاكمة لا تمتلك إجابات، انما تحاول التعامل بردود فعل لتلافي الضربات وعمقها، لكن تبقى ارضيتها تهتز، وهذا يشكّل تخلخلاً في المنظومة الحاكمة. بينما القوى الأخرى التي تمتلك رؤية، ستكون هذه فرصتها، إذ عليها ان تقدم تصوراتها لمشروع فيه بنود واقعية قابلة للتحقيق، وان تسند بإرادة شعبية كبيرة، وفي هذه اللحظة هكذا مشروع له وزن يختلف عما كان في السابق، واذا نجح فسيكون عاملا مهما في الحياة السياسية".

عرض مقالات: